ضحين بالزواج من أجل المهنة!

نساء ضحين بالزواج,سارة علام,غادة خليفة,سارة البطراوي,مها العسكر,خديجة الفواز,أنجي صباغ,قوانين متخلفة ومواصفات,الخوف من التجارب الفاشلة

ميس حمّاد (السعودية),أنجي الطوخي (مصر) ميس حمّاد (السعودية) أنجي الطوخي (مصر) 10 أكتوبر 2015

لم يعد الزواج الحلم الوحيد للفتاة الآن، ولم يعد آخر محطات طموحها، بل إن هناك من قرّرن بكامل إرادتهن التخلي عن الزواج وفكرة تكوين أسرة، أو حتى تأجيلها من أجل تحقيق طموحهن المهني.
إنه القرار الصعب في ظل مجتمع لا يرحم من تتأخر في الزواج، فما بالكم بمن ترفع شعار «مهنتي أولاً»؟!
في ما يلي تستعرض «لها» تجارب لشابات من مصر والسعودية
.

سارة علام: الحياة مع الوحدة أفضل من الحياة مع زوج لا يفهمني
سارة علام شلتوت، قرّرت ألا تكتفي بطريق الصحافة، واقتحمت مجال الشعر والكتابة الأدبية رغم سنها الصغيرة، فكان أول ديوان لها بعنوان «دون أثر لقبلة» والذي يمثل كلمات أنثى متمردة قرّرت التعبير عن أوجاعها من الزمن والحياة مبكراً، بالإضافة إلى نقد مرجعيات تاريخية بشكل ساخر، المجموعة الشعرية التالية لسارة كانت بعنوان «تفك أزرار الوحدة».
لم تتوقف سارة عند كتابة الأشعار، بل عملت على تمثيل مصر في المهرجانات الشعرية الدولية المختلفة؛ منها المهرجان الذي أقامته جامعة «بريدج ووتر» في ولاية فيرجينيا الأميركية، واحتفالات اليوم العالمي للشعر بالمملكة البحرينية، ومهرجان «آسفي» بالمغرب، وبعض الفعاليات في تونس والعراق.
ورغم النجاح الذي حققته سارة، إلا أنها تعيش بمبدأ «لا للزواج لمجرد الزواج» خصوصاً مع النجاح الهائل الذي حققته في حياتها العملية، قائلة: «الحياة مع الوحدة ستكون ألطف ألف مرة مقارنة بالعيش مع زوج لا يفهمني، أو شريك غير مناسب».

