أكثر أمراض الشيخوخة شيوعاً

الشيخوخة, أمراض عقلية, أمراض نفسية, أمراض / مشاكل القلب, وقاية

28 ديسمبر 2013

مع التقدّم في السن، تتبدّل حياة الإنسان، من حيث يدري أو لا يدري... إذ تبدأ معالم الشيخوخة بالظهور، سواء في الشكل أو الصحة، أو حتى نفسياً ومعنوياً. فسُنّة الحياة تقضي بأن يمرّ المرء بمختلف المراحل في حياته، من الطفولة إلى الشيخوخة.
ولكلّ مرحلة منها إيجابيات وسلبيات. إلاّ أنّه غالباً ما ترافق فترة الشيخوخة نسبة لا يُستهان بها من الأمراض التي تتدرّج من بسيطة إلى مزمنة إلى عصيبة. ويبقى الهمّ الأساسيّ هو تحسين نوعية الحياة، ومحاولة تطبيب الإنسان وليس الداء فحسب!
خصّص الطبّ قسماً لأمراض الشيخوخة هو فرع الGeriatrics الذي يُعنى بمختلف ما قد يصيب المرء عندما يبلغ مرحلة متقدّمة في العمر، بالإضافة إلى التشاور مع الإختصاصيين في حالات معيّنة.
ما هي أكثر الأمراض شيوعاً بين المسنين؟ وكيف يجب التعامل مع مَن بلغوا سناً معيّنة؟ وهل تكون العناية طبية فقط، أم تتطلّب مرافقة نفسية وإجتماعية وعائلية؟


يخاف معظم الناس عندما يتخطّون الخامسة والستين، ظناً منهم أنّ عقارب الساعة باتت تهدّد حياتهم، كونهم بلغوا مرحلة الشيخوخة، وسوف يعانون شتى المشاكل والأمراض... بيد أنّ العمر لا يرتبط إرتباطاً وثيقاً بالصحة على الدوام. فمن الممكن أن يكون المرء في سنّ متقدّمة من دون أن يعاني مضاعفات كثيرة، كما يمكن أن يكون شاباً ولكن صحته هزيلة.

هناك فرع  طبّي خاص بطبّ الشيخوخة والأمراض المتعلّقة بها بشكل عام، ليعالج المرضى ويعمل على تحسين نوعيّة حياتهم والتخفيف من وطأة المضاعفات التي قد يواجهون.

يتحدث الدكتور ناظم باسيل، إختصاصيّ في طبّ الشيخوخة Geriatrics والطبّ النفسيّ عند المسنّين والطبّ الداخلي والطبّ العام، عن أكثر الأمراض شيوعاً في مرحلة الشيخوخة، محدّداً كيفيّة المتابعة الصحيحة لمرافقة المسنّ جسدياً، نفسياً ومعنوياً، بغية الإهتمام به ككائن متكامل، وليس النظر إليه كمجرّد مريض.

كما تتناول السيدة مهى أبو شوارب، إختصاصية في علم الشيخوخة، حائزة شهادة تمريض، وشهادة في إدارة المستشفيات، وماجستير في رعاية كبار السن، ومديرة مؤسسة الإقامة الطويلة التي تهتمّ بكبار السن في بيروت، أهمّيّة إحاطة المسنّ والعناية بمطالبه، كي لا يشعر بأنه عالة أو عبء أو أنّ الأيام التي يعيشها هي مجرّد وقت ضائع لا بدّ له من نهاية.

طبّ الشيخوخة
يقول الدكتور باسيل: «طبّ الشيخوخة هو قسم من الطبّ الداخلي المتخصّص في رعاية المسنين وتطبيبهم من مختلف الأمراض والمشاكل التي قد يعانونها، مثل الخرف والنسيان والكآبة والقلق، إضافة إلى مشاكل القلب والضغط والسكري والكوليستيرول ومشاكل الكلى والرئتين، وصولاً إلى السلس البولي ومشاكل الجهاز الهضمي وهزالة العظام والضعف والوهن.
كما يتطرّق إلى العناية التلطيفيّة ومرافقة المسنّ إلى آخر العمر». فهذا الفرع من الطب يُعنى بكل المشاكل الصحية والنفسية حتى، كما قد تتمّ الإستعانة بإختصاصيّ بصر أو سمع أو أعصاب أو قلب عند الضرورة.


أكثر الأمراض شيوعاً

يلفت باسيل إلى أنّ «40 في المئة من الأمراض عند المسنين تظهر بأعراض غير إعتيادية. فتكون ردّات الفعل عليها خارجة عن المألوف، من غير معرفة السبب الحقيقي خلفها. وهذا ما يستدعي تشخيصاً طبياً».
يقول إنّه يمكن إختصار أكثر الأمراض شيوعاً عند المسنين بثمانية أقسام رئيسية تتفرّع منها مشاكل ثانوية:

أوّلاً، تبرز مشكلة الخرف التي تُقسم بدورها إلى مرض الألزهايمر، وإلى مشكلة نشاف في شرايين الرأس، أو حتى في المنطقة الأمامية من الدماغ، إضافة إلى الهلوسة وسواها.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ مشاكل الخرف لا تتعلّق بالذاكرة وحدها، كما قد يظنّ البعض، وإنما هي نقص في القدرات العقلية التي تشمل النسيان والقدرة على التحليل وحسّ التوجّه Orientation في الزمان والمكان والتفكير Abstract thinking، إضافة إلى الذاكرة.

