هل يحق لأرملة الإنجاب من زوجها المتوفى؟

الأرملة,الإنجاب,زوجها المتوفى

أحمد جمال (القاهرة) 05 سبتمبر 2015

جدل فقهي واسع بين علماء الأزهر حول جواز إنجاب الأرملة من زوجها المتوفّى، حيث رفض بعضهم في حين تحفظ آخرون، وأيد فريق ثالث هذا الإنجاب بضوابط شرعية، وقدم كل فريق من العلماء أدلة شرعية تؤيد موقفه، فماذا قالوا؟


منذ عدّة أشهر  قرأنا عن البريطانية آلي بارك التي رفضت أن يقف موت زوجها مايك بارك المتوقع عائقاً أمام إنجابها أطفالاً منه، فما كان منها إلاّ أن جمّدت حيوانات منوية منه لتحقق مرادها بعد وفاته.
وكانت عوارض المرض بدأت تظهر على مايك، أثناء تحضير الثنائي للزواج عام 2009 ليتبيّن أنه مصاب بدرجة متقدمة من سرطان الجلد، وأن الأورام بدأت تنتشر في جسمه ولا يمكن إنقاذه.
وحين أبلغ الأطباء مايك أنه لن يبقى على قيد الحياة سوى ستة أشهر، قرر الاثنان تقديم موعد العرس إلى تشرين الأول/أكتوبر 2010، ويومها كان شعر العريس قد تساقط بفعل العلاج المكثف.
وبعد الزواج، ناقش العروسان إمكانية أن ينجبا أطفالاً، فاقترحت آلي أن تجمّد حيوانات منوية من زوجها لتتمكّن من أن ترزق بأطفال من بعده.
وقالت الزوجة لشبكة «سي بي سي» الأميركية: «كنت أعرف أن مايك لم يرد أن يموت قبل أن يصبح أباً، لذلك فكرت بأن هذا سيكون أفضل قرار».
وأضافت: «وافق مايك رغم علمه بأنه لن يبقى حياً ليرى أطفاله وهم يكبرون، وأصر على أن أنجب أطفالاً منه».
وبالفعل توجه الزوجان في كانون الأول/ديسمبر 2010، إلى عيادة للتلقيح الاصطناعي في ساوثهامبتون، حيث وضع مايك حيوانات منوية لتجميدها. واتفق الاثنان على اسم شارلي إذا كان الطفل صبياً.
بعد ذلك اليوم لم يصمد مايك سوى أربعة أشهر، وبعد أربعة أشهر أخرى، أجرت آلي عملية تلقيح اصطناعي ولم يمر سوى أسبوعين حتى علمت أنها حامل.
ولد شارلي في حزيران/يونيو 2012، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل قررت آلي أن تنجب طفلاً ثانياً من زوجها المتوفّى، فقامت العام الماضي بمحاولات تلقيح اصطناعي نجحت إحداها لتنجب ابنتها آيلا في نيسان/أبريل الماضي.
وتزامن ما نشر حول تلك الواقعة مع دعوى قضائية رفعتها إحدى الأرامل في مصر تطالب فيها بحقها في الإنجاب من زوجها المتوفّى، خاصة أنها تحتفظ ببعض حيواناته المنوية في أحد المراكز الطبية.


عقد منتهي الصلاحية
يؤكد الدكتور أحمد حسني، نائب رئيس جامعة الأزهر، أنه لا يجوز شرعاً إنجاب الأرملة من الزوج المتوفّى، لانتهاء العلاقة الزوجية بوفاته، وبالتالي لم يعد على قيد الحياة حتى نقول إن هذا المولود ابنه. 
وأوضح أن بوفاة الزوج، يصبح عقد الزواج منتهي الصلاحية أو مفسوخاً من تلقاء ذاته، وبالتالي تنتهي العلاقة بين الزوجين بالموت، ومن ثمَّ لا يجوز نسب المولود إلى أبيه الميت ولا يرث منه في هذه الحالة، حتى لو كانت المدة بين وفاة الزوج وميلاد ابنه أو ابنته شهوراً، وبالتالي قصر المدة ليس مبرراً للإنجاب من الزوج الميت.
ورفض الدكتور أحمد حسني، الاستناد إلى القصة الإنسانية المؤثرة التي اعتمدتها الأرملة البريطانية في إنجاب طفليها، لأن أحكام الشرع ثابتة وليست لها علاقة بالإنسانيات أو العواطف، ومن ثم لا يجوز تطبيق قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات».


