(الحلقة الثانية) الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف المصري: الوقف من الأعمال الخيرية التي يتساوى فيها الرجل والمرأة

الدكتور مختار جمعة,وزير الأوقاف االمصري,الوقف من الأعمال الخيرية,يتساوى فيها الرجل والمرأة,أحكام الصيام,شهر رمضان

ا,القاهرة - جمال سالم ا القاهرة - جمال سالم 11 يونيو 2016

 

كثيرة هي الأسئلة التي تشغل أذهاننا جميعاً حول أحكام الصيام، خاصةً أن الجهل بتلك الأحكام قد يسبب للصائم مشاكل ويضيّع أجره. «لها» وضعت الكثير من الأسئلة الخاصة بشهر رمضان أمام الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف، ليرد عليها بكل صراحة ووضوح.


- يظن البعض أن التقرب إلى الله بـ «الوقف» خاص بالرجال دون النساء، فهل هناك نساء قمن بعمل «وقفيات»، أم أن هذا العمل الخيري خاص بالرجال؟
ساهمت النساء في إقامة الكثير من الوقفيات مثل الرجال تماماً، منذ عهد النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، وعلى رأسهن زوجاته رضي الله عنهن، فمثلاً أم المؤمنين السيدة عائشة قامت بشراء دار وأوقفتها على سكان عائلات معينة من الفقراء، كما كانت أول إدارة نسائية للوقف من نصيب أم المؤمنين السيدة حفصة، حيث عهد إليها والدها الخليفة عمر بن الخطاب بمهمة الإشراف على بعض الأوقاف التي يملكها في حال وفاته، وبالتالي تجوز ولاية المرأة للوقف، وقد استمرت المشاركات الوقفية النسائية طوال التاريخ الإسلامي وحتى عصرنا الراهن، ولم تنقطع قط، واختلفت قيمة الوقف باختلاف مواقعهن الاجتماعية، وبعضهن من نساء النخبة، وبعضهن الآخر من الطبقات الاجتماعية المختلفة.

الوقف الرمضاني

- هل تم تخصيص وقفيات عبر التاريخ الإسلامي لقضاء احتياجات النساء، خاصة في شهر رمضان؟
الوقفيات كثيرة جداً، سواء أكان الواقف رجلاً أم امرأة، وكتب التاريخ مليئة بوقفيات كانت مخصصة لسكن الأرامل والمطلقات والعجائز ومن لا عائل لهن، حيث سُمح لهن بالإقامة الدائمة فيها، مع تقديم الغذاء والكساء والرعاية الصحية ووسائل نشر الوعي الديني، بتوفير محفّظات للقرآن وعالمات لتعريفهن بأمور دينهن، كما كانت هناك وقفيات أخرى لتزويج غير القادرات من اليتيمات والفقيرات، وكذلك لشراء ما تتلفه الإماء والخادمات من أدوات منزلية في بيوت من يقمن بخدمتهم، حتى لا يتعرضن للعقوبة. وهناك دراسات تؤكد أن حجم المشاركة النسائية عبر التاريخ يراوح ما بين 25 و40 في المئة من حجم الأوقاف الحالية في العالم الإسلامي، ولا شك في أن الحرص على الوقف في رمضان ثوابه كبير وأكثر من غيره من الشهور، لأن فيه تتضاعف الحسنات على الطاعات، ومنها الوقف الرمضاني، الذي يمكن أن يتم في رمضان ويُخصص مثلاً لإفطار الصائمين وكسوتهم وعلاجهم، أو كما تريد الواقفة أو الواقف.

- هل من حق المرأة أن تقوم بعمل وقف باسمها مثل الرجل؟
الوقف من الأعمال الخيرية التي يتساوى فيها الرجل والمرأة ولا فرق بينهما، حيث دعاهما الإسلام إلى المسارعة في فعل الخيرات، لأنها من الباقيات الصالحات للإنسان في الدنيا والآخرة، وهذا ما يؤكده الله تعالى في قوله: «مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (الآيتان 96-97) سورة «النحل».

- هل يختلف ثواب الوقف باعتباره من أعمال الخير في رمضان عن غيره من الشهور؟
من المتفق عليه بين العلماء أن شهر رمضان يمثل فرصة لحصد الحسنات، حيث يضاعف فيه ثواب الأعمال الخيرية عن غيره من الشهور، فهذه من الخصائص التي يتميز بها رمضان عن غيره، ويكفيه فضلاً أنه شهر القرآن، حيث قال الله تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» (الآية 185) سورة «البقرة».

