العنف الأُسري قضيَّة قديمة ومتجددة الجرائم في حق النساء مستمرة

العنف الأسري,قضية,قديمة,ومتجددة,الجرائم,في حق النساء,مستمرة,روعة المحمد,قتلوها,الثمن,حياتها,الزواج بحبيبها,ميمونة,ضحية,ليلى,كفى,تطورات,سلبية وإيجابية,مايا عمار,أحكام,القتلة,صارمة,ضعاف النفوس,القانون,المجتمع,المسؤولة,الإعلامية

غنى حليق - (لبنان) 29 أكتوبر 2016

العنف الأسري قضية قديمة ومتجددة بتجدد الجرائم في لبنان، وقد باتت تفوق الحد المعقول للجريمة في بلد لا يتجاوز عدد سكانه الخمسة ملايين واللافت أن ضحايا العنف غالبيتهن نساء. فقتل 20 امرأة خلال سنتين على أيدي أزواجهنّ أو ذويهن عدد لا يستهان به، في وقت لم تصدر أحكام صارمة في حق القتلة، إذ تتم المماطلة في غالبية القضايا ويخرج مرتكبوها بكفالات وأحكام مخفّفة وكأن شيئاً لم يكن، مما يشجع ضعاف النفوس على ارتكاب الجرائم لأتفه الأسباب...

من يحمي النساء من العنف، ومن يقف إلى جانبهن إذا لم ينصفهن القانون والمجتمع؟ نساء كثيرات قُتلن، بينما تواجه أخريات الموت كل يوم... فهل من مغيث؟
«لها» التقت إحدى السيدات المعنّفات اللواتي ذُقن العذاب طوال 18 عاماً، كما تحدثت مع ذوي الضحيتين ميمونة أبو العائلة وروعة المحمد عن تفاصيل الجريمتين، وقابلت مايا عمار المسؤولة الإعلامية في جمعية «كفى عنف واستغلال»، واطلعت منها على آخر التطورات والمستجدات في قوانين حماية المرأة وقضاياها.


ذنب روعة المحمد (18 عاماً) الوحيد أنها قررت الزواج بحبيبها فدفعت الثمن حياتها

روعة المحمد: أهدروا دمها وقتلوها
روعة المحمد آخر ضحايا العنف الأسري في لبنان، وهي أصغرهن سناً، ففي 6 أيلول/سبتمبر ذُبحت روعة على يد أشقائها بعدما أهدروا دمها بحجة غسل عارهم.
وفي التفاصيل أن روعة كانت تحب شخصاً تعرفت إليه خلال عملها في أحد البساتين، وأنها ذهبت معه «خطيفة» وعقدا قرانهما من دون علم أهله، ولمّا علم أهلها بالأمر، قرروا استدراجها وتحايلوا عليها للعودة الى المنزل، خصوصاً أن والدها طلب إيجاد حل للمشكلة قبل أن تتفاقم الأمور، لأنهم  عشائر، وعاداتهم  وتقاليدهم لا تسمح لهم بذلك، وسيتم إهدار دم الاثنين ما لم يعرف أين هي ابنته. وبعد ذلك حضرت عائلة الشاب الى منزل والد العروس نافيةً أن تكون الفتاة مع ابنهم، ولو كان ذلك صحيحاً لقتلوه بيدهم، حتى أن الشاب حضر الى بيت خاله ناكراً أن تكون روعة معه، ومشدداً على أن آخر اتصال ورده منها كان عند الساعة العاشرة والنصف من يوم مغادرتها، طالبةً منه ان تأتي اليه وتبقى معه، لكنه رفض».
ويضيف: «بعد يومين اتّضحت الامور، إذ علمت عائلة روعة أن الشاب وهو من مدينة الرقة قد عقد قرانه على روعة يوم هربها، ثم جاء وفد من عائلته وأكد ذلك، لكن بعد فوات الأوان، إذ اعتبرت العائلة ان شرفها قد لُطّخ ولا بد من غسل العار، فقررت استدراجها متذرعةً بعقد المصالحة مع عائلة الشاب، فعادت الى المنزل وذبحوها في الليلة نفسها».
وصدر عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي - شعبة العلاقات العامة بيان أوضحت فيه ملابسات الجريمة، وجاء فيه أنه عند الساعة الأولى والنصف من فجر الاثنين وداخل منزل العائلة في محلة قدموس – صور، أقدم الشقيقان، وهما من مواليد (1994 و1998)، على قتل شقيقتهما (مواليد عام 1998، سورية)، وعلى الأثر أوقفت مفرزة طوارئ صور وفصيلة العباسية في وحدة الدرك الاقليمي الشقيقَين المذكورَين، إضافة إلى عدد من الاشخاص الذين حرّضوا على ارتكاب الجريمة. وبالتحقيق معهما اعترفا بأنهما ارتكبا جريمتهما بالاتفاق مع أفراد العائلة، في وقت هرب الشاب خوفاً من أن يلقى المصير نفسه.

