في «بلغرافيا» في لندن: نادٍ خاص بامتياز في شقة

بلغرافيا,لندن,شقة,التصنيفات الاجتماعية المعروفة,النوادي الإنكليزية,اللقاءات,الأندية,أجواء الأندية,مسحة الحداثة,الخشب,الأصالة,الألوان الحيادية,عناصر الإضاءة الجانبية,واجهات خشبية,الأندية الخاصة,صالة الطعام,الغموض,الإيقاع الداكن,المشغولة,الشقة,الألوان

نجاة شحادة (باريس) 13 نوفمبر 2016

تعتبر النوادي الإنكليزية الخاصة من أشهر أماكن اللقاءات وأكثرها أناقة ومحافظة، فهي تعكس بأمانة بالغة الذائقة الإنكليزية التقليدية بكل مظاهرها وعاداتها وتقاليدها .
ولكن حين يتعلق الأمر بديكور شقة سكنية تستوحي أجواء هذه الأندية، فإن المسألة تبدو أكثر إثارة .


في هذه الشقة «الدوبلكس» الفسيحة، الواقعة في «بلغرافيا»، أحد أرقى الأحياء في لندن، نستطيع أن نتأمل البراعة الزخرفية، ليس فقط في التفاصيل المستوحاة من أجواء الأندية، وإنما أيضاً في المفردات التي ينبغي استخدامها عند توصيف المكان.
وإذا كان صحيحاً أن أجواء الأندية تجسد المحافظة الإنكليزية، فإن «تايلور - هوز» عندما عمد الى إعادة رسم هذه الشقة وتصميمها، لم يغب عن ذهنه أن المالك هنا يعيش حياة معاصرة بكل مناخاتها وأدواتها.
لذا، فإن مسحة الحداثة التي تم ضخها في كل ركن من هذه الشقة جعل منها مكاناً فريداً في مزاوجته، ليس فقط للمواد التقليدية في مجال الديكور، ونعني بها الخشب والأقمشة، بل أيضاً المزاوجة الفذة بين طرازين على طرفي نقيض، التقليدي والمعاصر.
ومنذ المدخل الباهر بإضاءته، تطالعنا الأجواء الحديثة، بأناقة وإتقان بعيدين عن المبالغة والتكلف، وذلك من خلال خيارات ذكية للكونسول الذي يجمع في تصميمه بين الأصالة والمعاصرة – إذا جاز التعبير – ليس في الخطوط النقية فقط، ولكن في المواد المشغولة بحرفية متفوقة، كذلك في تلك اللوحة المعدنية، والتي تستمد انعكاساتها اللونية هي والكونسول من الأجواء المحيطة بهما، حيث الألوان الحيادية المسيطرة (جدران وأرضيات) تجعل من الساكنين وضيوفهم أبطال المشهد بلا منازع.

ومن المدخل الى مساحات الضيافة، حيث الصالون بكنباته المخملية الوثيرة، قبالة مدفأة حديثة بخطوط بسيطة ونقية، تواكبهما أكسسوارات مختارة بعناية ودقة من أجل توفير أفضل مستويات الراحة، وهذا ينطبق على الطاولات المنخفضة بين الكنبات والى جنبهما، وكذلك على عناصر الإضاءة الجانبية، أو تلك المثبتة في السقف.
وفي جانب آخر، ركن جلوس متمم للصالون، وهو ما يستدعي أركان الجلوس، المنفصلة والمتصلة في آن واحد، في الأندية الخاصة.
ويتميز هذا الركن بحميميته التي تضيف اليها حرارة ملحوظة، واجهات خشبية تشغل جدارين بكاملهما، وذلك من أجل عرض بعض الكتب والمقتنيات المميزة. على أن الجو العام الذي يسيطر على المشهد الزخرفي هنا يوحي بكثير من الرصانة والانسجام، حيث الأرضيات والجدران حظيت بمعالجة تبدو في غاية الذكاء، من أجل المحافظة على روحية الأجواء الكلاسيكية التي تميز الأندية الخاصة، ولكن من دون أن تتخلى عن روح العصر.

ولا يمكن تجاهل المفاجآت التي تتميز بها هذه الشقة، ولكنها تبقى مفاجآت مشروطة بالقيم العامة والتي على أساسها تم تنسيقها. ولذا سنجد أنفسنا نقف مطولاً في صالة الطعام، التي تبدو للوهلة الأولى وكأنها مستدعاة من تلك المطاعم الراقية الملحقة بالنوادي الخاصة، والتي تجعل من وقت الطعام لحظات حية في الذاكرة، ومن الأجواء المحيطة متعة لا تقارن.
هنا تبرز مفارقات لا يمكن تجاهلها، فالهدوء الذي يسيطر على فضاءات الاستقبال، يختفي فجأة لتحل مكانه حرارة مفاجئة تنبعث من كل العناصر التي يتشكل منها المشهد الزخرفي في صالة الطعام. فالألوان مختلفة، والإضاءة مختلفة، وحتى الأثاث والأكسسوارات تشعرنا من شدة اختلافها، بالسفر من مكان الى آخر في هذه الشقة المميزة.
فالألوان الداكنة مع إضاءة مدروسة بدقة تضفي على الجو مزيداً من الغموض، ولكنه غموض محبّب، يشبه الأسرار الحميمة. أما طاولة الطعام الخشبية المستديرة والمؤطرة بحزام معدني، فتعيدنا الى أجواء الأقبية التراثية.
كما تلفت الكراسي المخملية باللون العنابي، بحلقاتها الذهبية التي تضفي على الجو بعض الفخامة والترف. وقد لعبت المرآة الكبيرة بجوار الطاولة والكراسي دوراً في إضافة أبعاد جديدة على سحر المكان. كذلك أضفت اللوحة الكبيرة المعلّقة على الجدار الآخر بألوانها الحية، حيوية ملموسة على الإيقاع الداكن للصالة.

