الهواتف الذكية خطر جديد على العلاقات الأسرية!

الهواتف الذكية, مصر, المملكة العربية السعودية, لبنان, الهاتف الخليوي, د. سامية خضر, التواصل الاجتماعي, قضية / قضايا إجتماعية, العلاقات الأسرية

02 نوفمبر 2013

هاتف في حجم يدك أو أصغر، يمكّنك من طواف العالم في أقل من ثوانٍ معدودة، وينقل اليك أخبار شتى بقاع الأرض إن أردت، يجعلك دائمًا على تواصل مع أصدقائك وأقاربك مهما بعدت المسافات، وذلك من دون الحاجة إلى مكالمات دولية. هكذا تعمل تكنولوجيا الهواتف الذكية التي تركت بصمة واضحة في حياتنا، لكن مع هذا التطور التكنولوجي، كيف أثرت الهواتف الذكية على حياتنا الأسرية؟ هل سرقتنا من بعضنا؟ هل سيطرت على أوقاتنا وعقولنا إلى درجة أنها أصابت الأزواج والزوجات والأبناء بحالة من الخرس والتشتت الأسري؟ وكم أثارت غيرة الأزواج لدى ملاحظة أحدهم للآخر وهو يتواصل مع أشخاص غرباء؟ وجعلت الأبناء يعيشون حالة من الانزواء وهم منكبّون على كتابة الرسائل أو تلقّيها. في ما يلي تسلِّط لها الضوء على الأثر الذي تركته الهواتف الذكية على حياة الناس. ونبدأ على التوالي بشهادات من مصر والسعودية ولبنان.


سارة صادق: شغلني الهاتف الذكيّ عن ولديّ
سارة صادق (مصممة غرافيك)، خير مثال لنشاط استخدام المرأة للهواتف الذكية، إلى درجة جعلتها تنشغل عن الاهتمام بشؤون المنزل وطفليها، حسب اعترافها.
تقول: «الهاتف الذكي اختراع عبقري يلبي حاجتي من الكمبيوتر دون الاضطرار للتقيد بالجلوس أمام الكمبيوتر، فهو يلازمني في كل مكان، حتى في المطبخ أثناء إعداد الطعام لأسرتي. ولأنني أعمل من المنزل وأسوِّق تصاميمي عبر الإنترنت، يوفر لي الهاتف سرعة الرد على العملاء والتواصل معهم، إلى درجة قد تشغلني عن طفلي وبعض مهمات منزلي، حتى زوجي قد يتشاجر معي بسببه».

وتضيف: «البرامج الموجودة على الهواتف الذكية، والتي لا تتوافر على الإنترنت المنزلي، مثل «واتساب» و»إنستاغرام»، فتحت أسواقاً في الدول العربية، وبدأت الفكرة على الـ «واتساب» عندما كنت أحدث صديقتين لي في آن واحد، حتى سئمت من تكرار الكلام مع كل منهما، فبحثت فيه عن إمكان إنشاء مجموعة وضممتهما إليها، ثم أضفت إليها بقية صديقاتي، فأصبحت أشبه بالمنتدى، نحكي فيه عن القصص النسائية ونستفيد من تجاربنا، حتى الأكلات نصورها ونرسلها إلى بعضنا. ومن هنا قررت الاستفادة من «واتساب» في عملي، وأنشأت مجموعة تبادل إعلاني بيني وبين بعض التاجرات على الإنترنت بهدف تنشيط التسويق لمنتجاتنا. ونجحت التجربة وأصبحت أسهل في التواصل مع التاجرات من الدول العربية، أما «إنستاغرام» فكان اكتشافاً رائعاً، واستخدامي له زاد حجم عملائي بطريقة ممتازة».

لا تتخلى سارة عن هاتفها حتى في غرفة نومها: «أضع الهاتف بجواري، وقد أستيقظ ليلاً لأجد صديقاتي وأتحدث معهن على «واتساب»، أو أتبادل معهن الإعلانات، ولكن عادتي يومياً أنني أفتح الهاتف وأنا ما زلت على السرير لأرد على العملاء وأبحث عما فاتني أثناء فترة النوم».
إدمان سارة للهاتف الذكي قد يسبب مشادات بينها وبين زوجها في بعض الأحيان، تقول: «زوجي يغار من الهاتف، فكثيراً ما ينظر إليَّ وأنا أتحدث مع صديقاتي وأبتسم أثناء الكتابة أو أضحك بصوت عالٍ ويتهمني بالجنون، وكثيراً ما يوصيني بالاهتمام أكثر بولديّ، إلا أنني أصبحت الآن أكثر توازناً وعناية بهما مما كنت عليه في بداية تعلقي بالهاتف الذكي، وقد يصل الحال بيني وبين زوجي إلى أن يتهمني بالانشغال عنه بالهاتف، ويطلب مني إغلاقه أثناء وجوده في المنزل، خاصة أنه غير مدمن للإنترنت أو الهواتف الذكية، إلى درجة أنني أنشأت له حساباً على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» ليسوق مركز التعليم الخاص به، فأهمله وكلفني متابعته».

شيماء حمدي: أوجدت الهواتف الذكية نوعاً من الغباء الإجتماعي
«رغم مميزاته في سهولة التواصل، فإن الهاتف الذكي أصاب مستخدميه بغباء إجتماعي»، بتلك الكلمات بدأت شيماء حمدي (طبيبة) حديثها عن تأثير الهواتف الذكية في حياتها وحياة المحيطين بها. وتكمل: «أبسط أشكال الغباء الإجتماعي هو فقدان التواصل الحي بين الأصدقاء، وهذا يظهر في المناسبات الإجتماعية والدينية. ففي العيد مثلاً أنشأت صديقتي المقربة مجموعة على برنامج «واتساب»، وهنأت فيها جميع أصدقائها الموجودين على قائمة هاتفها، مما أنشأ خلافاً قوياً بيني وبينها، فأنا لا أعتبر رسالة الهاتف تهنئة بين الأصدقاء المقربين أو الأقارب، بل يجب الاتصال المباشر أو الزيارة المنزلية».