«قوانين متخلّفة» ومواصفات
تحكي سارة أكثر عن الظروف المحيطة برغبتها في عدم الزواج وتفضيل طموحها وهواياتها في النهاية فتقول: «الحياة والطموح يتملكان الإنسان، أو يأخذانه حتى ينسى أمر الزواج، وهو ما حدث معي بعد فترة من بدء الكتابة في مجال الشعر والأدب». تعترف سارة أن معظم البنات في سنها يعلنَّها واضحة: «نريد الزواج، لقد وصلنا إلى السن المناسبة له»، لكن الأمر بالنسبة لها مختلف تماماً: «لا أريد الزواج والسلام.. أريد رجلاً يفهمني، ويتفهم تصوراتي عن نفسي، ويفهم تطلعاتي التي تزيد مع الوقت، ولعدم وجود تلك الشخصية حتى الآن قرّرت عدم الزواج».
لا تنكر سارة أنها تعرضت لضغوط أسرية هائلة بسبب موقفها السابق، خصوصاً أنها تنتمي إلى أسرة صعيدية، لكنها تصف الأمر بأنه مرحلة وانتهت، فبعد فترة من الضغوط والإلحاح أدركت أسرتها انها تتعامل مع تركيبة مختلفة من الفتيات لن يكون الزواج فقط وسيلة سعادتها وتقول: «في البداية كان الإلحاح كبيراً وهائلاً، لكن في آخر عامين اختلف الوضع كثيراً، لأنهم رأوا أنني أفعل شيئاً مختلفاً وجيداً في المجتمع وأدركوا أن طموحي في شريك حياتي لن يكون هيناً، وأنني أحتاج إلى شخص مختلف».
وجود مواصفات معينة لشريك الحياة وضعتها سارة في بالها بعد فترة من الوقت، والتي كان أهمها أن يكون شخصاً مقدراً لمعنى الفن بكل أشكاله وكما تقول: «أن يفهم معنى أن أتركه وأدخل إلى غرفة مكتبي لكتابة الشعر، وأن يدرك أهمية الشعر في حياتي دون أن يتهمني بأي شيء من كلمات الإهمال أو عدم التقدير، بل يقدر هو معنى الشعر والأدب».
تصف سارة المجتمع بالمحافظ صاحب القوانين المتخلفة، فيما يتعلق بالحكم على المرأة، التي ترفض الزواج من أجل طموحها المهني أو من أجل البحث عن مواصفات معينة في شريك حياتها: «هو مجتمع عنصري في كل تفاصيله، لأنه يعمل على معاقبة المرأة بأي شكل كان، سواء على طموحها أو رغبتها في العمل، أو تأجيل الزواج أو حتى على كونها جميلة».
تعود سارة مرة أخرى لتوجه سهام نقدها إلى المجتمع، فهي لم تتأخر في الزواج، بل المجتمع هو الذي يصمم أن يتدخل في شؤونها وشؤون غيرها لفرض تصورات خاطئة عليهن وتقول: «ليس مفروضاً عليَّ أو على غيري أن يعيش من أجل كلام الناس، أو الخضوع لقوانين مجتمع غير قادر من الأساس على نفع نفسه، وعلى كل امرأة قررت اختيار نفس الطريق أن تبدأ في مواجهة نفسها والمجتمع الذي تعيش فيه، من أجل أن تعيش سعيدة ومرتاحة وهو ما فعلته، ففي النهاية هي حياتي وليست حياة الناس، ونحن علينا أن نعيش حياتنا من أجل أنفسنا وليس من أجل أقاويل من حولنا».

