انطلاقة جديدة: الحياة العملية تبدأ بعد الأربعين

الحياة العملية,انطلاقة جديدة,تبدأ,بعد الأربعين,مرحلة الشباب,نجاحات,الدكتورة سحر عبدالحقّ,النضج,المذيع جمال الشاعر,الإعلامية نهال كمال,الدكتور عمرو خالد,أسلوب,مميز,فريد,النائب سولاف حسين درويش,هاوية للسياسة,محترفة,الدكتورة أماني وهبة,واجباتي العائلية,التوفيق,الدكتورة عزة بدر,ألامس,أرض الواقع,الفنانة علا رامي,اختيار,الأعمال الفنيّة,ظروف الحياة,التغيير,ندى صقر,الصحافة والإعلام,إلى الهندسة,فريال مغنية,التجديد,التطوير,إحسان نحيلي رشيد,غيرت مهنتي,من التعليم الى التصنيع,ماغي فربالدين,سمية الحاج,تعلّقي بالأطفال,جاد داغر,تحدِّيات كبيرة

محمد جمال - (مصر) - غنى حليق - (لبنان) 27 أغسطس 2016

رغم أن البعض يصل إلى سن الأربعين ويعتبرها بداية لانحسار مرحلة الشباب، لكن هناك من عرف كيف يعيش شباباً آخر في هذه السن، وكيف يبدأ حياته من جديد، ويطور فيها ويحقق نجاحات عملية وأسرية. «لها» تقدم تجارب وآراء وشهادات حية لأشخاص ناجحين من مصر ولبنان رفعوا شعار: «الحياة العملية تبدأ بعد سن الأربعين».


الدكتورة سحر عبدالحقّ: الأربعون مرحلة النضج الذهني والعملي
تمثل سن الأربعين مرحلة فارقة في حياة الدكتورة سحر عبدالحق، رئيسة نادي النصر، وأول سيدة مصرية تتقلد رئاسة نادٍ عام في تاريخ الرياضة المصرية، وعن ذلك تقول: «تمثل هذه السن مرحلة النضج في حياتي، وقد نفذت خلالها أنشطة كثيرة في النادي حتى بلغت الألعاب فيه 18 لعبة، صار فيها للنادي اسم كبير على مستوى البطولات، وضم عدداً لا بأس به من المصنفين عالمياً في الكاراتيه والهوكي العشبي والدراجات، وحصل النادي على بطولات قارية فيها».
وتشير الدكتورة سحر إلى أن خطتها المستقبلية ستتركز على اللجان التطوعية، التي كانت ترأسها قبل ذلك، وتحلم بالإشراف على تحقيق حلم جمعية المسنين وفريق الاحتياجات الخاصة، خاصة فريق كرة القدم في جمعية الصم والبكم، الذي يلعب باسم نادي النصر، وحقق بطولات كبيرة داخلياً وخارجياً.
وتضيف أن رغم كونها طبيبة وحاصلة على درجة الماجستير في التحاليل الطبية وأمراض الدم، إلا أن حبها للرياضة وراثي، فهي من أسرة رياضية أباً عن جد، كما أن شقيقها هو الدكتور عمرو عبدالحق رئيس النادي السابق، وابنها وابنتها من عشاق الرياضة وحققا بطولات عدة، وقد حققت نجاحاً مزدوجاً في عالم الرياضة والتحاليل الطبية، مما جعل الدولة تكرّمها من خلال منحها شهادات تقدير لدورها الفعال في برنامج «الرياضة للجميع»، والسيطرة على مرض السكري والضغط والسمنة وهشاشة العظام، وهي تتبنى حالياً مشروع تخريج الأبطال الأولمبيين في النادي في الألعاب كافة، لمد المنتخبات المصرية بلاعبين يمكنهم المنافسة وحيازة الميداليات في دورات الألعاب الأولمبية المقبلة، وكذلك بناء حمام سباحة أولمبي.
وتنهي الدكتورة سحر عبدالحق كلامها، مؤكدة أنها بعد سن الأربعين ما زالت تحرص على ممارسة الرياضة التي تعني الصحة والرشاقة والحيوية، ولهذا فهي تنصح النساء بأن يتخذن من الرياضة منهج حياة، حتى لو من خلال رياضة المشي التي تعد وسيلة ناجحة في محاربة السمنة وتنشيط الدورة الدموية.

المذيع جمال الشاعر: تحوّلات إيجابية
شهدت مرحلة ما بعد الأربعين تحولات إيجابية كبيرة في حياة المذيع جمال الشاعر، رئيس معهد الإذاعة والتلفزيون، وعن ذلك يقول: «عندما بلغت سن الأربعين عرفت كيف أتخلص من قيود مرحلة الانتشار التي يهدف اليها أي إعلامي، بعدما حققت نجاحاً كبيراً فيها، حتى أنني كنت في شبابي مذيعاً في بعض المؤتمرات الرئاسية والوزارية، هذا فضلاً عن تقديمي الكثير من البرامج الثقافية المتنوعة والإنسانية والرمضانية التي تتضمن مسابقات، ولهذا أنا راضٍ تماماً عن مسيرتي قبل الأربعين».
ويوضح جمال الشاعر أنه بعد سن الأربعين تخلص من هموم العمل القيادي نسبياً في اتحاد الإذاعة والتلفزيون، وبدأ ينشط في المشاركة في الندوات والمؤتمرات كمتحدث حيناً ومستمع أحياناً، لأن المثقف الحقيقي لا يصل إلى قمة المعرفة، بل إنه كلما ازداد علماً زاد معرفة بجهله، لأن الثقافة بحر لا قاع له ولا نهاية، ولهذا فإن الشيء الوحيد الذي طلب النبي (صلّى الله عليه وسلّم) الاستزادة منه هو العلم، حيث قال الله تعالى: «وقل ربِّ زدني علماً»، وليس المقصود بذلك العلم الديني فقط كما يفهم البعض، وإنما الاستزادة من كل العلوم الإنسانية والتطبيقية النافعة للبشر».

