نابولي... يسكن الغموض تفاصيلها

نابولي,الغموض,مارغريتا,الجبنة الموتزاريلا,القهوة,فيا ديه تريبونالي,فيا شيايا,credit card,القصر الملكي,ترينتو إيه فيا توليدو,الأثاث,مسرح « سان كارلو »,أنشودة,اللوحات,المسرح,الأساطير,الأساطير الشعبية الغريبة,فيلا « دون آنا »,قلعة « سانت إيلمو »,قلعة « ديل أوفو »,قلعة البيض,الوسط التاريخي

24 سبتمبر 2016

«تعرّف إلى نابولي ومت»... مقولة شعبية يردّدها سكان نابولي، وكل من زارها من أدباء وفلاسفة وشعراء، وربّما سترددينها عندما تزورينها، ولكنني شخصيًا أفضّل أن أقول «تعرّف إلى نابولي وعرّفها إلى العالم». فهذه المدينة الواقعة عند عنق الخريطة الإيطالية جنوبًا مستريحة على ساحل البحر التيراني، تحضن كل السحر الإيطالي بفنه وتاريخ حضاراته.

تحيّرك نابولي من أين تبدئين جولتك، شوارع عريضة عصرية تحضن في حواشيها شوارع ضيّقة احتشد التاريخ فيها بكل بهائه، فهي مدينة القصور والقلاع والكاتدرائيات. تضج بالمتناقضات الفريدة التي تفاجئك بسحرها، كأنك في متاهة لن تعرفي بدايتها من نهايتها.
فهذه المدينة غامضة بقدر ما هي مثيرة وحيوية، ومن غير المحتمل أن تكتشفي كل أسرارها في الزيارة الأولى، ولكن في إمكانك التعرّف إلى بعض الجوانب غير العادية منها، والتحقّق من بعض غموضها الساكن في كل تفاصيلها.

الوسط التاريخي
من وسط المدينة انطلقي لتتعرفي إلى نابولي، فهو مسرح تاريخي فاتح ذراعيه للسماء بديكوره ولغته وممثليه. ساحته رحبة ومرصوفة بالحجارة تغصّ بالحمام يغط ويطير، فيبدو تصفيق أجنحته تصفيق جمهور وفيّ لا يملّ التردّد إلى مسرح سقفه السماء وكواليسه التاريخ، ستارته لا تُسدل بل تستمر في عرض أدوار دراما بتراجيديا وكوميديا الظهور منذ آلاف السنين. فأينما تسيرين سوف تلتقين سكان نابولي بوجوههم البشوشة التي تعكس فخرهم بمدينتهم الجميلة، فيما تشعرين بأنك والمعالم الأثرية يرصد أحدكما الآخر ليحفظ كل واحد دوره.

« فيا سانتا شييرا »
فيا سانتا شييرا، وهي أحد المعالم الأثرية المهمة في نابولي تعود إلى القرن الرابع عشر، أمر بتشييدها روبرتو الأنجو من أجل زوجته سانسيا دي مايوركا. تعرضت الكاتدرائية للدمار مرات عدة، فتغيّرت ملامحها من دون أن تتغير شخصيتها.
شيّدت في البداية على النمط القوطي قبل أن تدمرها هزة أرضية ضربت مدينة نابولي. رُمّمت على النمط الباروكي، لتتعرض عام 1943 لغارة جوية أثناء الحرب العالمية الثانية، فأعاد ترميمها مهندسو الجيش الإيطالي محافظين على شكلها الأصلي ورونقها الباروكي.
إبدئي جولتك في الجناح الذي تعرّض للحريق ويعود تاريخه إلى القرن الخامس عشر. وعبر رواق الكاتدرائية توجهي إلى الحديقة الرئيسة التي يصطف فيها 78 عمودًا من السيراميك مثمّنة الأضلاع، تربطها ببعضها بعضًا مقاعد. وتعود اللوحات التي رُسمت عليها، إلى دوناتو إي غويسيبه ماسا، وتعكس مشاهد من حياة الريف الإيطالي. تزيّن جدران الكاتدرائية جداريات زاهية الألوان. أيضًا، جولي في متحف الكاتدرائية الذي يعرض أعمالاً تعود إلى القرنين الرابع عشر والسادس عشر.

