وهل نحتفل فعلاً بيوم الأب؟

هل نحتفل بيوم الأب؟,هل يشعر الأب بما تشعر به الأم,احتفال,تكريم,شبه معدوم,يربي,يضحي,دور الأب,رعاية أسرته,جسر البيت,الأبوة هي الرجولة,يوم الأب,الدكتور عبدو قاعي,الرجل,بسام حمود,ولادة الطفل,ربيع إمام,خالد علي إمام,الأبوّة,الرجولة,يوليوس هاشم

بيروت - غنى حليق 25 يونيو 2016

يحتفل العالم بأسره بعيد الأم، ولا نكاد نجد بلداً بل بيتاً إلا ويحتفل بهذه المناسبة. في المقابل يمرّ عيد الأب في 21 حزيران/يونيو مرور الكرام بدون اهتمام أو احتفال أو تكريم. يوم الأب (Father>s Day) هو احتفال عالمي لا ديني (علماني)، مثل يوم الأم، وهو وجد لتكريم الآباء، ويُحتفل به في أيام عدة مختلفة حول العالم.
ولكن من اللافت أنّ الاهتمام بهذه المناسبة شبه معدوم في الدول العربية، وإذا أردنا المقارنة ما بين عيد الأم وعيد الأب، نرى أن الأب حقّه شبه مهدور في هذا الجانب، علماً أنه يربي ويضحّي ويسعى لإسعاد عائلته مثله مثل الأم.
الأبوّة شعور عظيم كما الأمومة، ودور الأب في رعاية أسرته لا يقلّ أهمّية عن دور الأمّ، وإذا كان الأب في أغلب الاحيان بعيداً عن منزله وعائلته بسبب ظروف عمله وحياته، فهذا لا يعني أنّ عاطفته بعيدة أو «باردة» نحو أولاده وعائلته، فهو جسر البيت كما يقال، ولا عائلة سعيدة من دونه.
كيف يشعر الرجال بأبوّتهم، وهل يخالجهم شعور كما شعور الأم عندما يرزقون بأطفال؟ ما هو دور الرجل في الأسرة وما أهمية هذا الدور قياساً إلى دور المرأة، وبالتالي إلى أي مدى يشعر الآباء بالغبن لعدم الاحتفال بيومهم؟ مجلة «لها» التقت عدداً من الآباء وكان هذا التحقيق.


يوليوس هاشم: طفلتي أعادت هيكلة حياتي
يقرّ المخرج والصحافي الزميل يوليوس هاشم بأنه لم يعش شعور الأبوّة خلال حمل زوجته بابنته البكر فالنتينا، لكنه لاحظ الفارق الكبير في العاطفة عندما شاهد ابنته للمرة الأولى، يقول: «لقد اكتشفت الكثير من التفاصيل»، ويضيف منتقداً التمييز المجحف بحق الأب بالنسبة إلى الفارق الكبير بين الهالة التي تحاط بها الأم والأمومة وعيد الأم، والاحتفال الاسميّ أو اللااحتفال بالأب وعيد الأب: «دائماً ما نسمع الشعارات المثالية المحابية للأم: هي التضحية وهي العاطفة وهي التي تذوب من أجل أولادها، وكأن الأب لا عاطفة له ولا تضحية يبذلها في سبيل عائلته. أرى أن في داخل كل رجل أبوّة تتحرك عندما يرزق بطفل».
ويضيف: «الأمّ هي التي تحضن العائلة والبيت فيما يضطر الأب إلى الخروج ليؤمّن معيشة عائلته. من هذا المنطلق راجت فكرة أنّ الأمّ هي الحاضنة والأب هو مجرد آلة مهمتها تأمين المال فقط».
وأجد أنّ الفارق بين عاطفة كل من الأب والأم هو شعورها بالطفل خلال فترة الحمل، وهو فارق زمني، فهي تسبق الرجل بشعورها بـتسعة أشهر فقط... تشعر بدقّات قلب طفلها وتحركاته في أحشائها، وما يرافق الحمل من عوارض. أمّا بعد الولادة فلا فوارق تذكر في الشعور والاهتمام بالأولاد بين الزوجين، وهذا الرأي نابع من قناعتي وتجربتي الشخصية في العلاقة ما بيني وبين زوجتي وطفلتي».
