أرقام مفزعة ومفاهيم مغلوطة: الختان جريمة مستمرة

أرقام مفزغة,مفاهيم,مغلوطة,الختان,جريمة,مستمرة,المعركة,سنوات طويلة,تحذيرات,الأطباء,الأرقام,الإحصاءات,ظاهرة,طرق المواجهة,تدمير نفسي,التجريم القانوني,دوافع اجتماعية,دور العبادة والمحاكم,رأي الدين,الدكتورة هدى بدران,الدكتور أيمن عامر,هبة حسن الزغبي,الدكتورة مروة جمال,سحر صلاح,الدكتورة مهجة غالب,مخاطر طبية,الدكتور ممدوح الجزار

محمد سالم - (القاهرة) 12 نوفمبر 2016

رغم المعركة التي خاضها الكثيرون ضد جريمة ختان البنات على مدار سنوات طويلة، ورغم تحذيرات الأطباء وتأكيد علماء الدين أن الختان ليس من الإسلام... لا تزال الجريمة مستمرة، والأرقام والإحصاءات مفزعة!

فما سبب استمرار ظاهرة الختان؟ وماذا تقول الأرقام؟ وما هي طرق المواجهة لإنقاذ بناتنا من هذا الكابوس الذي يطاردهن؟


ظاهرة مستمرة
في البداية، تؤكد الدكتورة هدى بدران، رئيسة الاتحاد العام لنساء مصر، أن مصر تضم عدداً كبيراً من النساء المختتنات، حيثُ يبلغ عددهن نحو 27.2 مليون امرأة، مما جعلها تتصدر دول العالم في ختان الإناث. وهناك تقديرات دولية تشير إلى أن معدل الختان في مصر هو 92 في المئة، طبقاً لآخر مسح ديموغرافي أُجري في عام 2014، بينما كانت النسبة 97 في المئة عام 1995، أي أن ختان الإناث تراجع على مدى 20 عاماً، بنسبة 5 في المئة فقط، وهي نسبة ضئيلة جداً، إذا ما قورنت بالجهود الكبيرة التي تبذلها المنظمات الحقوقية والطبية والقانونية المصرية والدولية للحد من هذه الظاهرة.
وتضيف د. بدران أنه لم يحدث أي تغيير إيجابي في الحد من نفوذ المجتمع الأبوي، الذي يمارس سلطته على النساء، والدليل على ذلك، أنه طبقاً للمسح الديموغرافي في عام 2014، فإن 61 في المئة من الرجال يؤيدون استمرار ظاهرة الختان... موضحةً: «إن القضاء على ظاهرة الختان في مصر يحتاج إلى رفع مكانة المرأة في المجتمع، وإرساء أسس المساواة بين الجنسين، في التنشئة والتعليم، ولو نجحنا في ذلك نستطيع أن نفرز مجتمعاً لا يعترف بختان الإناث... فكلما ارتفع المستوى التعليمي، تقل ظاهرة الختان. وتعتقد غالبية النساء اللواتي سبق لهن الزواج أن الزوج يفضل أن تكون زوجته مختتنة، مع أن ٥٤ في المئة من السيدات يعترفن بأن الختان قد يؤدي الى الوفاة، بينما يعتقد 9 في المئة منهن أن الولادة تكون أكثر صعوبة لدى النساء المختتنات».

تدمير نفسي
أما الدكتور أيمن عامر، مدير مركز البحوث والدراسات النفسية في جامعة عين شمس، فيرى أن انتشار تلك الظاهرة سببه الترويج لمغالطات نفسية لخداع السذّج والبسطاء حتى يتمسكوا بالختان، مثل الزعم بأن الفتاة المختتنة تكون مستقبلاً زوجة مطيعة ومستقرة نفسياً لا تُرهق زوجها، وتحافظ على شرفه في غيابه عنها لأي سبب كان.
ويؤكد الدكتور أيمن وجود حالة من التكيف الاجتماعي والقبول النفسي للمرأة المختتنة، حيث يكون هناك إقبال على الزواج بها، على عكس المرأة غير المختتنة، حيث تكون منتقَدة هي وأسرتها وسط الأقارب والجيران، ويصبح مصيرها العنوسة، هذا فضلاً عن الشائعات التي تلوث سمعتها وتدمر نفسيتها، وتشوّه صورتها الاجتماعية، وخصوصاً في المناطق الريفية.
ويشير الدكتور أيمن عامر إلى أن الأبحاث والدراسات النفسية، تؤكد أن لا علاقة للعفّة بالختان، لأن العفة مرتبطة أساساً بالتربية، ولهذا فهي تكمن في الفكر، ولا علاقة لها بالختان.
ويختتم د. عامر كلامه، مؤكداً أن الفتاة وبينما تخضع لعملية الختان تعاني ألماً شديداً، يسبب لها جروحاً نفسية عميقة، يصعب محوها، بالإضافة إلى أن الختان يشوّه جسد المرأة، ويدمر نفسيتها بعد الصدمة التي تتعرض لها أثناء ختانها، وتظل هذه الحادثة الأليمة مكبوتة في داخلها وعالقة في ذهنها، مما يؤثر سلباً في تعاملها مع المحيطين بها.