غادة خليفة: لست حزينة بسبب عدم زواجي والجيل الحالي يعاني من تقاليد الجيل القديم
القصة الثانية كانت لغادة خليفة، التي قررت أن تطرق أبواباً مختلفة لكنها كلها تندرج تحت باب الفن، مخلفة وراءها قصص الحب والزواج، بعد أن رأت أن المجتمع يحاصر المرأة في أدوار معينة غير عابئ برغباتها الشخصية، التي حققتها بإصرار لتصبح مصممة جرافيك ومصوّرة وصاحبة معرض فني ثم كاتبة دواوين، وحالياً مصممة لأغلفة الكتب الأدبية، تقول غادة: «في البداية لم أكن لأصل لكل ذلك لو استمررت في مهنتي الأولى مصممة جرافيك في إحدى الشركات، التي كانت تشغل جُلَّ وقتي، فأنا كنت أعمل منذ الثامنة صباحاً ولمدة ثماني ساعات يومياً، فأذهب إلى بيتي ولا شيء في ذهني سوى الطعام والشراب، دون التفكير في أي شيء سوى العمل».
لم يكن ذلك مرضياً لغادة؛ 38 عاماً، وهي خريجة كلية فنون الجميلة قسم تصوير عام 2000، فقررت أن تقدم استقالتها من العمل؛ لتفكر جدياً في تنظيم معرض في أحد المعارض الشهيرة بالقاهرة، يكون موضوعه مجموعة من البورتريهات تقوم هي برسمها، وخلال المعرض؛ الذي تم تنظيمه لمدة أسبوع كامل، سعت غادة أن يكون للمعرض لمسته الخاصة، فكان توزيع كتيب صغير على الزوار يشمل مجموعة من الكتابات الشعرية الخاصة بها: «أحد زوار المعرض أبدى إعجابه الشديد بما كتبته، مؤكداً أنه تأثر به أكثر من رسوماتي، وهو ما جعلني أفكر جدياً في فكرة الكتابة».
مسار آخر قررت غادة الخوض فيه وهو كتابة الأشعار، لتقرر إصدار أول ديوان شعري خاص بها بعنوان «تقفز من سحابة إلى أخرى» في عام 2009 قائلة: «حقق الديوان صدى جيداً، خصوصاً من خلال حفلة التوقيع التي قمت بها»، بعدها بعامين قررت غادة إصدار ديوان آخر بعنوان «تسكب جمالها دون طائل» لتحظى بلقبين في ذات التوقيت شاعرة وفنانة تشكيلية.
لم تتوقف حياة غادة عند الكتابة والرسم، فقد انطلقت بعد فترة في مجال تصميم أغلفة الكتب: «بعد كل ما حققته شعرت كأنني أبدأ حياتي من جديد، كنت في الثلاثين من عمري عندما بدأت رحلة استكشاف نفسي، وخلال هذه الفترة أدركت أن كل ما كان ينقصني فقط هو الشجاعة والإيمان بالله وبنفسي، وعدم الاستسلام لكلمات التثبيط والإحباط ممن حولي». تصمت غادة لثوان قليلة ثم تعاود الحديث بشأن ردود الأفعال ممن حولها: «يحاول المحيطون بالإنسان دوماً إثناءه عن أي شيء جديد قد يفعله، باستثناء قلة قليلة منهم، والأسباب دوماً موجودة، ففي حالتي كنت أسمع أين ستجدين عملاً إن تركت عملك، وكيف تبدئين حياتك من جديد وأنت في هذه السن، لا تغيري نمط حياتك، مع أن نمط حياتي نفسه كان لا يعجبني كثيراً، فأن أقضي معظم أوقاتي في العمل، وعندما أعود إلى بيتي لا أفكر سوى بالعمل، هذا كان شيئاً صعباً، كانت أحلامي وطموحاتي وحياتي الشخصية قد قاربت على الاختفاء».
تعلن غادة أن استغراقها في عملها وطموحها جعلاها بشكل ما لا تركز كثيراً على مسألة الارتباط، لكنها تعلن عدم ضيقها من ذلك: «فكرة الزواج والسلام لم تكن أبداً في بالي، كما أن منظومة الزواج صارت في بعض الأحيان تقوم على أن تنسى المرأة نفسها بعد الزواج، بالرغم أنه أمر غير مجبورة عليه، لذا فإن المرأة قد تكون تعيسة بدون زواج وتعيسة وحتى وهي متزوجة، لكن أن تظل تعيسة دون زواج وهناك أمل بداخلها أن تجد السعادة عند إيجاد شريك يفهمها أفضل بكثير من ألا يكون لديها أمل مطلقاً».

ثمن تتغير
تعتبر غادة أن الحياة في مصر حالياً تتغير كثيراً من الناحية الاجتماعية، وهذا التغيير طال منظومة الزواج بشكل أو بآخر، قائلة: «الحياة في مصر تتغير كثيراً لا يمكن إنكار ذلك، مسألة الزواج والارتباط على وجه الخصوص، ونحن الجيل الذي يشهد ذلك التغيير للأسف ويعيشه، وهذا التغيير ببساطة هو صراع بين الجيل القديم وتصوره المغلق لمنظومة الزواج بأن هناك أدواراً محددة لكل من الرجل أو المرأة، والجيل الجديد الذي يرى أن تقسيم الأدوار وشكل العلاقة نفسه خاضعان لتفكيره وظروفه هو وليس ظروف المجتمع، ومادام شكل العلاقة مناسباً له فلا يهم رأي المجتمع، لكن حتى يصبح هذا المفهوم مُطبقاً اجتماعياً، فهو يحتاج وقتاً وصبراً وضغطاً من كل الأطراف الشبابية الموجودة في المجتمع، وللأسف مرة أخرى نحن أو جيلنا من يدفع ثمن التغيير من أجل الأجيال القادمة».
تبتسم غادة وهي تتحدث مرة أخرى، معلنة أنها غير نادمة على اقترابها من الأربعينيات دون زواج، بل على العكس هي ترى أنه كلما زادت في العمر زادت جمالاً وإشراقاً ومعرفة لنفسها: «مش متضايقة بالعكس أنا شايفة نفسي أحلى».

