في السعودية: محاكمة مواقع التواصل الاجتماعي وتقصّي تأثيرها

السعودية,محاكمة,مواقع التواصل الاجتماعي,تأثير مواقع التواصل

ميس حمّاد (جدة) 28 أغسطس 2015

يعيش المجتمع اليوم في قرية صغيرة يلتقي فيها الناس على اختلاف فئاتهم العمرية وثقافاتهم ومستوياتهم التعليمية، في مواقع وشبكات جعلت من لا يتقن استخدامها في خانة الجاهل، والبعيد من التطور والتكنولوجيا.
عالم تقني ومجتمع افتراضي، سلب الكثير من الوقت، وفرض على مستخدميه تغيير تواصلهم الاجتماعي من صورته التقليدية، إلى صورة إلكترونية من خلال شبكات اجتماعية مثل «فايسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب» و«واتساب» و«إنستغرام»، و«سناب شات»... وغيرها الكثير من مواقع التواصل التي باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية،  وأثرت بوضوح في الهوية الاجتماعية والثقافية واللغوية، وفي  الترابط الأسري داخل المنزل، ولا تزال تؤثر في أجيال تميل إلى العزلة الاجتماعية أمام شاشات الهواتف وأجهزة الكمبيوتر، على نحو ما أكده اختصاصيون نفسيون واجتماعيون وإعلاميون في هذا المجال.
فما هي إيجابيات وسائل التواصل والاتصال الحديثة وسلبياتها في عيون مستخدميها؟ وكيف تعامل المجتمع بمختلف فئاته العمرية مع هذه المواقع؟ وما رأي المختصين بالتغيرات الفكرية للمستخدمين، في ظل انعدام الخصوصية على هذه الشبكات الاجتماعية؟ أسئلة طرحتها «لها» محاولةً الإجابة عنها، من خلال بعض آراء المختصين ومستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، للوقوف على آثارها لدى مختلف فئات المجتمع. على الرغم من مخاوف المجتمع من الآثار السلبية والاجتماعية والثقافية المترتبة عن استخدام تكنولوجيا الاتصال، تصدّرت السعودية لائحة الفائزين بجوائز رواد التواصل الاجتماعي العرب، ضمن إحدى فعاليات قمة رواد التواصل الاجتماعي العرب التي أقيمت في دبي في آذار/مارس الماضي لعام 2015، بحضور نخبة كبيرة من الخبراء والمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي، لمناقشة أبرز القضايا، وسبل الارتقاء بعمل هذه الوسائل بما يخدم المجتمع العربي. وحصدت السعودية 14 جائزة في فئاتها المختلفة، مما يعكس تميز المجتمع السعودي، أفراداً وشركات، في توظيف استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بالشكل الأمثل، عبر الاستفادة منها في زيادة الوعي بالقضايا التي تهم الشعب العربي.

 

وفي ما يأتي، نستعرض آراء  بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بما فيها من سلبيات وإيجابيات:

حتى ساعات الفجر الأولى
تلفت سحر علي إلى معاناتها مع أبنائها وتعلقهم الشديد بهذه الشبكات، إلى حد أصبحوا معه وكأنهم «مجرد أجساد في المنزل، لأن عقولهم في غياهب عالم التواصل الخارجي، فهم يقضون أوقاتهم أمام الأجهزة الخليوية والانترنت، ويبالغون حتى ساعات الفجر الأولى أحياناً، في التحدث الى أصدقائهم الالكترونيين على شبكات التواصل الاجتماعي، رغم محاولاتي الدؤوبة لتخصيص وقت للأسرة أو للدراسة، والتي باءت بالفشل أمام إصرارهم على العزلة الاجتماعية التي يقضونها مع تلك الأجهزة وشبكات التواصل».
وتشير سحر الى أنها تعجز عن مُراقبتهم طوال اليوم، «ذلك أنني موظفة، وأتحمل مسؤوليات المنزل والعمل، إضافة إلى أن أبنائي باتوا يلجأون إلى الحيل ويمتنعون عن حضور أي مناسبة عائلية بحجة المرض أو الانشغال مع الأصدقاء، ليتواصل اغترابهم عن واقع الحياة الاجتماعية والمنزل».

