فضفضة النساء على الإنترنت حلّ للمشكلات أم بداية لها؟

فضفضة النساء,الإنترنت,تغلب على الهموم,دقة الاختيار,بمبة الرغاية,لا للثرثرة

أحمد جمال (مصر) 10 أكتوبر 2015

«زوجة مفروسة»، «الزوجات الحاقدات على العازبات»، «يوميات زوجة وأم»، «زوجة مخنوقة»... هذه بعض مواقع الفضفضة النسائية التي انتشرت أخيراً عبر «فيسبوك»، وجذبت الآلاف من النساء ممن لا يجدن أحداً يستمع إليهن، فقررن البوح بكل أسرارهن عبر تلك الصفحات، على أمل تخفيف الضغوط النفسية والحصول على نصائح الأخريات، لكن هل تكون الفضفضة النسائية على الإنترنت حلاً للمشكلات أم بداية جديدة لها؟

تعترف الفنانة التشكيلية ياسمين الخطيب، رئيسة جمعية «نون النسوة» بأنها خاضت تجربة الفضفضة عبر الإنترنت، وتقول: «أنا شخصياً أسعى دائماً الى الفضفضة بكل ما يجول في خاطري لصديقاتي المقربات جداً، بعدما أُخضعهن لأكثر من اختبار لمعرفة مدى حبهن الحقيقي لي من جانب، وحفاظهن على أسراري من جانب آخر، وأكرر هذا الاختبار مرات عدة على فترات متباعدة، فإذا نجحن أفضفض لهن، وإذا لاحظت أي تسرب لأسراري، أمتنع عمن قامت بذلك تماماً، بل وأنهي علاقتي بها».
 وتضيف: «لا شك في أنني كإنسانة أشعر بالراحة والسعادة عند الفضفضة مع «الصديقة الصدوقة»، التي تساعدني في حل مشكلتي والتوصل إلى القرار السليم. وقتها أشعر وكأن حملاً ثقيلاً أزيح من على كتفيّ، ويتكرر هذا في حياتي كثيراً، خاصةً في الفترة التي قررت فيها الانفصال عن زوجي المستشار أحمد جلال، فكنت أحاول الفضفضة مع كل صديقة تقدر على مساعدتي في حل مشكلتي، التي يترتب عليها انقلاب كامل في حياتي ورعايتي لأطفالي وإنهاء حياتي الزوجية، مع الاحتفاظ بصداقة «أبو أولادي».
 وتنهي ياسمين كلامها، مؤكدة أنها قد تفضل أحياناً الفضفضة مع الطبيب النفسي أو الاستشاري الأسري في بعض المشكلات، باعتباره المتخصص القادر على إخراجها من الأزمة بشكل علمي سليم ومدروس، وليس من خلال التعاطف كما هو معروف في الكثير من حالات الفضفضة النسائية.

دقة الاختيار
تشير الأديبة لنا عبدالرحمن إلى أن الفضفضة عبر المواقع الإلكترونية المتخصصة وسيلة حديثة، وتقول: «ألجأ إليها أحياناً للتخلص من الضيق الذي يسيطر عليّ، لا سيما عندما يواجهني بعض المشاكل والمتاعب التي تكدّر صفو حياتي، سواء في العمل أو على المستوى الأسري والاجتماعي، لأن الفضفضة للصديقة أو الشخصية المناسبة، خاصةً من تملك خبرة في الحياة، تخفف عني كثيراً عناء المشكلات المستعصية، وتمنحني جرعة معنوية فعالة تساعدني على إكمال مسيرة حياتي بثقة».
 وتضيف لنا أنها تعلمت كثيراً من أخطائها في الفضفضة مع الشخصية غير المناسبة، ودفعت ضريبة ذلك بمزيد من تعقد المشكلات وما تسببه من أزمات نفسية، ولهذا فإن اختيار الصديقة المناسبة للفضفضة ليس بالأمر الهين.
وتلفت إلى أنها تؤمن بأهمية «الفضفضة النسائية»، لكنها تمقت بشدة «الثرثرة» التي تجلب المشكلات بدلاً من أن تحلّها، لأنها تجعل من تفرط في الفضفضة بلا حدود وضوابط فريسةً سهلة، ليس لمن تفضفض إليها فحسب بل للجميع.