يوليوس ولحظة الولادة: «كنت أمام مشهد لم أره من قبل، شعرت معه بإعادة هيكلة وصياغة لكل حياتي، فكما مشهد الموت يجعلني أشعر بأن كل شيء سخيف ولا قيمة له، مشهد الولادة هزّ كياني، وقد عبّرت عن ذلك في رسائل عدة كتبتها عن شعوري نحو ابنتي تحت عنوان «رسالة إلى ابنتي».
وسألنا يوليوس عما في جعبته حول مشاهدة ابنته للمرة الأولى في غرفة الولادة، فقال: «في هذه اللحظة بالذات تغيرت كل التفاصيل أمامي، لدرجة شعرت معها بأنّ الصوت الخافت جداً الذي يصدر من القنينة التي تضعها الممرضة على الطاولة يجب أن يختفي حتى لا يزعج ابنتي، وأن أبواق السيارات في الخارج يجب أن تصمت كي تبقى ابنتي مطمئنة، شعرت بأن دوري حمايتها من كل شيء حتى من هذه الأصوات الخافتة، في تلك اللحظة شاهدت الحياة بمنظار جديد من أصغر تفاصيلها إلى أكبرها، بتّ أسمع وأرى بمنطق مختلف وكأنني أنا من وُلد من جديد».
يوليوس ويوم الأب: «أنا جزء من المجتمع، ومن الطبيعي أن أتصرّف مثله. قبل أن أصبح أباً كانت الأولوية لعيد الأم حيث يلاحقوننا بهذا العيد بكل الوسائل وكأنّ هناك «بروباغاندا» إعلامية للترويج والتسويق على حساب عيد الأم، نراهم يتتبعوننا بمختلف الوسائل بلوائح الهدايا والمنتجات النسائية المناسبة للأم، وبعباراتهم التي تحث على الاهتمام بها.
أما الأب فمسكين لا أحد يذكره، وفي عيده في حزيران/يونيو يكون أغلب الناس منشغلين بالبحر والسفر، ومن يتذكر منهم بالكاد يرسل الى والده كلمة «ينعاد عليك» أو يشتري له قالب حلوى».
يجاهر يوليوس بأنه قرّر التمرد على هذه العادات والاهتمام بالأب كما بالأم، لأن الأب لديه عاطفة وحنان أيضاً، وهو ليس فقط مصدراً للمال والتمويل، أو (Credit Card) يجرى استعمالها بتجرد تامّ من الأحاسيس: «أعترف بأن منظاري تغير بالنسبة الى الأمور كلّها، نحن مجتمع استهلاكي وربما يأتي يوم تقرر فيه المتاجر الكبرى تفعيل هذا العيد لمصلحتها، وعندها يروّجون له عبر إعلانات مكثّفة وعروضات مهمّة.
أنا اليوم لا أعرف كيف سيمر عليّ عيد الأب هذه السنة، لكنْ لا شكّ في أنّه سيكون أفضل، سأحتفل بوالدي، وربما زوجتي تحتفل بي نيابة عن ابنتي، ولكن لن يصبح هذا العيد مميزاً عندي إلّا عندما تكبر ابنتي وتحتفل هي بي، وإلى أن يحين ذلك الوقت، أشعر بالعيد يومياً عندما أراها تكبر وتتفاعل وتتغير، أعيش مع ابنتي كل يوم بيومه لأكتشف تطوّرها من حيث النطق والحركة والإحساس».
ويختتم يوليوس حديثه بالقول إنّ علاقته بابنته علاقة مميزة، وهو يتعلّم منها أكثر ممّا يعلّمها، لذلك هو أعاد صياغة كل شيء في حياته وبات يراها من وجهة نظرها: «لقد أصبحت علاقتي بالله أفضل، وأصبحت أحسب الأمور ولا أتسرع مهما حصل، خلافاً للماضي... بتّ أخاف على نفسي وصحتي خوفاً عليها، لأنني إذا أصبت بأي مكروه فسينعكس ذلك سلباً عليها. ابنتي بحاجة إليّ ولن أخذلها، لذا أهتمّ بنفسي. لقد أصبح لديّ نشاط أكبر حتى أعمل وأوفّر لها كل ما يلزمها».