الإعلامية نهال كمال: تخلصت من أعباء العمل واقتربت أكثر من زوجي وبناتي
تعترف الإعلامية الشهيرة نهال كمال بأن مرحلة ما بعد الأربعين في حياتها شهدت التخلص من أعباء العمل الإعلامي والتقرب من زوجها الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي، مما ساعده على المزيد من الإبداع، خاصةً أنه كان من الشعراء الذين يتصفون بالقلق الشديد مع كل قصيدة يكتبها، حتى أن أفراد أسرته كانوا يبتعدون عنه وقت الكتابة ويهيئون له الأجواء المثالية لذلك، مما جعله يعشق الحياة حتى آخر لحظة في عمره، بل إنه واظب على كتابة الشعر حتى الرمق الأخير.
وتوضح نهال كمال أنها بعد سن الأربعين أولت ابنتيها آية ونور كل الرعاية والاهتمام، حتى تنجحا في مسيرتهما الدراسية وحياتهما الشخصية، خاصة في مرحلة المراهقة التي تعد أخطر مرحلة في حياة البنات، وتتطلب اقتراب الأم من بناتها.

الدكتور عمرو خالد: الدعوة بأسلوب مميز وفريد
يصف الداعية الشهير الدكتور عمرو خالد سن الأربعين بأنها سن الحكمة والعقلانية في أسمى صورها بعدما حقق نجاحاً باهراً في مرحلة شبابه، حيث قدم الدعوة الإسلامية بأسلوب مميز وفريد، بعيداً عن لغة الخطابة التقليدية، وأقرب إلى أسلوب التنمية البشرية التي تجعل العلاقة وثيقة بين المتحدث والمتلقي.  ويشير الدكتور عمرو خالد إلى أن بعد سن الأربعين زاد اهتمامه بقضايا الإصلاح الاجتماعي والتعايش السلمي بين البشر، على اختلاف ألوانهم ودياناتهم ولغاتهم، ولهذا قام بتأسيس جمعية «صنّاع الحياة»، بالإضافة إلى إطلاق العديد من المبادرات الإيجابية، التي يمثل الشبان والفتيات العنصر الأساسي فيها، وآخرها حملة «أخلاقنا» وقبلها حملتا «ضد المخدرات» و«حماية» ضد كل السلبيات، وكذلك مبادرة «العلم قوة»، وحملة «أوعي»، وقبلها حملات تهدف الى نشر ثقافة النظافة في المجتمع، وقد لقيت هذه الحملات تجاوباً كبيراً من مختلف فئات الشعب المصري والشعوب العربية.  يبتسم الدكتور عمرو خالد، مؤكداً أنه في سن الأربعين بالضبط حصل على تكريم دولي، بعد اختياره من بين الشخصيات المئة الأكثر تأثيراً في حياتنا في العالم، وحدث ذلك بالتحديد عام 2007، وكان ترتيبه سادس أكثر شخصية مؤثرة عالمياً، كما تم اختياره ضمن قائمة الطبقة المميزة لـ«نيوزويك» لأنه يؤمن بأن لا نهضة من دون التمسك بتعاليم الأديان التي لا تقتصر على العبادة فقط، بل إن دورها الأكبر يكون في المعاملات والأخلاق، خاصة التسامح والعفو والتعايش السلمي وقبول الآخر.  وينهي الدكتور عمرو كلامه، موضحاً أنه مشغول حالياً بمشروع عالمي بكل اللغات اسمه «إنسانية الإسلام» ويشاركه فيه عدد كبير من العلماء العرب والأجانب، كما أنه لن يتوقف عن الاهتمام بالشأن الإنساني عامة والعربي خاصةً، مثلما سبق له تبني حملة لتوعية خمسة آلاف مدمن عربي، ولاقت ردود فعل إيجابية في أوساط الشباب العرب، وشارك فيها خمسة ملايين شخص يقومون بأفعال إيجابية منذ بداية الحملة عام 2008، حتى الآن، وتشارك فيها بعض المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة.