تؤكد شيماء أنه بخلاف الكسل والغباء الإجتماعي، فإنها ترى الهواتف الذكية أثّرت بإيجابية على حياتها، قائلة: «برامج التحدث المجانية قصرت المسافات بيني وبين زملائي وأصدقائي العاملين في دول عربية وأجنبية، وأصبحنا نتواصل طويلاً وبكل سهولة في أي وقت وأي مكان، فلم نعد مقيدين بالحديث في وقت معين في المنزل حتى ندخل على برنامج «سكايب» من الكمبيوتر العادي، كما هربنا من التكاليف الباهظة للمكالمات الدولية». وترى أيضًا أن التأثير الإيجابي انعكس على أسرتها، قائلةً: «التواصل مع أشقائي خارج المنزل أصبح أسهل، رغم انشغالنا في العمل، وبما أن والدي ووالدتي لا يستخدمان الهواتف الذكية، فالتواصل بيننا لم ينقطع.، وفي الوقت نفسه لا أرى أن الهاتف الذكي زاد من الصمت في المنزل أثناء اجتماع العائلة، فرغم أنه قد يخيم الصمت علينا على فترات أثناء متابعة كل منا هاتفه، إلا أنه له ميزات أخرى، فألعابه الإلكترونية الجماعية جعلتنا أكثر اهتماماً بالتجمعات الأسرية لنرفه عن أنفسنا بعد يوم طويل من عناء العمل خارج المنزل».

إيرين يوسف: أكره أن تدور حياتي حول الهاتف
إيرين يوسف (متخصصة خدمة عملاء) لا تستخدم هاتفها الذكي إلا في أشياء محددة فقط، مثل تحميل برامج تثقيفية، وبرامج تحسين الصور والتصوير، مؤكدة أن أهم ميزة بالنسبة إليها في الهواتف الذكية سرعتها. وتضيف: «أكره أن تدور حياتي في محيط الهاتف، ويجنّ جنوني فور فراغ بطاريته، مثلما أرى أصدقائي الذين دخلوا في طور الإدمان، فأنا لا أحب أن تخطفني التكنولوجيا ممن حولي، فحتى الأطفال أدمنوا الهواتف الذكية وتحوّلوا إلى جيل كسول عاشق للألعاب الإلكترونية أكثر من ممارسة الرياضة».
إضافة إلى ذلك ترى إيرين أن أهم مميزات الهواتف الذكية إلغاء المسافات، وتوضح: «هذه الثورة التكنولوجية سهّلت تواصلي مع أخي المقيم في كندا وأقاربي المقيمين في أميركا، في كل وقت».

نرمين علي: أهملت أصدقائي وهواياتي وأصبت بتآكل في الفقرات
تسبب إدمان نرمين علي (23 عاماً) للهاتف الذكي بعزلتها عن المحيطين بها، وتقول: «وصلت إلى درجة أنني ندمت على استعمالي للهواتف الذكية، فقد أخذتني من كل المحيطين بي، حتى هواياتي لم أعد أهتم بها، وأصابتني بمزيد من العزلة».
وتكمل: «الأكثر من ذلك أنها أصابتني بمرض تآكل الفقرات من كثرة الاستخدام لها، فضلاً عن التزامي الصمت الدائم الذي أصبح يستفز عائلتي، وأوجد بيننا فجوة. كل ذلك لم يجعلني أقلع عن استخدامه، لكني أحاول تقنين فترات استخدامه قدر المستطاع، وأصبحت أمارس رياضة الأيروبكس حتى أجدد نشاطي وأبتعد عن الهاتف أكبر وقت ممكن».
وتتابع: «هذا الاختراع كاد يؤدي إلى طلاق إحدى صديقاتي، فمع انشغالها الدائم به أهملت طفليها، ولأن حماتها كانت تقيم معها في المنزل، توالت انتقاداتها لها، إلى درجة جعلتها تقوم ببعض الأعباء المنزلية، حتى فاض بها الكيل وبدأت تشكو لابنها كثرة عملها في المنزل وإهمال زوجته لكل شيء ماعدا الهاتف، فتصاعدت الخلافات حتى وصلت إلى الطلاق، لولا تدخل الحكماء من أهلهما».

ندى النويهي: أدمنّاها أنا وأولادي وأسرتنا مرضت بالصمت
ندى النويهي (مديرة شركة) وأولادها الثلاثة، الهاتف الذكي أهم ما في حياتهم، فالأم تتابع عملها والشأن العام مع تصاعد الأحداث السياسية عبر الهاتف، والابنتان الكبرى والصغرى مهتمتان بالدردشة مع الصديقات، أما ابنها فيتابع الأخبار السياسية والرياضية والجديد في الألعاب الإلكترونية.

تؤكد ندى أن نغمة الإشعار في هاتفها تسبب ضيقاً لمن حولها، سواء كانت أمها المقيمة معها أو أولادها وزوجها، فما أن تسمع تلك النغمة حتى تقطع حديثها معهم أياً كان موضوعه، وتسرع إلى الهاتف لترى من أرسل إليها شيئاً جديداً أو من أقدم على محادثتها، مما يثير حنق أسرتها كاملة.
وتقول: «لا أنكر أن الهواتف الذكية تسبب الصمت الأسري أو تزيده في بعض الأسر التي تعانيه، وهذا ما حدث في أسرتي، فضلاً عن إهمالي لأولادي، فمثلاً قد يحدثني أحدهم ولا أستطيع التركيز معه بسبب الهاتف، أو أطلب منه تأجيل الكلام، أو أهمل طلبه حتى أفرغ من متابعة هاتفي، مما أعطى أولادي انطباعاً بأنني أفضل الهاتف عليهم. والأمر نفسه يتكرر مع أمي ويثير حنقها، أما زوجي الذي لا يكون في المنزل إلا وقتاً محدوداً بسبب عمله كضابط شرطة، فدائمًا ما يحاول أن يوصل إليَّ  ضرورة اهتمامي به والتواصل معه في الفترة القصيرة التي يكون فيها في المنزل».
وتعترف ندى بأن الهاتف الذكي قطع علاقات حميمة وعادات جميلة كانت تهتم بها، مثل التواصل بالزيارات مع الأهل، والتواصل بالمكالمات الهاتفية المنتظمة مع الأصدقاء، فضلاً عن فتور العلاقة الأسرية، وتقول: «فكرت في أن ألغي حسابيّ على «فيسبوك» و«تويتر» من الموبايل، مع إلغاء حساب واتساب».

هند محمد: أستخدمه في التسوّق الإلكتروني
لا تشكو هند محمد (ربة منزل) من الصمت الأسري بسبب الهواتف الذكية، لأن زوجها لا يدمنها، فهو لا يستخدمه إلا في إرسال إيميلات العمل والرد على المكالمات، وتقول: «أعتبر نفسي مدمنة لتكنولوجيا الهواتف، ولو كان زوجي مثلي لعانينا الخرس الأسري مثل أصدقائنا».
وتضيف: «هذه التكنولوجيا سهلت علينا الكثير في حياتنا، فمثلاً من الممكن أن أستخدمه في المطبخ حيث أبحث عن أكلات جديدة وأتركه بجواري وأتابع الوصفات، كما أستخدمه في التسوّق الإلكتروني وأشتري أشياء كثيرة من الإنترنت، مثل الملابس والاكسسوارات، فضلاً عن مواكبة الموضة وتميل برامجها على الموبايل».
في الوقت نفسه تجد هند أن الهاتف الذكي يضعها في مواقف محرجة، وتقول: «كثيراً يحدثني أهلي أو أصدقائي ولا أسمعهم لأن الهاتف شاغل كل تركيزي، هذا فضلاً عن فترات الصمت التي تخيم على تجمعاتنا بسبب انشغال كل منا بمتابعة هاتفه وعالمه الإلكتروني الخاص».

