علماء الدين يحذّرون المنفصلين: ابتعدوا عن الحروب الكلامية

الحروب الكلامية,مواقع التواصل الاجتماعي,المطلقين,الاتهامات,التلاسن,مكارم الأخلاق,حق الرد,أهل الفن,احذروا النفاق

القاهرة - أحمد جمال 13 مارس 2016

بعض المطلقين والمطلقات، أو من فسخوا خطوبتهم أيضاً، لا ينهون علاقتهم بالمعروف، وإنما يبدأون حرباً كلامية يكيلون فيها الاتهامات لبعضهم بعضاً، سواء بشكل مباشر أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. وقد يصل الأمر إلى قيام أحد الطرفين بفضح الآخر بالصوت والصورة، ونشر خصوصياته على الملأ، فما حكم الدين في هذا التلاسن الذي يحدث بين من ينفصلون عن بعضهم؟


في البداية يؤكد الدكتور عبدالرحمن العدوي، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر، أن الاختلاف في وجهات النظر وتقدير الأشياء والحكم عليها أمر فطري وطبيعي.  ويشير إلى أن الإسلام حرّم أن يكون الخلاف وليد رغبات نفسية لتحقيق غرض ذاتي، أو انتقام لأمر شخصي، فهذا النوع من الخلاف مذموم بكل أشكاله ومختلف صوره، لأن اتباع الهوى فيه يغلب الحرص على تحري الحق. واتفق الفقهاء على أن اتباع الهوى لا يأتي بخير، ولهذا قال الله تعالى: «فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا» (آية 135) سورة «النساء». وقال (صلّى الله عليه وسلّم): «ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً كما أمركم الله تعالى»، ودعا الرسول إلى سعي المحيطين بالمتخاصمين إلى الصلح بينهم، فقال (صلّى الله عليه وسلّم): «ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: «إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا». ويدعو الدكتور العدوي المنفصلين الى التحلّي بمكارم الأخلاق، خاصةً وقت الخلاف، لأن الحروب الكلامية والشتائم وتخليص الحسابات والتطاول تجعلهم يتحملون ذنوباً على ذلك، ليس ذنوبهم فقط، بل وذنوب من يقلدهم، لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده؛ من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده؛ من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».

الخصومة العدائية
يهاجم الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، من يتبع هوى النفس وحب الذات، فيقع في كثير من الأخطاء والانحرافات والسعي ليصبح الحق باطلاً والباطل حقاً، وهذا يتنافى مع أخلاق الإسلام التي تدعو إلى البعد عن التمادي في الخصومة، لتصل إلى درجة العداوة وفضح الأسرار والتلاسن، فقال (صلّى الله عليه وسلّم): «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم». وكان الصحابة يرون أن الخلاف لا يأتي بخير، كما في قول ابن مسعود رضي الله عنه: «الخلاف شر». ويوضح الدكتور نصر أن الجدل بين المنفصلين في الواقع أو عبر وسائل التواصل مرفوض شرعاً، لأنه يتنافى مع ما أمرنا به الإسلام من البعد عن الجدل المؤدي الى العداوة، حتى ولو كان أحد المتجادلين على حق، فقال (صلّى الله عليه وسلّم): «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه». وينهي الدكتور نصر واصل كلامه، مؤكداً أن الإسلام أباح الطلاق باعتباره أخطر من فسخ الخطبة، ووضع له ضوابط تمنع وصوله إلى درجة العداء والانتقام، فقال الله تعالى: «فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ» (الآية 2) سورة «الطلاق».

حق الرد
تشير الدكتورة مريم الدغستاني، رئيسة قسم الفقه في كلية الدراسات الإسلامية للبنات في جامعة الأزهر، إلى أن من حق المظلوم في أي علاقة إنسانية، ومنها الزواج أو الخطبة، أن يعرض مظلمته على الرأي العام لإنصافه ومناصرته في مظلمته، نظراً لما للرأي العام من تأثير ضاغط في إنصاف صاحب الحق أو المظلوم، فهذا سلوك مباح شرعاً، حتى ولو كانت الكلمات حادة، لهذا قال الله تعالى: «لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا. إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا» (الآيتان 148-149) سورة «النساء».
وتحث الدكتورة مريم المختلفين بسبب الطلاق أو فسخ الخطبة، على الابتعاد عن روح الانتقام وتصفية الحسابات، لأنها تتنافى مع روح الإسلام الذي يدعو إلى كظم الغيظ والعفو، أو ما يطلق عليه «الخصام النبيل»، وهذا ما دعا إليه الله تعالى في قوله: «الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» (آية 134) سورة «آل عمران».