ترابط بأقل تكلفة مالية
ترى سارة عبدالعزيز، وهي طالبة ابتعاث أن شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي «نتاج طبيعي لتطور العلم وازدهاره، عبر ثورة التكنولوجيا التي شملت كل أرجاء المعمورة، وجعلت العالم عبارة عن قرية صغيرة.
ومن المؤكد أن لكل شيء إيجابياتها وسلبياته، فالموقعان الأكثر شهرة في السعودية هما «فايسبوك» و«تويتر»، ومن ايجابياتهما أنهما أوجدا ترابطاً بين الناس، وعملا على توطيد الصلة الاجتماعية بين الأشخاص البعيدين من عائلاتهم بسهولة ويُسر، وبأقل تكلفة مالية... هذا إلى جانب الصفحات العلمية والإخبارية والطبية والثقافية والرياضية، التي تزود المستخدمين معلومات قيمة ومفيدة، كل وفق طلبه.
كما تتيح هذه المواقع فرصاً للتعارف بين أُناس جدد من مختلف الجنسيات والبلدان، ما يفتح أمام المستخدم آفاقاً جديدة، ويُعزز مفهوم الصداقة وإن كانت إلكترونية. لكن وفي المقابل، يكمن الجانب السلبي في عدم التحكم بالوقت، بحيث يصل المستخدم الى مرحلة الإدمان عليها، ويصبح منعزلاً عن مجتمعه، ويصب جلّ اهتمامه على هذه الحياة الافتراضية التي اختارها لنفسه ضمن هذه الشبكات. لذا على المستخدم أن يتعلم التقنين في استخدام هذه الشبكات والمواقع، ولا يجعلها تتحكم به».

أفكار غير مقبولة
من جهته، أكد عبدالله باصالح، وهو موظف قطاع خاص، أن مواقع التواصل الاجتماعي «لا يختلف اثنان على أنها أصبحت تمثل ضرورة للتواصل مع الآخرين، ومعرفة آرائهم بما يستجد من أحداث في أنحاء العالم.
لكن لا بد من الانتباه والتحذير من إمكانية التسلل الى عقول مستخدمي هذه المواقع، خاصة صغار السن منهم والذين قد يلجأون الى هذه المواقع في غفلة من أهاليهم، فلديهم أوقات فراغ طويلة، يقضونها في التحدث الى المستخدمين الآخرين، وقد يستغل بعض الأشخاص هذه الوسيلة في مناقشة أمور غير مقبولة، متسترين بأسماء مستعارة، خصوصاً إذا كان لديهم معتقد لا يستطيعون إيصاله إلى الآخرين في الحياة الواقعية بطريقة مباشرة وواضحة، وبالتالي يستغلون هذه المواقع معتمدين على الصوت والصورة للتأثير في متصفحي هذه المواقع، خصوصاً القاصرين منهم، حيث يتم إقناعهم بأفكار غير مقبولة دينياً واجتماعياً وسياسياً.
لذا يجب وضع هذه المواقع تحت الرقابة لحماية المجتمع من كل ما قد يسيء الى أبنائه، خصوصاً أولئك الراغبين في اثارة الفوضى أو الإساءة الى الرموز الوطنية والدينية».

«كل ما يجول في خاطري»
أما هند عبدالرحمن، طالبة في المرحلة الثانوية، فتؤكد أن «مواقع التواصل الاجتماعي هي وسائل راقية وبسيطة للتواصل ونشر الأفكار والقناعات.
ومنذ بداية استخدامي لها، شعرت بالحرية المطلقة في نشر كل ما يجول في خاطري، وتمكنت من نشر كتاباتي البسيطة وإيصالها إلى أكثر من ألف شخص في ثوانٍ معدودة.
وأجد نفسي في قمة السعادة عندما أستخدم مواقع التواصل، سواء فايسبوك أو تويتر أو سناب شات أو انستغرام، لكن ما يُشعرني بالإحباط هو عدم ارتياح أهلي عندما يرونني منسجمة أمام شاشة الكمبيوتر أو الجوال، فهم على قناعة تامة بأنها تهدر الكثير الوقت وتهدم الجسد وتفسد الأخلاق، مع أنني غير مقتنعة بما يفكرون به، لأنني أعتبر مواقع التواصل الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من حياتي الشخصية، وعلاقتي بصديقاتي وأفراد العائلة».

