عندما يتخلى المراهق عن صديق الطفولة

المراهق,صديق الطفولة,المنزل,الصديق الجديد,المستوى الاجتماعي,الأهل,الصديق,صديق الطفولة

07 فبراير 2016

تخلّى رامي عن خالد صديق الطفولة وتجنب لقاءه ولم يعد يرغب في صداقته، فقد أصبح لديه صديق جديد.
تبدو هذه الصورة لعلاقة الصداقة بين المراهقين أمرًا مشتركًا بين معظمهم، وقد يستغرب الأهل تخلّي ابنهم عن صديقه الحميم  الذي يعرفونه جيدًا، ويعاملونه كأنه من أفراد العائلة.


لماذا يتخلّى المراهق عن صديق  الطفولة؟
يرى اختصاصيو علم نفس المراهق أن التخلّي عن صديق الطفولة في سن المراهقة هو تصرّف طبيعي لا يشير إلى أي مشكلة نفسية.
فمن المعلوم أن المراهقة مرحلة تحوّلات جسدية ونفسية تتعلّق بطريقة التفكير والتعامل مع الآخرين، أي أن المراهق يعيد النظر في علاقاته الاجتماعية، لذا يسعى إلى الاستقلال والتحرّر من سلطة الأهل لبناء فردانيته وهوّيته الخاصة فيبحث عن نموذج جديد للتماهي.
ومن الممكن أن يعتبر المراهق أن الصديق الذي يعرفه منذ الطفولة على علاقة متينة بالعائلة التي يحاول التخلي عن علاقاته الانصهارية بها.
فهو في حاجة إلى أن يبرهن عن وجوده وإثبات هويته إلى شخص آخر من الضروري ألا يكون على علاقة بمحيطه العائلي، أي يبحث عن  شخص لديه نظرة مختلفة تمنحه القيمة الحقيقية لشخصيته.

أحيانًا يظن الأهل أن الصديق الجديد هو سبب انقطاع العلاقة بين ابنهم وصديق  الطفولة الذي ينال رضاهم. فهل ظن الأهل في مكانه؟
ليس بالضرورة عندما يكون صديق الطفولة على علاقة مع المراهق منذ الصغر، أن يلاحظ أحدهما  التغيير الذي يحصل لهما لأنهما اعتادا على هذه الصورة. فلا يعود يجد في هذه الصداقة اكتفاء ذاتيًا، لأن الصديق  يشبهه في كل شيء، فيبحث عن شخص جديد مختلف عنه كي يتمكن من اكتشاف نفسه التي لن يعرفها جيدًا إذا كان الصديق يشبهه.
لذا يحدث هذا التخلي الذي يعبّر عن رغبة المراهق في إيجاد هويته الجديدة من خلال آخرين لا علاقة لهم بماضيه أو بعائلته. عمومًا صداقة الطفولة تضمحل مع الأيام، وغالبًا ما تنتهي في سن المراهقة، لكن قد يعود الصديقان إلى الالتقاء بعد فترة الانقطاع بعد أن يكونا قد فهما نفسيهما أكثر أو كوّنا هويتيهما.

هل من الممكن أن تكون الغيرة سبب التخلي عن الصديق؟ أي أن الأهل يعاملون الصديق كما يعاملون ابنهم، مما يثير الغيرة بينهما؟
قد يكون سبب انفصال المراهق عن صديقه أنه يشكّل في نظره نموذجًا لأهله الذين يريد التخلص من علاقته الانصهارية بهم، خصوصًا إذا كان الأهل يعاملون هذا الصديق كفرد من أفراد العائلة، في الوقت الذي يريد فيه الانطلاق نحو العالم الخارجي الذي يسمح له بتكوين شخصيته وهوّيته. 
فالمراهق لا يرغب في مرافقة شخص يشبهه إلى أقصى الحدود في تصرفاته، وهو في حاجة إلى أن يكتشف نفسه في عيون من ليسوا على علاقة مباشرة بعائلته.
وقد تكون الغيرة السبب، بمعنى أنه يريد أن يبرهن مقدرته على القيام بعمل أفضل من صديق الطفولة، ولهذا قد يكرهه ويقطع صلته به.

