زنى المحارم المسكوت عنه خلف الأبواب المغلقة

زنى, مصر, فتيات, مراهقات, إغتصاب

30 أغسطس 2013

رغم أن القضية من التابوهات التي يتعمد المجتمع العربي غض الطرف عنها، فإن الكاتب الكبير يوسف إدريس تناولها في مجموعته القصصية «بيت من لحم».
ومؤخراً لم تعد القضية طي الكتمان، إذ تناولتها الدراما التركية أيضاً من خلال مسلسل «العشق الممنوع»، وفي السينما المصرية تحضر المخرجة إيناس الدغيدي لفيلم «الصمت» الذي يتناول قصة فتاتين ضحيتين لزنى المحارم.
«لها» تتناول تلك القضية الشائكة، ترصد جرائمها، وتحلل أسبابها، وتبحث عن طرق مواجهتها.

                                                                             
بسنت (32 عاماً) مدرّسة جميلة ممشوقة القوام، تعيش مع أسرتها المكونة من 8 أفراد. وبحكم أنها الأخت الوسطى كانت تهتم بأخيها الأصغر، خاصة أنه ولد وحيد على خمس شقيقات، لكنها لم تتخيل يوماً أن أخاها سيحاول اغتصابها.

تحكي بسنت قصتها: «لم تكن شقتنا واسعة، بل تتكون من غرفتي نوم وصالة استقبال للضيوف، لذا كنا ننام نحن الستة في غرفة واحدة، وكنا ننام أنا وأخي الأصغر على سرير واحد.
لم تفرج الضائقة علينا إلا بعد زواج ثلاث من شقيقاتنا، ومع ذلك كان ينام أخي معنا في الغرفة نفسها، لكن على سرير منفصل. هذه الحميمية كسرت الخجل بيننا، ولم أجد حرجاً في أن أبدل ملابسي أمامه، خاصة أنه يصغرني بست سنوات».

تضيف: «لم أشعر بأن أخي أصبح رجلاً إلا عندما هجم عليَّ ذات يوم وكاد يغتصبني، حين كنا بمفردنا في المنزل.
ما فعله معي جريمة حقيقية تصنف حسب القانون جريمة هتك عرض. بعدها تركت المنزل وانتقلت للعيش مع إحدى صديقاتي، دون أن أتفوّه بكلمة لأبي أو أمي، فلا أحد يمكن أن يتصور أن أخي الذي ربيته قرر أن يغتصبني إشباعًا لرغباته الجنسية المكبوتة».


ثقب الباب

حكاية بسنت لا تختلف كثيراً عن حكاية إيمان التي رصدتها وحدة الاستماع والشكاوى في مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب.

في فترة العمل الرسمية التي يغيب فيها أبواها عن المنزل، كانت تشعر بخيالات على باب غرفتها وعندما تفتح الباب لا تجد أحدًا، فاعتادت على الخيالات ولم تعد تهتم بها، حتى استيقظت يوماً على يد تنهش في جسدها.

تقول: «لم أتخيل أنه أخي، مما أصابني بنوبة من الذعر والخوف، فتركت المنزل وهربت إلى الشارع. وعندما عثروا عليَّ لم أصارح أحداً سوى أمي التي أصيبت بنوبة هستيرية من الصراخ، وبدلاً من أن تسارع إلى معاقبته وحمايتي منه فضلت إيداعي دار رعاية الأحداث، لكن كل المؤسسات رفضتني لأنني لم أرتكب جريمة».

إيمان تعتبر طفلة حسب القانون المصري، لأنها لم تتخط 18 عاماً، وتؤكد أن علاقتها بأخيها كانت طبيعية جدًا، وتقول: «كنا نلعب معاً دائماً ونحن طفلان. وكان دولابي مكانه المفضل للاختباء مني، وعندما بلغنا طبّق والدانا نصيحة الرسول بالتفرقة في المضاجع، وكان دائماً يقول لي إنني جميلة، وأن رقبتي طويلة كما يحب تماماً».


أبو الزوج

داليا أمٌّ لأربعة أطفال، لم يتعد عمرها 29 عاماً، عانت العذاب ألوانًا بسبب تحرش والد زوجها بها في ظل تجاهل زوجها.

تقول عن قصتها: «كأن الدنيا قررت أن تدير وجهها عني منذ وفاة أبي وزواج أمي من رجل آخر، فكان قدري أن أعيش مع خالي خادمة لزوجته، وما إن ظهرت عليَّ ملامح الأنوثة، ألقى بي خالي لأول عريس يدق بابه دون التحقق من شخصيته، وبالتالي وقعت في رجل لا يتقي الله».
وتضيف: «طلبت الطلاق بعد ثماني سنوات من تحرّش والد زوجي بي. في البداية كنت أخشى إخبار زوجي كي لا يطردنا والده من المنزل الذي نعيش فيه معه، إلا أن الرجل كان يتربص بي في كل وقت وحين، تارة بالنظرات وأخرى بالتلميحات الجنسية وأخرى باللمس، إلى أن طفح بي الكيل، وأخبرت زوجي طالبة منه الانتقال من منزل والده كي لا نعيش في الحرام.
إلا أنه لم يبال ووصل به الحال أن رأى تحرشات أبيه بي دون أي تعليق».

