المصمّم العالمي اللبنانيّ ELIE SAAB إيلي صعب 'عندما تلهمني نساء مخيّلتي'

إيلي صعب, Elie Saab, فستان, فساتين الزفاف

29 أبريل 2013

مصمّم الأزياء اللبناني الذي أصبح لاسمه صدىً عالمي، إيلي صعب، حمل لبنان في ضميره وقلبه ودار في عواصم العالم. قطف المجد ولم ينس ذلك البلد الصغير وآلامه العميقة. لذا نراه يعود إلى بيروت بين غياب وغياب، حيث تقصد داره سيّدات من العالم العربي كلّه ليحدّقن إلى أنفسهن مرتديات إبداعاته. هناك، في داره، في بيروت، التقيناه، ودار حوار رسم خلاله إشارات تدلّ العروس على الطريق الصحيح خلال رحلة تحضيرها لطلّتها ليلة زفافها. أجوبته غير نمطية تميّزها بساطة فطرية ولمعات ذكية وحادة وقاسية أحياناً بصدقها.

التقيته بعد غياب أكثر من عشر سنوات، متسائلة: هل تغيّر إيلي صعب مع الزمن والنجاح والعالميّة... أطّل بقميصه الأزرق، بأناقته وبسمته المشرقة والصادقة... وفجأة توجّه إليّ ممازحاً ضاحكاً... عندها أيقنت أنه لا يزال هو نفسه، إيلي صعب الذي اجتهد وعمل بتعب للوصول إلى ما هو عليه اليوم. الرجل الذي يحادث الجميع ويساعد كلّ من حوله متجاهلاً موقعه ووقع اسمه. إيلي صعب الذي أحبّ دائماً البساطة والعفويّة. ربّ العائلة الذي يحتضن أفرادها ويغمرهم بحنانه. المصمّم العالميّ الذي يعتزّ بأّنه لبنانيّ ويعشق بيروت بأهلها وشمسها ونمط الحياة فيها... إيلي صعب، المصمّم الذي تحلم كل إمرأة، أينما كانت في العالم، بأن ترتدي تصاميمه، رمزاً للأناقة والأنوثة...
فستان العرس من إيلي صعب  أصبح جزءاً من حلم كلّ فتاة ليلة زفافها! «لها» التقت صعب في مكتبه في بيروت، حيث تحدّث إلينا عن ذوقه بالمرأة وخاصّة العروس، وكيف ومتى تختار فستانها...

هل تتبع فساتين الزفاف خطوط الموضة كلّ موسم؟
لا، فساتين الزفاف  ليست لها موضتها كلّ موسم، لأنه إلى اليوم، أحلى فساتين الأعراس هي الفساتين التي تحافظ على الروح الكلاسيكيّة فيها. ولكن هناك عوامل أخرى تؤثّر على فساتين الأعراس وما تطلبه العرائس، عوامل مختلفة تجعل العروس تتطلّب تصاميم مختلفة كلّ فترة، مثل مشهد زفاف لممثّلة في فيلم ما، أو حسب ما ترى الفتيات حولهن... هذا ما يؤثّر عادة على ما تطلبه العروس.

كيف يمكن العروس أن تشعر بأنّها ستكون مختلفة ومميّزة ليلة زفافها؟
أفضّل ألا تركز العروس على هذه الفكرة... لا أشجعّها أبداً على الانشغال بفكرة أن تكون مختلفة. فهي بذلك تنسى ما هو أساسيّ وأهمّ، تنسى نفسها. أسعى الى أن تكون طلّة العروس رائعة، وأن تطغى شخصيّتها على فستان العرس. فشخصيّتها هي التي يجب أن تلفت الأنظار إليها، ببسمتها وطلّتها. لا أحبّ أن يطغى الفستان عليها.

كيف يمكنها أن تخطف الأنظار في زفّتها؟ 
أرى أن تحافظ على شخصيّتها وذوقها، وألا تحاول المبالغة في الماكياج والتسريحة والمجوهرات. من الأجمل أن تطلّ العروس كما يعرفها الأهل والأصدقاء ومن يحبّها. أفضّل أن تبقى على حقيقتها، فالعرس ليس حفلة تنكّرية.