مغفرة الذنوب

- هل صحيح أن الاجتهاد في عمل الطاعات في رمضان يؤدي إلى مغفرة الذنوب كلها؟
أمرنا النبي (صلّى الله عليه وسلّم) بقيام ليالي شهر رمضان، لأن فيها ليلة عظيمة خير من عبادة ثلاث وثمانين سنة وثلاثة أشهر تقريباً، وهي «ليلة القدر»، أي أن الاجتهاد في إدراك تلك الليلة يكون خيراً من عمر الإنسان كله، كما الرحمة والمغفرة والعتق من النار ثواب من اجتهد في الشهر الفضيل، ولهذا قال (صلّى الله عليه وسلّم): «إن الله فرض عليكم صيام رمضان، وسننت لكم قيامه، من صامه وقامه إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه». وأكد (صلّى الله عليه وسلّم) المعنى نفسه في حديث آخر قال فيه: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه».

صائمون خاسرون

- البعض يقضي ليالي رمضان في اللهو والترفيه غير المباح، ويكون نهاره نوماً، فهل هؤلاء صائمون حقاً؟
هؤلاء خاسرون حقاً، وسيندمون وقت لا ينفع الندم، لأن المسلمين يتنافسون في صالح الأعمال طوال العام، خاصة في رمضان، لأنهم فهموا وطبقوا النصيحة النبوية حيث قال النبي (صلّى الله عليه وسلّم) لأصحابه وأتباعه في كل زمان ومكان: «جاءكم شهر رمضان شهر بركة، يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حُرم فيه رحمة الله».

تأخير الخير

- يؤخر كثير من الناس عمل الخير إلى رمضان، خاصة الزكاة والصدقات والأعمال التطوعية، فهل يصح هذا شرعاً؟
لا بد من أن يعلم الجميع أن رب رمضان هو رب كل الشهور، ولهذا ينبغي المسارعة في عمل الخيرات طوال العام، ولا يوجد ما يمنع شرعاً من اختصاص رمضان بجهد خيري مكثف عن غيره من الشهور، لأن له سمات مميزة ينبغي للمسلم أن يغتنمها ويقتنصها، حيث قال (صلّى الله عليه وسلّم): «إذا كانت أول ليلة من رمضان فُتحت أبواب الجنة فلم يُغلق منها باب، وغُلقت أبواب جهنم فلم يُفتح منها باب، وصُفدت الشياطين، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة»، كما قال (صلّى الله عليه وسلّم) أيضاً: «إن في الجنة باباً يُقال له الريّان يدعى يوم القيامة، يقال: أين الصائمون؟، فمن كان من الصائمين دخله، ومن دخله لم يظمأ أبداً».

حكمة الصيام

- يجهل البعض الحكمة من الصيام ويظنها مجرد ترك للطعام والشراب وسائر المفطرات فقط، فهل هذا صحيح شرعاً؟
إطلاقاً، لأنه إذا لم يُحدث الصيام تحولاً إيجابياً في حياة المسلم، فقد يصل به الأمر إلى أن يكون ممن قال فيهم رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر»، وحكمة الصيام هي التقوى والاجتهاد في الطاعات، وبالتالي لم يكن من المستفيدين من «الأوكازيون» الرباني الذي أعدّه الله للصائمين، حيث قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطها أمة قبلهم: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله عز وجل كل يوم جنّته ثم يقول: «يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة ويصيروا إليك»، وتصفد فيه مردة الشياطين، فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويغفر لهم».

قول مرفوض

- من الأقوال المتوارثة «إذا لم تكـن أسداً أكلتك الكلاب»، ويفسر البعض ذلك بأن «البلطجة اللفظية» بكل صورها مباحة حتى في رمضان، فكيف يواجه الإسلام ذلك طوال السنة وخاصةً في رمضان؟
حمّل الإسلام الوالدين مسؤولية كبيرة في تربية أبنائهما وبناتهما على «مكارم الأخلاق» منذ الصغر، ولهذا قال النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته»، ولهذا فإن التنشئة الدينية الصحيحة تحمي الأبناء في رمضان وغيره من الشهور، فنجدهم يلتزمون بقول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «الصيام جنّة فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إنيّ صائم».

شهود الزور

- ينتشر أمام المحاكم شهود الزور «المحترفون» طوال العام، بما في ذلك شهر رمضان، ومع هذا نجدهم صائمين، فهل يتقبل الله صيامهم؟
حرّم الإسلام شهادة الزور وجعلها من الكبائر، لأنها تضيع حقوق العباد، ويكفي تأكيد خسارة هؤلاء بإخراج الله لهم من وصف «عباد الرحمن»، الذين قال الله فيهم: «وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا. وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا» (الآيتان 72-73) سورة «الفرقان». وبالنسبة الى صيام شاهد الزور، فهو على الأرجح غير مقبول، لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه». 