ميمونة: قُتِلتْ بعد مرور 7 أشهر على زواجها
ميمونة ضحية من ضحايا العنف الأسري الذي حصل أخيراً، إذ قضت ابنة العشرين عاماً في 9 آب/أغسطس 2016 على يد زوجها محمد الطحش بعدما ضربها بزجاجة النرجيلة فمزقت جسدها بشظاياها. يقول شقيق الضحية محمد أبو العائلة، إن ميمونة كانت على خلاف مع زوجها وتطالبه بالطلاق لأسباب عدة أبرزها: بطالة الزوج، وعدم وفائه بوعده لها بالسفر إلى ألمانيا للعمل والاستقرار هناك، وخلافها المستمر مع أهله الذين كانت تسكن معهم في منزل واحد.
يعترف محمد بأنه لم يلحظ على زوج شقيقته أي مظاهر للعنف خلال فترة خطوبتهما أو حتى بعد الزواج، فالجاني لم يسبق له أن عنّف زوجته أو ضربها، وكان يبدو شخصاً محترماً. لذا، يستغرب محمد ويستنكر ما حصل مع أخته، مؤكداً أن الجاني كان يرفض فكرة الطلاق بتاتاً، خصوصاً أنه مضى 7 أشهر فقط على زواجهما. كانت خلافاتهما في معظمها مادية واجتماعية، إذ لم يكن لهما منزل مستقل، وكانا يعيشان في غرفة متواضعة في منزل أهله، مما أجّج الخلافات بينهما، ودفعهما للانتقال من عكار حيث يسكن أهله إلى القليعات في جبل لبنان بهدف العمل، والسكن مع أخيها الأصغر.
يقول محمد: «لم يمض 25 يوماً على سكنهما هناك حتى وقعت الجريمة. لم يكن شقيقي الاصغر، وهو قاصر، في المنزل، وكان في عمله حين جاء زوج شقيقته وطلب منه نقوداً، ولمّا لم يعطه، استدان مالاً من شخص آخر وذهب، وعندما سأله عن شقيقته قال له إنها في المنزل، فذهب ووجدها مقتولة ومضرّجة بدمائها. كانت مذبوحة من الوريد الى الوريد، وقد مزق زجاج النرجيلة جسدها».
يؤكد محمد أن زوج شقيقته ما زال مصرّاً على نفي فعلته الشنعاء، ويقول إنه لا يعلم ما حصل بالضبط، وبالسؤال عن مستجدات القضية، رفض محمد الإدلاء بأي معلومات حتى لا يضر بمجريات التحقيق، كما رفض مكتب المحاماة الذي يتابع قضية ميمونة إفادتنا بأي معلومات قبل أن يصدر قرار ظني بحق الجاني حرصاً منهم على مجريات التحقيق أيضاً.
ووفق معلوماتنا، تمكنت الأجهزة الأمنية من توقيف الجاني في منطقة التل - طرابلس، إثر عملية تعقّب وملاحقة، سُلّم على أثرها الى القضاء المختص. فيما ذكر سكّان الحي الذي شهد الجريمة أنّ الزوج والزوجة وشقيقَها انتقلوا إلى هذا البناء منذ حوالى 25 يوماً، ووقعت الجريمة عند الساعة 12 ظهراً، بينما كان شقيق المغدورة غائباً عن المنزل. وبعد ارتكابه الجريمة، وبكلّ برودة أعصاب، غادر الجاني شقّته بشكل طبيعي ولم يظهر عليه أي توتر، ولم يشعر الجيران بأيّ حركة غير عادية، كما لم يسمعوا صوت شجار الثنائي يعلو في ذلك اليوم.

