منير عتيبة: 15 عاماً قضيتها في كتابة قصصي القصيرة جداً

الكتاب: روح الحكاية,منير عتيبة

طارق الطاهر - (القاهرة) 04 سبتمبر 2016

أجاد في فنّ أدبي يعتبر جديداً على الثقافة العربية، وهو فن القصة القصيرة جداً، التي لا تتجاوز العشر كلمات، تزيد أو تنقص قليلاً. في عمله «روح الحكاية» قصص لا تتجاوز كلمات معدودات، من ذلك قصة «اختيار»: «... وكان عليَّ أن أختار الموت بالقرب منها، أو الموت بعداً عنها، فاخترت الحياة»، ومن قصصه- أيضاً- «السبب»: «شجر الملاك النائم في حضني لم يكن السبب الحقيقي في هبوطي من جنّة الوهم إلى أرض النشاز». حول هذه التجربة التي انتهت بالحصول على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب، كان لنا هذا الحوار:


- هل تتذكر بداياتك مع هذا النوع الأدبي «القصة القصيرة جداً»؟

كنت قد قرأت قليلاً من النماذج المترجمة الى قصص قصيرة جداً، وبعض المقالات عنها، وفي يوم كنت في طريقي إلى مكتب صديقي الكاتب خالد السروجي- رحمه الله-، وجدت بعض الكلمات تضرب رأسي، وجدتني أردّدها، وأعيد ترديدها حتى وصلت إلى المكتب، قبل أن أسلّم على خالد، طلبت منه ورقة وقلماً، كتبت ما كنت أردده في ذهني، أعطيته لخالد، تهلّل وقال لي: «هذه قصة قصيرة جداً، اشتغل على هذه الكتابة يا منير وستميّزك». ويبدو أن خالد السروجي كان يتنبأ، فمنذ أوّل قصة، وكانت بعنوان «قبر»، بدأت أشتغل بجدية على القصة القصيرة جداً، وقدّرت أن أخرج أول مجموعة لي في غضون عامين، وقدّرت أن تكون تسعاً وتسعين قصة، ولا أعرف لماذا، وقد تحقّق ما قدّرته مع فارق بسيط، فقد اكتملت المجموعة بعد حوالى خمس عشرة سنة، إذ كتبت أول قصة قصيرة جداً في يوم 1/11/2001. هذه الكتابة صعبة جداً، لكن متعتها تكمن في صعوبتها هذه. الصعوبة ليست في اختيار الكلمات أو ترتيبها، إنما في أن تكون لديك رؤية لما تكتبه، فلسفة ما، وأن تكون هذه الرؤية واضحة في ذهنك، لتكون قادراً على تقطيرها في كلمات قليلة ذات قدرة إشعاعية، تعيد إرسال الرؤية المختزنة في داخلها إلى عقل المتلقّي أو قلبه فيتفاعل معها هو الآخر، ولنذكر هنا القول الشهير للنفرّي: «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة». لقد وضعت القصة القصيرة جداً هدفاً مُهمّاً أمامي... أقرأ وأكتب، ثم نظمت لها مؤتمراً عربياً شاركت فيه عشر دول عربية من خلال مختبر السرديات في مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع الرابطة العربية للقصة القصيرة جداً في المغرب عام 2013، وكان هذا المؤتمر بداية الالتفات الحقيقي الى القصة القصيرة جداً، خصوصاً أن «البوكر» البريطانية منحت جائزتها في ذلك العام لكاتبة قصة قصيرة جداً، لذا أُعجب ممن لا يزالون يقفون ضد هذه الكتابة، وإن كنت ألتمس لهم العذر، لأن الكثيرين يستسهلون كتابتها للأسف. إذاً، فلنقل إن القصة القصيرة جداً اختارتني في لحظة ما لكتابتها، وأنا شاكر لها هذا الاختيار المضني اللذيذ.