سارة البطراوي: نظرات المجتمع لا ترحم لكن كان لديَّ حلم وسعيت لتحقيقه بكل السبل
الحالة الثالثة كانت سارة البطراوي، (27 عاماً) صانعة عرائس الماريونت وصاحبة مسرح متنقل للعرائس، دفعها ولعها الشديد بالعرائس إلى افتتاح شركة خاصة بها تتولى صنع العرائس الماريونت من الألف إلى الياء، ولا يتم فقط تصنيعها من أجل الألعاب أو الحفلات الفنية، لكن كهدايا في أعياد الميلاد والأفراح وغيرها من مناسبات مختلفة.
فلم تنتظر سارة كثيراً بعد تخرجها في كلية التربية الفنية عام 2008، بل سعت مباشرة إلى البحث عن شغفها الأول والأخير؛ وهو مجال العرائس المتحركة: «كان نفسي أصنع مسرح للعرائس يعمل على توصيل المعلومة للناس، وأنا كنت درست فن نحت الأشكال الخاصة بالعرائس، وبقي فقط تعلم التكنيك، لذا التحقت بمجموعة من الورش الفنية التي تساعدني على التطبيق العملي».
الاعتماد على نفسها في تعلم المبادئ الكلية في عملية صنع وتحريك العرائس هو ما اتخذته سارة بعد فترة، مقررة التخلي عن الورش الفنية التي التحقت بها، والسبب هو نقص المعلومات التي تحصل عليها، وعدم استغلال مواهبها بشكل كامل لتقرر أن تبدأ من خلال الكتب المختلفة والإنترنت: «قررت أتحدى نفسي، وأطور في العرايس التي أعمل بها، وظهرت لديَّ فكرة العرائس العملاقة، وهي لم تكن منتشرة في مصر بكثرة في ذلك التوقيت، وكل ذلك من خلال شركة قررت أن أتولى مسؤوليتها بالكامل باسم باطرو».
لم تكتف سارة بالعرائس التقليدية، فقد اعتمدت في صنع عرائسها الشكل الكاريكاتوري والكاريزما الجذابة، حتى استطاعت أن تحقق حلمها الأكبر في تنفيذ مسرح متنقل للعرائس؛ يقدم عروضاً توعوية للجماهير تعمل على مناقشة حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص: «هو كان حلماً وأنا أجري وراءه، أن أقاوم الجهل الموجود في المجتمع والأمية وأن أقدم شيئاً مختلفاً، والأمر زاد معي بعد الثورة».
عندما يتطرق الأمر للحديث عن الزواج والارتباط لا تنفي سارة أن أحلامها أخذتها بعيداً عن فكرة الارتباط والزواج، في إطار سعيها لتحقيق ذاتها: «الزواج إن لم يكن مشجعاً للمرأة على إظهار مواهبها فليس له داعٍ، خصوصاً إن كان هناك زوج يحاول القضاء على أحلام المرأة وطموحها ومنعها من الأشياء التي تحبها، بحجة المجتمع والعرف والتقاليد». رغم كلمات سارة، إلا أنها تؤكد أن المجتمع مازال ينظر للمرأة التي لم تتزوج، بالرغم من أنها حققت إنجازاً في عملها بأنها لم تحقق شيئاً: «نظرات المجتمع للمرأة لا ترحم، إذا لم تكن مرتبطة، بل إن زملاءها في العمل؛ حتى لو كانوا من الذكور، يبدأون في البحث لها عن عريس، من منطلق أنها قد تكون منافساً لهم، لكن في النهاية مادامت المرأة تعمل في المجال الذي تحبه فكل شيء يهون».

