الطلاق بسبب «الديلفري»... هل يجوز شرعاً؟

الطلاق,بسبب الديلفري,يطالبها بدخول المطبخ,إعداد الطعام بنفسها,محكمة الأسرة,خطورتها

القاهرة - أحمد جمال 01 مايو 2016

قضية غريبة ومثيرة وقد يراها البعض طريفة، لكن خطورتها تكمن في أنها وصلت بزوجين إلى المحاكم، وقد تتكرر بين أزواج وزوجات آخرين، فالزوجة طلبت الطلاق لأن زوجها يرفض اعتمادها على وجبات الديلفري، ويطالبها بدخول المطبخ وإعداد الطعام بنفسها، وهو أمر لم تعتده منذ أن كانت في بيت أهلها، وأمام خلافهما، قررت الزوجة اللجوء الى محكمة الأسرة لطلب الطلاق للضرر، فهل يجوز هذا شرعاً؟


تؤكد الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية وعضو مجلس الشعب، أنه لا يحق للزوجة أن تطلب الطلاق لهذا السبب، لكن العيب في هذه القضية يلحق بوالدتها وأسرتها، التي لم تعلمها أي شيء عن أعمال المنزل، ولهذا فإن مثل هذه الزيجات لا تعمّر طويلاً، لأنها اعتادت على الراحة وعدم تحمل المسؤولية، وتعتبر «الديلفري» الطريق الأسهل والأكثر راحة، ولا يهم من سيدفع فاتورته التي قد لا يتحملها باستمرار دخل الزوج.
وتشير الدكتورة آمنة إلى أنه يجب شرعاً على مثل هذه الزوجة، التي لا تجيد إعداد الطعام لزوجها وأولادها، أن تحاول استكمال النقص الذي ورثته عن أمها التي لم تعلمها شيئاً واكتفت بتدليلها والاعتماد في المأكل والمشرب على «الديلفري»، الذي لا يستسيغه كثير من الأزواج، الذين يحبون أن يأكلوا من أيدي زوجاتهم، ولا يلجأون إلى «الديلفري» الذي لا يجدون فيه مذاقاً مميزاً، هذا فضلاً عن تكاليفه المادية التي ترهق ميزانية الأسرة في ظل الغلاء الفاحش
وتنهي الدكتورة آمنة نصير كلامها، مطالبةً الرجل حين يتقدم لخطبة امرأة بأن يسألها صراحة عن إجادتها الطبخ من عدمه، حتى يتخذ قراره قبل الارتباط، سواء باستكمال الزيجة أو البحث عن بديلة، وعلى المرأة أن تكون صادقة في إجابتها، لأنها إذا كذبت عليه فهي آثمة شرعاً، وتكون مدمنة على الكذب الذي لن يأتي بخير في الدنيا أو الآخرة، ولهذا حذّرنا رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) من الكذب، ورغّبنا في الصدق فقال: «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً».

الرجل الشرقي
تؤكد الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية للبنات- جامعة الأزهر، أن الزوجة التي لا تجيد الطبخ لزوجها وأولادها تعاني عقدة نقص خطيرة، لأنها بذلك تتناقض مع الثقافة النسائية الشائعة بأن «أقرب طريق إلى قلب الزوج معدته»، فما بالنا بالرجل الشرقي الذي يفضل الطهو المنزلي ويكون اللجوء إلى «الديلفري» للضرورة القصوى! بل إن الزوجة تتفاخر أمام قريناتها من الزوجات بأنها موسوعة في الطبخ وإعداد كل المأكولات، وهذا يشعر الزوج بالراحة النفسية.
وتشير الدكتورة عفاف إلى أنه حتى في الأسر التي تعتمد على خادمات في المنزل لإعداد الطعام، يفضل الزوج ما تطبخه زوجته. أما أن تعتمد مئة في المئة على «الديلفري»، فهذا وضع لا يطيقه الرجل الشرقي، ولهذا يجب عليها شرعاً طاعة زوجها وتعلّم إعداد الحد الأدنى من الوجبات التي يحبها، وهذا ليس انتقاصاً من شأنها حتى لو كان والدها من عليّة القوم، وعليها أن تتأمل قول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «إذا صلّت المرأة فرضها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها، قيل لها ادخلي أبواب الجنة أيها شئت». وقوله أيضاً: «أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة».
وتنهي الدكتورة عفاف كلامها، مؤكدةً أنه لا يجوز شرعاً الطلاق أو حتى مجرد التفكير فيه بسبب «الديلفري»، لكن على الزوجة تعلم الطهو، وعلى زوجها الصبر عليها، وخير الصبر شرعاً الصبر على الزوجة، ولهذا قال الله تعالى في جزاء الصابرين على البلاء، أياً كان، حتى لو كان عدم إجادة زوجته لتحضير الطعام: «وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» (الآيات 155-157) سورة «البقرة».

