قهرن الإحباط ورفضن الاستسلام... قياديات رغم الإعاقة

قهرن الإحباط,ورفضن الاستسلام,قياديات,رغم الإعاقة,مجالات مختلفة,رسالة أمل,ذوي الاحتياجات الخاصة,الدكتورة هبة هجرس,نور البصيرة,الدكتورة شريفة مسعود,إرادة فولاذية,داليا عاطف,صوت الأقزام,فاتن صبحي

محمد سالم - (القاهرة) 18 سبتمبر 2016

هناك من يستسلم لإعاقته ويعيش سجيناً بين جدرانها، وهناك من يتمرّد عليها ويعلن التحدي ويواجه نفسه والمجتمع ويحقق النجاح. «لها» ترصد قصصاً لقياديات رغم الإعاقة تحدين ظروفهن الصحية، ونظرة المجتمع لهن، واستطعن أن ينجحن في مجالات مختلفة، لتكون قصصهن بمثابة رسالة أمل لذوي الاحتياجات الخاصة.


«لم أشعر يوماً بأنني معاقة، أعيش حياتي بشكل طبيعي جداً، وأعمل كل شيء لكن بطريقة مختلفة، وعندما لا أقدر على القيام بأمر ما، لا أشعر بأنها مشكلة كبيرة، ودائماً ما كنت أقول لنفسي: ليس من الضروري أن أفعل كل شيء، فأنا أفعل أشياء كثيرة قد لا يستطيع فعلها الآخرون ممن هم ليسوا معاقين»، هذه وجهة نظر الدكتورة هبة هجرس، وكيل لجنة التضامن الاجتماعي والأسرة والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في مجلس النواب المصري، الأمين العام للمجلس القومي للإعاقة.
وتروي الدكتورة هبة حكاية تأقلمها مع إعاقتها التي تلزمها التحرّك على سيارة مجهّزة بسبب الإعاقات المتعددة التي تعانيها وتمنعها من الحركة الطبيعية، تقول: «عندما كنت أذهب الى مكان ما وأجد المصعد معطلاً، كنت أعود إلى منزلي وأقول لنفسي هذا الأمر لا يضايقني، فأنا لا أقدر على الصعود إلى الأدوار العليا، مثْلي مثل مريض القلب الذي لا يستطيع الوصول الى هذه الأدوار بدون مصعد، ولم أشعر يوماً باليأس والإحباط، ويرجع الفضل في ذلك إلى أسرتي التي لم تشعرني يوماً بأنني مختلفة عن أيّ فرد من أفرادها، ولم ألحظ يوماً نظرة يأس أو خيبة أمل في عيونهم منذ إصابتي بمرض الروماتويد، الذي أدى إلى الإعاقة، وكانت والدتي سيدة عظيمة تعاملت معي بالفطرة، فلم يعلمها أحد كيف تتعامل مع طفلة معاقة حركياً، لكن ما فعلته معي قد لا تستطيع أي أم لديها طفل من ذوي الإعاقة أن تفعله، مهما وجدت من دعم أو مساندة، لأن الأمر يحتاج إلى قناعة داخلية بأن الإعاقة ليست نهاية الحياة، وأحب أن أتحدث عن نفسي لكي أعطي الأمل لكل شخص من ذوي الإعاقة ولكل أمّ من أمهاتهم».
تروي الدكتورة هبة هجرس قصة تحوّلها إلى شخصية قيادية قائلة: «أول ظهور لي كشخصية من ذوي الإعاقة كان في برنامج «فرسان الإرادة»، وكنت أتحدث عن نفسي وكيف أسيّر حياتي كزوجة وأم لطفلين وأدير عملي، مما أثار إعجاب المشاهدين، فطلبوا مني أن أشارك في الدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. عندما دخلت هذا المجال وجدت نفسي لا أعرف شيئاً عن مشاكل الإعاقة، وما هي حقوق المعاقين، وكيف نصل إليها، فأنا لا أعرف سوى نفسي وكيف أسيّر أموري، كان عليّ أن أقرأ وأتعلّم كل ما تقع عليه عيناي في هذا المجال وما يتعلّق به، فأعرف عن الإعاقات المختلفة والمشاكل المتعلقة بكل إعاقة. ولمّا كنت وقتها حاصلة على بكالوريوس في إدارة الأعمال من الجامعة الأميركية، توجهت إلى قسم الاجتماع في الجامعة ذاتها، وتقدّمت منهم بطلب دراسة الماجستير في مجال الإعاقة، فأكدوا لي أنهم لا يعرفون شيئاً عن دراسات الإعاقة، لكن من الممكن أن يساعدوني من خلال قسم الاجتماع بمنهجية البحث العلمي، ويبقى عليَّ أن أحصل على المادة العلمية بنفسي. وقد كان، وأعددت دراسة الماجستير في «الإعاقة والنوع الاجتماعي والزواج»، ثم أعددت رسالة الدكتوراه في المجال نفسه بعنوان «تسويق الذين لا يسوّقون»، وهي تتناول قضية تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة».
تواصل الدكتورة هبة سرد تجربتها كقيادية معاقة، موضحةّ: «تدرجت في قضايا الإعاقة، حيث شاركت في تأسيس المنظمة العربية للأشخاص ذوي الإعاقة، كما شاركت في تكوين الاتحادات والتحالفات المناصرة لقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة، فضلاً عن دوري في تمثيل مصر في إعداد الاتفاقية الدولية لحماية وتعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتوليت منصب الأمين العام للمجلس القومي لشؤون الإعاقة، كما كنت مرشحة بقوة لانتخابات مجلس الشعب كممثل من الأشخاص ذوي الإعاقة، لكنني عندما دعيت لمنصب الأمين العام للمجلس وجدت نفسي أمام مسؤولية لا أستطيع التخلي عنها، لأننا نتمنى أن يحقق المجلس القومي لشؤون الإعاقة ما يحلم به ذوو الإعاقة».