عبد الرحمن رشدي: أصاب الهاتف الذكي زوجتي بالغيرة
عبد الرحمن رشدي (مهندس)، يقول إن سر ارتباطه الأول بالهاتف الذكي هو برامج التحدّث الدولية المجانية، مؤكداً أنها قصرت المسافات بينه وبين أهله بسبب عمله في الكويت، بحيث لم يعد ارتفاع سعر الدقيقة الدولية عائقاً في التواصل ولا الالتزام بمدة المكالمة، فضلاً عن وجود برامج تجعله يمازح أصدقاءه ويركّب أصواتاً على أصواتهم.
يقول: «أتذكر أنني في مرة استقبلت رسالة من رجل يريد التعرف عليَّ عبر «البلوتوث»، معتقدًا أنني امرأة، فشاغلته وجاريته حتى طلب صورتي، فأرسلت إليه صورة امرأة قبيحة من على الإنترنت، وأخبرته في النهاية أنني أمازحه وأنني رجل، وظللنا نضحك على هذا الموقف». ويضيف: «يحمل الهاتف الذكي مميزات وبرامج أكثر تطوراً من اللابتوب أو الكمبيوتر العادي، حيث يمكنني حفظ الصور على حسابي الشخصي على غوغل، وبذلك أتفادى خطر ضياعها إذا تعطل الكمبيوتر، وكذلك كاميراته العالية الجودة تغنيني عن حمل الكاميرا الديجيتال».
ويعترف بأن تلك الهواتف تسبب له بعض المشاكل الأسرية، فبمجرد أن تسمع زوجته صوت تنبيه الإشعارات تنتابها الغيرة التي قد تصل أحياناً إلى الشك، ويدفعها فضولها لمعرفة من يحدّث زوجها، ويقول: «غيرة زوجتي العيب الوحيد الذي أجده في الهواتف الذكية».

أحمد حسن: زاد معارفي لكنه جعلني أكثر انطوائية
أحمد حسن (مبرمج) مواكب جيد لثورة الاتصالات والتكنولوجيا، سواء كانت هاتفاً ذكياً أو كمبيوتر لوحيًا، ويؤكد أنه رغم كل محاسن الهواتف الذكية، ورغم اكتسابه المزيد من الصداقات والمعارف من خلالها، فقد زادت عزلته.
ويقول: «يظهر هذا التأثير السلبي أيضاً وقت اجتماع الأسرة، فمن الممكن أن نجلس لمشاهدة التلفزيون ليلاً وينشغل كل منا بهاتفه ليخيم الصمت على الأسرة. العدوى نفسها تنتقل إلى الأصدقاء، فكثيراً ما نجلس معاً وننشغل في متابعة هواتفنا وأصدقائنا الإلكترونيين، خاصة أن غالبيتنا لم تعد تعتمد على الهاتف من أجل الترفيه فقط، بل أصبح جزءاً أساسياً في العمل، ويمكن متابعة الإيميل وخط سير العمل في بعض المهن بواسطته».

محمد الشيمي: الهواتف الذكية تشغلنا كأصدقاء عن بعضنا حتى عندما نجلس معاً
الهاتف الذكي بالنسبة إلى محمد الشيمي (مصور فوتوغرافي) أسلوب حياة، له مميزاته المتمثلة في سرعة التواصل مع الآخرين عبر برامج التواصل الاجتماعي وبرامج المحادثات، وسهولة استخدامه في التصوير وتحميل الصور من الكاميرا إلى الإنترنت عبر برنامج «إنستاغرام».
إلا أن عيوبه تتمثل في فرض لغة الصمت بينه وبين أصدقائه: «كثيراً ما أجلس مع أصدقائي في المقهى وينشغل كل منا بهاتفه، ويسبح كل منا في فضائه الإلكتروني، وقد نتقابل ونتحدث فيه عن طريق التعليقات أو الشات».
ويضيف: «في المنزل الوضع أخف وطأة مما هو عليه مع الأصدقاء، لكن هواتفنا الذكية أصبحت محور حديثنا، وأصبح استعمال أبي للتكنولوجيا يفرض عليَّ مزيداً من الرقابة فأجده بين الحين والآخر ينتقد منشوراً لي على «الفيسبوك»، سواء كان حالة أو صورة، ويوجّه لي مزيداً من اللوم. وتأتي الكارثة إذا أضافني أحد أصدقائي في صورة ولا يعلم أبي بخروجي معهم في ذلك الوقت، وقد تشتد الرقابة بدافع الخوف، وأجد أبي يهاتفني بمكالمة فيديو وهنا لا يمكن الفرار منها، كما أنه في الرحلات يتتبع خريطة الموبايل ليعلم مكان وجودي».  

الدكتور وائل أبو هندي: قلق غياب الهاتف ظاهرة منتشرة بين مستخدمي الهواتف الذكية
من الناحية النفسية، يؤكد الدكتور وائل أبو هندي، أستاذ الطب النفسي في جامعة الزقازيق، أن «قلق اللا هاتف» ظاهرة انتشرت بين مستخدمي الهواتف الذكية وخاصة الجيل الصغير، فهؤلاء لا يتخيلون في حياتهم بلا هاتف، ويصابون بالقلق حال انقطاع الشبكة في أي مكان كانوا فيه، وهذا أمر منذر بالإدمان. ويتابع: «تجمع الهواتف الذكية بين أخطار إدمان الانترنت والألعاب الإلكترونية، وبلغت أخطارها أن بعض النساء يرينها أهم من الأزواج، فقد أكدت دراسة بريطانية أن 70 في المئة من النساء يجدن الهواتف الذكية أهم من أزواجهن، وهذا ما سبب انشغال البعض عن أزواجهن بها، كونها تحقق لهنّ تواصلاً يفتقدنه في العلاقة الزوجية، فيزداد الصمت الأسري وقد يصل إلى حد الخرس».
ويرى أبو هندي أن «الهواتف المحمولة بشكل عام، والذكية بشكل خاص، غيّرت قيم المجتمع الذي أصبح يكتفي برسالة تهنئة وربما فيديو على الهاتف، بدلاً من الزيارات الحميمية بين أفراد الأسرة الواحدة أو العائلة، وكذلك الجيران والأصدقاء». ويحذر من زيادة إدمان الهواتف الذكية، مؤكداً أنها تقطع العلاقات الحقيقية على أرض الواقع، إذ ينغلق كل فرد على نفسه في عالمه الإلكتروني، ومشدداً على ضرورة تخصيص وقت يومي لغلق الهاتف والكمبيوتر، ليعتاد الإنسان على الحياة من دونهما، شرط أن يمارس أنشطة يعطله عنها هاتفه الذكي، مثل تحدّث الزوجة مع زوجها، اجتماع الأسرة ونقاش موضوع حيوي أو تبادل الحديث، وزيارة الأقارب أو الأصدقاء.