الدكتورة سامية الساعاتي: تقاليد المجتمع وعاداته القديمة تدفع المرأة إلى تأخير سن زواجها
«عمل المرأة محسوب عليها»، بهذه الكلمات بدأت الدكتورة سامية الساعاتي أستاذ علم الاجتماع في جامعة عين شمس، كلامها عن فكرة انغماس المرأة في تحقيق أحلامها وطموحاتها على حساب زواجها، فكل خطوة تخطوها المرأة في العمل تضيق فرص الزواج أمامها، والسبب كما طرحته هو أن شروط اختيار الزوج تتغير لدى المرأة: «إذا ارتفع طموح المرأة ونجاحها يزيد بالتالي طموحها في رجل مناسب لها ومتفهم لأفكارها».
العادات والتقاليد بحسب الدكتورة سامية لا تترك المرأة التي لم تتزوج، فمهما كان نجاح المرأة لابد أن ينتظر المجتمع منها فكرة تكوين أسرة وبيت: «أحد الأسباب التي تساهم في تأخير زواج المرأة التي حققت نجاحاً هائلاً في عملها، أن الرجل الشرقي بطبعه لا يقبل أن يكون أقل من المرأة، فهذا للأسف يتناقض مع مفاهيم الرجولة الخاطئة، التي تقضي بأن يكون الرجل هو الأفضل في كل شيء، فلذلك يسعى دوماً للزواج من سيدة أقل منه علماً أو شهرة، لكي يسيطر عليها ولا تنافسه».
وتصف الدكتورة سامية الأسباب التي تجعل الفتيات الناجحات في عملهن يحجمن عن الزواج، بأنها التأثيرات السلبية لنجاح المرأة في عملها، وتقول: «بالطبع هذا ليس شيئاً ثابتاً، لكن في بعض الأحيان تكون المرأة ناجحة جداً في عملها، ومتزوجة لكنها قد لا تستطيع الموازنة بين عملها وبيتها، وإن فعلت، فقد تظهر لها مشكلة أخرى، هي أن زوجها ليس في مستوى شهرتها أو نجاحها، فتبدأ الغيرة منها لأنها تتعامل مع شخصيات كبيرة ومختلفة في المجتمع وهو لا يفعل، وتتلقى التشجيع وهو لا، وهنا تبدأ المشاحنات التي قد تنتهي بالطلاق، وهو ما يدفع بعض أصحاب الطموح الضخم في مهنتهن إلى الامتناع منذ البداية عن الزواج أو تأجيله».

أسباب عزوف بعض الشابات عن الزواج في السعودية
أكدت إحصائية سعودية صادرة عن وزارة الاقتصاد والتخطيط أن في عام 2011، كان هناك أكثر من 1.5 مليون امرأة سعودية عزباء ممن تجاوزت أعمارهن الـ 30 عاماً. وبينت أرقام ودراسات متداولة أخرى، أن هناك 3.3 مليون من النساء السعوديات ممن تجاوزت أعمارهن الـ 30 عاماً في المملكة المكونة من 20 مليون شخص. وإذا كانت أرقام عام 2011 لا تزال ثابتة، فهذا يعني أن حوالى 45 في المئة من النساء السعوديات ممن تخطين الـ 30 عاماً لا يزلن عازبات. من خلال هذه المشاركة، تستعرض «لها» بعض التجارب الواقعية لفتيات فضّلن المهنة على الزوج، وتناقش مع أصحاب الاختصاص أسباب عزوف الفتيات عن الزواج.