نور البصيرة
تعدّ الدكتورة شريفة مسعود، قاهرة الإعاقة البصرية بنور البصيرة، حيث استطاعت أن تكون قيادية متميزة، وتروي قصتها قائلة: «ولدت فاقدة البصر بسبب وراثيّ في أسرتي، إلّا أن الإعاقة ولّدت في نفسي إصراراً على أن أكون شخصية فاعلة في المجتمع، فتفوّقت في حياتي الدراسية، حيث كنت من الأوائل في مختلف مراحل الدراسة من الابتدائي حتى الجامعة، والتحقت بكلية الآداب- قسم الحضارة الأوروبية، ثم دراسات عليا في كلية التربية- جامعة عين شمس، ودراسات عليا في مجال الصحة النفسية، وحصلت على الماجستير والدكتوراه حول برامج مبتكرة لتنمية قدرات المكفوفين ودمجهم في المجتمع». وتوضح الدكتورة شريفة، أنها من خلال التصميم والإرادة حققت ما تريد، وما زالت آمالها كبيرة في تحقيق المزيد، خاصة أنّ مثَلَها الأعلى الدكتور طه حسين في قهر الإعاقة وإثبات الذات والتفوق العملي، واستطاعت تولي قيادة العديد من الأعمال بنجاح، ومنها على سبيل المثال، مديرية تحرير مجلة «وطني برايل»، وعضوية حركة «سبعة ملايين معاق»، وعضوية لجنة المرأة المعاقة في المجلس القومي للمرأة، كما قامت بتأسيس وإدارة «المؤسسة التربوية للتدخل المبكر وبناء القدرات لدى المكفوفين».
وتبدي الدكتورة شريفة حزنها الشديد لعدم الاهتمام الكافي بقضايا المعوقين في الوطن العربي وتجاهل حقوقهم، فمثلاً في مصر يعاني سبعة ملايين معاق من عدم حصولهم على حقوقهم كاملة، رغم الدعوات المتكررة إلى دمجهم في المجتمع، وكذلك لم يتم تنفيذ اتفاقية دمج 120 ألف طفل معاق في مدارس التعليم العام، وهي الاتفاقية التي طُرحت منذ سنوات، ووافق عليها نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك كخطوة أولى في دمج المعاقين، وعدم حصارهم بالعزلة، إلّا أن التفعيل الكامل لم يحصل. وتؤكد الدكتورة شريفة أن إعاقتها البصرية لم تمنعها من أن تكون صوت المعاقين، حيث تجري باستمرار لقاءات إعلامية ممثّلةً المؤسسات المختلفة التي تعمل فيها، خاصة المؤسسة التنموية لتمكين ذوي الاحتياجات الخاصة. وتنهي الدكتورة شريفة كلامها مؤكدةً أن رسالتها في الحياة إسعاد أمثالها من المعاقين، حيث تقوم «المؤسسة التربوية للتدخل المبكر وبناء القدرات لدى المكفوفين»، بتقديم الاستشارات الشاملة للمكفوفين، بالإضافة إلى جهودها من خلال المؤسسات النسائية، لا سيما المجلس القومي للمرأة الذي حصلت على عضويته ممثلة لفئة المعاقين بصرياً، وكذلك جهودها الإعلامية لنشر الوعي بأهمية رعاية المعاقين وتلبية متطلباتهم العادلة.