النائب سولاف حسين درويش: بعد بلوغي الأربعين تحولت من هاوية للسياسة إلى محترفة
تروي سولاف حسين درويش، النائبة في مجلس النواب المصري، ما حصل معها بعد سن الأربعين قائلة: «نشأت في أسرة محافظة تقدّر قيمة العمل والجدية في الوصول إلى النجاح في مختلف مجالات الحياة، ومنذ الصغر كنت شغوفة بمتابعة العمل السياسي والشأن العام، خاصةً في ما يتعلق بهموم المجتمع ككل، سواء النساء أو الرجال أو الأطفال والشيوخ، لكن تخرجي في كلية التجارة حدّ من انطلاقي في عملي في أحد البنوك العامة، وتدرجت في الوظائف حتى وصلت إلى درجة مدير إدارة التسويق الإلكتروني في البنك الرئيسي.
وتضيف: «بعد بلوغي سن الأربعين تحولت من «هاوية» للعمل السياسي إلى «محترفة»، حيث انضممت إلى العديد من الأحزاب، وركزت جهدي في مجال الشأن العام من خلال المحليات، حتى بدأت رحلة التعرف على مشكلات الناس، خاصة المرأة، والعمل على المساهمة في وضع حلول عملية لها، ومحاربة الفساد، حتى لو كان الفاسد منتمياً إلى الحزب الذي أحمل عضويته، فأنا «عدو الفساد» بكل أشكاله وألوانه».
وتنهي سولاف كلامها، موضحة أن مرحلة ما بعد الأربعين تمثل قمة النضج في حياتها، حيث ترعى زوجها رجل الأعمال عماد الشواربي، وأولادها: «ياسمين» طالبة في كلية التجارة، «عمر» طالب في الثانوية العامة، و«محمد» طالب في الإعدادية، وفي الوقت نفسه تستعد لمناقشة رسالة الماجستير في مجال المحاسبة في أكاديمية السادات للعلوم الإدارية، بعدما اضطرت لتأجيلها بسبب الانتخابات، كما تعتزم مواصلة الدراسات العليا للحصول على الدكتوراه، لأن لا تعارض بين العمل العام والتحصيل الأكاديمي.

الدكتورة أماني وهبة: نجحت في التوفيق بين عملي وواجباتي العائلية
لمرحلة ما بعد الأربعين مذاق خاص في حياة الدكتورة أماني وهبة، رئيسة مؤسسة «طبيب الخير»، والتي قادت من خلالها مسيرة طبية إنسانية تخفف من آلام المرضى الفقراء في مختلف محافظات مصر، حيث يتم الكشف الطبي وصرف الأدوية بالمجان.
وتشير الدكتورة أماني إلى أن الأربعين هو سن العطاء لأسرتها الصغيرة أيضاً، حيث تقدم مزيداً من الرعاية لأولادها الأربعة، وهم: «بسمة» طبيبة أسنان، «ندى» طالبة في كلية الإعلام، «جلال الدين» طالب في الإعدادية، ثم آخر العنقود ابنها «خالد»، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتحيطه بالاهتمام بسبب ظروفه الصحية.
وتختتم الدكتورة أماني كلامها، مؤكدة أنها بعد سن الأربعين نجحت في التوفيق بين عملها ومتطلبات أسرتها وممارسة دورها الاجتماعي من خلال مؤسسة «طبيب الخير»، مما يساهم في تحسين صورة الأطباء التي تشوهت كثيراً في الآونة الأخيرة بسبب جشع الكثيرين منهم وبحثهم عن الثراء الفاحش والسريع من دماء المرضى الفقراء، متناسين أنهم أصحاب رسالة، ولهذا كانت هناك مساعٍ جادة للتعاون بين مؤسسة «طبيب الخير» ووزارة الصحة ونقابة الأطباء لتوسيع قاعدة المشاركين في هذا المشروع الإنساني، الذي وهبت له حياتها بعد الأربعين.

الدكتورة عزة بدر: سن الأربعين جعلتني ألامس أرض الواقع
تنظر الدكتورة عزة بدر، إحدى قياديات وزارة الثقافة، إلى سن الأربعين نظرة مختلفة، وتقول: «مرحلة ما بعد الأربعين شكلت علامة فارقة في حياتي، فمنذ تخرجي في كلية الإعلام في الثمانينات وأنا أحاول نشر الوعي الثقافي من خلال أعمالي الأدبية المتعددة، إلا أنني بعد الأربعين قررت ملامسة أرض الواقع عبر تأسيس صالون ثقافي وإبداعي من خلال المجلس الأعلى للثقافة، وأطلقت عليه «تواصل»، وهو عبارة عن ندوة شهرية نستضيف خلالها المواهب في مختلف المجالات، الغناء والشعر والأدب والسياسة والاقتصاد والاجتماع وغيرها، وقد أصدرت كتاباً يتضمن ما قمت به في صالون «تواصل» خلال مسيرته التي تصل إلى 11 سنة، وهي تمثل لي قمة العطاء، حيث يشارك فيه الجميع ومن كل المحافظات، وأحياناً ينضم إلينا ضيوف عرب.
وتشير الدكتورة عزة إلى أنها لا يمكن أن تنسى ندوة شارك فيه الطفل صلاح المنشي، وعمره ثماني سنوات، وقد توصل إلى أربعة اختراعات فريدة ومفيدة للمجتمع، وتقدمنا باختراعاته إلى أكاديمية البحث العلمي لنيل براءات اختراع عنها، ولهذا تتم رعاية المواهب في مختلف المجالات، فهذا هو العطاء الحقيقي بعد سن الأربعين، والتي تعد نقطة تحول في الحياة إلى الأفضل.

الفنانة علا رامي: التأني في اختيار الأعمال الفنيّة
تؤكد الفنانة علا رامي أن مرحلة ما بعد الأربعين مثلت نقطة تحول في حياتها العامة، حيث تخلصت من العصبية التي كانت تتصف بها قبل هذه السن، واهتمت أكثر بممارسة الرياضة للحفاظ على رشاقتها وحيويتها، بالإضافة إلى تأنيها في اختيار ما يعرض عليها من أعمال فنية، لأنها لم تعد تهتم بالانتشار الجماهيري والبحث عن المكاسب المادية والشهرة، ولو على حساب القيم والأخلاق.
وتشير علا إلى أنها شعرت بالهدوء والاستقرار النفسي أكثر بعد سن الأربعين، حيث توسعت قاعدة معارفها وأصدقائها في الوسط الفني وخارجه، بالإضافة إلى مشاركتها في حملات التوعية المجتمعية والأنشطة المختلفة، من خلال الفن الهادف، وبأسلوب مشوق وغير مباشر، بعيداً عن الوعظ والتوجيه المباشر كما يفعل البعض.