هل تحبّ فساتين الأعراس الملوّنة؟
أفضّل أن يكون هناك نفحة صغيرة من درجات البيج (tan) في الفستان. فاللون الأبيض بخيل، لا يعطي قيمته. عندما ندفّئ هذا البياض، يبدو الفستان أجمل، وإن طرّزناه يبدو التطريز أجمل أيضاً. درجة الأبيض صعبة مع الإضاءة والتصوير، خاصّة إن كانت العروس سمراء وشعرها أسود وماكياجها قوي. فالأبيض الناصع لا يعطيها حقّها، ولهذا أحبّ أن يكون لون الفستان من لون بشرتها، مثل درجات مختلفة من البودرة. أنا بطبعي لا أحب التناقض في الألوان. أحبّ أن أظهر جمال المرأة ولون بشرتها ولون عينيها، فالمرأة هي الأساس وهي الأهمّ. والألوان «المكسورة» تبدو أجمل من الأبيض.

كم من الوقت تحتاج العروس لتحضير فستان زفافها؟
أربعة أو خمسة أشهر. ولكن لا ألوم الفتيات اللواتي يتحضرن أحياناً قبل سنة، فالفتاة تحلم بهذا النهار منذ طفولتها. ولكن لنقل ستّة أشهر على الأكثر!

وكيف تختار بين الطرحة والأكسسوارات أو الورود؟
الأمر يعود إلى الفستان. ولكن شخصيّاً، أحبّ الطرحة. فالعروس من دون طرحة ليست عروساً، الطرحة أساسيّة.

كيف تختار العروس الطرحة؟
إن كانت العروس تتعامل مع مصمّم أزياء، فليس عليها أن تشغل نفسها بشكل الطرحة. المصمّم نفسه سيفكّر في الأمر ويقدم لها الاقتراحات. بالنسبة إلي الطرحة والفستان يكملان بعضهما وليسا أبداً منفصلين.

كم من الوقت يتطلّب إنجاز فستان العرس؟
يصعب الإجابة عن هذا السؤال، فالأمر يعتمد على الفستان. هناك فستان قد يتمّ العمل عليه خلال شهر، وفستان يتطلّب 6 أشهر، وآخر يتطلّب تنفيذه وقتاً أطول. فساتين الأعراس في عرض الأزياء تختلف عن فستان العروس. في المجموعة، فستان العرس قد يتطلّب عمل ستّة أشهر، والتطريز والرسم عادة هما ما يتطلّب مزيداً من الوقت. ولكن للعروس تُكرّس الجهود كلها.

عندما تأتي إليك العروس، خاصّة إن كنت لا تعرفها... كيف يمكنك تحديد شخصيّتها وأن تعرف ماذا تريد لتلبّي لها طلباتها؟
يجب أن أعرف ماذا تحبّ. يمكنها أن تقوم ببعض البحوث الصغيرة عمّا يعجبها، لأعرف ما يدور في رأسها. قد يكون ما تبحث عنه غير مناسب لها، أبدي رأيي بصراحة ومن الطبيعيّ عندها أن تقدّر النصيحة وتفهم قصدي. يجب أن تعطينا العروس خيطاً لنبدأ العمل عليه. إن لم تفعل، فلدينا الصور والأقمشة وكلّ ما يساعدها على اختيار ما تريده. نحن نستمع إليها جيّداً. فستان العروس حلم يشغل الفتاة منذ طفولتها. فيجب أن أستمع إليها وأعرف ماذا تريد. وعلى هذا الأساس، أعطيها الاقتراحات. وبصراحة، لم يكن لدينا يوماً، أبداً، مشكلة مع أيّ عروس.

ما هي الأقمشة التي تفضّلها للعروس؟
في الزفاف وغيره من المناسبات، أحبّ الأقمشة الخفيفة التي يتغلغل فيها الضوء. الأقمشة الشفّافة، الأقمشة التي فيها أنوثة.

كيف يجب أن تختار العروس حذاءها؟
الحذاء لا نراه عادة، وأحبّ أن تكون العروس مرتاحة. ولكن في الوقت نفسه، أحبّ الكعب العالي، مهما كانت العروس طويلة القامة. فالعروس عندما تنتعل الكعب العالي، تختلف مشيتها وطلّتها.

بعد أن تختار العروس فستانها،  يمكن أياً من التفاصيل أو الأكسسوارات أو حتّى الورود أن يخرب طلّة الفستان، حتّى الماكياج مثلاً... فإلى أيّ حدّ تتدخّل في هذا الموضوع؟
هذا أكثر ما يشغل بالي. فالعروس يوم عرسها تكون مشغولة. لهذا أحرص دائماً على تنبيه فريق عملي، إن كان الشعر غير ملائم أو الماكياج قويّاً: الفتوا نظر  العروس. أطلب منهم دائماً أن يتقرّبوا منها ويحرصوا على دقة تفاصيل مظهرها.