سهر وألم ونظارات طبية
وتوضح أم فهد، وهي ربة منزل، أن حياتهم انقلبت رأساً على عقب بمجرد دخول مواقع التواصل الاجتماعي إلى حياة أسرتها، «فحياتنا كانت رائعة ومكونة من أب وأم متعلمين، وثلاثة أبناء. كانت جلساتنا العائلية لا تعرف مللاً، واليوم باتت ذكريات بمجرد انتشار الفايسبوك والواتساب، خاصة عندما اشترى زوجي هاتفاً جديداً له ولابني فهد (15 سنة).
منذ ذلك الحين دبّت المشاكل بيني وبين زوجي بسبب انشغاله المتواصل بالواتساب والفايسبوك. أما ابني فقد تغير وانقلبت أحواله، بحيث نحف جسده نتيجة السهر على الفايسبوك، ولم يعد يهتم بأكله ودراسته وعبادته، مع محاولاتي إقناعه بالعودة إلى ما كان عليه من دون جدوى.
وقبل شهرين جاءني يشكو ألماً في عينيه، فذهبت به إلى طبيب العيون الذي وصف له نظارات طبية، مؤكداً أن ضعف النظر لديه مردّه التركيز المتواصل على شاشة هاتفه.
صدقاً، أنا أكره هذه المواقع وحتى سماع اسمها، لأنها كانت سبباً في ما وصلت إليه أسرتي من تفكك ومشاكل».
لا تزال أم فهد تحاول السيطرة على ادمان ابنها وزوجها على هذه المواقع، وتضيف: «أجد أن سلبيات هذه المواقع ليست فيها، بل تكمن في مستخدميها الذين يقضون كل اوقاتهم في الحديث مع الغرباء، معتبرينهم أصدقاء، وهذا ما يجعلني قلقة على ابني وعلى زوجي ايضاً، وأتمنى أن تتم مراقبة هذه المواقع من الجهات المختصة، لئلا نقع في مصائب أسرية أكبر».