 وتختتم علا رامي كلامها، مؤكدة أن بعد سن الأربعين أصبح لديها متسع من الوقت للتواصل مع أفراد عائلتها، خاصةً شقيقتها سحر رامي وابنها الوحيد عمر.


سيدات لبنانيات بدَّلن مهنهن: ظروف الحياة فرضت علينا التغيير

التقت «لها» عدداً من السيدات اللبنانيات اللواتي اختبرن العمل وغيرن مهنتهن بعد تقدمهن في السنّ، وتحدثت معهن عن سلبيات وإيجابيات تغيير المهنة، والاسباب التي دفعتهن إلى البحث عن عمل جديد... 


ندى صقر: من الصحافة والإعلام إلى الهندسة
ملت ندى صقر في مجال الصحافة حوالى 20 سنة تنقلت خلالها ما بين العمل في دار نشر أو مجلة أو جريدة.  تقول ندى: «اخترت العمل في الاختصاص الذي درسته وأحببته وشعرت بأنه قدري، وعملت طوال تلك الفترة بحب وإخلاص وتفانٍ. واجهت صعوبات كثيرة وتحملت ضغوطاً كبيرة، فمهنة الصحافة هي مهنة البحث عن المتاعب، ولا أوقات للراحة فيها، خصوصاً اذا كان الشخص يعمل في جريدة يومية، بحيث يكون دوام العمل مختلفاً، وكذلك الفرص الاسبوعية. كنا نعمل ليل نهار وفي العطل والأعياد، وعلى الرغم من ذلك كنت راضية ومقتنعة لأنني أحب عملي، ولم أفكر يوماً في ترك مهنتي أو تغييرها».
تغيير ندى لمهنتها لم يكن بإرادتها، ولم يأت عن سابق تصور وتصميم، بل حدث بفعل الظروف القاسية التي يعانيها البلد. تعترف ندى بأن تركها لمهنة الصحافة جاء بالصدفة، وأن الأزمة الاقتصادية العالمية أثرت في المجلة التي كانت تعمل فيها فتوقفت عن الصدور، وبالتالي خسرت وظيفتها فيها. بداية، رفضت ندى تغيير مهنتها وحاولت البحث عن عمل في أكثر من وسيلة إعلامية، لكنها كانت تُصدم بالرواتب المتدنية التي تُعرض عليها، والتي لم تكن تتناسب مع خبرتها وتاريخها الصحافي، مما دفعها الى التمرد على هذا الواقع والاستغناء عن المهنة والبحث عن وظيفة في مجال آخر. تقول ندى: «لم أتقبّل العمل بعد هذا التاريخ الحافل براتب مبتدئين أو بمركز لا يليق باسمي، ولذلك اضطررت الى تغيير مهنتي واستغلال الفرص المتوافرة أمامي، فظروف الحياة صعبة ولا يمكنني الاستغناء عن العمل».
لم تجد ندى أمامها سوى وظيفة إدارية في شركة هندسة فعملت فيها، وخاضت تجربة مهنية جديدة عليها. وعلى الرغم من أن الهندسة لا تمت الى الصحافة بصلة، استطاعت ندى وبفترة قصيرة التعود على النسق الجديد في العمل والتعرف على مختلف مجالاته. وتؤكد ندى أن لكل مهنة سلبياتها وإيجابيتها، وهي اليوم تشعر بالراحة أكثر مما مضى لأن مهنتها لا تتطلب جهداً كبيراً أو دوام عمل قاسياً، ورغم ذلك فهي تشتاق الى مهنتها الأساسية، والتي ترى نفسها فيها، وتضيف: «ظروف البلد المعقدة فرضت عليّ تغيير مهنتي، ولكنني أحاول التأقلم مع العمل الجديد والنجاح فيه، وأشكر الله أنني اكتسبت خبرة في وقت قصير. صحيح أنني لم أتعلم رسم الخرائط، ولكنني تأقلمت مع الجو العام لهذه الشركات، وبت أعرف الأسعار وكيفية تصريف الأعمال».
تأسف ندى للحال الذي وصل اليه البلد، والذي دفعها لتغيير مسار حياتها ومهنتها والعمل في مجال لا يمت الى اختصاصها بصلة. هي ليست راضية كثيراً عن هذه النقلة، وكانت تتمنى أن تبقى في مهنتها الأساسية وتتقدم وتتطور فيها، ولكن في الوقت نفسه هي سعيدة لأنها تجيد العمل وتملك القدرة على التعلم والتأقلم. وتختتم ندى حديثها بالقول: «من المؤسف ان نعيش في بلد لا يقدّر المؤهلات العلمية والخبرات وتاريخ الانسان واسمه».