«بمبة الرغاية»
تحذر الكاتبة إقبال بركة من تحول كثير من النساء عبر مواقع الفضفضة إلى شخصية «بمبة الرغاية»، التي تناولتها بسخرية بعض الأعمال الفنية، لأن شخصية بمواصفات «بمبة» تخرب البيوت وتفشي الأسرار وتجلب المشكلات، ليس لنفسها فقط بل لكل المحيطين بها والمتعاملين معها.
 وتشير إلى أنها على المستوى الشخصي تفضفض لصديقاتها وتشرح لهن ما تتعرض له من مشكلات مثل أي إنسانة، أو تستشيرهن في أمر أو قضية محيرة، لكنها تنتقي بدقة من تفضفض لها حتى تكون نصيحتها نافعة واستشارتها مفيدة.
 وتوضح إقبال بركة أنها من خلال تجاربها في الحياة، تختبر صدقية وأمانة صديقاتها في الحفاظ على أسرارها التي تتم الفضفضة في شأنها، فإذا لاحظت تسرب أي سر، تضع «خطاً أحمر» على هذه الصديقة، وتعيد تقييم العلاقة بها، وقد يصل الأمر إلى استبعادها من «دفتر صديقاتها وزميلاتها»، أو حتى مقاطعتها تماماً.

فضفضة ثلاثية
يعد الثلاثي مزنة حسن وسلمى النقاش وأمل المهندس، الناشطات في أحد المراكز البحثية الخاصة بشؤون المرأة، نموذجاً فريداً لمن يمارسن «الفضفضة الإلكترونية» مع بعضهن خارج أوقات العمل، حيث وصلت درجة التواصل بينهن إلى الثقة التامة بكل ما تقوله الأخريات في ما يتعلق بأي مشكلة خاصة بإحداهن، سواء على المستوى الشخصي أو العائلي.
يتفق الثلاثي مزنة وسلمى وأمل، على أنهن يفضفضن مع بعضهن الى درجة الإدمان في كل ما يتعلق بأسرارهن ومشكلاتهن الشخصية والأسرية، باعتبارهن صديقات يجدن في ما بينهن الحل لكثير من المصاعب التي تواجههن، لتقليل احتمالات الخطأ إذا ما اتخذت إحداهن قرارها بمفردها في مشكلة خاصة بها في الأمور المصيرية.
 تروي مزنة وسلمى وأمل، أنهن يفضفضن إلكترونياً بعد العمل أو بشكل مباشر أثناء وجودهن في العمل في ما يتعلق بالخطوبة والزواج وغيرهما من القضايا التي تتعرض لها إحداهن، أو حتى صديقاتهن أو قريباتهن، ويجتمعن على رأي واحد يكون في الغالب هو الصواب، بحيث تتم مناقشة القضية من مختلف جوانبها.
 وعما يفعلنه إذا لم يتم الاتفاق على رأي في مشكلة شخصية خاصة بإحداهن، صرّحن في جملة واحدة: «نلجأ إلى استشارة متخصص تكون لديه الدراية الكافية لإرشادنا في ما حرنا في اتخاذ القرار بشأنه».
 ورغم حرصهن على عدم البوح ببعض تفاصيل أسرارهن التي يفضفضن بها، يؤكدن أن الشعب المصري عاطفي بطبعه، وينفعل بسرعة، ولهذا يلجأ إلى من يحبه ويثق في رأيه ليطلب منه المشورة، التي تكون في أحيان صحيحة وأحيان أخرى خاطئة، إلا أن صاحبة المشكلة وحدها من تتحمل نتيجة الفضفضة الخاطئة.
ويشرن إلى أن كل واحدة منهن هي «كنز أسرار» صديقتيها، ولا يمكنها البوح بأي سر خاص بها، وخاصة في ما يتعلق بحياتها الأسرية أو أمورها الشخصية، مع اعترافهن بأن تكرار بعض النتائج الخاطئة للفضفضة الإلكترونية أو المباشرة بينهن، جعلهن ينصحن الأخريات باللجوء إلى الاستشاريين النفسيين والاجتماعيين الذين لديهم دراية بحل المشكلات على أساس علمي، وخاصة في ما يتعلق بالعلاقات الإنسانية والأسرية.
 وباعتبارهن باحثات في شؤون المرأة، يحذرن النساء من الفضفضة الإلكترونية مع من لا يعرفنه، وخاصة من الرجال، لأن لهذا السلوك نتائج كارثية، وقد قام المركز بدراسة بعض المشكلات التي تنجم عن ذلك، منها الزواج العرفي الذي يرفض الرجل الاعتراف به وتدفع المرأة ضريبة ذلك وحدها، وقد يصل الأمر ببعض الحالات المدمنة للفضفضة الإلكترونية إلى الوقوع في «بئر الخيانة»، إذا وجدت صدراً حانياً وقلباً مفتوحاً وآذاناً صاغية تستمع إلى مشكلاتها العائلية، وتحاول استغلال لحظات ضعفها...