ليلى . م: بعد 18 سنة من العذاب قالت كفى
ليلى . م سيدة في العقد الثالث من عمرها، عاشت مع زوجها 18 عاماً أذاقها خلالها شتى أنواع العذاب والذل، تقول ليلى: «تعذّبت كثيراً وتحملت ما يفوق طاقتي، ولكن عندما وجدت أن العنف الذي أتعرض له سينتقل إلى ولديّ لأنهما يدافعان عني، قلت كفى، وبدأت المواجهة والمطالبة بحقي وحقهما في العيش الكريم».
لم تكن ليلى تتوقع ما كان ينتظرها بعد الزواج، وأنها ستُسجن في المنزل، وتكون عبدة لزوج عنيف انتُزعت الرحمة والشفقه من قلبه... ممنوع عليها أن تتواصل مع الآخرين، حتى ابنها كان يغار من محبتها له ويطلب منها أن تحبّه هو وحده... كل هذه المضايقات أدخلت ليلى في جحيم، رغم وقوف حماتها إلى جانبها ومناصرتها لها. تقول ليلى: «كنت أتحمّل الإهانات وأنفّذ أوامره بدون مناقشة أو اعتراض، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد اكتشفت أنه يرفض تحمل مصاريف المنزل، إذ كان يحب أن يدخر كل ما يجنيه ويترك والدته تُنفق علينا. هذا الوضع أزعجني كثيراً وجعلني أواجهه وأطالبه بتحمل مسؤولياته، فاعتبر موقفي هذا تحدياً له وتمرداً عليه... وبات يضربني لأنني أطالب بحقي وأدافع عن والدته، وأذكر أن أول صفعة تلقيتها منه كانت بسبب دفاعي عن أمه بعدما رماها بطبق الطعام، ولما اعترضته نلت نصيبي من التعنيف. بعد هذه الحادثة، خرجت حماتي من المنزل ولجأت إلى بيت شقيقه، الذي رفع دعوى قضائية على زوجي بسبب إساءته الى والدته، وكان أخوه يحبه ولكنه أراد ان يعلّمه درساً كي لا يكرر فعلته، فسُجن شهراً، ومن ثم تنازلت حماتي عن الدعوى من أجلي، ورغم ذلك لم يتحسّن سلوكه وعاد الى طباعه المجنونة».
طلبت ليلى من زوجها السماح لها بالعمل كي تحل المشاكل وتُنفق على نفسها وتؤمّن حاجات المنزل، ظناً منها أن هذا هو الحل الامثل الذي يجعلها تعيش بهدوء وسلام، ولكن سرعان ما خاب ظنها، فبعدما كان يضربها لأنها تطالبه بتحمل مسؤولية المنزل، أصبح يعنّفها حتى تعطيه راتبها كل آخر شهر.

استمرت ليلى على هذه الحال سنين طويلة، وبعدما لم تعد تقوى على التحمل وشارفت على الموت من كثرة الضرب، أخذت ابنها ولجأت إلى أهلها، فما كان منهم إلا ان رفعوا دعوى قضائية عليه، وبالتالي خيّروها ما بين ترك ابنها لزوجها والعيش بأمان عندهم، أو الذهاب اليه وتحمل عذابه. تقول ليلى:  «لو وقف أهلي بجانبي ولم يضغطوا عليّ بهذه الطريقة لكان حالي أفضل بكثير».

الجمعية المُنقذة
لم تجد ليلى من يقف إلى جانبها ويحميها من العنف الذي بات قوتها اليومي، حتى أهلها لم يقفوا إلى جانبها، وكانت كلما ذهبت إلى المخفر ورفعت دعوى عليه، تضطر الى التنازل عنها في اليوم التالي حفاظاً على حياتها وحياة ابنها، كما أنجبت بعد فترة طفلاً آخر مما زاد الطين بلّة، وكانت تصبر وتتحمل العذاب على أمل أن تجد حلاً لمأساتها.
لجأت ليلى إلى جمعية كفى ووجدت لديها ضالتها، ففي هذه الجمعية حظيت بمن يقف إلى جانبها ويعلمها كيف تحمي نفسها وتطالب بحقها. عرفت أن القضاء يمكن أن ينصفها ويحميها لو هي أرادت ذلك، خلافاً لما كانت تسمعه من بعض الناس. تبكي ليلى كلما تذكرت مأساتها، وتشعر بالقهر لأنها عاشت كل هذا العذاب مع ولديها. هي اليوم وُلدت من جديد، كما تقول، وتعيش مع حماتها وولديها بأمان منذ ثلاث سنوات، تعمل وتعيل ولديها وتعلّمهما في أفضل المدارس بعيداً عن زوجها وتعنيفه، فقد أنصفها القضاء وأعطاها حق الحماية، وكذلك حق النفقه لها ولولديها، لأنها لا تزال على ذمة زوجها، ولم تقدم دعوى طلاق ضده. هي لم تعد تريده، حتى ولداها باتا يكرهان سماع اسمه لكثرة ما عانيا بسببه. لدى ليلى وثائق كثيرة وتقارير طبية تشهد على العنف الذي تعرضت له، وهذه الوثائق والتقارير كانت ذريعتها للتخلص منه. تنصح ليلى كل السيدات المعنفات بألا يصبرن على عذابهن، وتختتم حديثها مؤكدةً: «لا تظلمن أنفسكن وأولادكن، عليكن أن تثقن بالقضاء لأنه سينصركن لو أردتن ذلك. كما أطلب من الأهل الوقوف إلى جانب بناتهم حتى لو لم يكن خيارهن صحيحاً، فما من إنسان كامل، والكل معرض للخطأ، لذا لا تظلموا بناتكم مرتين... لقد حصلت على حقي بالقانون، لأنني آمنت به ووثقت بالعدالة، فيما أساء زوجي إلى نفسه بتعنيفه لي ولولديه».