فريال مغنية: السعي الى التجديد والتطوير
فريال مغنية سيدة أعمال اختبرت الحياة المهنية بعد وفاة زوجها، وواجهت صعوبات كثيرة في سوق العمل اضطرتها لتغيير مهنتها وتجارتها أكثر من مرة، تقول مغنية: «درست الحقوق ولم أعمل في اختصاصي لأنني تزوجت وسافرت الى افريقيا مع زوجي. وبسبب عدم استقراري في بلدي، لم أجرؤ على تأسيس عمل خاص بي. بعد عودتي الى لبنان فقدت زوجي، وشعرت بفراغ كبير، فاقترح عليّ أخي افتتاح محل لبيع الألبسة، وكان المكان ورأس المال موجودين، ولم يكن مطلوباً مني سوى السفر وتأمين البضاعة، فقبلت بهذه المهنة للتسلية، ولم أعمل فيها بجدية، إذ لم أكن اشعر بأنها مهنتي الخاصة التي عليّ تحمّل مسؤوليتها، فالمحل لوالدي وكل ما كان يهمني هو السفر للسياحة وشراء البضائع. كنت أشرف على المحل بشكل متقطع، وأعتمد على الموظفين لثقتي الكبيرة بهم، لأنني لم أكن قد اختبرت الحياة المهنية بعد، مما أدى الى فقداني الكثير من حقوقي. ولأنني لم أكن أملك الخبرة في التجارة والبيع والشراء، صدمت بالمجتمع وأُصبت بخيبات الأمل. كنت أظن أنني أعيش في «مدينة افلاطون الفاضلة»، وأن الجميع سيعاملونني بأخلاص ومحبة، لكن للأسف لم أجنِ سوى الخسارة، واضطررت الى إقفال المحل. لم أيأس وكررت المحاولة، شاركت في تأسيس مركز لتعليم الغطس وبيع أدواته، وبالتالي سافرت وتعاقدت مع وكالات عدة لبيع مستلزمات الغطس، وباشرت العمل في هذه المهنة لأنني كنت أحبها وأهوى العمل فيها، ولكنني لم أستمر فيها لوفاة شريكي».
لم تستسلم مغنية للخسارة ولم تعتزل العمل، ولكنها فكرت بمهنة أخرى، خصوصاً ان أولادها كانوا قد أصبحوا في سن المراهقة، ويحتاجون الى المتابعة والاهتمام، ولأن لها ثلاث بنات وصبياً واحداً، فكرت بافتتاح مركز للعناية بجمال المرأة. تقول مغنية: «لم أكن أملك خبرة في هذا المجال، وسعيت لمعرفة كل شيء عنه، ولذلك سافرت إلى أوروبا، وخضعت لدورات تدريبية عدة وتعرفت على أساليب العناية بالبشرة والجسم، وأخذت بناتي معي ليتعرفن على المهنة، ولما شعرت بأنني صرت جاهزة، افتتحت مركزاً خاصاً بي ووفقت في مسعاي، وأنا اليوم أديره بمساعدة مجموعة من خبراء التجميل والعناية بالشعر».
لا تنكر مغنية انها عانت الكثير بسبب اختلاف المهن التي مارستها، إذ كانت كل مرة تُصدم بأشخاص غير أوفياء للمهنة، وهذا ما كان يضطرها الى تغيير خطة عملها والانتقال من مهنة إلى أخرى، ورغم أنها مُنيت بخسائر مالية فادحة، لكنها سعيدة اليوم بالخبرة التي اكتسبتها من العمل، وفخورة بأسلوب التعاطي مع الناس وكيفية ادارة الاعمال والموظفين. هي من النوع الذي يحب المغامرة وخوض التجارب الجديدة وتنفيذ الأعمال باحتراف، ولذلك صُدمت أكثر من مرة بالظروف الأمنية والحياتية التي كانت تقف حجر عثرة أمام طموحها.
تشعر مغنية اليوم بالاستقرار والراحة في عملها، وهي راضية عن نفسها رغم كل التغيرات التي طرأت على حياتها، لأنها على ما تقول كانت توظف أموالها في بلدها، وتساهم في فتح ابواب الرزق أمام الكثير من العائلات، وهذا بحد ذاته انجاز في زمن الخسارات. تقول مغنية: «أنا امرأة نشيطة وطموحي لا حدود له، لذا كلما شعرت أنني بحاجة الى التجديد والتغيير فلن أتردد أبداً، حتى لو اضطررت للعودة الى الجامعة لتحصيل العلم والمعرفة فلن أتردد مهما تقدم بي السن». وتختتم حديثها بالتأكيد: «لا شك في أنني مررت بفترات من النجاح والفشل، ولكنني لم أكن السبب في الخسارة الكاملة. قد أكون مسؤولة عن جزء بسيط منها، ورغم ذلك لم أستسلم لأن أملي بالحياة وتحقيق النجاح كبير. ومع أنني راضية عن نفسي، لكنني لست راضية عن المجتمع الذي ساهم في خسارتي». 