هل يمكننا أن نقول إذاً أنّ العروس عند إيلي صعب لا تحصل فقط على فستان زفافها، وإنّما على «الطلّة» كلّها؟
بالطبع، وليس فقط عند إيلي صعب، بل عند أيّ مصمّم. فكلّ مصمّم يريد الطلّة كاملة. حتى ولو لم تسألنا العروس، نقول لها رأينا بطريقة سلسة، «شعرك سيليق لك بهذه الطريقة» مثلاً...

هل هناك عطر خاصّ تختاره العروس ليلة عرسها؟
العطر الذي تستخدمه عادة أو العطر الذي يحبّه زوجها... عطر العروس خاصّ جدّاً بها، والعطر أصلاً خاصّ جدّاً بكل إنسان. يتعامل معه كلّ شخص بطريقة شخصيّة.

ما هي أجمل لحظات العرس التي تحبّها شخصيّاً؟
عندما أحضر عرس أخي أو ابني أو صديقي، فطعم العرس يكون، طبعاً، مختلفاً. ولكن مهما كان العرس جميلاً، فإن كان الأشخاص فيه لا يعنون لك شيئاً سيكون مثل أيّ مناسبة يتوجّب حضورها. أمّا عندما يكون للأحباب، وأشعر بأنّ وجودي فيه أهميّة لهم، فأشعر بالسعادة، بفرحة العروسين.


إيلي صعب والمرأة

هل تفكّر في إمرأة معيّنة عندما تصمّم الفساتين؟
طبعاً! لا يمكنني تقديم مجموعة إن لم تكن هناك 6 أو 7 او 10 نساء في مخيّلتي، فإن كانت إمرأة واحدة فقط، تكون المجموعة مملّة، ولن تحبّها نساء كثيرات. فليس هناك إمرأتان متطابقتان. في كلّ مجموعة، تسكن مخيّلتي نساء مختلفات.

من هي المرأة التي ما زالت تؤثّر فيك وتجذبك؟
أحبّ أن ألتقي المرأة التي تترك عندي انطباعاً عن شخصيّة جميلة غير متكلّفة، وصادقة، فتبقى في رأسي وتؤثّر فيّ عندما أقوم بتصميم مجموعتي المقبلة مثلاً... المرأة ليست جمالا، المرأة وجود.

هل هناك إمرأة في العالم تمثّل إيلي صعب؟ ليس من الضروري أن تكون من المشاهير...
لا، ولا أؤمن بذلك. ولا مرة أحببت أن تعبّر عنّي صورة إمرأة معيّنة. حتّى في إعلانات عطر Elie Saab،  اخترنا Anja لأنّها يمكن أن تبدو عربيّة أو أوروبيّة أو أميركيّة... وليست المرأة التي تمثّل دار Elie Saab. كل يوم، يمكنك أن تلتقي إمرأة تؤثّر فيك لمدّة معيّنة، ولكن لا أؤمن بأنه يجب أن ترتبط صورة إمرأة معيّنة باسم مصمّم واحد كلّ العمر. هذا ليس في تفكيري. وأشعر بأنّه كلّ سنة، هناك إمرأة معيّنة تطبع وجودها في العالم.

ما رأيك في عمليّات التجميل؟
أنا ضدّ عمليّات التجميل.
أنا مع المرأة التي تهتمّ بنفسها عندما تتقدّم في العمر، فتقوم باللمسات التجميليّة المناسبة والخفيفة، ولكن المرأة يجب أيضاً أن تحترم كلّ خطّ من خطوط العمر على وجهها. 


إيلي صعب: مسيرة ونجاح

بدأت في بيروت، ثمّ إلى روما وبعدها باريس، ومن ثمّ العالم...
لحظة، لنصحّح... بيروت، الدول العربيّة، وبعدما «ضاقت عليّ» البلدان العربيّة، قدّمت مجموعتي في روما، وثمّ باريس...

ما هي  الأشياء التي تريد تحقيقها اليوم؟
أشعر بأنّني الآن بدأت تحقيق ما أريده... لقد تطلّب منّي مشواري الكثير من الوقت للوصول إلى هنا، ولكنّني لتوّي بدأت. فهناك أمور كثيرة أريد أن أقوم بها.

في مجالات الموضة؟
ليس بالضرورة... الطموح والرؤى تحملني بعيداً، أبعد من عالم الموضة. أحبّ أن تعرض عليّ مشاريع مختلفة لدرسها إن كانت مناسبة. أعتقد أنّني أستطيع أن أخوض أيّ تجربة.