صوت الأقزام
تعبّر القيادية المعاقة فاتن صبحي، وكيلة مدرسة السلام وعضو لجنة المرأة المعاقة في المجلس القومي للمرأة، عن مشكلات الأقزام الذين يعانون من قصور قانوني في معالجة مشكلاتهم، حتى أنه غير مسموح لهم الحصول على تراخيص قيادة السيارات الخاصة بهم، والمجهزة، من خلال وزارتي الصحة والداخلية. وتشير إلى أن العديد من جمعيات الأقزام اختارتها لتكون ممثلة لها، نظراً لاهتمامها الشديد بمشكلات الأقزام الذين يعانون الإحباط والاكتئاب بسبب المعوقات التي تواجههم، ومنها سخرية الناس، وعدم توفير خدمات مناسبة لهم، خصوصاً في وسائل النقل العام.  وتشير فاتن إلى أنها تقود مع  وزملائها الأقزام مسيرة الدفاع عن حقوقهم، وتنفيذ قرار وزير التضامن الرقم 355 في تاريخ 25 آب/أغسطس 2015، الذي ينص على اعتبار الأشخاص الذين يراوح طولهم بعد البلوغ ما بين 70و140 سنتم أقزاماً، بغض النظر عن السبب الطبي لذلك، ويُدرجون في فئة المعوقين، وينطبق عليهم ما ينطبق على الفئات الأخرى من الإعاقة، ويعاملون مثلهم، وللأقزام جميعاً حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ويمنح الأقزام شهادات تأهيل من مكاتب التأهيل.  وتضيف فاتن، أنها  استطاعت مع ممثلي الأقزام لقاء أعضاء لجنة التضامن الاجتماعي والأسرة وذوي الاحتياجات الخاصة في مجلس النواب، وعرض مشكلات الأقزام في إطار مناقشة اللجنة لقانون ذوي الاحتياجات الخاصة، ومن هذه المشكلات عدم توفير وظائف حكومية لهم، وعدم توفير سيارات لهم بسبب تعنت الجمارك في عدم اعتبارهم من ذوي الإعاقة، وعدم فتح عدد من الأندية والجمعيات فروعاً لها في المحافظات في ما يتعلق بخدمة الأقزام، لحل مشكلاتهم وعدم توافر بعض الأدوية التي يحتاج إليها الأقزام بصفة دورية، خاصة أن عدد الأقزام في مصر يصل تقريباً إلى ٧٥ ألف قزم.
وتوضح فاتن، أنها بإرادتها ومواظبتها، استطاعت أن تكون قيادية معبّرة عن صوت الأقزام المهمّشين، والمصابين بالاكتئاب بسبب ما يعانون منه، حتى أن بعضهم لا يخرجون من بيوتهم بسبب ما يواجهونه في الشارع من إهانات، وكذلك ارتفاع السلالم في وسائل النقل، مثل الأوتوبيسات، ما يصعّب تنقلاتهم ويعرّضهم للمخاطر، ولهذا يطالبون بتخصيص معاش استثنائي وتوفير وسائل مواصلات خاصة بهم، وإجراء بعض العمليات الجراحية لهم في سن مبكرة لزيادة أطوالهم، إضافة الى معالجة تقوس الأقدام عندهم.
وتنهي فاتن كلامها، بالإشارة إلى أنها كانت تحلم بأن تصبح مدرّسة تاريخ بعد حصولها على ليسانس في الآداب، إلا أن اعتراض مسؤولي التعليم بحجة عدم قدرتها على الشرح على «السبورة» أطاح حلمها وجعلها تبدأ حياتها كمدرّسة تربية فنية، وتصل الآن الى وظيفة وكيل مدرسة ثانوية.