- تنوعت أساليب كتاباتك ما بين الرواية والقصة القصيرة والقصة القصيرة جداً، هل نوع التجربة هو الذي يؤدّي إلى تحديد الشكل الإبداعي؟
أرى أن الموهبة عبارة عن واحد في المئة إلهاماً غيبياً غير مدرك، و99 في المئة عملاً، لذا فالكاتب هو كائن يعي تماماً ما يفعله، وتكون لحظات الكتابة هي أقصى لحظات الوعي لديه، وكذلك لحظات التفكير في ما سيكتبه، البعض يستطيع أن يصبّ كل أفكاره ومشاعره في قالب فنّي واحد فيتخصص فيه، والبعض مثلي لا يفعل ذلك، في حالتي أنا ملول، لذلك فإن تنوّع الأشكال الإبداعية التي أمارسها يساعدني على كسر ملل الاستغراق في شكل واحد، كما أوافقك على أنّ بعض التجارب تختار شكلها ولا يمكن كتابتها إلا به، أو لأكون أكثر دقة فإنّ هذه التجارب تصبح في أفضل حالاتها في هذا الشكل بالذات، حتى وإن أمكن التعبير عنها في أشكال أخرى، يبقى لشكلها الأول تفرّده، لأنه في الواقع لا يوجد هذا الفصل النظري بين الشكل ومضمونه، فهما الشيء نفسه، وطموحي ككاتب أن أعبّر عن المضمون من خلال التقنية الفنية التي أقدّمه بها، أكثر مما أقوله عن هذا المضمون.

- «روح الحكاية» عنوان مجموعتك الفائزة بجائزة الدولة، هل استطعت بالفعل أن تصل إلى هذه الروح؟
اكتشفت أنني أحبّ الحكايات أكثر مما أظن، كلمة حكاية نفسها تفتنني، استخدمتها كثيراً كعناوين لأعمالي: «حكايات البيباني»، «حكايات آل الغنيمي»، «الحكايات العجيبة»، «حكايات عربية»، «روح الحكاية»، وأخيراً مسلسلي الإذاعي الذي يُقدم في إذاعة البرنامج الثقافي خلال شهر رمضان «حكايات ماكوندو»... الحكاية بالنسبة إليّ هي محور الحياة وليس الإبداع فقط، إننا نحكي عمّا نريد أن نفعله، ثم نفعله، ثم نحكي عما فعلناه، ينتهي الفعل الواقعي وتبقى الحكايات القبلية والبعدية عنه، روح الحكاية هو ما أصبو إليه أو ألمسه بوجد صوفيّ ستظلّ ناره متّقدة، ولن أصل إليه بالشكل الذي يرضيني أبداً، لأن لحظة الوصول هي نفسها لحظة النهاية.

- تأسس على يديك نشاط ثقافي مهمّ هو مختبر السرديات الذي ترعاه مكتبة الإسكندرية، ما أهمية هذا المختبر في الكشف عن المواهب؟
مختبر السرديات أُنشئ منذ سبع سنوات، وقد جعل أحد أهم أهدافه الكشف عن الجدد، مبدعين ونقاداً، من هنا يحرص المختبر على تقديمهم بشكل محترم يليق بفكرة الإبداع في حدّ ذاتها، إذ يقدّمهم من خلال الكبار من الأجيال السابقة ليحدث التواصل المنشود، وإن كان يأخذ البعض على المختبر أن بعض من يتم تقديمهم أحياناً لا يكونون بالمستوى المطلوب، فأسأل نفسي وكيف سيصلون إلى المستوى المطلوب إذا لم نلتفت إليهم في البدايات وتركناهم لحالهم؟ وفي المقابل، هناك بعض الموهوبين الكبار الذين أخطأهم الضوء، لسبب أو لآخر، يحرص المختبر على إعادة اكتشافهم وتقديمهم، عرفاناً بدورهم وجميلهم، وتعريفاً للأجيال الجديد بدورهم المهم.