الدكتورة سامية خضر: سلاح ذو حدّين
من جانبها ترى الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، أن الهواتف الذكية سلاح ذو حدين، فمن الممكن استثمارها في مواكبة الثورة التكنولوجية والتعلم عن بعد، باستخدام برامج مفيدة، فقد أصبح من الممكن تحميل الكتب الإلكترونية على الهاتف، وكثيرون الآن يستغنون عن حمل الكتب ويقرأون الكتب الإلكترونية، كما أن بعض الفرق الموسيقية تستعين ببعض البرامج المفيدة لها، مؤكدة أن ذلك لا يسبب الإدمان وإنما يساعد في التنمية الذاتية للإنسان.
وتتابع: «لكن إذا أُخطِئ استعمالها فإنها تفتح الباب على مصراعيه لأخطار الإنترنت، وهنا تكون الخيانة الإلكترونية أسهل، خاصة أن الهاتف لا يفارق يد الزوج. كما أنها تزيد تفكك الأسرة المعرّضة للصمت أو الخرس الزوجي، فضلاً عن إدمان الأطفال للألعاب الإلكترونية أو انحرافهم إلى المواقع الإباحية، لذا على كل أم وأب توعية أبنائهم ومراقبتهم دون أن يشعروا، حتى لا ينجرفوا إلى آفات الإنترنت».
كما تنصح الأمهات بعدم السماح للأطفال والمراهقين بالتفرغ طويلاً للهاتف الذكي، كي لا يصابوا بالسمنة، وتقول: «على كل أمٍّ أن توعي أولادها بضرورة ممارسة الرياضة، فهذه الهواتف تخلق لنا جيلاً كسولاً من الأطفال، وهذا ما أكدته العديد من الدراسات التي أشارت إلى أن تلك الهواتف تجذب الأطفال إلى عدم الحركة».


في السعودية: جدل حول إيجابيات التقنية الذكية وسلبياتها ومحاولات لإمساك العصا من المنتصف

ثمة تسارع كبير في دوران عجلة تطور التقنيات وما يتعلق بها من أجهزة أطلقوا عليها صفة «الذكاء» نتيجة ما تحويه من مزايا ومواصفات جذابة كانت سبباً لتهافت كثيرين على اقتنائها ومواكبة الإصدارات الحديثة منها أولاً بأول. ولأن المرأة أكثر مكوثاً في منزلها من الرجل في السعودية، بات إدمان استخدام الأجهزة الذكية منتشراً في الأوساط النسائية بشكل أكبر مما هو عليه بين الرجال، إذ يعتبر الهاتف النقال لدى البعض الوسيلة شبه الوحيدة للترفيه وملء أوقات الفراغ. ولكن ذلك لا يمنع أيضاً وجود فئة من الشباب يعانون من الداء نفسه وهو الإفراط في استخدام تلك الأجهزة، رغم استمرار العديد من الدراسات الطبية في التحذير من إدمانها بسبب ما ينتج عنها من أمراض عضوية وأخرى نفسية. «لها» التقت مجموعة من الشبان والفتيات للاطلاع على تجاربهم الشخصية في الهوس بعالم الذكاء الالكتروني وتأثيره عليهم من مختلف النواحي...

كمال علي: يمضي أبنائي إجازاتهم المدرسية داخل أجهزتهم الإلكترونية
تنافس الشركات على إطلاق أجهزة بمميزات أكثر قوة من غيرها، زاد أيضاً من التنافس بين المستهلكين على شراء الأحدث منها لمواكبة العصر، غير أن علاقة عكسية نشأت بين استخدام هذه الأجهزة والعلاقات الأسرية والاجتماعية، فكلما قلّت المسافة بين الفرد وجهازه مع زيادة عامل الوقت الممتد ساعات، ازدادت المسافة بينه وبين المجتمع الحقيقي المحيط به، مع الأخذ في الاعتبار تناقص الوقت الذي يمضيه معهم على أرض الواقع.
ألعاب الإنترنت زادت إدمان أبنائه للأجهزة الذكية
ما تتيحه شبكة الإنترنت من ألعاب مباشرة، أو حتى تطبيقات الأجهزة الذكية المخصصة للألعاب، زادت من إدمان أبنائه الأربعة استخدام الهواتف الذكية، كما قال كمال علي.
ويرى أبو فيصل أن أصغر أبنائه البالغ من العمر خمسة أعوام هو أكثرهم تعلقاً بمختلف أنواع الأجهزة، مثل «إكس بوكس» و «آيباد»، وقد يفتعل العديد من المشاكل مع إخوته كي يسمحوا له باستخدام أجهزتهم.
ويقول أبو فيصل: «يمضي أبنائي أوقاتاً طويلة على أجهزتهم خاصة في فترة الإجازات المدرسية، إذ أنني أسحبها منهم أثناء الدوام المدرسي وأسمح لهم باستخدامها لمدة يوم واحد فقط في عطلة نهاية الأسبوع ولساعات محدودة».
ويبيّن أنه لا يستطيع منعهم من اقتناء أي جهاز قد يرونه لدى أصدقائهم على سبيل المثال، وذلك كي لا يشعروا بالنقص مقارنة بأقرانهم، مضيفاً: «في الغالب يشترطون عليّ تقديم تلك الأجهزة كهدايا نجاح لهم مقابل ما يحققونه من معدلات مرتفعة في دراستهم».
ويشير إلى أن أبناءه يتهافتون على الألعاب المباشرة عبر شبكة الإنترنت والتي من خلالها يدخلون في تحديات مع أقربائهم وأصدقائهم وحتى مع أفراد لا يعرفونهم، الأمر الذي يجعلهم يحملون أجهزتهم معهم في كل مكان يذهبون إليه.
ولكي يعوّدهم على الاجتماعات الأسرية، يحاول اصطحابهم في نزهة مع والدتهم شريطة ترك أجهزتهم وهواتفهم في المنزل، غير أن انشغاله أحياناً في مسؤوليات عمله يدفع به إلى تركهم يستخدمون تلك الأجهزة داخل المنزل دون قيود كي لا يشعروا بالملل من جرّاء مكوثهم في البيت خلال الإجازة الصيفية.