حقّقت نفسك بنفسك دون مساعدة أحد. ما الذي ساعدك على النجاح؟
العفويّة، كما أنني أعرف ماذا أريد، أحترم المرأة وأحترم ما أقدّم لها. أعتقد أنّ أكثر ما أنجحني هو ما أقدّمه للمرأة.

ما هي النصيحة التي تقدّمها إلى الشباب المبتدئين اليوم؟
آمنوا بأفكارهم وتحلّوا بطول البال لأنّ الطريق طويلة. لا تتخلّوا عن أحلامكم.

السلطة، كيف تراها وكيف تستخدمها؟
لا أؤمن بأن الله إن أعطى أحداً النجاح والمال يجب عندها أن يمارس سلطته على الأخرين. فإن وفّقني الله، لن أستفزّّ الناس بنجاحي. مهما حقق الإنسان، يجب أن يبقى على طبيعته.

ما زلت مصرّاً على البقاء في لبنان؟
أنا سعيد بكوني أعكس صورة حلوة عن بلدي. أمور كثيرة تربطني بلبنان، أهمها أن يرتبط اسمي به، صفة «لبنانيّ» قبل اسمي أو بعده، تحمّلني مسؤوليّة كبرى... عندما ألتقي أحداً لا أعرفه، ويقول لي انني أمثّل الإبداع اللبناني، أتأثر وأشعر بمزيد من المسؤوليّة.

أنت تنصح الشباب بالتمسّك بلبنانيّتهم، ولكن في الوقت نفسه، لنكن واقعيّين، كيف يمكنهم أن يبقوا في لبنان؟ إيلي صعب لديه الإمكانات للبقاء دون مشكلة، ولكن كيف تشجّع جيل الشباب على التمسّك بلبنان؟
الموضوع إقليميّ كبير، أكبر من لبنان. أنا فخور بلبنانيّتي، وفخور بأيّ لبناني... فكلّ لبنانيّ دولة بحدّ ذاتها، كلّ لبناني في كلّ منطقة وحيّ شقّة لتأمين الحياة لأولاده.
يكفي أن يستمع اللبنانيّ إلى نشرة الأخبار كي لا يترك البيت، ومع هذا كلّه، اللبناني يعمل ويعيل أهله ويتزوّج، ويعيل أولاده، ويهتم بأخيه وأخته. شخصيّة اللبنانيّ تتغلّب على كلّ شيء، صدّقيني...

ولكن كيف يمكن أن يتشجّع الشباب للبقاء في لبنان وليس بإمكانهم أن يجدوا فرص العمل؟
هذه مشكلة قائمة في مختلف أنحاء العالم اليوم... ليست فقط محصورة في لبنان. جرّبت العيش خارج لبنان، ورأيت في إيطاليا مثلاً الإيطاليّ يعمل مثل اللبناني وأكثر بثلاث مرّات، ويمضي نهاره يكافح على الطريق، مقابل لا شيء! يجب أن تكون لدى اللبناني نية إيجاد العمل، مهما كانت طبيعته، أفضل من جلسة المقاهي وإضاعة الوقت. ولكن المخيف اليوم في لبنان والعالم كلّه، موجة جديدة، وهي «مستوى تهذيب الأولاد»... البعض يربّون أولادهم على مبدأ «ما بتعرف إنت ابن مين»؟

أنت كيف ربّيت أولادك؟
أنا قبل عشر سنوات أخرجت أولادي من هنا لهذا السبب...

كيف يحمي الأهل أولادهم من هذه «الموجة»؟
أوّلاً، يجب على الأهل أن يحموا أنفسهم. ليس من الصعب أن يعطي الأب ولده مالاً، ولكن الصعب هو أن يجعله يعرف قيمة الأشياء. هذه أسس التربية. أن يتعلم الولد أنّ هذا الشيء كلّف والده مبلغاً معيّناً. ليس أن يستدين الأب والأم ليشتريا لأولادهما ما يحلو لهم. التربية على «المادّة» بشعة جدّاً. أنا أردت لأولادي حياة طبيعيّة عاديّة، بعيدة عن المال. التهذيب والأصول أهمّ من المال.

كيف سنخرج من هذه المشكلة؟
الانفتاح السريع هو ما فعل هذا. الإنترنت، والتطور التقني السريع... والحلّ هو التوعية.

هل تواكب هذه العصريّة؟
لا أبداً. لم أتقبّل هذه التقنيّة في شكل كامل، وأشعر بأنّ هذا التطوّر يأخذ من قيمة الإنسان.

 

CREDITS

تصوير : روجيه مكرزل