نصيحة
ينصح الدكتور محمد داود، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة قناة السويس، الأزواج بأن يتقوا الله في النساء، حتى ولو كان فيهن اعوجاج أو نقص ما، مثل عدم إجادة الطبخ، وليكن صبرهم حسبةً لوجه الله وحباً برسوله (صلّى الله عليه وسلّم)، يقول للرجال: «اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله».
ويشير الدكتور داود إلى أن من حق الزوجة شرعاً طلب الطلاق بسبب «الديلفري»، إذا كانت قد اشترطت عليه ذلك ولم يوفِ به، لكن التعامل بين الزوجين يجب أن يكون بالفضل والإحسان، وليس على أساس المعاملة بالمثل، ولهذا قال النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته».
ويختتم الدكتور محمد داود حديثه، مؤكداً أن بعض الفقهاء طالبوا الزوج بتوفير معيشة لزوجته مماثلة للتي كانت عليها عند أهلها، وحتى لو كانت لديها خادمات، يجب أن نقارب بينهما، خاصة إذا لم يكن في استطاعة الزوج توفير ذلك، وطالما هي ارتضت الزواج به فعليها الصبر، حتى لو كان مستواه الاجتماعي أدنى ولها أجر الصبر، في الوقت نفسه يجب ألا يربط الزوج حاضر حياته الزوجية ومستقبلها بالأكل والشرب فقط، لأن معاني الزواج تفوق هذا بكثير.

لمّ الشمل
يؤكد الدكتور حامد أبو طالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن لا أحد ينكر دور الطعام في لمّ شمل الأسرة، سواء أكانت كبيرة أم صغيرة. ومن التقاليد الشرقية أن يكون طعام الأسرة من إعداد أصحاب المنزل، سواء من طريق الزوجة أو الخادمة، وبالتالي فإن الاعتماد بشكل كامل على أطعمة «الديلفري» أمر مرفوض لدى الزوج الشرقي، وعدم إجادة زوجته لطهو الطعام يعد نقيصة. ويختلف الإحساس بذلك من زوج الى آخر، فقد يقبلها البعض ويرفضها آخرون وفق تربيتهم.
ويطالب الدكتور حامد أبو طالب بوضع النقاط على الحروف في هذه القضية الحياتية، من منطلق مقولة جميلة للشيخ رشيد رضا صاحب تفسير «المنار»، مفادها: «نتعاون في ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً في ما اختلفنا فيه»، فهذا يحل المشكلة، ويحول الصراع إلى تعاون بين الزوجين للوصول إلى حلول وسطى، ولهذا أمرنا الله بالتعاون فقال: «وَتَعَاوَنُوا على الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا على الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ» (آية 2) سورة «المائدة».
ويخاطب الدكتور حامد أبو طالب الزوجين اللذين وصلا إلى حافة الطلاق بسبب «الديلفري»، قائلاً: «اتقوا الله في أنفسكم وأسركم وأولادكم، ويجب على الزوجة تعلم ما يحبه الزوج طاعة لله ثم طاعة له، لأن طاعة الزوج من طاعة الله، طالما لا يأمر بما يخالف الشرع، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».

تعنّت مرفوض
أما الدكتور محمد المنسي، رئيس قسم الشريعة الإسلامية في كلية دار العلوم- جامعة الأزهر، فيؤكد أن الأصل في الشريعة الإسلامية أن الزوجة مصونة مكرّمة، ودورها الأول هو في رعايتها لزوجها وأولادها، وتربيتهم التربية الإسلامية التي تعينهم على طاعة الله ورسوله، والارتقاء بمجتمعهم، وأن تقف إلى جوار زوجها وتسانده، بعدم المشقة عليه ومراعاة ظروفه المادية.
ويوضح الدكتور المنسي أنه لا يجوز شرعاً للزوجة أن تطلب الطلاق من زوجها من غير سبب حقيقي أو مقنع، مثل إصرارها على «الديلفري» رغم إمكانية تعلمها الطهو، أو استئجار طاهية من ذمتها المالية إذا كانت قادرة، ودخل زوجها لا يكفي للإنفاق على «الديلفري» أو استئجار طاهية.
ويحذر الدكتور المنسي الزوجة من التعنت في معاملة الزوج غير القادر على تحمل مصاريف «الديلفري» بطلب الطلاق للضرر، لأن هذا ليس ضرراً معترفاً به شرعاً، وأخشى أن تدخل في طائفة من قال فيهن النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة».
وينهي الدكتور المنسي كلامه، داعياً الزوجين إلى التفاهم في ما بينهما، لأن هذه ليست مشكلة مستعصية، وإنما العناد أو التعنت هو الذي أوصلها إلى ساحات المحاكم بلا داع، ولهذا يجب على الحكماء من أهل الزوجين التدخل للصلح والتوفيق بينهما، تنفيذاً للأمر الإلهي: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا» (آية 35) سورة «النساء».