صداقات حقيقية
وتذكر رزان عدنان حسين، (23 سنة) موظفة قطاع خاص، أن «جميع مواقع التواصل الاجتماعي يُستفاد منها، لكن يبقى الاعتماد على كيفية استخدامها من جانب الشخص نفسه، ولا تشكل هذه الشبكات عالماً افتراضياً، لأنني استطعت من خلالها تكوين صداقات كثيرة وحقيقية، وتعاملت معهم بكل صدقية.
وعلى سبيل المثال، يحتوي موقع «فايسبوك» على أمور مفيدة، كما يكتشف الكثير من الأشخاص أنفسهم من خلاله، سواء لناحية مهاراتهم أو اهتماماتهم الخاصة، إضافة إلى بساطة استخدامه، ما جعل الكثيرين ينشئون حسابات عليه وصفحات خاصة بهم.
وعن نفسي، لست ممن يرغبون الفايسبوك، لإحساسي بأنه معقد نوعاً ما، لذلك لا أملك أي خبرة في التواصل من خلاله.
أما عن شبكات التواصل الأخرى فأرى أن السناب شات موقع سهل بحيث يُعبر أي مستخدم فيه عن ذاته واهتماماته من دون أن يجد اعتراضاً من أحد... إضافة إلى نشاطي على موقع تويتر، فرغم الجهد الذي أبذله، أشعر بالراحة في كتابة كل ما يجول في خاطري، سواء تفاعل معي أحدهم أم لا، فأنا أعتبر هذه المواقع استخداماً شخصياً».
وتضيف رزان: «أنا انسانة غير اجتماعية، ولديّ تواصل مع شريحة معينة من الناس، لذلك قررت حديثاً أن أعبر عما في داخلي من خلال مواقع التواصل التي أفضلها كثيراً، وهي السناب شات واليوتيوب وتويتر وإنستغرام، وأحاول التعبير باللغتين العربية والانكليزية، كما أن تفاعلي على موقع تويتر كسر حاجز الحديث مع الغرباء، واكتشاف كل ما هو جديد، وساعدني في التواصل مع مختلف فئات المجتمع في مجال عملي... وهذا من إيجابيات استخدامي مواقع التواصل الاجتماعي».
وعن سلبيات هذه المواقع، تؤكد رزان حسين: «أسمع من الآخرين أن تلك المواقع أثرت كثيراً في اختراق خصوصيات المنتسبين. ومن وجهة نظري، أرى أن الشخص هو من يسمح للآخرين بالتعدي على خصوصياته، واختراق المساحة الشخصية الخاصة به. فالشخص هو وحده من يتحكم بهذه الخصوصية، سواء بالكتابة أو الصور أو حتى بتعبيره عن ذاته وعن حياته.
ومن السلبيات أيضاً، استخدام هذه الشبكات بطريقة خاطئة، أو في البحث عن المشاكل أو المواضيع التي تثير الفتن والنعرات بين الآخرين.
وأستطيع الجزم بأنني لن أسمح لأي تطبيق أو شبكة تواصل اجتماعية بالتحكم في حياتي الشخصية والأسرية، فأنا من وضعت هذا التطبيق على هاتفي وأنا من أتحكم فيه، لذلك لن أُسخّر كل وقتي في خدمة هذه الشبكات».

د. الكاتب: أُؤمن بأن لهذه الشبكات فائدة عظيمة، لكل شخص إن أحسن استخدامها
وكيل وزارة الإعلام المساعد للإعلام الخارجي المتحدث الرسمي لوزارة الثقافة والإعلام وأستاذ الإعلام الجديد في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور سعود الكاتب يشير إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي أثرت فيه إيجاباً، سواء في عمله التطوعي أو المهني أو الأكاديمي كأستاذ جامعي، وفي وظيفته في وزارة الإعلام متحدثاً رسمياً للوزارة، ويضيف: «في ما يخص طلابي في الجامعة، أقوم بتدريسهم مادة تسمى «الإعلام الجديد»، وتعتمد بشكل كلي على التفاعل، فطوال فترة المحاضرة نجلس في صفوف افتراضية، ونستخدم الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، تويتر وفيسبوك، ولدينا صف كامل يُطلق عليه «الصف الافتراضي»، توضع الواجبات عليه، ويلتقي طلابي من خلاله.
وبالتالي أنا موجود معهم على مدار 24 ساعة، للإجابة عن كل أسئلتهم واستفساراتهم. أما بالنسبة إليّ ككاتب صحافي، فلديّ عمود في جريدة «المدينة»، وقد أفادتني شبكات التواصل الاجتماعي كثيراً، بحيث أنشر مقالاتي مباشرة عليها، وتصلني تفاعلات القراء مع المقالات من خلال هذه المواقع.
كما أن انتشار مقالاتي على شبكات التواصل يفوق انتشارها على صفحات الجرائد الورقية، وكذلك نسب القراءة والمشاهدة والتفاعل أعلى من الصحف. ولديّ قناة خاصة على «يوتيوب»، أضع عليها جميع اللقاءات الإعلامية، وهناك أكثر من 150 لقاء يتم توثيقها ونشرها على «يوتيوب»، وتتعلق بالإعلام وقضايا اجتماعية أخرى... إلى جانب صفحة خاصة على Slide Share، أنشر من خلالها جميع البحوث والدراسات والمحاضرات التي ألقيها، وتحظى بإقبال كبير، إضافة الى صفحات أخرى أستخدمها باستمرار كمتحدث رسمي باسم وزارة الإعلام للإجابة عن كل الأسئلة المتعلقة بالوزارة».
وعن مدى توظيف شبكات التواصل الاجتماعي، يوضح الكاتب  أن «شكوى البعض من هذه الشبكات، إذ تُباعد بين الناس وما إلى ذلك، غير منطقية، وأرى أن العكس صحيح. فقد تعرّفت من خلال شبكات التواصل الاجتماعي إلى شخصيات لم أكن أحلم يوماً بالوقوف معها تحت سقف واحد، كما جمعتني بزملائي القدامى، فتلك الشبكات هي أداة مفيدة، وقد أتاحت للجميع أن يكونوا ناشرين وكُتاب مقالات، فإن أساءوا استخدامها فالعيب في من يستخدمها».
ويختتم: «أنا لا أقول إن شبكات التواصل الاجتماعي لا تخلو من السلبيات، فهناك أشخاص استخدموها بطريقة سيئة، وآخرون انقطعوا عن العالم الخارجي ليكتفوا بالعالم الافتراضي أو الالكتروني، إضافة إلى اختراق خصوصيات الكثيرين، وهي مشكلة موجودة، لكنني أكرر أننا نستطيع تلافي هذه المشكلة من خلال تحسين استخدامنا لشبكات التواصل الاجتماعي، فيجب أن نحافظ على خصوصياتنا، ولا نجعلها في متناول للجميع، من خلال عرض الصور، أو نشر تفاصيل دقيقة عن حياتنا اليومية.
كما أصبحت هذه الشبكات وسيلة لنشر الأخبار المغلوطة، وأداة للنصب والاحتيال، وإظهار التعصب الرياضي وحتى الديني. لكنني رغم ذلك من الأشخاص المؤمنين بأن لهذه الشبكات فائدة عظيمة، لكل شخص إن أحسن استخدامها... وبحكم طبيعة عملي، أفضّل موقع «تويتر» كثيراً لتفاعل الإعلاميين عليه بشكل أكبر».