مها العسكر: التفكير 100 مرة قبل الارتباط بشخص آخر
مها العسكر، (29 سنة) تحلم بتوفير حياة تختلف عن جيل والدتها، والنساء اللواتي تزوجن مُبكراً في أجواء تقليدية لم تسمح لهن إلا باختيار هذا الزوج. تحضّر العسكر الماجستير في لندن، وتطمح للوصول يوماً ما إلى مركز مرموق في السعودية، تقول: «لا أرغب في الزواج، وأعشق الحرية نظراً إلى أنني أنتمي إلى مجتمع قبليّ يُحتّم على الفتاة الزواج في سن مبكرة، ومن أبناء عشيرتها، من دون ممارسة حقي في اختيار الزوج الذي سأكوّن معه حياتي الأسرية المستقبلية. ولأنني أرفض هذه الأفكار، واجهت الكثير من الصعوبات مع عائلتي، لكنهم رضخوا أخيراً لرغبتي في السفر، وإكمال تعليمي، وتحقيق ذاتي عِوضاً عن البحث في ثلاجة الطعام عما سأعدّه على طاولة الغداء للزوج والأبناء».
وتضيف: «ناهيك عن التعقيدات التي يفرضها مجتمعنا، إن أردنا الارتباط بأجنبي، والتي قد تطول إجراءاتها. وبالتالي من كانت تحلم بحياة سعيدة، عليها التفكير 100 مرة قبل التعلق بأي شخص آخر، خاصة إن كانت سعودية. لكنني وعلى صعيد شخصي، اخترت الدراسة ومن ثم العمل، لأنني أرى نفسي بعيدة كل البعد عن التزامات الزواج والحياة الأسرية التي تُحتم عليّ فروضاً وواجبات صِدقاً لا أطيق تطبيقها، وأحلم بمنصب مرموق ووظيفة مهمة في المستقبل».

خديجة الفواز: فضلت العزوبية على الزواج بحجة العمل
خديجة الفواز (32 سنة)، كان عملها أحد الأسباب الأساسية التي دفعتها إلى رفض الارتباط بأي رجل تقدم لخطبتها، وتؤكد: «تعاني عائلتي ظروفاً خاصة، فوالدي لا يقوى على الحركة، وأنا الابنة الكبرى في المنزل، وأعمل موظفة في قطاع خاص، وفضلت العزوبية على الزواج بحجة العمل، فمعظم من تقدموا لخطبتي كانوا يرفضون استمراري في العمل، وإن قبلت فلن يكون هناك أي مُعيل لعائلتي من بعدي. كما أنني مستمتعة بكوني عازبة، نظراً إلى الحكايات الغريبة التي أسمعها من صديقاتي المتزوجات في العمل، واللواتي يحسدنني دائماً على العزوبية».

أنجي صباغ: 20 إلى 25 في المئة من الفتيات غير راغبات في الزواج بسبب ارتباطهن بالعمل
مدير عام مركز نُشرق للاستشارات التربوية المستشارة الأسرية والتربوية أنجي محمود صباغ، توضح «أن العمر المناسب للزواج يبدأ من سن 21 إلى 26 سنة بصورة تقريبية، وهي السنوات الأقرب لزواج الفتاة في العصر الحالي. ومن خلال عملي، والحالات التي أقابلها في ما يخص الفتيات، لمست أسباباً متفاوتة أدت إلى ارتفاع عدد غير المتزوجات في السعودية. ومن أبرز هذه الأسباب الأهل، بحيث تكون مقاييس الأب أو الفتاة مرتفعة جداً، ذلك أن الفتاة التي تتعدى الـ 27 سنة تختلف اختياراتها عمن هن أصغر سناً منها، وإن تعدت الـ 30 سنة، تصبح اختياراتها للرجل المناسب صعبة، وتتمسك بمواصفات معينة وأكثر نضجاً من السابق. كما يُعد ارتباط الفتاة بالعمل ورغبتها في الحرية من ضمن الأسباب، وهي أكثر الحالات التي أُشرف عليها... ولأنها تهرب مما يُقيدها، ترفض الفتاة فكرة الارتباط والزواج حتى تبلغ الـ 37 سنة، عندها تصبح راغبة ومقتنعة بالزواج رغم فرصه القليلة... فمفهوم الحرية لديها، يتمثل بالسفر وقتما تشاء، والتنزه مع الصديقات، والعمل الذي يؤكد لها استقلاليتها، وهذه الفئة تشكل نسبة 20 إلى 25 في المئة من الفتيات في سن 27 سنة وما فوق غير الراغبات في الزواج بسبب ارتباطهن بالعمل، وهذا يعتمد على مستوى النضج والوعي لدى الفتاة. فقد ترتبط بعملها وبالمكان الذي تعمل فيه بشكل كبير، كأن تعمل منذ ست سنوات أو أكثر، وكلما تقدمت الفتاة في السن، ازداد تمسكها بعملها، واعتزازها بنفسها. كما لاحظت أن الفتيات اللواتي يتمسكن بالعمل، يكون هذا بمثابة تعويض عما ترسب في دواخلهن، وهذه الرواسب تشكل أكثر من 75 في المئة من نسبة عزوف الفتاة أو الشاب عن الزواج، رغم أن الفتيات يُشكلن للأسف النسبة الأكبر في العزوف عن الزواج، وهي مشكلة كبيرة، لأن ذلك يؤثر في هيكلية المجتمع وتكوينه، لأن الفتاة هي أساس هذا المجتمع».