تغلّب على الهموم
 تقول الدكتورة سعاد محمد، المدربة الدولية للتنمية البشرية: «رغم أنني خبيرة في التنمية البشرية، أساعد الكثيرات على حل مشكلاتهن، إلا أنني أجد في الفضفضة المباشرة أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي مهرباً حقيقياً من الضغوط والمشاكل التي تواجهني في حياتي، خاصةً تلك التي لا يمكن أن أبوح بها لأي صديقة، ولهذا أشعر عندما أفضفض للصديقة المناسبة وكأنني أتكلم مع نفسي في المرآة، مما يولد لديَّ إحساساً كبيراً بالراحة، ولهذا فإن الفضفضة المنضبطة إحدى وسائلي للتخلص من الهموم التي تُثقل كاهلي، وقد عايشت هذه اللحظات الصعبة أثناء مأساة فقدي لزوجي في ظل ظروف غامضة، كنت بحاجة فيها الى من يأخذ بيدي إلى بر الأمان والسكينة بعد هذه المأساة».  وتشير الدكتورة سعاد إلى أن «الفضفضة النسائية» العقلانية وسيلة حيوية للتخفيف من هموم النفس والبحث عن الراحة، والتغلب على الضيق والقلق، وهو ما يدفع النساء للجوء إلى صديقات يلقين على مسامعهن ما يشغلهن، لأن الإنسان اجتماعي بطبعه، ولهذا فإن إيجاد الشخص المناسب الذي يمكن ائتمانُه على تفاصيل الحياة قبل البوح بأي أسرار أمر هام جداً، حتى لا يتم علاج المشكلة بمزيد من المشكلات.

لا للثرثرة
يشير الدكتور عادل الأشول، المدير السابق لمركز الإرشاد النفسي في جامعة عين شمس، الى أن مواقع الدردشة أخرجت النساء وربات البيوت من الجو الروتيني للمنازل وتربية الأبناء ورعاية الأزواج، بحيث وجدن ما يتحدثن فيه وسط تجمعات ضخمة من السيدات يعانين المشكلات نفسها، بدءاً بهموم البيت وانتهاءً بالعلاقة المتوترة مع الزوج، ولهذا فإن صفحات الشات ومواقع الفضفضة تهوّن الصعب على النساء، على طريقة المثل العامي المصري «اللي تشوف بلاوي غيرها... تهون عليها بلوتها... وهمي أهون من هم غيري».
 وينهي الدكتور الأشول كلامه، مؤكداً أن مواقع الفضفضة تؤدي أحياناً الى هدم الأسرة والعلاقات الاجتماعية، عندما تتحول إلى وسيلة لـ «الرغي والثرثرة واللت والعجن الحريمي»، وشيئاً فشيئاً قد تدمن المرأة مواقع الـفضفضة، وتعتبرها مجالاً للتنفيس عما يدور في داخلها من صراعات زوجية أو حياتية، حتى تدرج نفسها في صفحات الزوجات «المخنوقات والمفروسات والزهقانات»، التي يبلغ عدد مشتركيها بالملايين.