بناءً عليه طلبت داليا الطلاق، لكنها لم تستطع العودة إلى منزل خالها بأطفالها الأربعة، وتقول: «أعمل الآن مربية أطفال حتى أوفر ثمن سكن خاص بي ليقيم أطفالي معي في مناخ صحي».


تحرشات الخال

مع أن سعاد (24 عاماً)، شابة ذكية تحمل مؤهلاً عالياً وتعمل موظفة وتحقق استقلاليتها المادية، إلا أنها لا تملك قرارًا لمواجهة خالها المتحرش.

تقول: «خالي ليس كبيراً في السن، بدأ بمعاكستي في بداية الأمر، ثم تطور وتحرش بي جنسياً، لم أملك الجرأة لأفصح لأمي عن أفعال خالي، حتى شاهدته مرة يتحرش بي ولم تصدر أي رد فعل سوى لومي واتهامي بأني السبب! ولم تطرد أخاها من المنزل أو تطالبه بعدم زيارتنا، مما زاد اكتئابي وجعلني أكره المنزل وأمي وخالي وأتمنى الانتحار».

تؤكد سعاد عدم استطاعتها اللجوء إلى أبيها، لأنه منفصل عن أمها ومتزوج من أخرى، وتتابع: «لن أجني سوى الفضيحة، لأن أبي لن يرحب بإقامتي معه، فزوجته لديها أبناء في مثل عمري ويقيمون في المنزل».


عنف ضد المرأة

تؤكد الدكتورة ماجدة عدلي، رئيسة مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، أن اغتصاب المحارم أقسى أشكال العنف ضد المرأة الذي يمارسه ضدها الأقارب، مثل الأب، الأخ، العم، الخال.

وتشير إلى أنه تحت شعار «الحياة ممكنة بدون عنف وتمييز»، كشفت نتائج البحث الميداني لمركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف، أن 66 في المئة من عينة البحث سمعن عن زنى المحارم، في مقابل 17 في المئة يعرفن إناثاً تعرضن له، في حين 6 في المئة تعرضن شخصياً للتحرش الجنسي والاغتصاب على يد أحد المحارم في الأسرة.

كما أظهرت النتائج أن الزوجة هي أكثر أطراف الأسرة تعرضاً للعنف، فكان 61 في المئة من الزوجات يتعرضن لذلك، يليها في المرتبة الثانية الابنة بنسبة 25 في المئة، كما أشارت النساء إلى أن الزوج والأب هما أكثر من يمارس العنف في الأسرة بنسبة 40 في المئة من الأزواج، و30 في المئة من الآباء.

كما تفيد عدلي بأن أسباب اغتصاب المحارم لا تختلف كثيراً عن أسباب العنف المتعارف عليه ضد المرأة، فالأمر يرجع أساساً إلى نظرة المجتمع للمرأة باعتبارها ملكية خاصة للرجل، فضلاً عن الجهل والفقر.


اغتصاب أب

جسدها النحيل ووجهها الحزين يعكسان الهموم التي ضاق بها صدرها فظهرت في عينيها. تجلس كل مساء في ركن المطبخ وتسند رأسها إلى الثلاجة لتبكي تارة ندمًا وأخرى حزناً.

هذا حال هناء، الفتاة التي لم تتعد 17 عاماً، والتي كانت تعمل خادمة في منزل الدكتورة هبة قطب، أستاذة الطب الشرعي واستشاري الصحة الجنسية، والتي تحكي لنا قصة الفتاة قائلة: «مع بداية عمل الفتاة لاحظت أنها تبكي ليلاً بمفردها، وعندما سألتها في البداية رفضت الإجابة.
ومع مرور نحو ثلاثة أشهر من وجودها معنا في المنزل، ومع سؤالي المتكرر عن سبب بكائها، أخبرتني أن أباها كان يدخل عليها الحمام منذ كان عمرها 11 عامًا، أي منذ بداية ظهور معالم الأنوثة عليها، وبعد اكتمال أنوثتها وبلوغها مارس معها العلاقة الجنسية كاملة تحت تهديد السكين، ولم تتمكن من إخبار والدتها خوفاً من العقاب».