الخوف من التجارب الفاشلة
وتؤكد «أن هناك أسباباً قد تُلغي فكرة الزواج لدى الفتيات، منها الخجل أو الخوف من الإقدام على تجربة الزواج، إضافة إلى التجارب الفاشلة من خطبة أو زواج، وبالتالي نجد الفتاة تخشى تكرار هذه التجربة، ما يؤثر في نفسيتها في تقبل أي رجل يدخل إلى حياتها».
وتشير أنجي صباغ «إلى أن هناك فئة معينة من الناس تعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي، أو على قصص الحب التي تنشأ بين الرجل والمرأة، والتي قد تشبع احتياجاتهما الداخلية في الحب والعطاء والاهتمام، ما يجعل البعض يعزف عن فكرة الزواج التي تتمثل بالمسؤولية والارتباط والتقيد بالالتزامات الأسرية... هذا إلى جانب بعض الرجال الذين يؤمنون بتعدد الصداقات، وهذه الأمور لا يمكننا بالطبع تعميمها على المجتمع، لكنها موجودة وإن بصورة نادرة، ذلك أن مواقع التواصل الاجتماعي أثرت كثيراً في علاقاتنا».
وعن آلية النُصح والإرشاد التي تتبعها صباغ مع الحالات التي تصادفها في المركز تقول: «نحن نعمل على حل المشكلة من الأساس، ونبحث عن المسببات في العمق، من ثم نعيد البناء الداخلي للحالة، أي بناء الذات، ويتم ذلك من خلال جلسات تربوية، أسرية، نفسية واجتماعية، وهي تشمل الانسان كمنظومة متكاملة، ونحرص على توعية الفتاة من طريق قراءة الكتب أو البرامج التي تُعنى بهذه المسألة، فزيادة الوعي لدى الانسان تعمل على إذابة كل الرواسب النفسية، والمشاكل الذاتية لديه. ومعظم الفتيات يؤكدن أن لا أمل ولا فرص أمامهن للزواج، وفي حال تم إصلاح هذه الأفكار من أعماق الذات البشرية، تُصبح المسألة أسهل في التعامل معها».
وتختتم صباغ بتأكيد «أن كلا الجنسين بات في الفترة الأخيرة يمتلك قدراً عالياً من الوعي، يمكّنه من الارتباط والزواج مع احترام مساحة الحرية لكل طرف، ضمن ضوابط وشروط معينة، وإن احترم كلا الطرفين هذه المساحة، تصبح الحياة سعيدة بالفعل».

