بعد مضي ثماني سنوات على إنجاب طفلي الاول جاد، ها هي أحشائي تمتعض باحثة عن بذور حياة أخرى تحيي أنوثتي من جديد، فيما لا ينفك جاد يطالب بحقّه الطبيعي بألاّ يكون «وحيداً»!

بعد حوالي سبعة أشهر من المحاولات الفاشلة، ها هي القدرة الالهية تستجيب، أخيراً، لصلوات جاد...

حاولت بداية إجراء الفحص المنزلي للحمل، لكنّي لم أحصل على نتيجة واضحة، فأجريت فحصاً مخبرياً استلزم، كي أتأكد من النتيجة، حوالي الخمس ساعات، كانت كأنها عمر بكامله...

اغرورقت عيناي بالدمع وأنا أتفحّص النتيجة: «حقاً أنا حامل» وبدأت حكايتي مع الحمل.. فوراً سارعت الى الاتصال بطبيبي، الدكتور زياد عقل، الذي وصف لي أقراصاً من الفيتامين، مع وجوب متابعة تناول أقراص حامض الفوليك «acide folique» التي كان قد طلب منّي تناولها قبل التحضير للحمل بشهرين.

فيما تقيّدت من جهتي بتعليمات الطبيب الذي نبّهني بألاّ أتناول أي دواء من دون استشارته، حرص زوجي د. جهاد وإبني جاد على توفير كل أجواء الراحة من حولي، في المنزل.

خلال الأشهر الثلاثة الاولى من الحمل، عانيت الغثيان والأرق الذي ما زال ينتابني بين الحين والآخر. عند انتهاء الشهر الثالث بدأت تظهر عليّ ملامح الحمل بوضوح فكبر حجم بطني وبدأت ألبس ملابس الحمل الفضفاضة والمريحة، مع مراعاة انتقاء أحذية ذات كعب منخفض.

زيارة الطبيب في هذه الفترة لها وقع مميّز، فإلى جانب الفحص الروتيني للضغط والوزن وسماع دقات قلب الجنين ها هو يجري أول صورة صوتية للجنين. ها هي رجل الجنين، يده، قلبه... يردّد د. زياد وهو يمرّر الآلة فوق بطني وينظر الى الشاشة الصغيرة فأوجّه نظري الى تلك الشاشة الصغيرة التي، بسرعة، تحوّلت الى بوابة عبور الى أحشائي. ارتعشت بصمت خوفاً من أن تلتقط ما أحسّه موجات الآلة الصوتية، فتفضحني أمام الطبيب، الذي بعدما طمأنني، أعطاني نسخة عن الصورة الصوتية للجنين، كما أظهرتها الآلة. لم أفهم من تلك الرسوم إلاّ ما طمأنني إليه الطبيب بأن الحمل بخير والحمد لله.

اليوم، وصلت الى الاسبوع الثامن عشر من الحمل. اجتزت مرحلة مهمة، لقد اكتمل تكوّن كلّ من الجهاز العصبي، الجهاز الهضمي والجهاز البولي عند الجنين الذي بقي في حاجة الى الصقل.

انتهت مرحلة الـ «embryologie» لتبدأ مرحلة الـ «foetus» يقول د. زياد عقل، الاختصاصي في الولادة والامراض النسائية، ويتابع: «لقد انتهى تكوّن الجنين لكنه في حاجة الى النمو»، ثم يتوجّه إليّ قائلاً: «لا يفترض أن يزيد وزنك عن ال500 غرام كحد أقصى في الاسبوع، بمعدّل 200غرام لذلك أنصحك بتناول الطعام الصحي الغنيّ بالألياف والفيتامينات والمعادن، والابتعاد عن المقالي والسكاكر والاستعاضة عنهما بالفاكهة الطبيعية، والابتعاد عن المأكولات غير المطبوخة جيداً».