إحسان نحيلي رشيد: غيرت مهنتي بعد 27 عاماً في التعليم
تعمل إحسان نحيلي رشيد في مجال الأشغال اليدوية وتصنيع الأكسسوارات والكروشيه، وهي منذ 11 عاماً تمارس هذه المهنة التي كانت خيارها الثاني بعد مهنة التعليم. تقول رشيد: «منذ نشأتي وأنا أحب الأشغال اليدوية وصناعة الكروشية، إلا أنني تخصصت في مجال الحضانة، وعملت حادقة أطفال وأمضيت ما يقارب الـ 27 عاماً في هذه المهنة. قدّمت كل ما عندي، وعلّمت بكل محبة وأخلاص، وكنت مثال الحادقات المميزات بشهادة الجميع، وخرّجت أجيالاً من الشبان والصبايا الذين يفتخر بهم المجتمع. ولكن بعد مضي كل هذه السنوات شعرت بأنني بحاجة الى التطوير والتغيير والاستقلال في العمل، فأسست حضانة خاصة بي، ونجحت في إدارتها، إلا أن ظروف العمل عاكستني وواجهت بعض الصعوبات في ما يتعلق بالمكان، إذ طالبني أصحاب العقار بتسليمه بعد مضي 6 سنوات، ولم أوفق بمكان بديل، فأقفلت الحضانة وتوقفت عن العمل». الصعوبات التي واجهت رشيد في مهنتها دفعتها للتوقف عن العمل، ولكنها لم تُصبها بالإحباط أو اليأس من ايجاد حلول أخرى تناسبها وتناسب ظروف حياتها، لذا كان البحث عن مهنة أخرى هو الحل البديل لها، تشرح: «أنا من السيدات اللواتي لا يعرفن العيش بدون عمل، ولأنني أؤمن بأن في الحركة بركة، قررت استعادة هواياتي الاولى، خصوصاً بعدما كبُر أولادي وتزوجوا جميعاً، وبات لدي الوقت الكافي للتفرغ لهذه الهواية. كنت أصنع الأكسسوارات وأهديها الى صديقاتي ومعارفي، وصادف أن أهديت أحدها الى صديقتي التي تعمل مديرة في الشؤون الاجتماعية، فأُعجبت بمشغولاتي واقترحت عليّ العمل معهم في مركز الرعاية الاجتماعية وتعليم الفتيات صناعة «الكروشيه» والأكسسوارات، فوافقت على الفور وكانت هذه الصدفة بداية مهنة جديدة لي».

من التعليم الى التصنيع
لم يقتصر عمل رشيد على تعليم الكروشيه في مركز الرعاية الاجتماعية، بل  أصبحت تصنع المنتجات وتبيعها للمعارض والمتاجر والأفراد، ولأنها لا تستطيع بمفردها تلبية كل هذه الطلبات، عمدت إلى تشغيل تلاميذها معها للاستفادة مما تعلموه، وباتت اليوم معروفة في مجالها، تقيم ورش العمل التعليمية، وتصمّم وتصنّع أعمال الكروشيه والأكسسوارات المميزة، وهذا ما جعلها مقصداً للمؤسسات والأفراد المهتمين بهذا النوع من العمل. توضح رشيد: «تعاقدت مع مراكز ومؤسسات عدة، ومنها هيئة الامم المتحدة، كما شاركت في برنامج تنمية المرأة، وعلّمت النساء اللبنانيات والسوريات أصول المهنة، وحاولت تأهيلهن لإتقان العمل والاستفادة من هذه المهنة، وبالتالي أقمت العديد من ورش العمل في أماكن متعدده، مما حفّزني على التطوير والانتشار، وأصبحت أشارك في أغلب المعارض الخاصة بهذه الحرفة». ترى رشيد نفسها اليوم حرة في مهنتها الجديدة، لأنها غير مرتبطة بدوام عمل طويل، أو ملتزمة بمسؤولية يومية تحتاج الى التحضير والمتابعة، وتقول: «أشعر اليوم بالحرية لأنني لست مرتبطة بدوام عمل، أو مقيدة بمسؤولية كبيرة،  إذ كنت في الماضي أعمل طوال الوقت وأحضّر بشكل يومي، وأنفّذ ديكورات ولوحات اعلانية وأبحث دائماً عن كل جديد لإرضاء الاطفال. مهنتي الجديدة جمّلت حياتي، وملأت وقتي، خصوصاً بعدما تزوج كل أولادي وتوفي زوجي. لقد أخرجتني هذه المهنة من حزني ووحدتي وكآبتي، وأنا مرتاحة جداً فيها، لأنني أمارس هوايتي وأتفنن فيها كما يحلو لي، إضافة إلى أنها غيرت أسلوب حياتي وعرّفتني على صداقات ومجتمعات جديدة».
تفيد رشيد بأن الانسان بحاجة الى التجديد من وقت الى آخر، وعليه أن يبحث عما يطوره ويحسّن حياته، خصوصاً المرأة، لأنها كائن ضعيف وعليها التسلح بالعلم والعمل وعدم الاستسلام لظروف الحياة القاسية مهما تقدم بها العمر. وتنهي رشيد حديثها مؤكدةً: «العمل مفيد للإنسان، إذ يشعره بالاستقرار والأمان والاستقلالية والاكتفاء، وقد نجحت في المهنتين، إلا أن مهنتي الثانية تناسبني أكثر لأنني من خلالها أشعر بالاستقلال وأحقق ذاتي وهواياتي».