خالد علي إمام: الأبوّة هي الرجولة!
خالد إمام أب لخمسة أولاد وجدّ لأربعة أحفاد، وهو اليوم في الـ 64 من عمره. يقول خالد: «لم أحتفل يوماً بعيد الأب. في الماضي كانت الأبوّة تعني إثبات الرجولة، ويوم رُزقت بأوّل ولد وأخبروني في المستشفى أن زوجتي أنجبت، فرحت كثيراً وشعرت برجولتي واعتززت بها قبل أن أشعر بأبوّتي.
عندما حملت زوجتي لم يخالجني شعور الأبوّة، وحتى عندما أنجبتْ لم أهتمّ كثيراً للأمر لأنّني من الناس الذين يستصعبون حمل الأطفال الحديثي الولادة، كنت أراقبهم من بعيد وأوفّر لهم حاجاتهم بكل محبة. الأب بالنسبة إلى المجتمع هو المسؤول عن توفير قوت عائلته وحمايتها.
أمّا العاطفة بأشكالها الشائعة فهي للأم، لأنها هي التي تربي وتتابع كل شؤون أطفالها». لا يحبّ إمام مساعدة زوجته في العناية بالأولاد، ويرى أنّ هذه مهمّة المرأة في المنزل، فيما مهمّته هو تأمين الأكل والشرب والملابس.
أمّا بالنسبة إلى الاحتفال بعيد الأب والاهتمام به أسوة بعيد الأم فيقول: «لعيد الأم في المجتمع رهجة مختلفة، الكلّ يحتفل ويعايد ويشتري الهدايا، والفارق واضح وكبير بين الاحتفال بعيد الأم والاحتفال بعيد الأب، ممارسةً وأسلوباً، إذ يمرّ عيد الأب أحياناً من دون أن نعرف بوجوده، لأن الناس غير معتادين بعد على الاحتفال بهذه المناسبة». وعن وجوب الاحتفال به كأب، يوضح: «أولادي يحتفلون بوالدتهم لكنهم لا يحتفلون بي لأنني لا أحبّ المظاهر. وبالنسبة إليّ، تكفيني عاطفتهم العملية واليومية ووجودهم بقربي... هذا بالنسبة إليّ أكبر عيد، فوجودهم ووجود أحفادي في حياتي يسعدني ويدخل البهجة إلى قلبي، لأنّه كما يقال: ما أعّز من الولد إلا ولد الولد».

ربيع إمام: شعور الأبوّة والمسؤوليّة العائليّة
رزق ربيع إمام ابن خالد إمام منذ ثلاثة أشهر بطفل توّجهُ أباً للمرة الأولى، وهو لم يكن قد اختبر هذا الشعور ولا فكّر به من قبل. يقول ربيع: «الإحساس بالأبوّة شعور لا يوصف. لقد وهبني الله عمَر وجعلني أشعر بطعم الحب والحنان والعاطفة بشكل مختلف. إنه شعور الأبوّة التي تغيّر المرء وتوجد لديه الحس بالمسؤولية نحو عائلته وتنمّيه».
لم يختبر ربيع معنى هذا الشعور قبل أن يرى ابنه أمامه، فهو على الرغم من تعاطفه مع زوجته مريم منيمنة خلال حملها وخوفه عليها، لم يكن يشعر بعاطفة الأبوّة كما كانت هي تشعر بأمومتها.
لكن كان لوقع رؤية طفله أمامه تأثير مختلف ومباشر. «عندما شاهدته نزلت دموعي وشكرت الله على هذه النعمة. قبلها، لم أفكر يوماً بأنني سأصبح أباً، وحتى فكرة الزواج لم تكن تخطر على بالي، ولكن عندما تعرفت إلى زوجتي وتم النصيب بيننا تغيرت حياتي وأصبحت لدي عائلة خاصة أحبّها وأفكّر فيها.
أنا عادة أخاف حمل الأطفال الحديثي الولادة، ولم أكن لأجرؤ على حمل ابني عندما ولد، ولكن عندما حملته وحضنته شعرت بأنه جزء مني، من لحمي ودمي».