أحياناً أتحسّس حركة الجنين، تذكّرني أن ثمة حياة تنمو فيّ، تشعرني بفرح عامر، وأخاف عليها لأني غير قادرة على توفير الحماية المباشرة لها. ربّي أرجوك أن يكون نمو الجنين طبيعياً. هاجسي الدائم، صبي أو بنت لا يهمّ «المهم خلقة كاملة نعمة زايدة» كما يقول المثل الشعبي الشهير.

من أكثر الأمور إزعاجاً في هذه الفترة تغيّر وضعي في النوم، لقد كبر حجم البطن وأصبح من الصعب النوم على بطني كما أن الاستلقاء على الظهر يسبب شعوراً بآلام الظهر وعسر الهضم وينصح في هذه الحالة للتخفيف من العوارض المزعجة وضع أريكة تحت الرأس وأريكة أخرى تحت الركبتين لكي يبقى الظهر مستقيماً، والاّ أتقلّب بين الجنبين.

في الاسبوع الثامن عشر بدأت متابعة دورة في «التحضير للولادة» مع القابلة القانونية ريتا الزغبي. الحلقة الاولى كانت مقدّمة عامة عن الحمل، ثم تعرّفت على الحركات الصحيحة التي ينبغي على الحامل مراعاتها في حياتها اليومية إضافة الى معرفة الرياضات المسموحة أثناء الحمل مثل المشي والسباحة.

السيدة ريتا الزغبي كانت قد رافقتني في حملي الاول وكان لها دور مهم في تسهيل الولادة، فهي كانت قد عرّفتني من خلال دورات تطبيقية منتظمة على كل التغيرات التي تعيشها الحامل أثناء كل مرحلة من حملها، كما درّبتني على الطريقة الصحيحة للتنفس خلال الحمل وأثناء الوضع مما ساعدني كثيراً، لأني تحضّرت بطريقة علمية صحيحة بعيداً عن المعتقدات الشعبية الخاطئة، على كل ما كان ينتظرني: زرت غرفة الولادة قبل الولادة، وتحضّرت من خلال دورات تطبيقية على كيفية الاعتناء بالمولود الجديد مباشرة بعد الولادة.

إستفادتي من هذه الدورة أثناء حملي الاول دفعتني الى متابعة دورة «التحضير للولادة» للمرة الثانية فلكل حمل ظروفه الخاصة، كما تجدر الاشارة الى أني نسيت بعض التفاصيل بعد مضي ثماني سنوات على إنجابي طفلي الاول.

فيزيولوجية الحمل

في الاسبوع الثامن عشر يزن الجنين حوالي 160 غراماً، قطر رأسه حوالي 4 سنتم وطول رجله حوالي 5, 2 سنتم..

لقد بدأ الجنين الحركة في السائل الامينوتيكي «liquide amniotique» واكتمل تكوين الجهاز التنفسي عنده لكن الرئتين لم تبدآ بالقيام بدورها في عملية التنفس، فالجنين يتنفس عبر دم الأم الذي يوفّر له الاوكسيجين اللازم ويخلّصه من ثاني أوكسيد الكاربون (CO2) الذي يخرجه. لذلك لا يحتاج الى الرئتين في هذا الوقت. الأذنان اكتملتا من الجهتين من الرأس واقتربت العينان من بعضهما وأضحت شبكة العين حساسة على الضوء، فلو كان الجنين فاتحاً عينيه لتمكّن من النظر. جسم الجنين أضحى محاطاً بطبقة رقيقة كالحرير.

أسبوع آخر أطويه من روزنامة حملي، مزاج مضطرب، توتر، دقات قلب، تشنّجات عضلية في الرجلين خاصة عند الصباح. كل ذلك طبيعي، يعزوه الطبيب الى اضطراب معدّل الهرمونات من جراء الحمل وينصحني بتناول قرصين من المغنيزيوم يومياً مساءً قبل النوم.

ماذا ينتظرني يا ترى في الاسبوع المقبل؟ مزيد من التفاصيل كما أعيشها في الواقع، في الحلقة المقبلة!