التجريم القانوني
وعن العقوبة القانونية للختان، تقول هبة حسن الزغبي، المحامية والباحثة في شؤون المرأة، إن القانون المصري لا يجرّم فعل الختان بنص صريح، بل يجرّمه بصفته فعلاً تتوافر فيه أركان أكثر من جريمة، مثل «هتك العرض»، «الجرح»... وتوضح الزغبي أنه بالنظر الى جريمة «الجرح المتعمّد» بصورها المختلفة، وفقاً لقانون العقوبات المصري، فإن كل من جرح أو ضرب أحداً، ولم يكن قاصداً من ذلك القتل، يعاقب وفق النتيجة الإجرامية المتحققة عن فعله. أما إذا أدى فعله هذا «وهو هنا القيام بالختان»، الى وفاة المجني عليه «الفتاة»، فتقوم مسؤوليته عن جريمة جرح أفضى إلى الموت، وهي جناية عقوبتها السجن المشدد من ثلاث إلى سبع سنوات، وإذا ترتب عن فعله هذا قطع العضو أو فصله أو فقدانه منفعته، بحيث يؤدي الى عاهة مستديمة، تقوم مسؤوليته عن جريمة جرح أفضى إلى عاهة مستديمة، وهي جناية عقوبتها السجن من ثلاث إلى خمس سنوات.
وتضيف الزغبي: «أما بالنسبة الى جريمة «هتك العرض»، فقد نصت المادة 269 من قانون العقوبات على جريمة هتك العرض، حيث تقرر معاقبة من هتك عرض صبية أو صبي لم يبلغ الـ 18 سنة كاملة بغير قوة أو تهديد، بالحبس المشدد، وإذا كان لم يبلغ بعد سبع سنوات كاملة، يُعاقب بالسجن المشدد 15 سنة».
وتشير الزغبي إلى أن هتك العرض هو المساس بموضع عفة المجني عليه، «وهي هنا الفتاة التي تخضع للختان»، كما أن من الجائز قانوناً أن تتم مساءلة والديّ الفتاة، أو من يتولى أمرها، لموافقته على ختان الفتاة التي تحت ولايته»... مؤكدةً: «رغم العقوبات الغليظة إلى حد ما، فإن هذه القوانين لم تردع، ولم تفد بالشكل القاطع الذي يمنع ممارسة هذه الجريمة في حق الفتيات، كما لم توقف شبح «الختان» الذي يطاردهن في كل لحظة».

دوافع اجتماعية
عن تفسير علم الاجتماع للظاهرة، تقول الدكتورة مروة جمال، مدرّسة علم الاجتماع في جامعة الفيوم، إن البحوث والدراسات أكدت أن هناك الكثير من الأسباب والمعتقدات والدوافع الثقافية والاجتماعية والنفسية وراء استمرار ظاهرة الختان في مصر وبعض الدول العربية، لكون الختان من العادات والتقاليد الموروثة منذ زمن بعيد، حتى أصبح إجراؤه أمراً ضرورياً، ويُعاب كل من يتقاعس عن ختان بناته، احتراماً للعرف الاجتماعي– حتى لو كان خاطئاً- الذي ما زالت له سطوته على الكثير من سلوكيات شعوبنا العربية، وخاصة إذا تم ربطه بالدين والعفّة والأخلاق، بزعم أن الختان يعد وسيلة ناجحة للحفاظ على عفة المرأة وشرف العائلة، لكن للأسف يتجاهل البسطاء كل التحذيرات التي تُوجّه اليهم، ويمضون في ممارسة العادات الاجتماعية، وخاصة في مناطق الصعيد والريف.