قلعة « ديل أوفو »... أي قلعة البيض
«قلعة البيض» وهي أقدم قلعة في نابولي، استمدت اسمها من أسطورة القرون الوسطى التي نقلها الشاعر فيرجيل. وتقول الأسطورة إن الساحر وضع بيضة سحرية في أساسات القلعة لحمايتها. فإذا اختفت هذه البيضة، فهذا مؤشر الى أن القلعة ستنهار، مما يتسبب في خراب نابولي. وهكذا اشتُبه بملكة نابولي  جوانا الأولى بأنها هي التي أخفت البيضة، وبالتالي عرّضت المدينة للكثير من الآلام.
بُنيت القلعة في جزيرة صغيرة تطفو على الواجهة البحرية، يربطها ببر نابولي الرئيس طريق مسار صخري طوله 100 متر تتلاطمه أمواج الميناء، وهو مكان مفضل للعرسان لالتقاط صور الزفاف، فلا تتعجبي إذا التقيتهم أثناء عبورك نحو القلعة.
جاء مظهر القلعة مستطيلاً وهي تحتوي على حصن على شكل زاوية يشرف على البر. تحضن أسوار القلعة العديد من المباني التي غالبًا ما تُستعمل للمعارض والمناسبات الخاصة. وتقع خلف القلعة رعن طويلة (أنف صخري ناتئ من الجزيرة ومتوغل في البحر) والتي ربما كانت تستعمل كمنطقة لرسو السفن. وعند جنوب شرقي القلعة يبرز برج دائري كبير خارج أسوارها. يوفر موقع القلعة مشهدًا رائعًا لواجهة نابولي البحرية وضواحيها. كما يمكن زيارتها في أي وقت من النهار، فالدخول إليها مجاني. 
قد تلفتك قرية الصيادين على طول السور الجنوبي للقلعة. إنها قرية بورجو ماريناري التي تأسست خلال القرن التاسع عشر. فلا تفوّتي الجلوس في أحد مطاعمها المنتشرة على طول المرسى، والتمتع بوجبة سمك طازج خرج للتو من البحر.

قلعة « سانت إيلمو »                      
يعود تاريخ تشييد هذه القلعة إلى القرون الوسطى، وهي تقع على تلة Vomero. في الماضي كان يطلق عليها  Paturcium وهي مشيّدة حيث كانت توجد في القرن العاشر، كنيسة مكرسة للقديس ايراسموس.
بُني قسم من هذا المبنى المهيب من الفُليس الأصفر النابوليتاني (الفليس اسم نعتي يطلق على تكوينين مساميين من طبقات الأرض، التكوين الرسوبي والتكوين الثوراني) الذي نشأ عن برج مراقبة نورماندي وكان يعرف باسم بلفورت Belforte. ونظرًا إلى أهميتها الاستراتيجية وموقعها المشرف على المدينة، والخليج، والطرق المؤدية إلى التلال المحيطة بنابولي، كانت القلعة محط أطماع الكثير من الملوك والغزاة. وهي راهنًا تضم متحفًا تنظم فيه وبشكل دائم المعارض والفعاليات الخاصة بمدينة نابولي. 

فيلا « دون آنا » 
هي أحد أشهر القصور في نابولي، وتقع عند بداية طريق بوسيليبو، على شاطئ البحر. وهناك مقولة مشهورة عن هذا القصر: «فيلا دون آنا ليست أطلالاً، إنها قصر لم يُستكمل بناؤه،  وهذا هو سر سحره».
استمد القصر اسمه من آنا كارافا، زوجة راميرو نونيز دي غوزمان نائب الملك في نابولي. وعُهد ببنائه إلى أشهر مهندسي نابولي في القرن السابع عشر عام 1642 كوزيمو فانزاغو الذي استوحى تصميمه من الفن الباروكي النابوليتاني. لم يتمكن فانزاغو من إنهاء بناء القصر بسبب وفاة آنا.
يمثل هذا القصر غير المكتمل السحر المشهدي لمعلم تاريخي ممزوج مع ما تبقى من فيلاّت رومانية تميّز سواحل بوسيليبو. في الداخل، يضم مسرحًا رائعًا، مفتوحًا على البحر، يحقق  مشاهد مذهلة لنابولي. كما يضم مقر مؤسسة إزيو دي فيليس للثقافة.