إرادة فولاذية  
تحفل قصة حياة القيادية المعاقة بشلل الأطفال داليا عاطف ، عضو لجنة الإعاقة في المجلس القومي للمرأة، بالكثير من الدروس والعبر، حيث تطالب رجال الأعمال بالاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة، لأن هناك العديد منهم في السجون بسبب أموال تم اقتراضها، ولا ينبغي تحميل الدولة كل مشاكلهم، رغم أن دورها يجب أن يكون بارزاً من خلال دعم المنظمات التي تهتم بالمعاقين، لكن في الوقت نفسه يجب على كل إنسان أن يبدأ بنفسه.  تروي داليا قصتها كقيادية معاقة قائلة: «كتبت السيرة الذاتية لأمي ودموعي تنهمر من عينيَّ، لأن والدتي ليلى العراقي، الفائزة بلقب الأم المثالية عن أمهات ذوي الإعاقة، كانت تدرّسني بسبب عجزي عن المواظبة على حضور الدروس الخصوصية أو الذهاب إلى المدارس بسبب إعاقتي، وكانت السبب في كل ما وصلت إليه، من خلال دعمها لي وزرع الأمل في داخلي، حيث أُصبت بشلل الأطفال قبل أن أكمل عامي الأول، إلا أن والدتي لم تستسلم لمرضي وظلت تتنقل بي بين المستشفيات حتى أصبح مستشفى قصر العيني «بيتها الثاني»، حيث دخلتُه لإجراء عملية «فرْد ركبة» وكانت المفاجأة أن خرجت من الجراحة بدون إحساس، بعد قطع العصب بخطأ من الدكتور، مما أدى إلى فقدي القدرة على الحركة نهائياً. ولا أنسى لحظة ضرب الزلزال مصر عام 1992 حين كنت داخل المستشفى طريحة الفراش في الجبس، وكانت معي والدتي وإخوتي الخمسة، إلا أنهم لم يتمكنوا من الفرار لحظة وقوع الزلزال لأنني كنت عاجزة عن الحركة»، معلّقة أن توجيهات والدتها لها في الاعتماد على نفسها ومساندتها لها جعلتها اليوم زوجة وأمّاً تمارس حياتها بشكل طبيعي.  وتشير داليا إلى أنّه من خلال توليها إدارة شؤون المرأة المعاقة في المجلس القومي للمرأة، تستمع إلى قصص ذوي الإعاقة ومآسيهم، ومنها قيام بعض الأهالي باستئصال أرحام بناتهم من ذوات الاحتياجات الخاصة درءاً للفضيحة عند تعرضهن للاغتصاب، وهذا الفعل يعدّ حراماً وجائراً، ولهذا لا بد من أن تتحرك الدولة لمنع هذه الجريمة، و«دورنا توعية الأهالي لمنعهم من الإقدام على هذا الفعل».