مكارم الأخلاق
أما الدكتورة إلهام شاهين، أستاذة العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية للبنات في جامعة الأزهر، فتدعو المتشاجرين بسبب الطلاق أو فسخ الخطبة إلى التحلي بمكارم الأخلاق، لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» والبعد عن روح العداء، لأن هذا نوع من الأهواء الشيطانية التي نهى عنها الإسلام، في قول الله تعالى: «وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَي فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» (آية 26) سورة «ص». وعن كيفية تحجيم المنفصلين لاختلافاتهم بسبب الطلاق أو فسخ الخطبة، توضح الدكتورة إلهام شاهين، أن الحل يكمن في تقوية الوازع الديني، مما يؤدي إلى محاصرة أهواء النفس الأمّارة بالسوء، والتي يستغلها الشيطان في نشر العداوة والبغضاء بين بني آدم، وهذا ما وضحه لنا الله تعالى في قوله: «إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ. وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا على رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ» (الآيتان 91-92) سورة «المائدة». وتشير الدكتورة إلهام إلى أن من حق كل طرف أن يسعى إلى توضيح ما يتعرض له من تشويه من الطرف الآخر، وليس من حقه شرعاً أن يبدأ بالعدوان عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لأن هذا نوع من رد العدوان وليس البدء به في أمور شخصية ينبغي الابتعاد عنها، وإذا اضطر أحد الطرفين إلى الرد فليكن بالحسنى وليس بالشتائم، لقول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء». وتنهي الدكتورة إلهام كلامها، مؤكدة أن مع وجوب التحلي بالعفو والصفح بين المتخاصمين في الطلاق أو فسخ الخطبة، فإن حق الرد بالحسنى مكفول شرعاً لمن تعرض للظلم، لقول الله تعالى: «وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ»، (الآية 194) سورة «البقرة».

احذروا النفاق
تطالب الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في بورسعيد- جامعة الأزهر، من قرروا الطلاق أو فسخ الخطبة، بالابتعاد عن الخصومة غير النبيلة والوقوع في التلاسن المقيت، الذي يقلل من احترام المتجادلين بالألفاظ الخادشة، ولهذا حذرنا منه رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فقال: «لا تختلفوا فإن من قبلكم اختلفوا فهلكوا».
 وتحذر الدكتورة عبلة الذين يصل خلافهم إلى مواقع التواصل الاجتماعي من الوقوع في المحظور، وهو «النفاق» الذي نهانا عنه الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) بقوله: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا عاهد أخلف، وإذا خاصم فجر». وإذا احتدم الخلاف والخصومة فلا بد من تدخل أهل الخير للصلح وإصلاح ذات البين، فقال تعالى: «لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا» (آية 114) سورة «النساء». وقول الله تعالى أيضاً: «وَالصُّلْحُ خَيْرٌ» (آية 128) سورة «النساء». وأعدّ الله الأجر العظيم لمن يبتعد عن التلاسن ويتحلّى بالعفو، فقال تعالى: «فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ على اللَّهِ» (آية 40) سورة «الشورى».
وعما يفعله أحد الأطراف إذا تطاول عليه الطرف الآخر، تقول الدكتورة عبلة الكحلاوي، إن من حقه الرد بأدب، بعيداً من التطاول أو فضح الأسرار بالمثل، والأفضل من الرد هو التحلي بصفات عباد الرحمن، الذين قال الله تعالى عنهم: «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ على الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً» (الآية 63) سورة «الفرقان»، ومن الأفضل كذلك أن يفوّض أمره إلى الله ليحكم بينهم يوم القيامة، ويأخذ من حسنات المتطاول الذي سيكون بلا شك من المفلسين في الآخرة، لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار».

أهل الفن
وبسبب كثرة الحروب الكلامية بين المنفصلين في الوسط الفني، سألنا الداعية الإسلامية والفنانة السابقة ياسمين الحصري الشهيرة بـ «ياسمين الخيام» عن رأيها، فطالبت بضرورة تحلي المنفصلين بالأخلاق الفاضلة، خاصةً وقت الخلاف بوجه خاص، وفي ما يتعلق بالطلاق وفسخ الخطبة بوجه عام، وخير المتخاصمين من يكون نبيلاً في خصومته، لأنه يكون هنا ملتزماً بتعاليم الشرع الداعية إلى ذلك، في قول الله تعالى: «وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَيٰ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (آية 237) سورة «البقرة».

 وتحث ياسمين الحصري، المتخاصمين من أهل الفن تحديداً على أن يحسّنوا من أخلاقهم ويسيطروا على المشاعر السلبية والعدائية، لأنهم قدوة لغيرهم، حتى يكونوا ممن قال فيهم النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم خلقاً». ودعا الإسلام إلى محاصرة الخصومة في أضيق الحدود، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»، وكذلك عن أن يغتاب كل من المتخاصمين الآخر، فقال الله تعالى: «لَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ» (الآية 12) سورة «الحجرات».
وتختتم ياسمين الحصري كلامها، مؤكدة أن من عظمة الإسلام أنه أعطى المختلفين من المتزوجين حق الطلاق، وحض على أن يكون الفراق بالإحسان، لأنه كان بين المطلقين عشرة وأولاد، فما بالنا بمن يتم فسخ خطبتهم، الذين يجب أن يعرفوا أن فترة الخطبة فترة تعارف ووعد بالزواج؛ إذا تم فهو خير، وإذا لم يتم فهو خير أيضاً، لأنه كما يقول المثل العامي: «الزواج قسمة ونصيب ولن تأخذ امرأة زوج غيرها، ولن يأخذ رجل زوجة غيره»، وقد بيّن الله تعالى هذا المعنى الجميل عند الطلاق أو الخلع أو حتى فسخ الخطبة، فقال سبحانه: «الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» الاية 229 سورة البقرة.