الحلال والحرام
تشير الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية في الزقازيق - جامعة الأزهر، إلى أنه رغم أن التلقيح الاصطناعي، الذي هو عملية طبية تتمثل في إخصاب المرأة من طريق حقن السائل المنوي للرجل في رحمها للضرورة، ويكون حلالاً طالما العلاقة الزوجية قائمة، لكن في حالة وفاة الزوج يتحول هذا الحلال إلى حرام شرعاً لانتهاء حياة أحد طرفي الزواج، وهو الزوج.
وأوضحت الدكتورة فايزة أن الإسلام يحترم العواطف الإنسانية مثلما هو الحال مع هذه السيدة البريطانية، إلا أنه وضع من الضوابط الأخلاقية والطبية ما يمنع أي مخالفة لأحكام الشرع، حتى لا تحدث تجاوزات ولا تختلط الأنساب.
ولهذا، فإن هناك إجماعاً بين مختلف هيئات الإفتاء في العالم الإسلامي على تحريم الإنجاب من الزوج المتوفّى، ولعل أشهرها فتوى مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، وفتوى مجمع الفقه الإسلامي في مكة، والمجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وهي أشهر المجامع الفقهية التي يجب الاستناد إلى ما تصدره من فتاوى.
ورفضت الدكتورة فايزة خاطر الاستناد إلى إباحة هذه الطريقة في الإنجاب، للضرورة التي أقرها القرآن الكريم في قول الله تعالى: «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (آية 173) سورة «البقرة»، لأن هذا الاستثناء متعلق بالمحافظة على حياة الإنسان من الهلاك إذا تعرض للموت المحقق، ولم يجد أمامه إلا شيئاً محرماً، كلحم الميت أو لحم الخنزير مثلاً، وكذلك إذا أوشك على الموت عطشاً ولم يجد أمامه سوى الخمرة المحرّمة، فهنا يجوز الأكل أو الشرب منها بقدر ما يبقي الإنسان على قيد الحياة.


تقرير طبي
أما الدكتورة سهير الفيل، وكيلة الدراسات الإسلامية للبنات في القاهرة - جامعة الأزهر، فتشير إلى أن الإسلام دين يسر لا عسر، طالما أن الأمر لم يتعارض مع نصوص وثوابت دينية. فمثلاً عملية التلقيح الاصطناعي أجازتها المجامع الفقهية بشروط، منها أن يثبت بناء على تقرير طبي من طبيب متخصص أن الزوجة لا يمكنها الحمل إلا بهذه الطريقة، بالإضافة إلى أن يكون التلقيح من مني الزوج الحي نفسه وفي رحم الزوجة نفسها.
أما بعد وفاة الزوج فيصبح غريباً عن زوجته لانقطاع رابطة الزوجية بالوفاة، وبذلك تعتبر أي وسيلة للإنجاب بينهما أمراً محرّماً.
وأكدت الدكتورة سهير الفيل أنه إذا أنجبت الأرملة (شرعاً) من زوجها المتوفى فإنه لا يتم الاعتراف بنسب المولود إلى أبيه المتوفّى، وإنما ينسب إلى أمه وتتم معاملته على أنه ابن غير شرعي، ومن ثَمَّ لا حقوق له في ميراث المتوفّى ولا يحمل اسمه، رغم أنه يعد من الناحية الجينية ابنه، إلا أن وفاة الأب حولت ما كان مباحاً في حياته إلى محرّم بسبب انتهاء العلاقة الزوجية.
وحضت الدكتورة سهير الفيل الأرامل على البحث عن زواج شرعي جديد مكتمل الأركان والشروط، فهو خير من الإصرار على الإنجاب من زوج ميت، مهما كانت الروابط العاطفية والإنسانية بين الزوجين أثناء حياة الزوج وقبل وفاته، لأن أحكام الشرع ليست وفق الأهواء والأمزجة.


المجامع الفقهية
تشير الداعية الإسلامية هدى الكاشف إلى أن هذه القضية مستحدثة، ولا توجد نصوص صريحة في شأنها، ولهذا فهي تعتمد على الاجتهاد، وترى من الأفضل طرحها على المجامع الفقهية من جديد مع وجود أطباء يشرحون تفاصيل العملية والمباح والمحظور فيها.  
وطالبت الكاشف بإعادة مناقشة الفتاوى الفقهية السابقة أو القديمة في هذا الشأن، والوقوف على أحدث المستجدات الطبية فيها، لأنها قد تتحول بالمناقشة والخلاف بين الأئمة إلى قضية خلافية بدلاً من أن تكون قضية عليها إجماع.
وأكدت أن هناك العديد من القضايا التي كان الفقهاء القدامى يحرّمونها، ثم جاء الفقهاء المعاصرون وأحلّوها وغيّروا الحكم الفقهي من التحريم إلى التحليل بضوابط فقهية معينة. ولعل أشهر دليل على ذلك، قضية «فوائد البنوك» وكذلك «زراعة الأعضاء ونقلها من الميت إلى الحي»، لأن الدين الإسلامي حيوي ومرن في الأمور التي لم يرد فيها نص شرعي قاطع من القرآن الكريم والسنّة النبوية، وهنا لا يكون لنا اختيار، لقول الله تعالى: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا» (آية 36) سورة «الأحزاب».