تطورات سلبية وإيجابية
بالسؤال عن التطورات القانونية في ما يتعلق بالعنف الأسري، تفيد المسؤولة الاعلامية في جمعية «كفى عنف واستغلال» مايا عمار بأنه حصلت تغيرات كثيرة، منها ما هو سلبي وما هو إيجابي. فمن التغيرات السلبية تباطؤ القضاء في إصدار الأحكام في جرائم قتل النساء، وهذا يؤدي إلى سيطرة اليأس على أهل الضحية وتعرضهم للضغط للتنازل عن قضيتهم.
أما التغيرات الإيجابية فتمثّلت بصدور 145 قرار حماية في العام 2015، و30 قراراً قبلها، مما يجعل عدد قرارات الحماية خلال سنتين يصل إلى 200 قرار استفادت منها 200 سيدة تعرضت للعنف. وتعتبر هذه القرارات نموذجية بالنسبة الينا، لأنها تحمي المرأة وأولادها من العنف لفترة طويلة أو إلى حين البت بمصير العلاقة الزوجية. ومن الإيجابيات أيضاً أن القضاة يحرصون دائماً على تنفيذ هذه القرارات، وخاصة في المناطق البعيدة عن العاصمة كالبقاع الغربي، ويحددون آلية الحماية حرصاً على تنفيذها بشكل جيد. كما أننا لا نزال ننسق مع قوى الأمن الداخلي في ما يتعلق بشكاوى العنف الأسري.
وتشرح عمار بأن طلب قرار الحماية أمر مختلف ومنفصل عن الشكوى ضد المعنف، وأن لا بد من مجهود شخصي من المرأة المعنّفة لملاحقة قضيتها. وهناك نساء معنّفات كثيرات استفدن من قرار الحماية واكتفين به وتوقفن عن الاستمرار بالدعوى ضد المعنّف، فقرار الحماية منفصل عن الشكوى، ويمكن المرأة الاستمرار بالاثنين، كما يحق للمرأة المعنّفة رفع دعوى نفقة لها ولأولادها ومطالبة المعنف بتغطية تكلفة علاجها بعد ما سببه لها من أذى جسدي.
وعن دور قوى الأمن والمخافر في الحماية، تقول عمار إن على قوى الأمن التعاون مع السيدات اللواتي يلجأن إليهم لتقديم لشكوى ضد المعنف، والتعامل معهن بكل احترام، كما تطالب السيدات المعنفات بأن يحفظن اسم الشخص الذي يُجري التحقيق معهن حتى تتم محاسبته في حال تجاوز حدود المهنة بتعاطيه معهن، أو لم يهتم أو يتحرك بشكل فوري.
وعن مدى تأثير القوانين والاحكام في نسبة الجريمة وردعها، تقول عمار: «ما زالت الجرائم في حق النساء مستمرة، ولم يتقلص عددها، فمنذ عام 214 وحتى الآن قُتلت 20 سيدة، ولم يصدر بعد حكم صارم في حق مرتكبيها، ولا ننكر أن القوى الامنية تتحرك لتمنع الجريمة، وتحاول ردعها بشتى الوسائل، إلا ان القانون لم يستطع إيقاف الجرائم لأنها تخضع لنظام وعقلية متحجرة تحتاج الى سنين طويلة لتغييرها». وتختم عمار حديثها بالقول إن القانون بالنسبة الى المرأة مثل السلاح يمكنها استعماله متى تشاء لتحمي نفسها وعائلتها، وكلما قوي القانون استفادت النساء من الحماية.