دور العبادة والمحاكم
أما الحقوقية سحر صلاح، مساعد مدير المركز المصري لحقوق المرأة فتقول: «بدأت المعركة القانونية لمنع ممارسة عادة الختان منذ عام 2008، لكن لا تزال هذه الظاهرة متغلغلة في نسيج المجتمع المصري. إلا أن القيام بالعديد من الحملات المضادة للختان، أدى الى الحد من هذه الظاهرة، حيث انخفضت نسبة إجراء العملية بين الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و17 عاماً، من 74.4 في المئة عام 2008 إلى 61 في المئة عام 2014، وهناك خطة حكومية بالتعاون مع المنظمات النسوية لخفض معدل عمليات الختان بحوالى 10-15 في المئة خلال السنوات الخمس المقبلة».
وتوضح سحر صلاح أن المعركة ضد الختان مفتوحة على أكثر من جبهة، ابتداء من قاعات المحاكم، وصولاً إلى دور العبادة والشوارع، وخاصة في المناطق العشوائية والفقيرة، باعتبارها الأكثر تضرراً من هذه العادة الممقوتة، حيث تؤكد الدراسات الميدانية، أن إلغاء الختان يشكل صراعاً طويلاً، لأن ستاً من كل عشر نساء يعتقدن بضرورة الإبقاء على جريمة الختان، ولهذا فهو تقليد يصعب التخلص منه بسهولة.

رأي الدين
وتتعجب الدكتورة مهجة غالب، عضو مجلس النواب والعميدة السابقة لكلية الدراسات، من استمرار هذه العادة السيئة، رغم تجريم الأزهر ودار الإفتاء لعملية الختان، واعتبارها ليست من صحيح الإسلام، وأنها تمارس في مجتمعات غير مسلمة، كما لم يرد نص في القرآن ذُكر فيه الختان، ولم يثبت أن الرسول ختن بناته يوماً، إلا أن هذه العادة تعتبر من أبرز العادات الموروثة شعبياً، وما زالت تمارس في الظلام حتى بعد القوانين التي شُرّعت للحد منها.
وتشير الدكتورة مهجة إلى أن من المؤسف أن يتم ختان الإناث عند غالبية المسلمين وبعض المسيحيين وفي العديد من الدول الإفريقية، الإسلامية والمسيحية، وفي مناطق متفرقة من الشرق الأوسط، مع العلم أن الختان واجب للذكور فقط وليس للإناث، وما يدّعيه البعض من وجوب ختان الإناث في الإسلام، بذريعة أنه السبيل الوحيد إلى عفة المرأة، هو حجج واهية، لأن العفة لا تكون إلا بالتربية الصحيحة والتنشئة السليمة.

مخاطر طبية
يؤكد الدكتور ممدوح الجزار، استشاري الجراحة ومدير مستشفى قليوب المركزي، أنه خلال هذه الممارسة الخاطئة، تتم إزالة الأعضاء التناسلية الخارجية للفتاة، جزئياً أو كلياً، ومخاطر ختان الإناث مرتبطة بعوامل كثيرة، منها مدى القطع، ومهارة القائم بالجراحة، ونظافة الأدوات التي يستعملها، والمحيط الذي تُجرى فيه، والحالة الصحية لـ«الضحيّة»، مع العلم أن جميع أنواع الختان تعرّض الفتاة لمضاعفات، أكثرها خطورة وأعمقها أثراً سلبياً ما يُطلق عليه «الختان الفرعوني»، الذي قد يؤدي الى الوفاة، بسبب النزف الذي تصعب السيطرة عليه، أو يترك عاهة مستديمة، لأنه أثناء إجراء عملية الختان، عادة ما تقوم الضحية بحركات مقاومة بسبب الخوف والألم، تؤدي في الغالب إلى عدم إمكانيّة السيطرة عليها والتركيز على العضو المراد بتره، مما يلحق الأذى بالأعضاء المجاورة.
وينهي الدكتور ممدوح كلامه موضحاً أن ختان البنات ليس مُدرجاً في أي منهج طبي أو علمي معترف به، مما يؤكد أن ممارسات الأطباء أو الفريق الصحي في هذا الشأن هي انتهاك لأخلاقيات مهنة الطب وآدابها.