تضيف: «على مدار شهر أو أكثر، حاولت إقناع الفتاة بضرورة عرضها على طبيب متخصص لأنها في حاجة إلى رعاية نفسية سليمة، إلا أنها رفضت، وأكدت أن ذلك بمثابة فضيحة لها ولأهلها، وفضلت ترك العمل وكلّها اقتناع بأن هذا قدرها وعليها تحمّله وحدها».

تؤكد قطب أن حالة خادمتها لم تشكل لها صدمة، بل إن صدمتها الكبرى كانت في رسالة دكتوراة الطب الشرعي التي ناقشتها عام 1998، والتي دارت حول «الاعتداءات الجنسية وتبعاتها الصحية».

وتقول إنها وجدت ثلثي عينة البحث ضحايا لزنى المحارم، وأن القانون لا يحميهن في حالات كثيرة.

وتكمل: «إحدى الحالات التي تنصّل منها القانون ولم يحمها، كانت لفتاة عمرها تسع سنوات، فبعد وفاة رب الأسرة اضطرت الأم للعمل، ولم يكن لديها من الأطفال إلا تلك الفتاة وابن عمره 13 عاماً.
هذه الأم كانت تغيب عن المنزل طوال النهار تاركة الولدين معاً، ولما بلغ الولد وأصبح لديه رغبة جنسية، خاصة أن أصدقاءه كانوا يتحدثون معه كثيراً عن الجنس، لم يتردد في خوض التجربة مع أخته، فالجو في المنزل مناسب تماماً وأخته طفلة لا تفهم شيئًا».

وتتابع: «فوجئت الأم بابنها يجري عليها بوجه شاحب ويخبرها بأن أخته غارقة في الدماء، نقلتها الأم إلى المستشفى على الفور، فأسعفها الأطباء وحرروا محضراً بالحالة وأكدوا للأم وجود شبهة اعتداء جنسي.
وأثبتت تقارير الطب الشرعي أن الطفلة تعاني نزفاً ناتجاً عن اغتصاب، ورغم اعتراف الطفلة باعتداء أخيها عليها، لم يتلق العقاب الجنائي، لأن القانون المصري ينص على أن الولد لا يستطيع أن يؤتي عملية الجماع تحت سن 14 عاماً، فذهب حق البنت هباءً».

وتلفت قطب إلى أنه لا يمكن قياس مدى انتشار مشكلة زنى المحارم، والسبب عدم وجود إحصاءات رسمية دقيقة، مشيرة إلى انتشار المشكلة بشكل أوسع في صفوف الطبقات الاجتماعية الفقيرة، خاصة في الأسر التي تعيش بأكملها في غرفة واحدة، وبالتالي عندما يمارس الأب العلاقة الحميمة مع الأم يسمع الأبناء، وتكون الأخت هي المتنفس الوحيد لرغبات الأخ الجنسية.

وتوضح أيضاً أن عدم الاستقرار الأسري بين الزوجين يدفع ببعض الآباء المرضى إلى زنى المحارم مع بناتهم، وبالتالي يبقى الفقر والجهل وقلة الوعي بالدين هو مثلث الخطر لانتشار زنى المحارم.

وفي نهاية حديثها، تستنكر ثغرات قانون العقوبات المصري، مؤكدة أنها أوصت بتغيير بعض المواد خلال رسالة الدكتوراة، لأن القانون لا يأخذ ببعض العلامات التي يحددها الطب الشرعي على انها اغتصاب، ويعترف بها كهتك عرض فقط طالما أن غشاء البكارة سليم.
لكن هناك بعض الميكروبات تنتقل عن طريق الاحتكاك الجنسي، كما أن هناك أنواعاً لغشاء البكارة لا تخترق مع التواصل الجنسي، وهذا الأمر يتجاهله القانون تماماً.


أعراض نفسية

اكتئاب مصحوب باضطراب في الشخصية، العرَض الواضح على إحدى الفتيات التي اصطحبتها أمها إلى عيادة الدكتور أحمد عبدالله، أستاذ الطب النفسي في جامعة الزقازيق.