ولا يحيد المطبخ عن القاعدة العامة والتي تم على أساسها تنسيق هذه الشقة، فهو يبدو للوهلة الأولى وكأنه ركن آخر للقاءات، تبعاً للخيارات المسندة إليه، فالكراسي البيضاء والأكسسوارات المنتقاة، تميل الى تفضيله كمكان حوار ونقاش، خصوصاً أنه يتصل بـ«تراس» ساحر، مؤثث كما هي العادة في تراسات الأندية الإنكليزية «الكولونيالية» بمقاعد وثيرة من الخيزران، حيث تحلو قراءة بعض الكتب أو الروايات. ولعل ما يؤكد هذا التوصيف، هو تلك الواجهات الزجاجية الأنيقة المحيطة والمؤطرة بالخشب أو المشغولة بأسلوب «الأباجور».

ولا تنحصر المفاجآت في المستوى الأول للشقة، بل إن السلّم الخشبي الذي يقود الى المستوى الثاني يتطلب أيضاً التفاتة تأمل بأناقته اللامحدودة من خلال مزاوجة الخشب بالزجاج، حيث المرايا على الحائط الموازي تعكس شكله بالكامل، فينقلنا الى سلالم الأمكنة الفخمة بأبّهة متفردة لا تبدو حيازتها في شقة عملية سهلة.

وتتوالى المفاجآت في كل مساحات المستوى الثاني، حيث القسم الليلي الحميم، وفيه غرفة النوم الرئيسة لا تتخلى عن الرصانة والمحافظة، وهي تحاكي في هذا الاتجاه صالتي الاستقبال في المستوى الأول من حيث الألوان والأشكال والمواد أيضاً، كما تبدو بأكسسواراتها المنمنمة وعناصر إضاءتها الحساسة وكأنها منسوجة من قصة عاطفية مؤثرة.
وركن الملابس – النسائي والرجالي - الملحق بها، لا يقل بساطة عن الروحية المسيطرة على أجواء هذه المساحة، كما تتصل بحمام بالغ الأناقة والرصانة، مما يمنحه هوية الانتماء الأصيل الى هذه الشقة.
غرفة النوم الثانية، تحتفظ هي الأخرى بملامح محافظة، ولكنها فرحة وأنثوية بامتياز.
وهي مثل غرفة النوم الرئيسة، تسير الى جانب التقليد ولا تندمج معه تماماً... ولكنها تمتلك كل الشروط الجمالية والوظيفية – من حيث التنسيق والألوان والأشكال - التي توفر راحة ورفاهية وانسجاماً قلّما نجدها اليوم في المشاهد الزخرفية المتداولة.

وفي المستوى الثاني من الشقة، نجد مساحة خاصة للرياضة مكتملة التجهيزات وتتميز بمراياها الكبيرة، والتي تشكل حائطاً بأكمله، وبشاشة تلفزيون جدارية تسمح بمتابعة البرنامج المرغوب أثناء القيام بالتمارين.
بالإضافة إلى ذلك، سنجد مساحة خاصة للمكتب، حيث يمكن مراجعة بعض الوثائق والأوراق الخاصة في ظل عنصر إضاءة عملاق يشغل فضاء الغرفة. وتميل الخيارات الخاصة بالمكتب الى «العملية» من حيث عناصر الأثاث والألوان وبالطبع الأحجام، حيث طاولة المكتب من الزجاج الشفاف، ما يمنح الغرفة اتساعاً افتراضياً لافتاً.

وبالطبع، فإن لغرف الأطفال وجهاً آخر، لا علاقة له بالكبار واجتماعاتهم ونواديهم، لذا سنجد الانفصال التام بين فضاء الأطفال في هذه الشقة، والفضاءات المخصصة للكبار، على أن القاسم المشترك الوحيد بينهما هو الرفاهية والراحة التي تتوافر للجميع، كل في فضائه.
فهنا سنرى خروجاً على سيناريو هذه الشقة، وهذا الخروج لا يتمثل في الألوان والأشكال والأحجام والخطوط، بل في روحية المكان نفسه... لأن في إمكاننا ومن دون تأويلات كثيرة، أن نميز عالم الطفولة بكل مكوناته.
وسنلاحظ أن الألوان البديعة المختارة لغرفة الأطفال تنتمي في بُعدها الزمني الى سنوات الستينات من القرن الماضي، ولكنها في بُعدها القيمي تنتسب الى التصنيفات الاجتماعية المعروفة، والتي تؤكد أن هذه الغرفة هي لفتاة لا تزال تلميذة، تتوافر لها كل الشروط لمزاولة أنشطتها المنزلية، حيث ركن خاص للبيانو، وركن آخر لمتابعة الدروس والواجبات المدرسية... في ظل أجواء فرحة تخيم عليها الألوان المشرقة باقتدار، لتبدو وسط هذه الشقة المحافظة، أشبه بمهرجان.