باقادر: نلمس غياباً للمجاملات التقليدية كالتهنئة وتقديم التعازي
من جانبه، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة، الدكتور أبو بكر باقادر إن شبكات التواصل الاجتماعي عملت على «نشر الأخبار بصورة أسرع، وخصوصاً الأخبار السلبية، كما أوجدت فراغاً كبيراً بين الأصدقاء، وأثّرت في  العلاقات بين البشر، إذ بات السؤال عن الآخرين من خلال رسالة إلكترونية، أو عبر وسائط متعددة، حتى صرنا نلمس غياباً تدريجياً للمجاملات التقليدية، كالتهنئة في المناسبات والأفراح، أو تقديم التعازي، بحيث يكتفي الكثيرون بكتابة بضعة أحرف إلكترونية، غير مدركين أهمية هذه الواجبات التي تدعو إلى الترابط بين أفراد المجتمع، ناهيك عن الكمّ الهائل من الأشخاص الذين يتواصلون مع بعضهم بعضاً من دون سابق معرفة، أو التعرف وجهاً لوجه، فقد جعلوا حياتهم إلكترونية، بمختلف أشكالها وخصوصياتها.
لكن البعض يرى في هذا الجانب تحديداً ما هو سلبي وإيجابي في الوقت نفسه. فأن تتعرف إلى أشخاص من مختلف أنحاء العالم، أمر إيجابي جداً، لكن ألا تعرف عن الشخص سوى بضعة أحرف إلكترونية تربطك به، من دون التأكد من شخصيته الحقيقية، أو قد يخالجك شعور بالريبة نحوه، فتلك من الأمور السلبية... وأشدد على أن التواصل مع العالم أمر جميل، شرط الحفاظ على الصيغة التقليدية التي أثبتت جدواها عبر الزمن في تعميق العلاقة بين الأفراد وتعزيز روح المودة والألفة بين الناس على اختلاف المجتمعات».