ترتيب الأولويات

- أبواب الخير كثيرة في رمضان، لكن البعض يفتقد القدرة على وضع الأولويات فينشغل بالأقل أهمية ويترك الأهم، فماذا تقول لأمثال هؤلاء؟
أقول لهم: ينبغي عليكم أن تسألوا أهل العلم طالما أنكم تجهلون أولويات فعل الخيرات، وهذا ليس عيباً، بل هو أمر إلهي يُثاب فاعله، لأنه أطاع أمر الله بسؤال العلماء، وفي الوقت نفسه عرف الترتيب الصحيح للأولويات وفاز بمزيد من الثواب، لأنه فهم وطبق المراد من قول الله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (آية 43) سورة «النحل». ولهذا أرى أن تكون البداية بالوالدين وذي الرحم بأن يصل رحمه، وكذلك جيرانه، وأن يُعاهد إخوانه الفقراء والمحتاجين والمنكسرين والمعوزين والأرامل والأيتام، سواء بالإحسان المادي بتقديم المساعدات المالية والعينية والمعنوية، أو بزيارتهم وتقديم النصح والتوجيه والإرشاد لهم، باختصار الإقبال على أبواب الحسنات والطاعات والابتعاد عن السيئات والمعاصي، ولهذا يجب على الصائم أن يكثر فيه من أعمال البر والخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

سيد الشهور

- يردد العامة أن رمضان «سيد الشهور»، فهل لهذا أصل شرعي؟
نعم لهذه التسمية أصل شرعي، فقد ورد عن أبي سعيد الخدري قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سيد الشهور شهر رمضان، وأعظمها حرمة ذو الحجة». وجاء في حديث آخر عن ابن عباس قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبركم بأفضل الملائكة، جبريل عليه السلام، وأفضل النبيين آدم، وأفضل الأيام يوم الجمعة، وأفضل الشهور شهر رمضان، وأفضل الليالي ليلة القدر، وأفضل النساء مريم بنت عمران».

ثرثرة 

- بعض النساء يعانين مرض الثرثرة والغيبة والنميمة، فماذا تقول لهن حتى لا يقعن في المحظور؟
أقول لهن: اتقين «آفة اللسان» الذي يعد سلاحاً ذا حدين، فيمكن استخدامه في الطاعات وقراءة القرآن، ويمكن تحويله إلى نار تحرق صاحبها وتضيع حسناته طوال العام، خاصة في هذا الشهر الفضيل، ولهذا ينبغي على الجميع أن يتجنبوا الغيبة والنميمة والوقيعة في أعراض المسلمين والناس عامة، وتجنب ذكرهم بسوء حتى ولو كان موجوداً فيهم، لأن الغيبة أو النميمة تضيع أجر الصيام، ولهذا قال (صلّى الله عليه وسلّم): «من صام رمضان وعرف حدوده وتحفظ مما ينبغي له أن يتحفظ منه كَفّرَ ما قبله»، فهذا ثواب من يحسن استخدام لسانه، أما من يترك العنان للسانه – سواء كان رجلاً أو امرأة - فيقع في ما حرمه الله طوال العام، وقد جمع الله كل آفات اللسان حين قال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًاأَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ» (الآيتان 11-12) سورة «الحجرات».

نماذج عملية

- يقال: «بالمثال يتضح المقال»، فهل هناك نماذج لنساء صائمات وقعن في آفة اللسان في عهد الرسول؟ وماذا فعل معهن؟
رغم أن غالبية من يقع في الغيبة والنميمة من النساء، إلا أن هناك رجالاً أيضاً يقعون في ذلك ويدخلون في العقاب الذي أخبرنا به النبي (صلّى الله عليه وسلّم) حين قال: «لا يدخل الجنة نمّام». وفي ما يتعلق بصيام مدمني الغيبة والنميمة، قال (صلّى الله عليه وسلّم): «ما صام من ظلّ يأكل لحوم الناس». أما من حيث النماذج العملية فقد جاء في الحديث النبوي، أن امرأتين صامتا في عهد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فكادتا تموتان من العطش، فذُكر ذلك للنبي (صلّى الله عليه وسلّم)، فأعرض عنهما، ثم ذُكرتا له، فدعاهما، فأمرهما أن تتقيآ، فقاءتا ملء قدح، قيحاً ودماً وصديداً، ولحماً عبيطاً، فقال النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «إن هاتين صامتا عما أحلّ الله لهما، وأفطرتا على ما حرّم الله عليهما، جلست إحداهما إلى الأخرى، فجعلتا تأكلان لحوم الناس». ومن الأقوال الجميلة في ذلك، قول الصحابي الجليل جابر بن عبدالله: «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار وليكن عليك وقار وسكينة ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء».