سلمى الحازمي: هاتفها النقال سبب طلاقها من زوجها!
رغم تأكيدها إيجابيات الأجهزة الذكية، تقول سلمى الحازمي إن هاتفها النقال كان سبب طلاقها من زوجها بعد سبعة أشهر، وذلك لأنها مدمنة لمواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي جعله يخيّرها بينه وبين جهازها فاختارت الثاني!
وتعترف بأن جهازها النقال يأخذ كل وقتها، وهو ما أثّر على علاقتها بأفراد عائلتها كونها تعيش في ما سمته «العالم الافتراضي» طوال يومها، إضافة إلى الأرق الذي تعاني منه نتيجة السهر مع جهازها.
وتضيف: «تتضمن إيجابيات الأجهزة الذكية سهولة استخدامه في كل شيء كالتواصل مع الآخرين ومشاهدة الأفلام وتصفح الإنترنت ومتابعة ما يحدث حول العالم لحظة وقوع الحدث، إلى جانب أنه عوّضنا عن مقابلة التلفزيون».

علي العليوة: عزلة اجتماعية وتنافس على امتلاك الأحدث والأفضل
يعتبر علي العليوة الهواتف الذكية وسيلة مهمة يقتنيها ويعتمد عليها في حياته وقضاء احتياجاته الشخصية، إذ يرى فيها تواصله الاجتماعي والأسري وحتى الأصدقاء، فضلاً عن اعتماد الكثيرين من الناس على الإنترنت في أغراض التسويق كمصدر من مصادر كسب رزقهم.
ولكنه في المقابل يقول: «إذا ما ألقينا نظرة على أبنائنا وبناتنا بشأن انخراطهم في عالم الهواتف الذكية، نجدهم يهيمون فيها ويمضون معظم أوقاتهم معها، فأصبحت العلاقات الأسرية والاجتماعية مهددة بالانهيار، إلى جانب انعدام الرقابة وصعوبة متابعة سلوكياتهم أثناء الاستخدام، وهو ما يشكل خطراً حقيقياً عليهم».
ويؤكد في الوقت نفسه أن الأجهزة الذكية باتت تسبب نوعاً من العزلة الاجتماعية، والتي أثرت حتى على الأحاديث بينه وبين أصدقائه بعد أن انحصرت في إطار التنافس على امتلاك أحدث وأفضل تلك الأجهزة.

آلاء: ابتعادها عن جهازها أصبح مستحيلاً
تروي آلاء عبد الرحمن حقيقة علاقتها بهاتفها الذكي قائلة: «ابتعادي عن هاتفي أصبح شيئاً من المستحيلات التي لا يمكن أن تحدث في ظل التباعد الفكري بينني وبين من هم بجانبي ومجتمعي بشكل عام، وذلك بسبب الخوف من الأفكار التي أكتبها لأبعث بها هنا وهناك». ومن وجهة نظرها، تصف مجتمعها بأنه مجرد «روتين» يجعلها لا تحمل له أي رسائل، كونه لا يفهمها ويكسر يدها مراراً كلما حاولت أخذ تلك الكأس المملوءة بالماء. وتشير إلى أن الأجهزة الذكية في مجملها إيجابية باعتبارها الصدى لصراخها والذي يصل إلى أبعد مدى، ولكن أفعال البعض تجعل منها سلبية لتضعها موضع المهالك، وفي ما يتعلق بعلاقاتها الاجتماعية تقول آلاء: «لا ضير على تلك العلاقة فنحن كلنا منشغلون، ونتعمق في علم ما لنا به من علم سوى أننا نريد أن نعرف أكثر، نحن مهووسون بالحشرية المفيدة»!

ناصر الفراعنة: أمتلك أكثر من جهاز ولم تؤثّر سلباً عليّ
يتحدى ناصر الفراعنة أي شخص قد ينكر مزايا الأجهزة الذكية وفضلها عليه في الحياة، ولكنه يؤكد أن لكل شيء في الكون إيجابيات وسلبيات، غير أن إيجابيات هذه الأجهزة أكبر من سلبياتها رغم وصول البعض إلى درجة إدمانها، وهو ما يتسبب بتخوف الكثير منها. ويقول: «أمتلك أكثر من جهاز منذ سنوات وأستخدمها جميعها ولم تؤثّر مطلقاً في علاقاتي الاجتماعية أو حتى الأسرية، ورغم وصولي إلى درجة عدم قدرتي على الاستغناء عنها، إلا أن التوازن مطلوب في كل الأمور الحياتية».

ريما الشهري: الذكي من يستخدمها للفائدة فقط
تعتبر أن من يستطيع استخدام التقنية بشكل عام للفائدة شخص فائق الذكاء، وتفنّد تلك الفوائد في سهولة الوصول إلى ما نريد، وتقول: «على سبيل المثال أنا أعشق القراءة بشكل يومي سواء كانت أخبار أو روايات أو قضايا اجتماعية، وبمجرد دخولي على المواقع الالكترونية أجد ما أريد».
ومن ناحية أخرى، تعتبر ريما الشهري المشاكل الصحية والأسرية  وانعدام ثقافة الحوار بين الناس الناجمة عن الجلوس لفترات طويلة أمام مختلف الأجهزة الذكية، من أبرز سلبياتها، وتقول: «أثرت تلك الأجهزة عليّ كثيراً وإنما بإيجابية، حيث أن شخصيتي انطوائية وكتومة، غير أنني بمجرد التعرف على أشخاص مختلفين عبر مواقع التواصل الاجتماعي بدأت تدريجاً في الخروج من دائرة الانطواء عن طريق نشر كتاباتي البسيطة عبر «تويتر»، وبدأت الأخذ والعطاء والتعرف على المجتمعات الأخرى». وحول تجمعاتها مع صديقاتها علّقت الشهري قائلة: «كان الملل يتسلل إلى داخلي عندما أجتمع مع صديقاتي بحكم انشغال كل واحدة منا بجهازها فتكون اجتماعاتنا بلا معنى، ولكن مؤخرا قررنا الاستغناء عن أجهزتنا خلال لقاءاتنا. ورغم تقبّل بعض منهن لتلك الفكرة ولكن هناك من رفضنها، وعموماً فإن تجمعاتنا باتت أكثر فائدة من ذي قبل».