لا يهتم ربيع بعيد الأب ولا يفكر فيه كثيراً، حتى إنه لا يذكر في أي يوم في السنة هو، فالاهتمام أو الاحتفال دائماً يكون بالأم، وهو يحتفل بوالدته ويكرّمها في هذا اليوم، ويرى أنّ سلوكه هذا شائع ومشترك بين أفراد المجتمع كافة. بالنسبة إلى ربيع «الأم، الأم ثم الأم... ثم الأب» هذا ما أوصى به الرسول الكريم محمد صلاة الله عليه، ولهذا يهتم المجتمع بالأم أكثر. يؤيد ربيع فكرة الاحتفال بالأب ويشجعها، لأن شعور الأب لا يختلف كثيراً عن شعور الأم نحو أولادها وهو دائماً يعمل ويضحّي من أجل عائلته ويستحقّ التكريم مثلها. يتمنى ربيع أن يأتي اليوم الذي يحتفل فيه ابنه بهذه المناسبة، ويقول: «قد تبادر زوجتي هذه السنة الى الاحتفال بي نيابة عن ابني لأنه صغير، كما فعلتُ أنا يوم عيد الأمّ، وستكون خطوة جميلة، لكنّ أمنيتي الأعزّ أن يكرّمني ابني مباشرة عندما يكبر لأن الشعور يومها سيكون مختلفاً ونابعاً من إحساسه وعاطفته الشخصية».
لا يحتفل ربيع بوالده في عيد الأب لأنه لم يكن ينتبه لهذه المناسبة من قبل، ولأنّ أغلب الناس لا يهتمّون بها، وحتى لو اهتمّ أحدهم بهذه المناسبة، تقتصر مبادرته على وضع معايدة على «فيسبوك»، أو على اتصال ليس أكثر. يفكر ربيع هذه السنة بمعايدة والده والاحتفال به لأنّه يؤيّد إحياء هذه المناسبة تكريماً للأب ولعطائه، ولأنّ والده يسأل دائماً: «لماذا تحتفلون بالأم ولا تحتفلون بالأب؟».

وليد محبّ: مظاهر غربية وغريبة
وليد محب أب لولدين، فتاة وصبي، وهما بالنسبة إليه كل شيء في حياته، فعندما وُلد ابنه البكر شعر بأنه حصل على أفضل نعمة في العالم كما يقول، وخصوصاً أنه كان يتمنّى أن يرزق بطفل ذكر. يعلّق وليد: «قد يراني البعض رجعياً، ولكن هذه كانت أمنيتي، وأشكر الله على نعمه، وشعرت يومها بأنني ملكت العالم، لكن عندما ولدت ابنتي كانت فرحتي بها أكبر، علماً أنني لا أحب التفريق بين ولد وآخر، ولكن أذكر يومها أنني عندما شاهدتها للمرة الأولى شعرت وكأني أطير فرَحاً».
يقول وليد إنه لم يختبر معنى الأبوّة إلّا عندما شاهد ولديه أمامه، علماً أنه لا ينفي مشاعر الأبوّة عندما يكون الطفل جنيناً في بطن أمه، ويضيف: «شعور الأم مختلف لأن الجنين يسكنها، ولكن في الوقت نفسه كنت أواكب حركات ابني وتغيراته وهو في بطن أمّه، فكنت أنام ويدي على بطنها لأحس بكل حركة يقوم بها، كما كنت أعيش معها معاناتها وتعبها أثناء الحمل، وأحاول التخفيف عنها قدر المستطاع، فعندما كانت تشعر بتشنجات في قدميها كنت أخفف عنها كي ترتاح وأساعدها بكل شيء حتى لا تتعب... عشت معها فترة الحمل بحلوها ومرّها».
يلفت وليد إلى أنّ نظرته الى الأبوّة بعد تجربته قد اختلفت، وبات يفهم شعور والديه وسلوكهما الذي كان يراه مبالغاً فيه، وخصوصاً عندما كانا يمنعانه من فعل شيء معيّن أو ينصحانه بعمل ما. بات يفهم شعور الوالدين الذي يدفعهما للاهتمام بأمور أولادهما، صغيرها وكبيرها.
