إيلي داغر: حيازتي السعفة الذهبية لم تكن بمثابة ورقة «لوتو»

إيلي داغر,السعفة الذهبية,لوتو,الأفلام القصيرة,سينما,الكتابة,الإخراج,الفيلم,مهرجان,رسوم متحركة,عزلة,الشخصيات الحقيقية

كارولين بزي 30 أغسطس 2015

سنتان ونصف سنة من الجهد أثمرت معه «سعفة ذهبية»، لم تكن إلا نتيجة تعب واهتمام بفيلم انطلق من محبته لبيروت، من فترة الازدهار والإعمار، ومن شعبٍ ارتأى أن يعيش في قوقعة بعيداً عن الواقع، آملاً بالأفضل... هو المخرج اللبناني الشاب ايلي داغر الفائز بجائزة «السعفة الذهبية» ضمن فئة الأفلام القصيرة في مهرجان «كان» السينمائي في دورته الـ68، وهو أول عربي يحوز هذه الجائزة عن فيلمه «موج 98»...


- من هو ايلي داغر؟
مخرج وفنان أعمل على مشاريع شخصية ومتعلق جداً بلبنان وخصوصاً بيروت، وأعيش بين لبنان وبروكسل.

- عنوان فيلمك «موج 98»...
هو يرمز إلى الحياة التي تعيد نفسها، كالموج الذي يُعيد نفسه مع كل مد وجزر. كما أن البحر هو المفر الوحيد لـ «عمر» بطل الفيلم، لأنه في الحقيقة لم يعد أمامنا منفذ بحري. أما الرقم 98 فيشير إلى أن القصة جرت أحداثها عام 1998.

- في بداية الفيلم نرى برنامجاً قديماً يُعرض على الشاشة وفي الختام نشرة أخبار مع مذيعة جديدة، ما الذي عنيته بمرحلتين زمنيتين محددتين؟
المرحلتان إحداهما قديمة والأخرى جديدة ولكنهما مترابطتان في الوقت نفسه، اذ أتحدث خلال الفيلم عن علاقتي ببيروت ولبنان. لذلك اخترت مرحلتين زمنيتين، إحداهما في العام 98 ويكون «عمر» في سن الـ15 عاماً، والمرحلة الزمنية الحالية وهي تشاؤمية نوعاً ما. ففي عام 98 شهدنا إعادة إعمار عاش «عمر» خلالها علاقات صداقة متينة، لينتقل من ثم إلى الوضع الحالي الأكثر سوءاً.

- لماذا جمعت الرسوم المتحركة بالشخصيات الحقيقية؟
لأن الفيلم شخصي نوعاً ما ولا أريده تقليدياً، كما أنني فضّلته فيلماً تجريدياً، لأعبّر عن وجهة نظري في ما يختص بمواد البناء والإعمار... شخصيات الرسوم المتحركة تمثل سكان المدينة وليست شخصيات محددة أو معروفة. أردت أن أضيّع الفكرة بين الوهمي والحقيقي.

- ثمة مشهد يقود خلاله «عمر» دراجته النارية ومن حوله جمود، وكأن الزمن توقف عند الناس.
لأنه العالم الذي يدخله «عمر» والمتمثل بالفيل (الحيوان الضخم الذهبي اللون)، لذلك يتوقف العالم من حوله لأن الكائن الذي دخل للعيش في داخله غير موجود في الحقيقة، بل يرمز أكثر إلى الفقاعة الاجتماعية التي يتقوقع داخلها اللبنانيون، إذ يعيش كل واحد منهم في معزل عن محيطه.
اخترت الفيل لأنني أردت أن يكون هذا العالم عبارة عن كائن موجود وليس صخرة لا شكل لها. كما أنه يمثل القوة والعظمة من خلال الذهب الذي يغطيه.

- هل نعيش في عزلة في لبنان؟
أعتقد ذلك، ربما هذا الأمر ليس سلبياً في ظل الوضع الاقتصادي أو السياسي الصعب. مثلاً أعرف لبنانيين يعيشون في الخارج، يستمعون إلى الأخبار أكثر من المقيمين في لبنان. لكن لو ارتبط اللبنانيون أكثر بواقعهم لانتفضوا واعتصموا وتظاهروا ليغيروا الواقع.

- الفيل انتقل بـ «عمر» إلى عالم آخر.
الفيل هو العالم الثاني الذي ابتكره لنفسه، وهو موجود وغير موجود في الوقت ذاته، كما ذكرت سابقاً أن الناس في لبنان يعيشون في فقاعة بعيداً عن الواقع، وهذا ما جرّب «عمر» أن يعيشه في عالم آخر يريده هو، بعيداً عن الإسمنت والمباني الشاهقة، عالم حيث الفضاء الواسع والبحر، وهذا الفيل يعتبر جزءاً من هذه المدينة.

- جمعت في الفيلم متناقضين، الفيل الذي هو عبارة عن عالم الأحلام وهو نفسه الذي دمّر المدينة... هل يعني أن هذه العزلة تؤدي إلى الدمار؟
حاولت أن أفهم وجهة نظري للمتناقضين، حاولت أن أطرح أسئلة وأستكشف الأجوبة، هل هذا الفيل أو الانعزال أو الهروب إلى عالم الخيال مُدمر؟ لكنني لم أقدم إجابات.