مشاجرات رمضانية

- تكثر المشاجرات الرمضانية، سواء داخل البيت بين الأزواج والزوجات، وكذلك بينهم وبين أبنائهم وبناتهم والجيران، وأيضاً في أماكن العمل والشوارع ووسائل المواصلات، وكل من المتشاجرين يلتمس العذر لنفسه بأنه صائم، فهل هذا الشجار المتزايد في رمضان له مبرر شرعي؟
للأسف فإن قلة الإيمان والجهل بأحكام الصيام يجعلان الصائمين يفعلون عكس مراد الشرع، ومن المعلوم شرعاً أن الصيام يمثل قمة الصبر، خاصةً إذا كان في الحر الشديد والنهار الطويل، ولهذا سلاح الصبر يجعل الصائم أكثر تقوى لله وتحملاً للإيذاء، بل ومقابلة السيئة بالحسنة فيكون ممن قال الله تعالى فيهم: «وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (الآيات 34-36) سورة «فصلت». وقد بين لنا رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) الحل العملي في مواجهة السفهاء، فقال: «قال الله كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه».

تصرفات الجهلاء 

- ما تفسيركم لما نراه اليوم من تهافت الناس على شراء الأطعمة والأشربة في شهر الصيام الذي يعد الأعلى استهلاكاً بين شهور السنة؟
هذه النتيجة غير المنطقية سببها عدم فهم نصوص الشريعة، حيث قام الصائمون بتنفيذ عكس المقصود من الصيام، والحكمة الرئيسة من التقوى، بدليل قول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ على الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (آية 183) سورة «البقرة». فإذا بالناس تحوله إلى شهر ترفيه فيه معاصٍ وأفلام ومسلسلات تحارب مكارم الأخلاق، بدلاً من أن يتقوا الله ويحرصوا على فعل الطاعات والخيرات، وكذلك من حكمة الصيام الإحساس بالفقراء الذين لا يستطيعون الأكل بشكل كافٍ، حتى أن بعضهم يأكل وجبة واحدة أو وجبتين في اليوم من الأطعمة العادية أو حتى أقل من العادية، فإذا بالصائم يسرف في الأكل ويرمي في سلة المهملات أكثر مما يأكل، وبدلاً من أن يستفيد من الصيام بصحة أفضل بسبب راحة المعدة، فإذا به يصاب بالتخمة وكل الأمراض المتعلقة بها، لأنه نسي قول الرسول (صلّى الله عليه وسلّم): «ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه»، وكذلك ربط الأطباء الصيام بالصحة، فإذا به يتحول إلى شهر الأمراض.

توحيد الرؤية

- سنوياً يحدث خلاف حول بداية رمضان ونهايته، حتى أننا نجد اختلافاً حول بداية الصيام من دولة الى أخرى، وكذلك الاحتفال بنهاية رمضان وعيد الفطر، فما هو الحل من وجهة نظركم؟
الحل الأمثل يكون بتعاون العرب والمسلمين في إنشاء قمر اصطناعي إسلامي لاستطلاع الأهلّة وتوحيدها بين دول العالم الإسلامي، سواء في رمضان أو شوال أو غيرهما من الشهور القمرية، وليتنا نصل إلى اليوم الذي يحتفل فيه كل المسلمين في أنحاء العالم بأول صوم في رمضان وأول يوم من شوال، وكذلك ذي الحجة حيث فريضة الحج، ولهذا نتمنى الانتهاء من صنع هذا القمر الاصطناعي، الذي استُكملت دراسته منذ سنوات ولا ينقصه سوى القرار التنفيذي، ولهذا فإن هذه مسؤولية حكام المسلمين. 

- حتى يتم إنشاء هذا القمر، هل يجوز شرعاً أن يصوم إنسان وفق رؤية دولة أخرى؟
يجب شرعاً على كل إنسان أن يلتزم بالرؤية التي أعلنها مفتي بلده، ولا يصوم وفق رؤية دولة أخرى، حتى وإن شك أو لم يسترح لطرق رؤية الهلال في بلده، لأن هذه مسؤولية ولي الأمر الذي أمرنا الله بطاعته حين قال: «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا» (آية 59) سورة «النساء». وبالتالي لا داعي أبداً أن تكون هذه المسألة مثار خلاف ونزاع بين المسلمين في الوقت الحالي، حتى يتم إنشاء هذا القمر الاصطناعي لتوحيد الأهلّة، حرصاً على وحدة كلمتهم وجمع صفهم وعدم الشقاق في ما بينهم، امتثالاً لقوله تعالى: «ولاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ» (آية 46) سورة «الأنفال». -