زوجي يجبرني على التصالح مع أهله... فهل يجوز الطلاق؟

زوجي يجبرني على التصالح مع أهله,هل يجوز الطلاق؟,نوع من طاعته,قصة حب مثالية,قسمة ونصيب,يفتعلون الأزمات,ليحققوا أهدافهم

القاهرة – أحمد جمال 07 مايو 2016

«زوجي يحاول إجباري على التصالح مع أهله رغم كل ما يسببونه لي وله من مشاكل». هذا ما قالته زوجة أمام المحكمة وهي تطلب الطلاق بسبب تعنت زوجها في إجبارها على هذا الصلح، وهي مشكلة قد تحدث في بيوت كثيرة... عندما يستحيل الصلح بين الزوجة وأهل الزوج، فهل يجوز للزوج أن يجبرها عليه كنوع من طاعته أم يكون الطلاق هو الحل؟ وهل يحق لها شرعاً طلب الطلاق؟


بدأت القضية عندما أقامت المهندسة «لمياء» دعوى قضائية أمام محكمة الأسرة، تطالب فيها بالطلاق من زوجها الذي يريد إجبارها على التصالح مع أهله، الذين كانوا رافضين لهذه الزيجة من الأساس، لرغبتهم في تزويجه من إحدى قريباته، إلا أنه فضلها على قريبته، لأنه وجد نفسه معها.
وتقول المهندسة الشابة في دعواها: «لم تمر إلا شهور قليلة على زواجنا، الذي كان تتويجاً لقصة حب مثالية بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ، حيث وجد كل منا نفسه في الآخر، إلا أنني فوجئت بإصرار أسرته على رفضهم زواجنا، ورغم محاولاتي التقرب منهم والتأكيد لهم أن الزواج قسمة ونصيب قبل كل شيء، إلا أنهم ما زالوا ينظرون إليَّ على أنني خطفت ابنهم من قريبتهم التي كانوا يخططون لتزويجه بها».
وتضيف: «زوجي لا يريد إغضاب والديه، ولو على حساب كرامتي وعزّة نفسي. ورغم أنني حذرته من ذلك مراراً، إلا أنه لا يستطيع أن يفرّق بين حقوق والديه عليه وحقوقي كزوجة، وأنني لست ملزمة شرعاً بالتصالح مع أهله طالما أنهم لا يرغبون في ذلك، لا بل يخططون لإحداث مشكلات تؤدي إلى الطلاق، ولهذا فهم إذا تصالحنا يفتعلون الأزمات ليحققوا أهدافهم. ومع أنني ما زلت أحب زوجي، لكنني اضطررت إلى طلب الطلاق للضرر، لأنني لا أستطيع التصالح مع أهل زوجي مهما كان الثمن».

طلب مرفوض
ترفض الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية للبنات في بورسعيد، إباحة طلب الطلاق للزوجة، كما أنها دانت تقاعس الزوج في الفصل بين حقوق زوجته وأهله، ومحاولة الوصول إلى أنصاف الحلول إذا فشل في الصلح الكامل وتنقية الأجواء والمشاعر بينهم.
وتحذر الدكتورة عبلة الزوجة من الاستمرار في الدعوى القضائية لطلب الطلاق للضرر، لأنه يمكن علاجه، أما الإصرار عليه فيمكن أن يضعها تحت الوعيد، الذي قال فيه رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة».
وتحض الدكتورة عبلة الزوج على أن يكون حمامة سلام بين أهله وزوجته قدر استطاعته، فإن فشل فإن لكل من أهله وزوجته حقوقاً عليه، يجب عليه مراعاتها والعمل على فصل المتخاصمين - كما يقولون - لأنهم جميعاً رعيته وهو مسؤول عنهم أمام الله، ولهذا قال النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راعٍ، والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته».
وتنهي الدكتورة عبلة الكحلاوي كلامها داعية كل الأطراف إلى الابتعاد عن خراب البيوت بالطلاق، وأن يتسلح كل منهم بروح العفو والتسامح ابتغاء مرضاة الله، القائل: «لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا» (آية 114) سورة «النساء».