ويُسهب في الحديث عن علاقة الفتاة بوالدها وكم هي خاصة ومتينة وفيها الكثير من الحنان والعاطفة، ويروي حادثة حصلت معه إذ تعرض لحادث سير وأُصيب ببعض الرضوض، ولمّا شاهدته ابنته ذرفت دموعها بسخاء خوفاً عليه، فيما توقفت ردود الفعل لدى ابنه وزوجته عند حدود المفاجأة، و«هذا يدل على مدى العاطفة والعلاقة الحميمة التي تربط الفتاة بوالدها».
لا يهتم وليد كثيراً بعيد الأب، وبالكاد يعترف به، ومن وجهة نظره، هذه الأعياد والمناسبات مرتبطة بمظاهر غربية وغريبة، «وإذا أحصينا الأعياد المبتكرة لهالتنا كثرتها. هذه الأعياد ليست من ثقافتنا»، ورغم ذلك فهو يحتفل بعيدَي الأم والعشاق، ويرى أنّ العيد الحقيقي عند الأب والأم يكون بإرضائهما، وهذا لا يتوقف على يوم أو يومين في السنة.

بسام حمود: شعور الأبوّة يولد مع ولادة الطفل
يرى بسام حمود أنّ شعور الأبوّة يولد مع ولادة الطفل، وكل ما يختلج في قلب الرجل قبل الولادة يكون مجرّد أحاسيس عابرة لا تقارن بما يشعر به الإنسان بعد أن يرى ابنه أو ابنته بين يديه. لا شك في أن الأب يهتم بزوجته خلال حملها ويشعر بتعبها وما تعانيه من عوارض ويحاول التخفيف عنها قدر المستطاع عبر خدمتها ومراعاتها صحياً ونفسياً، لكن كل ذلك لا يولّد شعور الأبوّة الحقيقي. 
يعترف حمود بأنّه لم يشعر بمعنى الأبوّة الحقيقي إلّا بعدما بلغت ابنته عمر الستة أشهر وبدأت تحرّك أعضاءها وتتفاعل معه ببعض «الحركات»، يقول حمود: «في هذه المرحلة تغيرت نظرتي اليها، وأصبحت أشعر بالمسؤولية تجاهها وتجاه عائلتي كلها، وهذا دفعني لأن أتابع كل تفاصيل حياتها وتغيراتها وحاجاتها».
لحمود طفلتان صغيرتان، وهو متعلّق بهما كثيراً ويحاول ما أمكن الاهتمام بهما ورعايتهما. هو لا يفكر كثيراً بعيد الأب والاحتفال به، ويرى أن الاحتفال بعيد الأم أمر طبيعي يتناسب مع طبيعة المرأة وإحساسها وعطائها، فالمرأة بطبعها تحب الاهتمام والاحتفال والمناسبات، وهذا يليق بها.
بالنسبة إليه، تكفيه في هذا اليوم كلمة معبرة من ابنتيه تُشعرانه بمحبتهما، فصحة العائلة وسعادتها أهم وأثمن من اي احتفال.

الدكتور عبدو قاعي: على الرجل إعادة النظر في علاقته مع أولاده
يرى الدكتور عبدو قاعي المختص بعلم الاجتماع أنّ فكرة الاهتمام بالأب وعيد الأب لم تفعّل مثل ما يحصل في عيد الأم في مجتمعنا، لأنّ الأب منذ القدم هو صاحب السلطة والمسيطر على عائلته ومجتمعه ككل، ففي الحياة التقليدية الأب يمارس سلطته الذكورية على عائلته ومجتمعه ويستقطب كل الاهتمام والسلطة، وهذا يجعله مكتفياً وفي غنى عمّن يُشعره بوجوده وحضوره وما يقدمه من خدمات وتضحيات. يقول قاعي: «إنّ فكرة الأبوّة ارتبطت بالإقطاعية والعنصرية، ومعنى الأبوّة كان مختلفاً عن المعنى الحالي، لأنه كان يرمز الى المسؤولية والرعاية أكثر منه الى الحنان والعاطفة. ولأن الأولاد كانوا أكثر قرباً من الأمّ، وهي التي تربيهم وتحضنهم وتمنحهم العاطفة والحنان، نادت المجتمعات بتكريم الأمّ والاحتفال بها كنوع من التعويض والدعم لقاء ما تعانيه من غبن وظلم في المجتمع». ويلفت د. قاعي إلى أنّنا «إذا أردنا تغيير نظرة المجتمع والواقع نحو الأبوّة ورموزها وأسلوب الاحتفال بها، علينا أن ندخل إلى فكر الأولاد ونظرتهم نحو والدهم، ونرى ماذا يريدون منه كي يعطوه المقابل، أو يفكروا بالاحتفال به.