تحكيم العقل
تطالب الدكتورة سماح عزب، أستاذة التفسير في كلية الدراسات الإسلامية للبنات- جامعة الأزهر، الزوجين بتحكيم العقل، ومحاولة الوصول إلى حلول وسطى، لأن الحياة الزوجية قد وصفها الله بأنها «سكن ومودة ورحمة» في قوله تعالى: «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (آية 21) سورة «الروم»، وبالتالي هي ليست حلبة صراع يحاول فيها كل زوج أن يفرض رأيه على الآخر.
وتضيف الدكتورة سماح، أنه لا يجوز للزوجة أن تطلب من زوجها ما لا طاقة له به، ما دام غير قادر على الوفاء بهذه الاحتياجات من «الديلفري» وغيره من الطلبات التي يمكن تدبيرها أو إعدادها في البيت. أما التعنت وتحميل الزوج فوق طاقته فهذا ظلم له، إلا إذا كانت الزوجة التي اعتادت في بيت أهلها على «الديلفري»، أو لم تعلمها أمها الطهو، قد اشترطت أنها لا تستطيع الطهو في عقد الزواج، فهنا يكون الزوج ملزماً شرعاً بتوفير الطعام لها من طريق «الديلفري»، وإذا أمتنع فلها حق الطلاق للضرر، لقول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً»، وبالتالي لا يجوز له الإخلال بهذا الشرط أو التقصير في الوفاء به، وإلا يُعتبر آثماً، لأن احترام الشروط يحل كثيراً من المشكلات.
وتنصح الدكتورة سماح عزب الزوجة بالسعي إلى تعلم الطهو على أيدي قريباتها وصديقاتها، أو أخذ دورة في فن الطهو من خلال المراكز المتخصصة، أو الاطلاع على كيفية الطهو عبر الإنترنت وغيره، فهذا أفضل ألف مرة من «الديلفري» الذي سيورث المشكلة لبناتها في ما بعد، لأن أي زوج شرقي يحب أن يأكل من طهو زوجته وليس «الديلفري». أما إذا كان قادراً وكانت هذه رغبته، فله أن يلبي طلب زوجته، ويسعد الأسرة ويشيع فيها جواً من السعادة والمودة.

الصبر مطلوب
يرى الدكتور سالم عبدالجليل، أستاذ الشريعة الإسلامية والوكيل السابق لوزارة الأوقاف، أنه يجب على الزوج الذي قدَّر الله له الزواج بزوجة ليست لديها خبرة في أعمال المنزل وإعداد المأكولات، أن يصبر عليها ولا يلجأ إلى طلاقها، لأن الطلاق أبغض الحلال عند الله، وبالتالي هو ليس أمراً هيناً لأنه يؤدي إلى مشكلات عائلية واجتماعية تهدد سلامة المجتمع واستقراره، وليس حياة الزوجين فقط.
ويطالب الدكتور سالم الزوجة بأن تكون أكثر مرونة، بحيث تحرص على فعل ما يحبه الزوج وإرضائه بتعلم طهو الأساسيات والتدرّب عليها من خلال أقاربها أو الوسائل الإلكترونية أو قنوات «السفرة» الفضائية، أي أن المشكلة لها حلول، بشرط وجود روح التسامح والمحبة بينهما، أما من يفكر في الطلاق منهما بسبب ذلك فهو آثم شرعاً.
ويحث الدكتور سالم عبدالجليل، الزوجين على التحلي بالرفق في القول والفعل، لقول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله». وتأكيده (صلّى الله عليه وسلّم) المعنى نفسه في حديث آخر يقول فيه: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه»، وعلى هذه الزوجة ألا تطلب منه ما لا يستطيع تدبيره، أو يفوق راتبه أو دخله الشهري، وأن تدعوه دائماً إلى تحري الحلال في مأكله ومطعمه وملبسه، وألا يطعم الأسرة إلا من الحلال، كما كانت تفعل إحدى الصحابيات، حيث كانت تستحلف زوجها كل يوم وهو يتأهب للخروج للعمل والسعي إليه فتقول: «اتق الله فينا ولا تطعمنا إلا من حلال».

دور الأمهات
تطالب الدكتورة رجاء أمين، عميدة كلية الدراسات الإنسانية في جامعة الأزهر، الأمهات - مهما كان مستواهن الاجتماعي والاقتصادي - بأن يعلّمن بناتهن الأعمال المنزلية والطبخ والتدبير والتوفير، حتى يصبحن زوجات وأمهات ناجحات، لأن معظم الشبان في هذه الأيام لا يقوون على تحمل نفقات «الديلفري»، ذلك أن رواتبهم لا تكفي.
وترفض الدكتورة رجاء، حدوث الطلاق إلا إذا أصرت الزوجة على ذلك بسبب تكبّرها وتجبّرها على زوجها، لأن مستوى أهلها الاجتماعي أعلى، وعليها أن تتحمل تبعات ذلك وما تتعرض له أسرتها من لوم، بسبب سماحها بتطليق الابنة لعدم قدرة الزوج على شراء الأكل والشراب لها من طريق «الديلفري».
وتحض الدكتورة رجاء، الزوجات اللواتي يكنَّ أعلى مستوى من أزواجهن، على أن يطعن الله ويتواضعن، لأن من تواضع لله رفعه، وخير التواضع تواضع الزوجة لزوجها، وأن يغلب على علاقتهما الرفق الذي له أثر حسن في التآلف بين القلوب، والإصلاح بين المتخاصمين، وله البركة في الرزق والأجل، حيث قال النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «إنه من أعطى حظه من الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة، وصلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار تعمر الديار وتزيد في الأعمار.