ماغي فربالدين: خبرة في أكثر من مجال
ماغي فربالدين سيدة جامعية، بدأت العمل منذ كانت على مقاعد الدراسة، ومارست الكثير من المهن وتنقلت بين العديد من الأعمال، وكانت في كل مهنة جديدة تبحث عن التطوّر واكتساب الخبرات. تقول ماغي: «تغيير المهنة كان بالنسبة إليّ نوعاً من الاختبار والتجربة استطعت من خلاله اكتساب خبرة واسعة في شتى المجالات، ففي البداية عملت في شركة لبيع الستائر والموكيت، وتدرجت فيها من مركز الى مركز، فتعلمت البيع والشراء وأسلوب التعاطي مع الزبائن، كما تعلمت المحاسبة وإدارة الشركة وشؤون الموظفين، وتدرجت من رتبة إلى أخرى حتى أصبحت مساعدة المدير العام. أمضيت في هذه الشركة ما يقرب من 7 سنوات واختبرت كل المجالات فيها، ولما وصلت إلى أعلى مركز في الشركة سألت نفسي: ماذا بعد؟ وهل سأبقى طوال حياتي في المركز نفسه؟ ولأنني فضولية، تركت العمل، وتوظفت في شركة أخرى وواجهت التجربة والاسئلة نفسها، إذ تعلمت فيها ادارة الاعمال والتجارة والهندسة، ولما اكتشفت كل شيء فيها شعرت بالملل وبشيء ما يدفعني لتركها، فأنا لا أحب الروتين، ولا يمكنني أن أبقى في مكاني وقتاً طويلاً».
بدلت ماغي مهناً عدة، وانتقلت من شركة الى أخرى بحثاً عن الأفضل والمركز الأعلى، ولما لم تجد ما يرضي طموحها، فكرت في تأسيس عمل خاص بها، تقول ماغي: «منذ صغري وأنا أحلم بأن أصبح سيدة أعمال، وهذا الحلم كان يراودني دائماً، وكان سبباً لعدم رضاي عن المهن التي كنت أمارسها. كنت أسعى الى التقدم والتطور، وأُصدم في المقابل بالجمود والمحدودية، وهذا ما دفعني الى تأسيس عمل خاص بي، فأنا وبعد مضي سنوات طويلة من التنقل بين المؤسسات المختلفة، صرت أملك خبرة واسعة في شتى المجالات، من ادارة، ومحاسبة وتجارة، وبيع وشراء وتعامل مع الزبائن، إضافة إلى تخصصي الجامعي في الديكور، وهوايتي في «رقص الصالون» وخبرتي في الموسيقى... كل هذه المعطيات جعلتني أفكر بعمل مميز، وبتأسيس شركة لتنظيم الحفلات والأعراس، أحقق من خلالها كل ما أحلم به».
أخيراً وجدت ماغي ضالتها في مهنة مستقلة تحبها وتحقق حلمها وتجعلها في تطور دائم، فهي وبحسب ما تقول تحب إدارة الحفلات وتجيد تنفيذها بدقة كي تقدمها بأبهى صورة، إذ تملك خبرة في أعمال الديكور والكوريغرافي والموسيقى... وبالتالي هي قادرة على إدارة فريق عمل بشكل جيد ومنظم. كما دعّمت خبرتها هذه بدراسة برنامج خاص لتأهيل السيدات واستفادت منه بشتى المجالات، مما أهّلها لإطلاق مشروعها والمباشرة فيه.
أطلقت ماغي مشروعها منذ سنتين، وهي تعمل اليوم على تنظيم الحفلات الموسيقية والأعراس ومختلف المناسبات، وتقول: «أنا فخورة جداً لأنني بدأت أحقق حلمي بالنجاح، ويساعدني في ذلك خطيبي عازف الغيتار المحترف. لست نادمة على السنوات العشر التي أمضيتها في ممارسة مهن غير التي أعمل فيها اليوم، لأنها اكسبتني خبرة في مجالات مختلفة، وربما كنت بحاجة الى هذه الخبرة قبل ان أُطلق مشروعي الخاص. في مهنتي الجديدة أشعر بالحرية في التطوير والانطلاق، ولأنني صادقة مع نفسي ومع الآخرين، أحب ان أقدم لهم أفضل ما عندي».
تشعر ماغي بأن عملها الجديد يؤمّن لها الراحة النفسية والاستقلالية المادية، إذ هي المسؤولة الوحيدة عن كل ما يجري في مؤسستها، وتتحمل وحدها تبعات أي ربح أو خسارة، لذا فهي تبذل قصارى جهدها كي تحلّق في عالمها وتحقق كل ما كانت تحلم به بعيداً عن القيود والجمود.

سمية الحاج: تعلّقي بالأطفال دفعني لتغيير مهنتي
تدير سمية الحاج حالياً متجراً لبيع أدوات الحلاقين ومستلزماتهم، وكانت قد أسست هذا المحل بعد أن أمضت ما يقارب الـ 11 عاماً في العمل في مجال حضانة الاطفال. تقول سمية: «كان عملي مع الاولاد ممتعاً جداً وينقلني إلى حياة مختلفة، ويخفف عني ضغوط الحياة، فبمجرد لقائي بالأولاد كنت أشعر بفرح كبير معهم، وأنسى كل تعبي وما يدور حولي. كنت أهتم بهم وأربيهم كأولادي وأواكب كل تطوراتهم من يومهم الأول حتى عمر الأربع سنوات تقريباً».
لم تكن سمية تشعر بالتعب خلال وجودها مع الاطفال لأنها كانت بمثابة الأم الحنون لهم، ولكنها كانت تشعر بالتعب عندما تعود إلى المنزل، خصوصاً ان دوام عملها طويل وتتخلله ساعات اضافية ليلاً، فدفعها الإرهاق إلى التفكير بتغيير مهنتها. تقول: «الدوام الليلي أرهقني وجعلني أفكر بالتغيير، اضافة إلى أنني فقدت والدتي، وبسبب حزني عليها لم أعد أقوى على الاهتمام بالأولاد واللعب معهم كالسابق، فخفت كثيراً لأنني أُخلص لمهنتي، خصوصاً مع الاطفال فهم حساسون جداً ويشعرون بكل تغيير قد يطرأ». خوف سمية من المسؤولية وإرهاقها من دوام العمل الطويل دفعاها الى تغيير مهنتها، إضافة إلى سبب آخر أخبرتنا عنه، وهو انها كانت كلما تربي طفلاً وتتعلق به تفقده بعد سفره مع أهله، أو دخوله إلى المدرسة، مما كان يعرّضها لأزمة نفسية، ويشعرها كأنها فقدت ولداً من أولادها، تقول سمية: «ليس سهلاً أن تربي طفلاً وتتعود عليه ومن ثم تفقده لأن مهمتك انتهت عند هذا الحد، لذلك فكرت في تغيير مهنتي واخترت مجال بيع أدوات الحلاقين، خصوصاً أنني كنت أفكر في هذه المهنة ولم تسمح لي الظروف بسبب عدم توافر الامكانات المادية».
تعترف سمية بأن هذه الخطوة أربكتها قليلاً في البداية وأنها واجهت بعض الصعوبات، ولولا خضوعها لدورة تدريبية في ريادة الاعمال لما استطاعت أن تقدم على هذه الخطوة الجريئة، فالتجارة والبيع والشراء تختلف كثيراً عن تربية الأطفال ورعايتهم، وهي رغم ذلك استطاعت ان تتعلم وتتأقلم مع مهنتها الجديدة التي تحلم بتطويرها وتوسيعها لتكون نواة مثمرة لأولادها في المستقبل. وتنهي سمية حديثها موضحةً: «هذه النقلة كانت نقطة التحول في حياتي، إذ جعلتني في تحدٍ دائم مع نفسي بحيث أرى أن ما قمت به هو مشروع العمر الذي سيرافقني طوال حياتي».