د. نُصير: شبكات التواصل الاجتماعي نقاش غير ممل
أما المستشارة التربوية والأسرية والنفسية الدكتورة نادية نصير فتوضح أنها تستخدم «فيسبوك» لإيمانها بأن هذا الموقع «يفسح لي مجالاً واسعاً لكتابة المواضيع بإسهاب، وقد تكون هذه المواضيع علمية أو ثقافية أو بحثاً أو لآخذ آراء بعض المتابعين من الأصدقاء من السن نفسها، إلى جانب التخصصات... لذا أجد أن النقاش معهم غير ممل. وبالنسبة إلى «تويتر»، أُطلق عليه الخبر العاجل، وأتفاعل عبره من خلال كتابة الأخبار العاجلة أو أي موضوع أو رأي قد يهم الناس، إضافة إلى متابعة الأحداث مباشرة.
وفي ما يخص بقية شبكات التواصل الاجتماعي، لا أملك أي خبرة في التعامل معها مثل «انستغرام» و «سناب شات» وغيرهما. أما على هاتفي فلا أستغني عن تطبيق الواتساب، وأتواصل من خلاله مع الأهل. ورغم أنه تواصل افتراضي، فلا أستطيع رؤية الكثيرين منهم، لكن على الأقل أتتبع أخبارهم، ونبقى على تواصل دائم لمعرفة كل ما يتعلق بالمناسبات والواجبات العائلية».

اختفاء اللغة
تشير د. نُصير إلى أن اللغة العربية بدأت «تختفي بين أبناء الجيل الجديد، لتنتشر لغة خاصة بمستخدمي هذه الشبكات، لا هي عربية ولا حتى عامية، وإنما خليط غريب بين العربية والعامية بلهجات مطعّمة بالمحلية، أو ربما لغة هجينة تتضمن عبارات بالإنكليزية والفرنسية، أو «العربيزي» كما يطلقون عليها... وبالتالي، تهدد هذه اللغات الدخيلة، اللغة الأم، وهي اللغة العربية، وتُلقي ظلالاً سلبية على ثقافة الشباب العربي وسلوكه بشكل عام.
ناهيك عن أن استخدامها يدل الى نفوس وشخصيات مهزوزة عديمة الثقة، تحاول التعلق بظواهر هشّة، ظناً منها بأن المتحضر هو من يتحدث بأحرف أجنبية، أو أحرف غير عربية».

«الغباء الاجتماعي»
وتؤكد د. نصير أن تأثير شبكات التواصل الاجتماعي السلبي في مستخدميها قد يعود عليهم «بالغباء الاجتماعي، والذي يُفسر بأنهم عندما يتواجدون في المجتمع، قد يشعرون بالخجل، ولا يجيدون التحدث، ولا يحترمون الكبار في السن.
لذا نجد أن تأثير هذه الشبكات يتمثل بالخلل في بعض الموازين الاجتماعية، ما يؤدي إلى بروز ظاهرة التفاخر بالفكر، أو التكبّر الفكري، أو الاستهتار في التعامل مع الكبار ممن لا يدركون كيفية استخدام أي من مواقع التواصل الاجتماعي، فينسون المهارة الأدبية، ولباقة التعامل مع الآخرين...
إضافة إلى أن هذه الشبكات ساعدتهم كثيراً في الانفتاح على الغرب، فباتت نسب مشاهداتهم للأقنية الغربية عالية جداً، والنتيجة اختلاف في الهوية الاجتماعية لأبنائنا من خلال ما يتلقونه من قيم مغايرة لمجتمعنا الشرقي، العربي والإسلامي، ومن هنا تأتي أهمية التوعية، والتحذير من خطورة هذه الشبكات».