ثانياً،  تظهر مشاكل نفسية قد لا يلحظها حتى الطبيب عند المسنّ. وهي غالباً ما تكون إما إكتئاباً Depression وإمّا قلقاً Anxiety. فالإكتئاب يتمثل بالخوف من الوحدة والمستقبل والموت، بينما يتمثل القلق بأمراض نفسجسدية Psychosomatic.
وتبرز مشكلة الأرق عند المتقدمين في السن التي يكون باطنها قلقاً فلا يتمكنون من النوم، أو إكتئاباً، فيستيقظون باكراً يومياً.

ثالثاً،  نلحظ مشكلة الضياع Confusion المختلفة عن حالة الخرف. إذ يكون المسبّب طبيّاً جسديّاً صحيّاً. فمثلاً قد يؤدي إلتهاب في البول أو هبوط السكري إلى ضياع آنيّ.

رابعاً،  يعاني المسنّ من خسارة وزن هائلة وضعف Weight Loss، لعدّة أسباب صحية، جسدية وحتى نفسية، مما ينعكس عليه سلباً، فيفقد القدرة على المشي بإستقلالية، كما يتعرّض للسقوط ولمضاعفات أخرى. وإذا خسر المسنّ 5 في المئة من وزنه، هناك إحتمال أن يموت مسنّ من أصل خمسة في غضون ستة أشهر!

خامساً،  يواجه المسنّ مشاكل سلس البول، خاصة النساء منهم. وتنقسم إلى عدّة أنواع، منها المرتبط بالمجهود والحركة، ومنها الوظيفيّ وسواه، ما يؤثر على هبوط المبولة ويؤدّي إلى إلتهابات ونفسية تعبة وملازمة البيت قسرياً.

سادساً،  تكثر مشاكل الوقوع بسبب هشاشة العظام وخسارة الوزن وقلّة الحركة.

سابعاً،  يتعرّض العظم للهشاشة مما يؤثر على القدرة على القيام بالواجبات اليومية بإستقلال، مثل الأكل والمشي واللبس والذهاب إلى المرحاض. وإذا تضاءلت القدرة على القيام بهذه الأمور بإستقلال بنحو 50 في المئة، فإنّ 50 في المئة من المسنين يموتون خلال شهر!

ثامناً،  تكثر مضافات في البصر والسمع، وتُحال هذه المشاكل على إختصاصيين في المجالين.

ونلحظ شيوع أمراض أخرى منذ سنّ الخمسين حتى، مثل مشاكل في القلب والشرايين، وإرتفاع ضغط الدم، وداء السكري، والكوليستيرول والتريغليسيريد. وهي مشاكل مرتبطة بالوراثة والجينات ومتعلّقة بنوعيّة الحياة والنظام الغذائي المعتمد والملوّثات والضغوط اليومية التي يتعرّض لها الإنسان.

عناية تلطيفية
يفسّر الدكتور باسيل أنه «إضافةً إلى الشقّ الطبّي الهادف إلى التخلّص من المرض، يضمّ فرع الGeriatrics قسماً يُعنى بالعناية التلطيفية عند المريض المسنّ، بحيث يكون الهدف هو إزالة الوجع والتخفيف من وطأة المعاناة Relief Pain & Suffering.
ويشمل التعامل مع المريض وعائلته حتى. فلا يعود الإكثار من الأدوية والعلاجات المكثفة هو الهدف، وإنما يصبح التركيز على إلغاء الوجع، ومعالجة ضيق النفس، وإزالة آلم الصدر، والإهتمام بالجهاز الهضميّ، والإنتباه إلى عدم وقوع المريض لمنع تكسّر العظام...».
وهنا يتمّ التركيز على المنحى الإجتماعيّ النفسّيPsychosocial، وعلى العلاقة مع أفراد العائلة من أولاد وأهل ومقرّبين ومحيطين. ويتمّ التركيز على منع سوء المعاملة الجسدي وخاصة النفسيّ والمعنويّ.


وقاية ضرورية

يشدّد باسيل على «ضرورة الوقاية منذ سنّ الستين، لمنع المضاعفات من التفاقم. فبالإضافةً إلى الزيارات الروتينية للطبيب والتشخيص المبكر والفحوص المخبرية الدورية، يمكن إجراء تلقيح Immunization ضدّ الإنفلوانزا وإلتهاب الرئتين وزنار النار وحتى الكزاز، حسب إرشادات الطبيب المعالج».

يضيف: «لا بدّ أيضاً من الوقاية من الأمراض السرطانية عند الرجال والنساء. إذ يجب الوقاية من سرطان البروستات عند الرجال، عبر القيام بفحص الPSA سنوياً بعد سن الخمسين. كما أنّ سرطان القولون يصيب النساء والرجال معاً، فيجب إجراء فحص براز كلّ سنة وفحص بالمنظار كلّ عشر سنوات.
ولا بدّ من خضوع السيدات لفحص القزازة سنوياً للوقاية من سرطان عنق الرحم، إضافةً إلى القيام ب Ecography وMammography للوقاية من سرطان الثدي».