جاد داغر: تغيير العمل يضع الإنسان أمام تحدِّيات كبيرة
يرى جاد داغر خبير التخطيط المالي والتطوير أن لتغيير الإنسان مجال عمله الكثير من الجوانب الإيجابية والسلبية في حياته، فحاجته الى التغيير والتطوير تدفعه إلى البحث عن عمل آخر، والذي بدوره ينعكس على أسلوب حياته ومدخوله المادي وعلاقاته الاجتماعية... ويقول: «يغير الانسان مهنته لأسباب عدة أهمها: الملل من الروتين المهني والحاجة إلى تحسين المدخول المادي وأسلوب الحياة، استنفاد كل مراحل التقدم والتطور في المهنة والشعور بالحاجة للوصول إلى مراكز أعلى، حب الغموض وروح المغامرة والمجازفة، فقدان المهنة والاضطرار الى إيجاد مهنة بديلة بسبب الحاجة إلى العمل، وأخيراً الرغبة في التسلية وتمضية الوقت بعد التقاعد أو الملل من العمل السابق. وعادة تعود حاجة الانسان الى التغيير الى شخصيته وأهدافة واهتماماته بالحياة». أما بالنسبة الى إمكانية نجاح الإنسان في المهنة الجديدة فيقول داغر: «إن النجاح أو الفشل في تغيير المهنة يعود الى الشخص ذاته، ويتعلق برغبته في التبديل والتطوير، فإذا كان يغير عمله بهدف تطوير نفسه والوصول إلى مراكز أعلى فلا شك في أنه سيستفيد من خبرته في عمله السابق لتطوير عمله الجديد والانطلاق به. أما اذا كان من محبي التغيير والمغامرة فهو بالتأكيد سيسعى إلى النجاح، ولكنه لن يتأثر اذا فشل لأنه مدرك من بداية الطريق انه يغامر، كما أن المضطر الى التغيير بسبب حاجته إلى العمل سيسعى جاهداً للنجاح ولإثبات نفسه. وعادة يتعزز طموح الشخص في هذه المرحلة بسبب اكتسابه خبرة طويلة في سوق العمل ونجاحه في أسلوب التعاطي مع الناس من عمله السابق. أما بالنسبة الى السيدات فهن يتحمسن وينجحن في مجالهن في هذه الفترة بالذات، لأن التزاماتهن العائلية تصبح أقل ويكون لديهن وقت أطول للتفرغ للعمل وتحقيق الذات، وهذا الجانب الايجابي بشكل عام هو ما يدفع السيدات في منتصف العمر إلى البحث عن أعمال حرة مختلفة عن التي كن يعملن فيها. فالانسان المتقدم في السن تكون فرص نجاحه أكبر لأنه يمتلك الخبرة والمال والوقت أكثر من المبتدئين الشباب».
ويؤكد داغر أن تغيير العمل يضع الانسان أمام تحديات كبيرة، بدءاً من اسلوب العيش إلى طريقة إدارة العمل والتعاطي مع الزبائن... كما يرفع من معنوياته ويمنحه فرصة لتحقيق الهوايات والرغبات التي لم يكن يستطيع تحقيقها سابقاً. أغلب السيدات اللواتي يقدمن على هذه الخطوة، يملكن طاقات كبيرة للعمل والعطاء فيحققن نجاحاً مادياً وراحة نفسية، فتتغير نظرتهن إلى أنفسهن ويشعرن بالنجاح ويحاولن بناء مؤسسة يمكن ان تستفيد منها عائلاتهن في المستقبل.
ويرى داغر أن لا عمر محدداً قد يدفع المرأة الى تغيير عملها، فقد تكون إما عزباء ولم تعد تفكر بالزواج فتبحث عن الاستقرار والاستقلال المالي والاعتماد على النفس بعمل خاص، أو متزوجة وكبر أولادها وأصبح لديها أوقات فراغ تشغلها بالعمل، أو ارملة أو مطلقة تسعى الى تحقيق ذاتها عبر عملها. ويختتم داغر حديثة بالقول: «عمر الاربعين وفق الاحصاءات هو العمر الانسب لتغيير العمل والنهوض بعمل جديد، فبعد هذا العمر قد تخف الحماسة والنشاط لدى السيدة وتصبح أقل انتاجاً مع التقدم في العمر».