إبتزاز الخبثاء
وتضيف: «من أكثر ما أستاء منه، انعدام الخصوصية للكثيرين على هذه الشبكات، والأمر لا يقتصر على الجيل الشاب أو صغار السن، وإنما نجد أيضاً شخصيات لها مكانة مرموقة في المجتمع يتشاركون خصوصياتهم على هذه المواقع، ولو كانوا في غرف العمليات، رغم علمهم بأن ما ينشرونه معروض على شريحة واسعة لا يمكن السيطرة عليها وحصرها.
ومهما حاول مستخدم هذه الشبكات ضبط خصوصياته، يشكّل نشره لصوره ومعلوماته الشخصية خطأ فادحاً لا يمكن الرجوع عنه في حال  تعرضت هذه الصور والمعلومات للسرقة أو لسوء الاستخدام من أشخاص خبثاء، وقد تصل الأمور إلى حد الابتزاز والمساءلة القانونية».

الآثار الجسدية والنفسية والمشاكل الزوجية
تقول د. نُصير «إن الآثار الجسدية والنفسية التي قد يتعرض لها مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي تتمثل بإصابة الكثيرين بما يُسمى الإدمان الالكتروني، الذي يؤدي إلى العُزلة الاجتماعية، وسيطرة العالم الافتراضي عليهم، إضافة إلى شعورهم بالخجل، والتلعثم في الحديث مع الآخرين، مما يصيبهم بالتعرق، وتسارع نبضات القلب، فيتهربون من مواجهة الغير... أيضاً، هناك من يضعف جسده بسبب السهر وقلة الأكل، أو العكس بحيث يتعرض للسمنة».
وتضيف: «هناك الكثير من المشاكل الزوجية التي تدبّ بين الرجل وزوجته نتيجة استخدام أحدهما لهذه الشبكات بصورة مستمرة، أو بطريقة تدعو الى الريبة والشك. فالعزلة والتخلف عن الالتزامات الأسرية والواجبات العائلية، يخلقان فجوة كبيرة بين الزوجين قد تؤدي إلى تفاقم المشاكل الأسرية وصولاً إلى الطلاق».
وتختتم د. نُصير حديثها بالقول: «لا ينكر أحد أن مواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، تعتمد فوائده ومضاره على كيفية استخدامه، وعلى جميع المستخدمين ضبط أنفسهم وتسخير هذه الوسائل الحديثة لمنفعتهم الشخصية، وخدمة مجتمعاتهم بشكل ايجابي فعال، وتوخي الحذر الشديد أثناء استخدامهم هذه المواقع، لما تحتويه من أنشطة وتطبيقات ومواقع».

دراسة توضح تفاعل المُستخدمين في السعودية على شبكات الانترنت
أشارت إحصائية نشرتها وكالة We are social العالمية في كانون الثاني/يناير عام 2014 إلى وجود ما يقارب الـ 14 مليون مُستخدم للإنترنت في السعودية، أي حوالى 53 في المئة من مجموع السكان، منهم 7.6 مليون مُستخدم نشط لـ «فايسبوك».
ويدخل مُستخدمو الإنترنت في السعودية عالم الإنترنت، عبر الحواسيب الشخصية حوالي خمس ساعات يومياً، في حين يدخلون الإنترنت عبر الهواتف الذكية بمعدل ثلاث ساعات يومياً، مع الإشارة إلى أن 47 في المئة من سكان المملكة يفضلون استخدام هواتفهم الذكية لدخول الإنترنت.
ويستخدم حوالى 51 في المئة من السعوديين الإنترنت للدخول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، بمعدل ساعتين و50 دقيقة يومياً.
ويأتي «فايسبوك» في المرتبة الأولى من حيث الاستخدام في  السعودية، يليه «تويتر»، «غوغل بلس»، «إنستغرام»، ثم «لينكد إن».
ويمتلك 73 في المئة من سكان المملكة هواتف ذكية، يتم استخدامها بنسبة 31 في المئة للتسوق عبر الإنترنت، وبنسبة 89 في المئة للبحث عن معلومات حول الخدمات المحلية.

بصمات إيجابية
تلفت د. نُصير إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي «استطاعت أن تضع بصماتها الإيجابية على حياة مستخدميها، خاصة في ما يتعلق بمستوى تفكيرهم وإدراكهم للأشياء من حولهم، ومتابعة الأخبار التي تحدث في بلدهم والبلدان المجاورة».