سميرة علي: إدمانها ناجم عن فجوات مسبقة في العلاقات الأسرية
سميرة علي تشدد على ضرورة الإنصاف في النظر إلى تلك الأجهزة، وتقول: «لكل واجهة زاويتان، إحداهما موجبة تضيء بإشارة خضراء عن يمينها، وأخرى سالبة بإشارة حمراء عن يسارها. وبالتأكيد فإن الأجهزة الذكية تملك تأثيرات مرئية ومسموعة ومحسوسة، إلا أن تعاطيها وإدمانها ناجمان عن الفجوات المسبقة في الأسرة، إذ أنه لو كانت العلاقة بين الفرد وأسرته قوية لما حل الجهاز محل شخص منهم».
وترى أن استبدال أفراد الأسرة بالأجهزة ظهر بظهور التلفزيون وقبله المذياع، إلا أن حاجة المجتمع إلى رؤية أحداث العالم المحلي والخارجي في أسرع صورة ممكنة كانت سبباً لتطور الأجهزة بهذا الشكل.
وزادت: «في المقابل، دعمت التقنيات الحديثة أواصر العلاقات، وكانت سبباً أولاً لصلة الأرحام بيسر وسهولة، كما شغلت الأجهزة الذكية أوقات فراغنا من حيث إتاحتها لخدمة الكتب الالكترونية، والانفتاحية والتعلم السريع. غير أن النظرة الخاطئة حولت معناها إلى ما تحت الصفر، فعندما نسأل أحدهم عن رأيه بالتقنيات الحديثة يتبادر إلى ذهنه مباشرة أذى العينين وانعزال المجتمعات العائلية بسببها، لذا وجب علينا تعزيز دورها الأساسي متجاهلين كل ما يعيق استخدامها».

إسراء الشريف: إدماني الأجهزة الذكية قربني من كل شيء
تصنّف إسراء الشريف نفسها من المدمنات للهواتف الذكية، وتشعر بأن ذلك يقرّبها من كل شيء حولها ويمكنها من معرفة كل المعلومات وجديدها أول بأول، إضافة إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي عززت تواصلها مع الجميع سواء كانوا أهلاً أو أصدقاء، وسهلت عليها بشكل كبير معرفة أخبارهم أيضاً دون عناء.
وتقول: «ربما أكون قد انعزلت قليلاً عن أفراد عائلتي في المنزل، حيث أنني دائما أعيش مع أجهزتي سواء كانت «آيباد» أو هاتفي النقال، ولكن في الأساس جميعهم في المنزل مشغولون أيضاً بهواتفهم النقالة فلا نجلس معاً لأوقات طويلة».
إسراء تفضّل نقاشاتها الالكترونية على الواقعية!
وتبرر إسراء إدمانها بأن إيجابياته أكبر من السلبيات، وتستطرد في القول: «علاقتي بصديقاتي أصبحت أقوى من قبل نتيجة تواصلنا المستمر عبر تلك الأجهزة، وقد أشعر بالراحة حينما أناقش صديقتي في موضوع يخصني من خلال برامج المحادثات الإلكترونية أكثر من نقاشي معها وجها لوجه، ونستغرق ساعات طويلة في الحديث ونحن في منازلنا كوننا لا نلتقي كثيراً إلا في أوقات الدوام الجامعي، فلولا الأجهزة الذكية لما استطعت التواصل مع صديقاتي في الإجازات الرسمية». وترجع سبب إدمان الكثيرين من حولها على هذه الأجهزة، إلى أنها تسهّل عليهم التواصل الاجتماعي بشكل أسرع، غير أنها وصديقاتها في أوقات لقاءاتهن لا يجدن وقتا للإمساك بهواتفهن، مؤكدة أن الفتاة عادة ما تكون علاقتها بصديقاتها أقوى من تلك التي تربطها بأفراد عائلتها، الأمر الذي يجعلها تستخدم مثل هذه الأجهزة أكثر من الرجل.

اختصاصي اجتماعي: الأجهزة الذكية تنمي الإدراك وتلوّث المفاهيم والسلوكيات
من جانبه، ذكر الباحث والاختصاصي الاجتماعي زاهر الحكير أن الأجهزة الذكية من شأنها أن تنمي بعض المهارات لدى الأطفال كالتفكير والإدراك والتركيز، ولكن الألعاب التي تتيحها تلك الأجهزة قد تلوّث بعض المفاهيم والسلوكيات لديهم.
وأشار إلى أن انشغال مستخدميها بها والجلوس عليها لفترات طويلة يسبب الابتعاد عن الجو الاجتماعي وبالتالي ضعف العلاقات الأسرية والاجتماعية بين بعضهم البعض.
وقال الحكير: «ثمة ألعاب تفاعلية على الإنترنت تتيح للأطفال التواصل مع أفراد مجهولي الهوية، وفي ظل غياب الرقابة الأسرية عليهم قد يكتسبون سلوكيات خاطئة من بعض هؤلاء المجهولين، فضلاً عن إعجاب الطفل أحياناً بالشخصيات الموجودة في اللعبة ومحاولة تقليد السلوك الموجود فيها».
ويؤكد الحكير، أن كثرة استخدام الزوجين لمثل تلك الأجهزة والانخراط في شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها من برامج يتيحها الجهاز الذكي يقلل من لغة الحوار وانعدام الألفة الأسرية بينهما أيضاً، خاصة أن الحوار بين الزوج وزوجته يخلق جواً أسرياً رائعاً.
ويتابع: «ما يسببه الإدمان على استخدام الأجهزة الذكية من أمراض عضوية متعددة أثبتتها العديد من الدراسات الطبية والمتعلقة بخلايا الدماغ على سبيل المثال وضعف النظر، يحتم علينا ضرورة التحذير من الإفراط فيها وتقنين استخداماتها بأكبر قدر ممكن».

استشارية نفسية: الرهاب الاجتماعي يهدد الشباب نتيجة الإفراط في استخدام التقنية
على خلفية إفراط الأوساط الشبابية في استخدام التقنية الحديثة بكل وسائلها، حذرت الاستشارية النفسية والخبيرة الدولية لمكتب الأمم المتحدة في علاج الإدمان لدى النساء الدكتورة منى الصواف، من بدء انتشار مرض الرهاب الاجتماعي بين الشباب في السعودية. وتقول: «لم يعد الشباب يملكون القدرة على مواجهة المجتمع الكبير الذي يحوي فئة الناضجين، كونهم باتوا إما يميلون إلى مجتمعهم الشبابي وإما أنهم يدخلون في الإدمان الحقيقي، وبالتالي ينعزلون تماما عن محيطهم ليصابوا بأمراض الرهاب الاجتماعي».
وفي ما يتعلق بنسب انتشار مرض الرهاب الاجتماعي في فئة الشباب بالسعودية، توضح الاستشارية النفسية والخبيرة الدولية لمكتب الأمم المتحدة في علاج الإدمان لدى النساء أنه لا توجد إحصاءات محددة حتى الآن، ولكنها في المجتمعات الغربية تصل إلى 12 في المئة في الفئة العمرية ما بين 13 و17 عاما.