- في بداية الفيلم، يستقبلنا رجل مسن، هل هو نفسه «عمر»؟
بالفعل، هذا المسن يمثل شخصية الشاب «عمر» ولكن في المرحلة التي نعيشها. وفي النهاية تندمج الشخصيتان، وكأن وجهتي النظر اندمجتا، علماً أن «عمر» لا يصل إلى حل أو جواب نهائي، لكنه شعر بالارتياح.

- الموسيقى مؤثرة جداً، حتى تعابير وجوه الشخصيات مؤثرة، علماً أنها رسوم متحركة.
لست من هواة الرسوم المتحركة، صناعتي للفيلم على طريقة الرسوم المتحركة جاءت لأن المضمون يتطلب ذلك، لكن لغة التصوير ومسار الفيلم لا يتناسبان مع أفلام الرسوم المتحركة، بل مع الأفلام العادية، واستعنت بشخصيات الرسوم المتحركة في التمثيل فقط. عندما كتبت النص، اخترت نوعية الموسيقى التي ستوضع على المشاهد.

- ماذا عن الصعوبة التي تواجهك في توجيه رسالة من خلال فيلم بـ15 دقيقة؟
عندما بدأت كتابة الفيلم، لم أكن أنوي كتابة 15 دقيقة... في البداية كتبت بين الـ8 والـ10 دقائق ثم أضفت بعض المعطيات ليصل إلى 13 دقيقة حتى وصلنا إلى 15 دقيقة.
المضمون والإحساس هما اللذان يتحكمان بمدة الفيلم. بإمكان الفيلم القصير أن يكون دقيقتين إلى نصف الساعة، ووفق المضمون تكون مدته، إذ لا يمكن هذا الفيلم أن يمتد إلى أكثر من 15 دقيقة... لذلك لا أعتقد أن ثمة صعوبة في إيصال رسالة من خلال الوقت المحدد.

- ماذا عن الفيلم الأول، والمشاركة الأولى في مهرجان «كان» وجائزة السعفة الذهبية؟
لم أكن أسعى لأن أشارك بفيلم «موج 98» في المهرجانات، لكن لأن الفيلم القصير حياته قصيرة جداً، اخترت أن أشارك في مهرجان «كان»، اذ إن الأفلام القصيرة ليست جماهيرية كما أنها غير رائجة، لا في العالم العربي ولا الغربي.
وبالتالي لتكون حياة الفيلم أطول، كان عليّ أن أشارك في أحد المهرجانات المهمة، وسعيت لأن أشارك في «كان» لأنه يفصل بين أفلام الرسوم المتحركة والأفلام العادية، ومن الأهمية أن أبدأ مسيرتي بالمشاركة في «كان»... وشعرت بالسعادة نتيجة ذلك. كما أن حصولي على جائزة السعفة الذهبية كان خيالياً.

- ماذا عن المدة التي تطلّبها الفيلم للتصوير؟
الفيلم تطلب نحو سنتين ونصف سنة للانتهاء منه، وقد أنجزته قبل أسبوع واحد من انتهاء المهلة الأخيرة للمشاركة في «كان».

- هل ثمة من دعمك للوصول إلى «كان»؟
لا أبداً، حتى أنا من أنتج الفيلم إذ لا شركة إنتاج دعمتني، وأشكر ربي أنني لم أكن أعرف أن ثمة صعوبة في المشاركة في «كان»، فلو كنت على دراية بذلك لشعرت بالضغط أكثر، اعتقدت في البداية أن اللجنة تشاهد كل الأفلام.

- عندما حزت الجائزة، هل شعرت بأن الفيلم استحق مجهودأ يفوق السنتين؟
عندما حصلت على الجائزة، لم أشعر بأنني ربحت ورقة «لوتو»، لأنني بذلت مجهوداً كبيراً في العمل، أي أن الجائزة لم تكن هبة، فقد حصلت على نتيجة الجهد والتعب اللذين بذلتهما.

- ماذا تحضّر حالياً؟
بدأت كتابة قصتين، لا أعلم إلى أي قصة ستأخذني مشاعري في الكتابة أكثر. وسيتطرق العمل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى تجربتي الشخصية في مكان ما.

- بمن تتأثر؟                            
بالفنانيْن والمخرجيْن كريس ماركر ودايفيد لينش..

- تفضّل الكتابة أم الإخراج؟
بالنسبة إلي هما يكملان بعضهما بعضاً. ولأنني درست الفنون في لندن وأجريتُ أبحاثاً تتعلق بالتاريخ والهوية والذاكرة ولبنان، أرى أن هذه القضايا هي التي تعنيني.
لقد أتيت من عالم الفن أكثر منه من عالم السينما، وعندما أريد أن أقدم عملاً، عليّ أن أقدمه كقطعة فنية ولا يهمني كثيراً أن أُخرج فيلماً لست من كتبه... ربما أقوم بذلك ولكنني أُفضّل أن أقدم عملي الخاص المتكامل من كتابة وإخراج.

- لماذا تتجه غالبية المخرجين الذين يقدمون سينما حقيقية في لبنان نحو الحرب؟
لأننا في لبنان لم ننته من الحرب بعد، بل أوقفنا القتال بهدنة... لم يتغير شيء، لا يزال القتال سياسياً... ومن المفترض أن نناقش هذا الموضوع.

- هل الفيلم الجديد من الأفلام القصيرة أيضاً؟
لا أعتقد ذلك، ولكن لا فكرة واضحة لدي عن هذا الموضوع حالياً.