د. المعبي: عزوف الشبان أحد أسباب رفض الفتيات الزواج
أما المستشارة الأسرية والنفسية والاجتماعية في مركز إيلاف ومركز تطوير الذات والحاصلة على دكتوراه في الإرشاد والتوجيه الأسري، الدكتورة زهرة المُعبي فتؤكد أن «عزوف الشبان يشكل أيضاً أحد الأسباب التي تؤدي إلى رفض الفتيات الزواج، وتعزيز الارتباط بعملهن، فيقف بعض الرجال عاجزاً أمام غلاء المهور وانتشار البطالة وتأمين المسكن. وفي ما يخص الفتيات، هناك الكثير من الأهالي الذين يُلزمون بناتهم بالعمل رغبةً في الحصول على رواتبهن، أو قد تكون الفتاة نفسها تُعيل عائلتها، وتشكل مورداً اقتصادياً بالنسبة إليهم، لذلك تمتنع عن الزواج، وتتراجع بالتالي فُرصها في الارتباط، وحين ترغب في الزواج تصبح الفرص شبه معدومة، أو قد تقدّم بعض التنازلات في الموافقة على شريك حياتها، على سبيل المثال: تعليمه متوسط، أو متزوج، أو صاحب مهنة متواضعة... وتلك معايير وضعتها لنفسها حتى لا يحرمها المجتمع من الزواج وتكوين أسرة».

د. الفاسي: التعليم بدَّل مواقف المرأة
تشير أستاذة تاريخ المرأة في جامعة الملك سعود والكاتبة في جريدة الرياض الدكتورة هتون أجواد الفاسي إلى أن «هناك فئة محددة من الفتيات يلجأن إلى العمل من باب الرفاهية وانتظار النصيب، وليس من باب تحقيق الذات. لكنني لا أعتقد أن ربط عزوف الفتيات عن الزواج بحجة العمل مسألة دقيقة، لأن الأمرين مهمان، ولا أرى أن من المفترض أن يُبدّى أي منهما على الآخر، كما أن الفتاة عندما تختار عملاً لها، وتسعى إليه بكل جهد لتُحقق ذاتها نفسياً أو مهنياً أو مادياً أو استقلالياً، فهي تفضل بالتأكيد ألا يتعارض هذا الاختيار مع زواجها، أو أن يقف زوجها المستقبلي حجر عثرة في وجه طموحها، وبالتالي هي ليست مسألة عزوف بمقدار ما تحدد النساء أولوياتهن الاستقلالية، وعلى زوجها المستقبلي أن يحترم اختياراتها».
وتوضح «أن التعليم بدّل كثيراً من مواقف المرأة تجاه الزواج، ومنحها المزيد من الثقة، ولم يعد ممكناً التحكم بهذه المواقف، وتلك الثقة تضع المرأة في المكانة التي تريدها، فلا تتزوج لمجرد إرضاء المجتمع، بل لرغبتها ببناء أسرة تكون سعيدة بها وفق المعايير التي وضعتها لنفسها، ووعيها، فالتعليم والوعي يجعلان الفتاة أكثر حرية في انتقاء خياراتها، وتتمتع بقدرة عالية في  اتخاذ القرار».
وتضيف الفاسي: «لعزوف النساء عن الزواج أبعاد كثيرة، يرتبط البعد الأول منها بالرجل، فالرجال هم الفئة الأكثر ابتعاداً عن الزواج، وهناك ظروف أخرى تجعل الرجل غير مقتنع بفكرة الزواج، وأهمها البطالة وعدم توافر السكن، كما أن الزواج التقليدي لم يعد يُرضي الشباب، بحيث ترفض الفتاة أن تحضر أم العريس لرؤيتها، فهذه الآلية لم تعد تُقنع الجيل الجديد، خصوصاً مع عدم توافر طرق تُرضي الطرفين بشكل طبيعي، وبشكل انساني يحترم الاختلافات، وغير متكلف، بعيداً ممن يخطط لتكوين هذه العلاقة. فالفتاة تبحث دائماً عن الرجل الذي يُشاركها حياتها ومؤسسة الزواج».