ولا بدّ من إتباع روتين حياتي صحيّ ومتوازن، من حيث النظام الغذائي المعتدل كمية ونوعية، والإمتناع عن التدخين والإبتعاد عن الملوّثات، وتفادي الضغوط.

مرافقة المسنّ
تشير السيدة أبو شوارب إلى «أهمية إدراك الناس أنّ الشيخوخة مرحلة حياتية لا مفرّ منها، وهي ليس حالة مرضيّة بل مرحلة من العمر، تبدأ فيها مختلف التغيرات الفيزيولوجية والعقلية والنفسية وحتى الإجتماعية، بالظهور.
فقد يشعر المسنّ بأنّه فقد جزءاً من حياته بسبب التقاعد أو خسارة الشريك أو بُعد الأولاد أو خسارة المدخول أو فقدان الأصدقاء... مما يؤثر سلباً عليه إذا لم يكن محصّناً لتنظيم مرحلة الشيخوخة والتقدّم في العمر».
وبغية المحافظة على شيخوخة هانئة ونشيطة، ونوعية حياة جيّدة، وعلاج مناسب ومرافقة حسنة، لا بدّ من مساعدة المسنّ على التأقلم مع مختلف ما يحيط به، وذلك من خلال فريق عمل متكامل يحرص على العناية به من مختلف الأوجه.


أدوار متعدّدة الأوجه

تشرح أبو شوارب، إنطلاقاً من خبرتها الطويلة الممتدّة أكثر من عشرين سنة، في بلدان مختلفة، أنّ «دور فريق العمل المحيط بالمسنّ متنوّع، من الدور التمريضي الصحيّ الرعائي، إلى المراقبة، إلى الشق الوقائي، إلى العناية، إلى المنحى الإجتماعي، وصولاً إلى الناحية البيئية والدور النفسيّ».

تقول: «بادئ ذي بدء، لا بدّ من  التشديد على أن الممرّض المحيط بالمسنّ ليس مجرّد مرافق، بل هو حائز شهادة تمريض، ليتمكّن من تأدية مختلف المهمّات، من حيث مراقبة الوضع الصحي والنفسي، مراقبة الConstants من ضغط وسكري وسواهما، تحضير جرعات الدواء وإعطاؤها، إضافةً إلى تقويم العواقب والإنعكاسات الصحية التي قد تطرأ.
ويجب الإهتمام بالمسنّ فيزيائياً وتأمين كل إحتياجاته اليومية والعناية بحمامه وأسنانه وشعره، إضافة إلى أكله وملبسه. ويجب تأكيد أهمية تحفيزه للقيام بمختلف اموره بإستقلال، عبر تطوير قدراته وإعطائه القيمة Valorization، ليشعر بأنه لم يفقد الحرية والقدرة على التصرّف.
ويجري العمل على الشق الوقائي الذي يساعد على تدارك التداعيات قبل حدوثها، إضافةً إلى الدور العلاجي الدوائي وسواه، مثل تغيير ضمادات الجرح ومعالجة العقر».

تضيف: «يبقى أنّ المنحى الإجتماعي غاية في الأهمية، إذ نعمل على أن يظلّ المسنّ فعالاً ونشيطاً، عبر دمجه في مختلف النشاطات التي تناسب وضعه الصحي، بحيث يلتقي الأصدقاء وأفراد العائلة، لمنع التهميش الإجتماعي.
كما من المهمّ إشراكه في الحياة الإجتماعية عبر توفير مختلف الوسائل مثل الهاتف والتلفزيون وحتى الكمبيوتر ووسائل التواصل الإجتماعي التي يمكن تطويعها لخدمة المسنّ، بحيث يستطيع مكالمة احبائه المسافرين، أو التعرّف إلى أمور جديدة والبقاء في أهبة عقلية ونفسية.
أمّا من حيث المرافقة النفسية، فلا بدّ من التشديد على تعريف المسنّ على أنّ هذه المرحلة الحياتية ليست سلبية بل يجب النظر إلى الأمور بإيجابية والتشديد على المنجزات وليس الخسائر. كما يجب حض المسنين على الإستمرارية والفعالية، والمحافظة على الصورة الجيّدة.
كما من المهمّ المحافظة على حقوق المسنّ النفسية والمعنوية واحترام خصوصياته وقرارته، ليتمكّن فريق العمل كاملاً من تادية مهماته على أكمل وجه.

نصيحة
تبقى أنّ النصيحة الأهمّ التي يتوجّه بها الدكتور باسيل هي «عدم الإستخفاف بالقدرات العقلية وحتى الجسدية للمسّنّ، وإشراكه في الحياة العائلية والإجتماعية، لأنه إنسان يتمتّع بالشعور والعاطفة.
كما يجب عدم معالجة المرض فحسب، وإنما النظر إلى المريض كشخص كامل في حاجة إلى عناية واهتمام ومتابعة».