تصيب الأطفال بـ«التزهمر»...
وتؤكد الدكتورة منى الصواف، أن قضاء الأطفال أوقات طويلة في ممارسة الألعاب الإلكترونية من شأنه أن يحدث اضطرابات شبيهة بمرض ألزهايمر، التي يطلق عليها باللغة العربية اسم «التزهمر».
وتضيف: «يتمثل مرض التزهمر في توقف نمو المهارات بأقسام معينة من خلايا الدماغ لدى الأطفال بينما يستمر الدماغ في النمو، غير أن ألزهايمر يحدث لمن هم فوق الـ65 عاما نتيجة إفراز مادة تحدث تآكلا كلاسيكيا للدماغ»، مؤكدة أن الألعاب الإلكترونية ساهمت بشكل كبير في ارتفاع العنف بين الأطفال، على خلفية ما تعززه من مفاهيم للعنف في محيطهم وطرق محاورة بعضهم لبعض.
وذكرت أن المواقع الافتراضية على شبكة الإنترنت أفقدت الشباب القدرة على مواجهة حقائق الأمور وحلها، في ظل اعتماد مثل تلك المواقع على الخيال وبعدها عن الارتباط بالواقع، مضيفة: «قد تخلق هذه المواقع أيضا خللا جوهريا في طريقة التفكير لدى بعض الحالات وبالتالي الإصابة بأمراض تشبه الاضطرابات الفصامية، كونها تؤدي إلى تضاؤل المهارات الإبداعية بصورة مزعجة».


في لبنان: عالم افتراضي في موازاة العالم الواقعي

في لبنان الوضع مشابه لبقية الدول العربية. الهاتف الذكي غيّر مفاهيم المجتمع وحصر معظم التواصل الاجتماعي بالواقع الافتراضي، وحدّ العلاقات بين الأشخاص واختصرها بحركة إصبع...

ناريمان عاصي: زوجي وأنا والهاتف والزمن طويل...
ناريمان عاصي متزوّجة وأم لولدين يبلغان من العمر أربعاً وثلاث سنوات وتعمل في مجال العلاقات العامّة، تخبرنا عن علاقتها بالهاتف الذكي، فهو بالنسبة إليها وسيلة للتواصل بينها وبين زوجها الذي لا يترك لحظة إلا ويحادثها من خلال تطبيقة الـ whatsapp، وهي تجيب وتتواصل معه  ومع رفيقاتها طوال الوقت، حتى في أوقات العمل. تقول ناريمان ضاحكة: «لا آخذ استراحة من هاتفي الذكي إلا عندما يسألني زوجي: ماذا طبخت اليوم؟ أصمت (افتراضياً)، أغلق هاتفي الذكي وأهمله».
تضيف: «أصبح هاتفي جزءاً لا يتجزّأ من حياتي، تعلّقت به منذ البداية واعترف اليوم بأني أعاني حالة من الإدمان، فأحرص دائماً على أن تكون بطاريته كاملة الشَحن وأن يكون موصولاً دائماً بشبكة الإنترنت، حتى أصبح تعريف الكارثة بنظري هو خروجي من المنزل دون أن يكون هاتفي موصولاً بالشبكة العنكبوتية».

وتُخبر ناريمان بخجل، أنها تستعمل هاتفها حتى أثناء القيادة أو خلال اجتماعات العمل، هو رفيقها الدائم الذي تطمئن عليه دائماً وتحرص على أن يبقى بين يديها حتى لا تباغتها رسالة نصيّة أو إلكترونية وهو بعيدٌ عنها. الكلام أصبح قليلاً برأي ناريمان، فقد اختصر ذكاء الهاتف الخلوي التخاطب اللفظي وبات الأمر محصوراً برسائل قصيرة ترسل على عجل، «حتى المناسبات الرسمية أصبحت أختصرها بواسطة هاتفي»، تقول ناريمان مؤكّدة أن لغة العيون إلى انقراض إذا ظلّ الهاتف الذكي على ما هو عليه اليوم. حتى صلة الأرحام أصبحت متعلّقة بالهاتف الذكي وتطبيقاته التي تحلّ مكان الزيارة وكل ما يرافقها من مواعيد اجتماعية.
زوج ناريمان مثلها تماماً، يدمن هاتفه الذكي وهذا أمر يزعجها مع أنها تعاني الإدمان نفسه. «أحياناً أنزعج منه وأتأفّف، فهو معي وليس معي. لا أنتبه إلى هذا الأمر إلا حين أقرّر أن أغلق هاتفي وأتحدّث معه في الليل، لكنه يبقى مع هاتفه. أعرف أني مثله تماماً، لذا بعد التأفف أراجع نفسي وأتركه وأعود إلى هاتفي (...). أحياناً أغار وأسأله مع من يتكلّم فيجيبني: عندما تكونين مع هاتفك لا أسألك مع من تتكلّمين أو ماذا تفعلين»، وتضحك معتبرة أن الهاتف الذكي خرب بيوتاً كثيرة، مع العلم أنها تحارب إدمانها مع ولديها، فتتفرّغ بالكامل لهما وتعطيهما الوقت اللازم.

إيمان عاد: ربما سأتزوج عبر هاتفي الذكي
لا تخفي إيمان المتخصّصة في التعليم انزعاجها من ظاهرة الرؤوس المطأطأة التي تنظر إلى الهاتف طوال الوقت رغم أنها جزء منها، فتقول: «نجلس في المقهى صديقاتي وأنا وكل واحدة تنظر في هاتفها، التواصل مقطوع والأصابع وحدها تتكلّم. أعرف أن الأمر معيب لكنه أصبح جزءاً من حياتنا اليومية». وتضيف: «ذات مرة حاولت فرض حظر على الرفيقات وطلبت منهن وضع هواتفهنّ جانباً لمدة نصف ساعة فقط. لم ننجح في الاختبار! أنا الوحيدة التي صمدت عشر دقائق فيما سقط الجميع عسكرياً قبلي...». وتفصح إيمان عن أنهن يتحاورن عبر الهاتف حتى وهنّ يجلسن بجوار بعضهن، «أحياناً أضطر لأن أخبر صديقتي التي تجلس إلى جانبي شيئاً خاصاً دون أن تعرف بقية المجموعة، فأحمل هاتف الذكي وأرسل لها مبتغاي دون أن يلاحظ أحد أو يشكّ بالموضوع».