لماذا يقلق الأهل من علاقة ابنهم أو ابنتهم بالصديق الجديد؟ وهل يجوز ردع هذه الصداقة المستجدة؟
يقلق الأهل أحيانًا من صديق ابنهم الجديد، خصوصًا إذا كان أكبر منه سنًا، خوفًا من أن يبتز هذا الشخص ابنهم أو يسيطر عليه... لكن إذا كانوا مطمئنين الى سلوكيات هذا الصديق الجديد أو الشلة الجديدة فليس من داعٍ للقلق.
وفي المقابل إذا كان هذا الصديق سيئ السمعة فمن حق الأهل أن يقلقوا ويعملوا على ردع المراهق عن توطيد علاقته به في شكل تواصلي جيد، أي أن يمنحوه الثقة ويفسّروا له أسباب عدم رضاهم عن هذا الصديق الجديد، من دون أن يكون الردع على نحو ظالم كأن يقولوا له مثلاً «أنت لا تفهم».
لا يجوز إلغاء تطوّر شخصيته، فهذه الخطوة تعني «أنا أتغيّر وأريد تجربة أمور جديدة، وأهلي يريدون منعي». وعندما يمنع الأهل المراهق في شكل صارم، سيفهم أنهم لا يريدونه أن يطوّر شخصيته.
لذا عليهم التصرّف في شكل يطمئنه... «نحن نريدك أن تكبر وتنضج ولكن بطريقة صحيحة لا تؤذيك». هناك خيارات، أي أن يعطوه البديل الذي يسمح له بالنمو واكتشاف شخصيته لا منعه أو وضع العوائق في وجهه. وعمومًا  يقلق الأهل من التغيير الذي يحدث لابنهم المراهق وليس فقط من الأصدقاء الجدد.
ويشير الاختصاصيون إلى أن من الضروري أن يراقب الأهل أو يتعرّفوا إلى هذا الصديق الجديد، على ألا تكون مراقبة بوليسية وإنما مبنية على الثقة. فأحيانًا يبالغ الأهل في المراقبة إلى حد يزعج المراهق مما يزيده عنادًا وتعنتًا.
في حين أن العلاقة بين المراهق وأهله يجب أن تكون منظّمة، أي أن يعطيه الأهل هامشًا من الحرية يعبّر فيها عن نفسه. وعمومًا الأهل الذين يمنحون أبناءهم هذا الهامش من الحرية لا يواجهون صعابًا معهم، لأن منح المراهق الحرية يعزّز لديه الثقة بنفسه، ويُشعره بالمسؤولية  فيحافظ أكثر على الأمور التي حازها.  بمعنى آخر منح هامش الحرية يعني رسالة مفادها أن هذا تطوّرك وعليك الاهتمام به.

ولكن لماذا يختار المراهق أحيانًا صديقًا أكبر منه سنًّاً؟
إن اختيار المراهق صديقًا أكبر منه سنًا إشارة إلى أنه يضجر من أترابه، وإلى أنه أنضج منهم. وهذا الاختيار هو أيضًا طريقة سريعة لتجاوز مرحلة الطفولة، لكنه في الوقت ذاته يعرّض نفسه لخطر تجاوز المراحل، والدخول في أمور تتخطى قدراته.
لذا على الأهل الاستعلام عن كيفية تمضيته وقته، ومع من يقوم بنزهاته، والأماكن التي يرتادها، وأي نوع من الأشخاص يرافق.

                                                              
ما هي أسباب رفض الأهل أحيانًا الصديق الجديد لابنهم أو ابنتهم المراهقة؟ 

هناك أسباب عدّة تجعل الأهل يرفضون صديق ابنهم المراهق الجديد:

المستوى الاجتماعي للصديق الجديد
قد يرفض الأهل الصديق الجديد بناء على المستوى الاجتماعي، في حين لا يجوز لهم التدخل في الحياة الشخصية جدًا للمراهق، خصوصًا إذا كانوا يعرفون جيدًا أخلاق هذا الصديق ولا يجدون مانعًا من مرافقته.