ولذلك أرى أن من الضروري إعادة رسم دور الأب، وتصويب دور الأم التي تُعتبر دائماً مغبونة في مجتمعها. فالجمعيات والمجتمعات المدنية تهتم بالأم وتدعمها كي تتحرر وتأخذ حقها، خلافاً للرجل الذي لا يحتاج لمن يدعمه ويهتم به، فهو يظهر دائماً بصورة الانسان المتسلط والمسيطر ولا حقوق مهدورة له.
لقد كانت هذه صورة الأب قديماً، وها هي تعود اليوم للظهور في ظل تجدد العصبيات العائلية وحب السلطة المرتبطة بالرجل. لذلك على الرجل إعادة النظر في علاقته مع أولاده والاهتمام بحاجاتهم ومتابعة كل تفاصيل حياتهم حتى يعيدوا هم النظر بصورته في عقولهم ومشاعرهم».

يوم الأب في سطور
يُحتفل بعيد الأب في 52 بلداً في العالم في ثالث يوم أحد من شهر حزيران/يونيو. أمّا في البلدان الكاثوليكية، فيُحتفل بهذا العيد منذ القرون الوسطى في 19 آذار/مارس، الذي يصادف عيد القديس يوسف. وهذا اليوم عطلة رسمية في بلدان عدّة كالولايات المتحدة حيث قادت حملة الاحتفال بعيد الأب سيدة تدعى سونورا سمارت دودس من مدينة سبوكان في ولاية واشنطن. وقد تذكرت هذه السيدة، في خلال استماعها إلى موعظة الكنيسة عن عيد الأم، كيف تفرّغ والدها لرعايتها هي وإخوتها الخمسة بعدما فارقت أمها الحياة وهي تلد طفلها السادس. وبدأت، وفاءً لوالدها ولآباء آخرين بذلوا التضحيات نفسها أو ما يماثلها، بقيادة حملة لنشر هذه الرسالة.
وبما أن عيد ميلاد والدها كان في الخامس من حزيران، ارتأت أن يكون الاحتفال بالمناسبة في الشهر نفسه، فأُقيم أول احتفال في واشنطن في يوم 19 حزيران من عام 1910، وأُعلن هذا اليوم عيداً للأب في مدينة سبوكان.
وفي السنوات الأولى كانت تُقدّم الزهور في هذا العيد، وخُصّص اللون الأحمر لتكريم الآباء الأحياء، والأبيض للآباء الذين غادروا الحياة.
ثم بدأ الاحتفال بهذا العيد في مدن مختلفة من الولايات المتحدة. وقد تناقلت وسائل الإعلام فكرة عيد الأب، ما زاد الاهتمام الرسمي والشعبي بها وساهم في انتشارها في ولايات أميركية أخرى وفي كندا، لكن الاحتفال بقي شعبياً وغير رسمي.
وفي 15 شباط/فبراير 1957 دانت السناتور مارغريت سميث تجاهل الكونغرس الأميركي للمناسبة، متهمةً إياه «بارتكاب ذنب كبير تجاه جميع آباء الولايات المتحدة»، ومؤكدةً: «يجب أن نكرم كلاً من الأم والأب بالتساوي، أو لا نكرم أياً منهما على الإطلاق، وفي حال كرّمنا أحدهما وتجاهلنا الآخر إنما نكون قد ارتكبنا أسوأ إهانة بحق الأبوين». وأعلن الرئيس ليندون جونسون عام 1966، الأحد الثالث من حزيران عيداً للآباء، لكن العيد لم يكرّس سوى عام 1972 حين وقّع الرئيس ريتشارد نيكسون قرار الكونغرس بتثبيته رسمياً. وقد أقرّ الكونغرس الأميركي هذا العيد يوم عطلة رسمية في الولايات المتحدة. وحتى يومنا هذا، يحتفل الشعب الأميركي بعيد الأب في الأحد الثالث من شهر حزيران سنوياً. وبعدها انتشر العيد من الولايات المتحدة إلى مختلف دول العالم.