وتعترف إيمان بأن الهاتف الذكي سبّب لها ولأخوتها المشاكل مع أهلهم، فعندما يجتمعون في غرفة واحدة ينظر كلٌّ منهم في هاتفه ويغرق في عالمه فيحاول الأهل سحب كلمة من هنا أو نظرة من هناك منهم من دون جدوى. وتقول: «أهلي ينزعجون منا ويحاولون أن يبيّنوا لنا مساوئ الأمر، حتى وصل الأمر بأمي وأبي أن يقولا: من يريد أن يبقى مع هاتفه فليجلس في غرفته، نحن نريد أن نتحاور كعائلة لا أن ننظر إليكم كأصنام تحرّك أصابعها!».

حاولت إيمان أن تدفع والدتها إلى التعلّم على الهاتف الذكي لكنّ الأخيرة رفضت، «لأن الجيل القديم لا يعرف هذه النعمة ويعتبرها نقمة، مع أني أعترف في قرارة نفسي بأن هاتفي سرق خصوصيّتي فأصبح الجميع يعرفون أين أنا وماذا أفعل وأصبحت مضطرة لأن أجيب على الجميع حتى لو لم أكن مستعدّة لأن ذكاء الهاتف يفضحني»، حسب إيمان التي ختمت قولها بطرفة: «أظنّ أني سأجد شريك حياتي وأتزوّج عبر هاتفي الذكي، وعندها ربما سيخفّ إدماني وأجد وقتاً لحبيبي بعيداً عن هاتفي».

فرح: نلتقي عبر «الواتس آب»
تجربة الهاتف الذكي بالنسبة إلى فرح، الفتاة الجامعية التي تدرس «البيزنس» والإعلام، حياة بحدّ ذاتها. هو اختصاصها الثالث كما تقول. فمنه تستقي معلومات وتبقى على اتصال بالعالم، لكن المزعج في الموضوع أن هذا الاتصال افتراضي فقط! وتقول: «لا أعرف إن كانت شبكة العلاقات التي أنشأتها عبر هاتفي الذكي تشبه العلاقات التي أنشأها أسلافي عبر التواصل المباشر. أعيش حالة صراع بين الواقعي والافتراضي وأظنّ أن العالم بأسره يعيش هذه الحالة!». لا تعرف فرح إلى أين سيؤول بها الأمر، خصوصاً أن علاقاتها أصبحت مرتبطة بهاتفها الذكي، حتى مع العائلة والأصدقاء الذين يتحادثون طوال الوقت عبر مجموعة أنشأوها ليبقوا على اتصالٍ دائم، لكن الأمر لا يخلو من السيئات رغم حسناته الكثيرة، «لأن العالم الواقعي مخالف تماماً للعالم الافتراضي الذي نعيش، رفاقي وأنا، فيه. لا أعرف إن وُضعت في موقف محرج في الحقيقة كيف سأتصرّف؟! مع هاتفي الذكي الأمر أسهل، أغلق المحادثة وأطفئ الهاتف وأنسى الأمر، هكذا بكل بساطة».

حقائق  facts رهاب النوموفوبيا  Nomophobia

الإسم هو اختصار لكلمات No mobile phone phobia والعبارة تعني الشعور بالخوف من عدم وجود الهاتف المحمول أو فقدانه أو الابتعاد عنه لأكثر من يوم واحد، أو الوجود خارج نطاق تغطية الشبكة، ومن ثم عدم القدرة على الاتصال أو استقبال الاتصالات. كما يصيب هذا الرهاب مدمني استخدام شبكات التواصل الاجتماعي الذين لا يتحملون انقطاع اتصالهم بشبكة الإنترنت.

- المرأة أكثر إدماناً من الرجل
نسبة الإناث اللواتي يخشين فقدان الهاتف أو نسيانه أعلى من نسبة الذكور، إذ تشير الدراسات إلى أن 70 في المئة من النساء مدمنات هاتف، و 36 في المئة منهن يملن إلى امتلاك أكثر من هاتف. وتزداد نسبة الإصابة بهذا الإدمان بين صفوف الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً.

- أعراض الإدمان
يمكن رصد النوموفوبيا من خلال مجموعة من التصرفات مثل:

  • أن يتفقّد الشخص هاتفه المحمول أكثر من 30 مرة يومياً، لأنه يشعر باستحالة  الاستغناء عن هاتفه والعيش من دونه.
  • عدم امتلاك القدرة على إطفاء الهاتف.
  • التأكّد من شحن البطارية باستمرار والخوف من تفويت رسالة إلكترونية أو نصيّة أو مكالمة.
  • عدم القدرة على التخلّي عن الهاتف حتى خلال التواجد في الحمام.
  • التقليل من الخروج من البيت وعدم التواصل الفعلي مع الناس، وبالتالي فقدان الارتباط بالعالم الخارجي!

جيل «الإبهام»
بسبب الهواتف الذكية ظهر أيضاً مصطلح جديد وهوجيل الإبهام»، في إشارة إلى الأشخاص الذين يبعثون بالرسائل القصيرة بلا توقف. لكن الدخول إلى الإنترنت من خلال الهواتف الذكية له تأثير أكبر بعشرة آلاف مرة من تأثير الرسائل القصيرة لأنه يسمح للمستخدم بالعثور على أجوبة لكل شيء تقريباً.

إحصائيات STATISTICS
أظهرت إحصائية حديثة، أن ما يقرب من 20 في المئة من الأطفال والشباب والمراهقين فى كوريا الجنوبية تحوّلوا إلى مدمنين للهواتف الذكية ويعانون معدلات مرتفعة من أمراض القلب والاكتئاب والأرق فى حال الابتعاد عنها أو الحرمان منها. وأوضحت الحكومة، أن معدل استخدام الهواتف الذكية بين الأطفال والمراهقين بلغ ثلاثة أضعاف العام الماضي، وأن كثراً منهم يمضون أكثر من سبع ساعات على هذه الأجهزة يومياً، ويصل معدل انتشار الهواتف المحمولة والذكية إلى أكثر من 100 في المئة أي حمل شخص لأكثر من هاتف.
وحذّر الخبراء من أن الانشغال المبالغ فيه بالهواتف الذكية يضر بمهارات التعامل مع الآخرين، بحيث يعانى طلاب اليوم من تدني مهاراتهم في قراءة تعابير الوجه لتمضيتهم أوقاتاً طويلة في كتابة الرسائل النصية بدلاً من التحدث مع الآخرين والتواصل معهم.