نُسج حول القلعة الكثير من الأساطير الشعبية الغريبة

مسرح « سان كارلو »
شيّد مسرح سان كارلو عام 1737، ويُعرف بأوبرا نابولي. وهو المسرح الأكثر أهمية في مدينة نابولي، وأحد المسارح الاكثر شهرة في العالم، وأقدم مسارح الأوبرا الأوروبية المتبقية بعد مسرح ماليبران في البندقية ومسرح مانويل في مالطا. يستوعب المسرح 1386 مشاهدًا، وهو يتألف من ست طبقات تضم شرفات منسّقة على شكل حدوة حصان، وشرفة ملكية كبيرة وطبقة أرضية طولها 35 مترًا. 
تم بناء مسرح سان كارلو في نابولي بتحريض من تشارلز دو بوربون وافتتح في تشرين الثاني/ نوفمبر عام  1737  بعرض  أوبرا Achille in Sciro  لدومينيكو سارو (وهي الأوبرا التي كتبها بيترو ميتاستاسيو). نجح سان كارلو في تحويل مسرح سان بارتولوميو إلى كنيسة. وفي عام 1767 قام فرديناندو فوجا بالتجديدات لأجل حفل زفاف فرديناندو الرابع وماريا كارولينا عام 1778، وأعيد رسم اللوحات من جانب بوكاسينا.
وعام 1797، جدّد دومينيكو شلي تصميم الصالة الرئيسة للمسرح. فيما عيّن عام 1809 يواكيم مورات المعماري التوسكاني أنطونيو نيكوليني لتجديد الواجهة الرئيسة الجديدة التي صممها على الطراز النيوكلاسيكي.
يبدو أن هذا المسرح تعرّض للكثير من الأحداث الغريبة التي لم تؤثر في الأشخاص الذين توالوا على إعادة ترميمه. فقد تعرّض المسرح للدمار بسبب حريق شبّ فيه في 13 شباط / فبراير 1816، ثم أعيد بناؤه على يد المهندس نفسه.
وتم افتتاح القاعة في كانون الثاني/ يناير عام 1817، بعرض أنشودة إيل سوغون دي بارتينوبي جيوفاني سيمون ماير. إذا كان لديك الوقت، لا تترددي في مشاهدة أحد عروض الأوبرا، وعيشي لحظات من الترف الإيطالي القديم، فكل تفاصيل المسرح سوف تنقلك إلى عوالم عصر النهضة.

القصر  الملكي أو « ترينتو إيه فيا توليدو »
شيّد القصر عام 1600 ميلادية، وأعيد ترميمه عام 1841 وتعرض للدمار خلال الحرب العالمية الثانية. تحتشد في واجهته مجسمات أهم ملوك نابولي التي تعود إلى القرن التاسع عشر والمنحوتة بإتقان مثير للعجب والدهشة في آن. أثناء وقوفك أمامها ستبدو لك شخوصًا تراقب بهدوء مدينة تتقولب مع العصر من دون أن تنسى تاريخها.
يضم القصر متحفًا يحتوي على مجموعة من الأثاث وأعمال البورسلين ولوحات الكانفا والمنحوتات واللوحات التي تعكس إبداعات الفن الإيطالي. كما يحتوي القصر على مكتبة عامة يعود تاريخ إنشائها إلى عام 1925 وتحتوي على 2000 مخطوطة من ورق البردى اكتشفت في هيركولانيوم، إضافة إلى أجزاء من الإنجيل القبطي.

سوقا « فيا ديه تريبونالي » و « فيا شيايا »
عندما نذكر إيطاليا، يخطر في بالنا معقل فنون عصر النهضة بكل أمزجتها، ولكنها أيضًا تشكل راهنًا بلد الموضة والأناقة بكل أمزجتها. وفي نابولي لا بد من أن يشكل التسوّق حيزًا مهمًا في زيارتك لهذه المدينة... فسوقا فيا ديه تريبونالي وفيا شيايا يمكن القول إنهما ملاذ التسوّق، فواجهات البوتيكات تعرض لأهم دور الأزياء الإيطالية مما يدفعك لترك العنان لبطاقة الائتمان credit card  لتلبية رغبة التسوق.
أما إذا امتنعت عن الخضوع لإغراء  تسوّق الموضة فاسمحي لنفسك في سوق فيا توليدا بشراء بعض التذكارات، فأسعارها مقبولة. وفي النهاية لا بد من أن تضعي في صندوق ذكرياتك براهين ملموسة رغم أن ذاكرة الإنسان أعظم كنز.

كرم القهوة أحد أسرار نابولي
ذا كافيه سوسبيو تقليد نابوليتاني جميل، فكرته أن يشتري أحدهم فنجان قهوة لآخر ليس في مقدوره شراؤه. أن تدفعي ثمن فنجاني قهوة وتحصلي على واحد، ويأتي بعدك زبون يسأل ما إذا كان أحدهم قد طلب كافيه سوسبيو، وبالتالي سوف يحصل على فنجان قهوة مجاني... تقليد مزدهر في المقاهي المنتشرة في الأحياء الشعبية.

هل تعرفين سر بيتزا مارغريتا؟
تقول القصة إن مارغريتا دو سافوي، الملكة الأولى في نابولي وزوجة الملك أومبيرتو الأول، كانت ودودة جدًا مع رعايا المملكة فقام أصحاب بيتزا براندي عام 1889، بابتكار بيتزا على شرفها. وبيتزا «مارغريتا» تستند الى ألوان العلم الإيطالي الثلاثة: الأحمر (الطماطم)، والأبيض (الجبنة الموتزاريلا) والأخضر (الريحان). لذا فإن معظم مطاعم البيتزا في نابولي تقدم بيتزا مارغريتا بكل فخر.

CREDITS

إعداد: ديانا حدّارة