الفتاة ترفض تمامًا العلاج، وترى أنها ليست مريضة، رغم أن شكوى الأم الرئيسية هي غرابة تصرفاتها وهجرتها للمنزل. ويقول الدكتور أحمد إنه بعد جلسات نفسية عدة كشفت الفتاة اغتصاب أخيها لها منذ فترة طويلة.
في البداية كانت تقاوم وترفض العلاقة، ثم بدأت تستسلم له بعدما أخبرت أمها التي اكتفت بتعنيف الأخ فقط حفاظاً على الشكل الاجتماعي للأسرة، خاصة أن الأب متوفى، مما أصاب الفتاة باكتئاب مصحوب باضطرابات في الشخصية، فلم تعد تجد مانعاً من أن «تمضي وقتاً» مع غرباء بمقابل، وأصبحت تهرب من المنزل أشهراً وتقيم مع رجال هرباً من أخيها.
يقول عبدالله إن ضحية زنى المحارم تكون مفتوحة على كل الأعراض والأمراض النفسية، بداية من التوتر والاكتئاب حتى الفصام واضطرابات الشخصية، مشيراً إلى أن رسالة الدكتوراة في الطب النفسي التي ناقشها عام 2007 حول «الاعتداء الجنسي على الإناث»، خلصت إلى أن أكثر من 40 في المئة من الفتيات في الريف المصري يتعرضن لاغتصابات وتحرشات المحارم، التي تبدأ من النظرة والكشف عن العورة الجنسية كدرجة أولى، بينما الدرجة الثانية هي مرحلة اللمس، والثالثة الاعتداء الكامل.

ويلفت أستاذ الطب النفسي إلى أن زنى المحارم لا يرتبط بالمستويات الفقيرة فقط، ويذكر حالة الأم التي طلبت استشارته في كيفية التعامل مع أولادها الثلاثة، بعدما اكتشفت اغتصاب زوجها لهم.

ويقول: «الزوجة كانت من مستوى اجتماعي وثقافي عالٍ، وكان زوجها دبلوماسياً في إحدى الدول الأفريقية، وكانت تقيم معه وكان لديها من زواج سابق ثلاثة أطفال هم ابنتان وولد، واكتشفت بمحض الصدفة أن زوجها يدسّ لهم مخدراً في العصير الذي يتناولونه بعد العشاء ليتسنى له اغتصاب الأطفال الثلاثة.
حينها تصرفت بعقل ولم تخبره باكتشاف الأمر، حتى طلبت منه زيارة مصر مع أولادها، وهنا أجرت عليهم التحاليل اللازمة التي أكدت إصابتهم بأنواع من الميكروبات لا تنتقل إلى المريض إلا عن طريق الاتصال الجنسي، ثم واجهته بالحقيقة وفاوضته على الطلاق».

يؤكد الدكتور عبدالله ارتفاع حالات زنى واغتصاب المحارم في مصر، رغم عدم وجود إحصاءات رسمية، استناداً إلى الشهادة الطبية التي أدلى بها الدكتور يحيى الرخاوي، أستاذ الطب النفسي وعميده، كما يطلق عليه النفسانيون، إذ قال في إحدى ندواته الشهرية، إنه خلال الـ50 عاماً التي أمضاها في العلاج النفسي، لم ير الزيادة المذهلة في حالات زنى المحارم التى يراها في الحالات التي تتوافد إلى عيادته أخيراً.

في الوقت نفسه، يؤكد الدكتور أحمد عبدالله فشل علاج غالبية ضحايا زنى المحارم، ويرجع السبب إلى جهل الأهل بكيفية التصرف في مثل هذا الموقف الشائك، فكلما كان الجاني أقرب إلى الضحية ازداد التأثير النفسي، ففضلاً عن انفتاحها على جميع الأمراض النفسية، وعلى رأسها الاضطرابات الشديدة في الشخصية، بالإضافة إلى القلق والتوتر والاكتئاب، لا تمانع الضحية في أغلب الأحيان ممارسة الدعارة كنوع من التمرد على الوضع الأسري.

لذا يلفت إلى ضرورة اهتمام الأهل برفع الأذى عن الضحية، وأن يكون أحد الوالدين أقرب إلى الفتاة في المنزل، بحيث لا تتردد في البوح بأي مشكلة حرجة أمامه. وإذا حدث أي تحرش من المحارم يجب أن يهتم الأهل بمعاقبة الجاني بعقوبة تتماشى مع قدر فعله، سواء كانت جريمته اعتداء بالنظر أو الألفاظ أو تحرشاً باللمس أو اغتصاباً، مؤكداً ضرورة استعادة الأسرة لروح الحوار الجماعي الغائب عنها بسبب انشغال الأهل بجمع الأموال وغيره.

ويضيف: «تلك الحلول تفيد مع الطبقات المتوسطة والعليا في المجتمع، لكن هناك طبقة كبيرة في مجتمعنا ينتشر فيها زنى المحارم ولن تجدي معها أي حلول نفسية إلا بتوفير الحد الأدنى من الحياة الإنسانية، وهي طبقة العشوائيات المنسية من المجتمع».

كما ينصح الأبوين بوضع ضوابط شرعية تلتزمها الأسرة، فلا ترتدي الأم أو البنات ملابس مثيرة في المنزل، فضلاً عن الفصل بين البنات والأولاد في غرف النوم، بالإضافة إلى توعية الأطفال قدر المستطاع بمفهوم التحرش الجنسي، وعدم الاستسلام له أيًا كانت صفة المتحرش.