الطلاق للضرر
أما الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في القاهرة - جامعة الأزهر، فتؤكد أن من حق الزوجة طلب الطلاق للضرر، فإن فشلت فلها طلب الخلع إذا كان الزوج ضعيف الشخصية ولا يعدل بين أهله وزوجته، لأن العدل والحزم هما الأساس في حل مثل هذه المشكلات، وأن يعرف كل طرف ما له أو ما عليه، ولهذا قال الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِه إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» (آية 58) سورة «النساء».
وتوضح الدكتورة سعاد أن الزوجة ليست مطالبة شرعاً بالتصالح مع أهل زوجها، طالما أنهم يسببون لها المشكلات وينغصون عيشتها ويفترون عليها كذباً لتطليقها من زوجها، وليس من حق الزوج إجبارها على هذا التصالح بحجة أنها مطالبة شرعاً بطاعته حتى تنال رضا الله، لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «إذا صلّت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت».
وتختتم الدكتورة سعاد كلامها، مؤكدة أنه يجب التحلي بمكارم الأخلاق من الجميع قدر استطاعتهم، وأن يتم إعلاء المصلحة العامة على الأهواء الشخصية العدوانية، وأن يقوم أهل الخير بالسعي في إصلاح ذات بينهما، وإقناع كل منهما بالصلح والتسامح، وتذكيرهما بما في ذلك من الأجر العظيم، لقول الله تعالى: «فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ على اللَّهِ» (آية 40) سورة «الشورى».

الصلح خير
تشير الدكتورة سماح عزب، أستاذة التفسير في كلية الدراسات الإسلامية للبنات في جامعة الأزهر، الى أنه من حيث مبادئ الشريعة الإسلامية ومقاصدها فإن «الصلح خير»، خاصة في الحياة الزوجية والأسرية، حتى لو كان على غير هوى أحد أطرافه، لقول الله تعالى: «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا» (آية 128) سورة «النساء».
وتوضح الدكتورة سماح أن الإسلام حرَّم الخصام وجعل خير المتخاصمين كل من يسعى إلى إنهاء هذا الخصام، حتى لو تحمل في سبيل ذلك الأذى، لأن من المفترض في السعي الى الصلح أن يكون حسبة وطاعة لله ولنيل الثواب العظيم، ولهذا قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام».
وتدعو الدكتورة سماح الزوجة وأهل الزوج الى التحلي بالحكمة والتسامح، وأن يبدأوا صفحة جديدة لمنح هذا الزواج من الانهيار، فيكون الجميع آثمين شرعاً وأعمالهم الصالحة في خطر، ونخشى ألا تُقبل لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا»، وبالتالي لا يصح للزوجة طلب الطلاق للضرر، وكذلك على الأهل القبول بالأمر الواقع وإرادة الله، وأن يتقوا الله في زوجة ابنهم حتى لو كانت قد تزوجت ابنهم على غير هواهم، لكن الله قدر أن تكون زوجته على كتاب الله وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم.

