قصة حب تنتهي خلف القضبان

قصة حب,تنتهي خلف القضبان

القاهرة - نسرين محمد 07 فبراير 2016

قصة حب امتدت عبر الزمن، بين تلك المرأة التي كانت فتاة صغيرة عندما نبض قلبها وتعلّق بحب ابن خالتها، فسارت في ركابه بعدما أصبح زوجاً لها، لتجد نفسها خلف القضبان محكوماً عليها بالسجن 54 عاماً، وفي انتظار الحكم في قضية أخرى لم يسدل عليها الستار بعد... إنها قصة مأسوية لامرأة أضاعت عمرها بحثاً عن الحب.


خلف أسوار السجن الشاهقة، تعيش فاطمة في عزلة فرضتها عليها العقوبة الصادرة بحقها، لا تقوى على فعل شيء سوى ذرف الدموع بعدما بات السجن أمراً واقعاً.

سجن النساء
بملابس بيضاء، كالتي ترتديها معظم نزيلات سجن القناطر، أو ما يعرف بـ «سجن النسا»، أخذت فاطمة تروي حكايتها، التي كانت أغرب من الخيال، فمن يصدق أن تدفع امرأة ثمناً لحبها 54 سنة خلف القضبان!
«فاطمة ج. ع (33 سنة)، ربة منزل، متزوجة ولديها من الأبناء ثلاثة»... بتلك الكلمات بدأت فاطمة التعريف بنفسها قبل أن تروي تفاصيل حكايتها، التي جاءت نهايتها حزينة للغاية، ليس لها فحسب، وإنما لثلاثة صغار فرضت عليهم الظروف أن يُحرموا من والديهم الى الأبد.
كانت فاطمة قد أنهت عامها الرابع عشر عندما طلب ابن خالتها، الذي يكبرها بخمسة أعوام، يدها للزواج. ورغم أن هذا العريس لم يكن يمارس أي مهنة تمكّنه من الإنفاق على فاطمة إذا ما صارت زوجة له، إلا أنها أصرت عليه، بل هددت بالانتحار إذا حال أي شخص دون ارتباطها به.

ابن الخالة
لم تكن مجرد قصة حب عادية جمعت بين فاطمة وابن خالتها، بل كان عشقاً جعلها تترك دراستها لئلا تحصل على مؤهل يكون سبباً في رفض أسرتها طلبه، خاصة أنه لم يكمل دراسته بعدما أدمن الرسوب في المرحلة الإعدادية وترك التعليم نهائياً.
توقفت فاطمة عن التعليم عقب حصولها على الشهادة الإعدادية، وظلت مخطوبة لهذا الشاب ثلاث سنوات يتحكم فيها كما يحلو له تحت شعار الحب، حتى كان لها ما أرادت وجمعهما منزل واحد، ظنت معه أنها ستكون ملكة متوّجة في منزل الرجل الذي عشقته.
كان من الصعب على فاطمة أن تقف في وجه زوجها أو تعارضه، ليس خوفاً منه بل حباً به، فقد كانت تعشقه لدرجة جعلتها تغض البصر عن الكثير من أخطائه، بل تبررها للآخرين من أجل الاحتفاظ بهذا الرجل، الذي كان سبباً رئيسياً في هلاكها.

حصيلة الزواج
استمرت فاطمة في زواجها لتنجب من الأبناء ثلاثة، هم: دنيا التي تبلغ من العمر الآن 14 عاماً، وشمس 11 عاماً، ورفيق 6 سنوات، كانوا ثمرة 15 عاماً قضتها مع زوجها قبل أن يُلقى القبض عليهما منذ خمس سنوات في قضية سرقة بالإكراه.
تقول فاطمة: «زوجي أقرض أحد معارفه مبلغاً مالياً وطالب به أكثر من مرة بلا جدوى. وبعد طول تفكير، اختمرت في عقله فكرة شيطانية، كانت السبب الرئيسي في أن يُلقى بنا خلف القضبان».
قرر زوجي أن يحصل على حقه بيده، فطلب مني أن أستدرج الشخص الذي أقرضه، ولأنني أحبه لم أقل له «لا»، رغم علمي بالتبعات التي يمكن أن تحدث نتيجة ذلك، وهو ما كان بالفعل.

جريمة
اعتدى زوجي على الرجل بسكين كانت بحوزته، واستولى على سيارته بالإكراه، وقام ببيعها بأوراق مزورة من طريق مجموعة من أصدقائه، وتقاسموا ثمنها، في الوقت الذي أبلغ مالك السيارة عني وعن زوجي متهماً إيّانا بسرقته بالإكراه.
كانت المفاجأة - كما تقول فاطمة - عندما أُلقي القبض عليهما، حيث تبين أن زوجها متورط مع عدد من أصدقائه في قضيتين مماثلتين، لتجد نفسها ضمن عصابة تخصص أفرادها في سرقة أصحاب السيارات بالإكراه.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ وجدت فاطمة نفسها متورطة في قضية قتل، بعدما تبين أن واحداً من المجني عليهم في إحدى القضايا قد لفظ أنفاسه من الخوف، أثناء قيام زوجها وأعوانه بسرقته، حيث اكتُشف أنهم عصابة مسلحة مكونة من ثمانية أشخاص، ووجدت نفسها في التحقيقات العضو التاسع في العصابة.
قتل وسرقة وحيازة أسلحة... مجموعة من الاتهامات وُجهت الى فاطمة وزوجها غنيم. س، الذي لم تكن تعرف عنه قبل هذه الواقعة سوى أنه يعمل سائقاً، يتكسب قوته وقوت أولاده من الحلال.

حلم البراءة
رغم أن غنيم كان السبب في زج فاطمة في غياهب السجن، إلا أن حبها له جعلها تتمسك به حتى النهاية، أملاً في أن يحصلا على البراءة معاً، بعدما أقنعها بأن إنكار الاتهامات سيكون سبيلهما الى النجاة، بينما اعترافها باشتراكها في واقعة واحدة فقط سيكون دليل إدانة ستقدمه الى رجال المباحث عليه.

في سجن بورسعيد، وجدت فاطمة نفسها قبل أن تتم إحالتها الى المحاكمة الجنائية في أربع قضايا، حصلت في القضية الأولى على حكم بالسجن المؤبد 25 عاماً، ومثلها في القضية الثانية، وهي الأحكام نفسها التي حصل عليها باقي المتهمين الثمانية، كما حصلت على حكم بالسجن 4 سنوات في القضية التي اشتركت فيها، لتظل القضية الرابعة منظورة أمام القضاء.
54 عاماً كانت حصيلة الأحكام التي حصلت عليها فاطمة، في حين حصل زوجها الذي قادها الى هذا المصير على حكم بالسجن 51 عاماً، ليتم ترحيلها إلى سجن القناطر للنساء لقضاء عقوبتها، التي قامت بالنقض عليها أملاً في تخفيف الحكم، علّها تنجح في الخروج من السجن وتحضن صغارها الثلاثة، الذين حُرمت من رؤيتهم قبل أن تنتهي بها الحياة خلف أسوار السجن.
تبكي فاطمة وتقول: «أنا عارفة إني غلطانة، لكن مرآة الحب عمياء كما يقولون، فحبي لغنيم دفعت ثمنه غالياً».
أما الغريب فكان اعترافها بأنها لا تزال تحبه رغم كل ما حدث، فعلى حد وصفها، حبها له مرض لا يمكن الشفاء منه.