الفضفضة مع من تستطيع النصح
تؤكد الدكتورة ألفت أدهم، مدربة التنمية البشرية واستشارية العلاقات الأسرية، أن ضغوط الحياة اليومية جعلت اللجوء إلى الفضفضة والبوح بالهموم أمراً هاماً، وهذه الفضفضة لها إيجابياتها وسلبياتها، وتختلف درجة الإيجابية أو السلبية من إنسانة الى أخرى، وفق اختيار من تفضفض إليها، ومدى ما تتمتع به من خبرة وصدق في النصح والأمانة في الحفاظ على الأسرار.
وتشير إلى أن الإنسان – سواء كان رجلاً أو امرأة - نتيجة تعرضه لضغوط الحياة، يحتاج إلى التحدّث الى شخص آخر يثق به ويستمع الى شكواه، وأن يكون هدف من يود الفضفضة حل مشكلة ما، وليس الحديث فقط، لأن الثرثرة تخلق مشكلة أكبر.
وتنصح الدكتورة ألفت أدهم النساء بأن يعملن على غربلة صديقاتهن على مواقع التواصل الاجتماعي، وألا يتحدثن إلا مع من تستطيع تقديم النصح والمشورة الصحيحة لهن، وألا تكون فضفضة لمجرد الفضفضة، فقديماً قالوا «لسانك حصانك إن صنته صانك وإن هنته هانك»، كما يقال: «الإنسان مخبوء تحت لسانه».
 وتنهي الدكتورة ألفت كلامها، مؤكدة أن من الجوانب الإيجابية لمواقع الفضفضة النسائية تفريغ المشاعر المكبوتة وإدامة العلاقة مع الأخريات، أما تلك السلبية فتتمثل في إعطاء المستمعة آراء ووجهات نظر معتمدة على الخبرة الشخصية أو مستوى الإدراك والفهم، والذي قد لا يتناسب مع ما تحتاج اليه المتحدثة، ولهذا ننصح النساء في حال شعورهن بالضيق النفسي وتراكم الأعباء والهموم، بالذهاب إلى أطباء نفسيين أو تربويين أو استشاريي علاقات أسرية، أو ممارسة بعض الهوايات المفيدة مثل الرياضة وغيرها، وكذلك التدريب على تجنب الكلام مع الآخرين أو البوح لهم بأسرارهن.

انتهازية الإعلام
عن رؤية الإعلام لهذه القضية الحديثة، تقول الدكتورة مايا أحمد، أستاذة الإعلام في الجامعة الحديثة: «فضفضة النساء لبعضهن مسألة موجودة منذ بدء الخليقة، وستستمر إلى يوم القيامة، لأنها مرتبطة بكون الإنسان كائناً اجتماعياً يتعرض لمشكلات ويبحث عن حل لها، وبعضها لا يستطيع حلّه بمفرده، ولهذا يسعى إلى الاستعانة بالآخرين، وهذه الفضفضة ليست مقصورة على النساء فقط، رغم انتشارها أكثر بينهن، نظراً الى تغلّب العاطفة عليهن».
 وتشير الدكتورة مايا إلى أن الفضفضة الإلكترونية تعتمد على تطور وسائل الاتصال الحديثة التي سهلت التواصل بين البشر، ليس داخل القرية أو المدينة الواحدة بل بين القارات ودول العالم، وتضاعفت بالتالي أعداد من يمكن الفضفضة إليهم، ليس من الأصدقاء والمعارف فقط، بل مع آخرين وأخريات قد لا نعرفهم، فظهرت ألاعيب وانتحال لصفات الجنس الآخر واستغلال للفضفضة في تدمير أصحابها والتشهير بهم عبر وسائل الإعلام.
وتحذر الدكتورة مايا من الإسراف في الفضفضة، بحجة أن هناك هموماً مشتركة تجمع بنات حواء، وعلى رأسها المشاكل العاطفية والعائلية، لأن هناك عوامل أخرى لا بد من وضعها في الحسبان، مثل اختلاف العادات والتقاليد والظروف البيئية والصفات الشخصية للمحيطين بصاحبة المشكلة، لذا على المرأة أن تضع نصب عينيها أثناء الفضفضة مقولة «لكل مقام مقال».