أهل الصديق الجديد يعطونه حرية مبالغًا فيها
على الأهل أن يفكّروا في الأمور التي يقبلون قيام ابنهم بها، وتلك التي يمنعونه عنها، فإذا كانت متفاوتة مقارنة بمن هم في سنّه عليهم التخفيف منها، مثلاً إذا دعاه هذا الصديق الجديد للخروج مساء لمشاهدة فيلم ينتهي عند العاشرة، فهذا مقبول.
أما إذا لم تكن كذلك، مثلاً السهر في نادٍ ليلي، أو قيادة السيارة من دون رخصة قيادة، فعليهم الإصرار على الممنوعات التي يفرضونها.
وقد يواجه الأهل اعتراضًا أن أهل صديقه الجديد يسمحون له بالسهر حتى ساعات الصباح الأولى، أو أنه يقود السيارة، عندها عليهم أن يصرّوا على ضرورة التزامه بقانونهم المنزلي: «هكذا هي الأمور في منزلنا، وعليك التقيّد بها».
رغم ثورته واعتراضه والمشادات التي تحدث بينهم فإنه يشعر في صميمه بالأمان لأنها تحميه.

مظهره مريب
على الأهل محاولة تخطي الانطباع الأول عن الصديق الجديد. لذا ليتخلّصوا من ارتيابهم يمكنهم دعوته إلى الغداء في المنزل.
فربما هذا الشاب الضخم ذو خصلة الشعر الحمراء يهوى أمورًا مفيدة. وإذا لم يكن كذلك، يمكنهم الاقتراح على ابنهم الاشتراك في نادٍ يمارس فيه نشاطًا معينًا كالرياضة أو تعلم العزف حيث يلتقي أصدقاء جددًا.
ولا بد للأهل أن يطمئنوا إلى أن العلاقات السيئة سرعان ما تتحوّل إلى مصدر للملل عند المراهق.

ليس لديه القيم نفسها التي يتبعونها في المنزل
هذا الصديق سيئ التربية، يتحدث كثيرًا عن أهمية النقود، لا يحترم الأكبر منه سنًّا، لا يولي أهمية لرأي والديه... وفي المقابل يكون المراهق قابلاً للتأثر بأي شخص كان، فهذه عيوب المرحلة. ولكن في إمكان الأهل الاستفادة من ذلك ببناء علاقة مع ابنهم أو ابنتهم المراهقة قائمة على الحوار بدل النزاع معه.
فانتقاد أصدقائه في شكل مستمر يَنتج منه صدام، ويصير هذا الصديق غير المرغوب فيه أعز صديق لديه كي يبرهن لأهله أنهم على خطأ. لذا يمكن الأهل أن يبيّنوا سيئات الصديق الجديد بأسلوب سلس، مثلاً أخبرت الابنة أن صديقتها الجديدة طلبت منها أن تؤكد لوالدتها، أنها خرجت برفقتها في حين لم تفعل، على الأم أن تسيطر على رد فعلها تجاه كذب الصديقة و ألا تنهر ابنتها، وتقول لها ممنوع «أن ترينها مرة ثانية»، بل يمكنها أن تطرح عليها بعض الأسئلة، التي تجعل الابنة تعيد التفكير في علاقتها بهذه الصديقة.
كأن تسألها: هل ستغضب هذه الصديقة منك إن لم تتجاوبي مع مطلبها؟ هل أنت مستعدة للكذب؟ وماذا لو علمت أمها أنك تكذبين؟ ولماذا تريد إخفاء الحقيقة عن والدتها؟ طرح هذه الأسئلة تحفز الابنة على التفكير في هذه الصداقة المستجدة، ما إذا كانت تناسبها أم لا.
فإذا كانت الصديقة ستغضب منها لأنها لن تكذب، فهذا يعني أن صداقتها مبنية على مصلحة، وبالتالي فإنها ستتخلى عنها عند أول مشكلة تواجههما.

CREDITS

إعداد: ديانا حدّارة