لا ضرر ولا ضرار
يؤكد الدكتور محمد مهنا، الأستاذ في جامعة الأزهر، أنه بدلاً من الذهاب إلى القضاء وطلب الطلاق للضرر أو الخلع إذا لم يحكم لها القاضي، فإن الحل الشرعي في حال نشوب خلاف بين الزوجين، قد أوضحه الله في قوله تعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا» (آية 35) سورة «النساء»، ومن الغريب أن الآية التي تليها مباشرة تدعو إلى البر بالوالدين وصلة الرحم، وهي من الصفات التي يتصف بها الزوج، في قوله الله: «وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا» (آية 36) سورة «النساء».
ويوضح الدكتور محمد مهنا، أن التسلح بالحكمة في حل تلك المشكلات بين الزوجة وأهل الزوج أفضل ألف مرة من اللجوء الى القضاء الذي يشحن الأجواء بالعداوة، بدلاً من البحث عن حل ودي يجب أن يتصف به الجميع، لقول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «من أعطي حظه من الرفق، فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق، فقد حرم حظه من الخير».
ويشجع الدكتور محمد مهنا المحيطين بالزوجين على البحث عن حلول عملية تحفظ حقوق كل من الزوجة وأهل الزوج، فإن تم التوفيق بينهما فهذا أمر خير، أما إذا فشلوا في مسعاهم فإن كلاً منهما يكون حراً مستقلاً في حياته، لأن الزوجة ليست ملزمة شرعاً بالتصالح مع أهل زوجها الرافضين لذلك، أو الذين يشعلون الفتن بينها وبين زوجها، وحينئذ تكون العلاقة بينهم جميعاً في إطار القاعدة التي أرساها الرسول (صلّى الله عليه وسلّم): «لا ضرر ولا ضرار».

شروط
يؤكد الدكتور عبدالله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، أن طلب الطلاق ينبغي أن يكون نهاية المطاف بعد استنفاد كل وسائل الإصلاح، وأهمها اللين والرفق ومقابلة السيئة بالحسنة، التي يكون لها مفعول السحر في تحويل الأعداء إلى أصدقاء، والتجارب العملية خير شاهد على ذلك، ولهذا قال الله تعالى: «وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (الآيات 34- 36) سورة «فصلت». ويلاحظ هنا التحذير الإلهي من نزغ الشيطان، الذي يحاول جاهداً إفساد أي محاولة للصلح.
ويطالب الدكتور عبدالله النجار، أطراف المشكلة بالابتعاد عن العناد الذي لا يأتي بخير، وأن يتم استبداله بالعفو والصفح ابتغاء وجه الله للمحافظة على الأسرة القائمة على المحبة بين الزوجين، ولهذا قال تعالى مخاطباً نبيّه وكل المسلمين من أتباعه: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ، فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ، فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ على اللّهِ، إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» (آية 159) سورة «آل عمران».
ويختتم الدكتور عبدالله النجار كلامه داعياً إلى الصلح المشروط بين الأطراف المتنازعين، وأنه يجب على الجميع احترام ما يتم وضعه من شروط لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحلَّ حراماً».
أما الدكتور عبدالمنعم فؤاد، عميد كلية الدراسات الإسلامية للوافدين في جامعة الأزهر، فيطالب الزوج وأهله والزوجة بأن يكونوا من عباد الرحمن، الذين وصفهم الله في العديد من الآيات القرآنية ومنها: «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ على الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً» (آية 63) سورة «الفرقان»، أي أن يتحلّوا بالسكينة والوقار، ويتسلحوا بالحلم والتواضع لوجه الله، حتى تتم المحافظة على كيان الأسرة بدلاً من التفكير في الطلاق، الذي له آثار مدمرة على الفرد والمجتمع إذا لم تكن له ضرورة قهرية وملحّة أو مشكلات تستعصي على الحل.
ويشير الدكتور عبدالمنعم، إلى أنه رغم أن الزوجة ليست مجبرة شرعاً على التصالح مع أهل زوجها، الذين يناصبونها العداء، إلا أنها بالرفق الذي هو صفة من صفات الله تستطيع ضمهم الى صفها، لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «إنَّ الله رفيق يحب الرفق ويرضاه ويعين عليه ما لا يعين على العنف»، وقوله أيضاً لأم المؤمنين عائشة: «عليك بالرفق، إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه».
ويدعو الدكتور عبدالمنعم الجميع إلى الترفع عن أهوائهم الشخصية، وأن يصبروا على بعضهم بدلاً من التفكير في الطلاق، ووقتها سيجني الجميع ثمار الصبر في الدنيا والآخرة، لأنه مفتاح الفرج وحل المشكلات، ولهذا قال الله تعالى في الصبر وجزاء الصابرين: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» (الآيات 155-157) سورة «البقرة».