مثار جدل
يرى الدكتور صبري عبدالرؤوف، أستاذ الفقه المقارن في كلية الدراسات الإسلامية - جامعة الأزهر،  أن الإنجاب من الزوج الميت يثير مشكلات اجتماعية، فضلاً عن الجدل الفقهي، لأنه أمر غير طبيعي في الإنجاب الذي اعتدنا عبر التاريخ البشري أن يكون بين زوجين على قيد الحياة، حتى تكون العلاقة الزوجية بينهما «سارية المفعول». أما بوفاته، فتصبح هذه العلاقة «منتهية الصلاحية»، ومن ثم لا يجوز الإنجاب من طريقها، خاصة ًأن الشرع نهانا عن الأمور المشتبه فيها، حيث قال (صلّى الله عليه وسلّم): «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك».

وأنهى الدكتور صبري كلامه بتأكيد أن هذا الإنجاب مكروه، وسيؤدي إلى نزاعات بين الزوجة وأهل زوجها المتوفّى بسبب الميراث والنسب، خاصةً أن العلاقة الزوجية تنتهي بالوفاة الحقيقية.


شبهة
رغم تحفظ الدكتور محمد المنسي، أستاذ الشريعة الإسلامية في كلية دار العلوم - جامعة القاهرة، على هذه الطريقة في الإنجاب من الزوج المتوفّى، لانتهاء فاعلية عقد الزواج وما يترتب عليه من آثار بوفاة الزوج، لكن إذا افترضنا جدلاً وجود أي مبرر إنساني وليس شرعياً له، فإنه في أحسن الأحوال سيكون أمراً فيه شبهة، وقد نهانا الشرع عن فعل الأمور التي فيها شبهة شرعية، وأمرنا بفعل الأمور الحلال تماماً، فقال رسـول الله (صلّى الله عـليه وسلّم): «إن الحلال بيِّن وإن الحـرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس، فمن اتّقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه، ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام، كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه، ألا وهي الـقـلب».
وأشار الدكتور المنسي إلى أن رغم الإمكانية الطبية في إثبات أن النطفة من الزوج والبويضة من الزوجة، لكن بوفاة الزوج ينتهي كل شيء، وبالتالي لا يجوز شرعاً نسب المولود إلى الأب المتوفّى أو يكون له حق في الميراث، حتى لو وافق أهل الزوج المتوفّى وارتضوا بذلك، فهذا لا يعطيها الحق في تنفيذ أمر مخالف للشرع، حتى ولو كانت فيه شبهة، استناداً إلى بعض الآراء الفقهية التي قد تجيز ذلك مع الكراهة، أو قياسه على وطء الشبهة، حفاظاً على مستقبل الابن من الضياع.


جائز في العدّة
على عكس الآراء السابقة الرافضة أو المتحفظة بضوابط، أو ما ترى أن الأمر فيه شبهة شرعية، أجاز  الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر السابق، إنجاب الزوجة من زوجها بعد وفاته من طريق الاحتفاظ بحيواناته المنوية وإخصابها ببويضة الزوجة، ثم وضعها في رحم الزوجة بعد وفاة الزوج، بشرط أن يكون ذلك خلال العدّة وبموافقة الورثة الشرعيين.
وأشار الدكتور واصل إلى أن في خلال فترة العدة تكون الزوجة محرّمة على غيره، وما زالت تابعة لزوجها رغم وفاته، وبالتالي يجوز لها إذا كانت محتفظة بـ «منيْ» منه أن تخضع لعملية التخصيب والتلقيح الطبي. أما بعد انتهاء فترة العدة، فإن ما كان مباحاً يصبح محرّماً، لأن علاقتها بالزوج الميت انتهت، وبالتالي يجوز لها الزواج بغيره. أما خلال فترة العدة فما زالت بقايا العلاقة الزوجية قائمة.
وأوضح الدكتور نصر فريد أن عدة المتوفى، التي يجوز خلالها الإنجاب منه وبموافقة الورثة الشرعيين، حددها الشرع في قول الله تعالى: «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» (آية 234) سورة «البقرة».