لأن الفن يحوّل البشاعة إلى جمال... إبداع «في الشارع» يطاول الفقراء قبل الأغنياء!

الفن,يحول,البشاعة,إلى جمال,إبداع,في الشارع,يطاول,الفقراء,قبل الأغنياء

كارين اليان ضاهر 10 ديسمبر 2016

تقف الوسائل التقليدية احياناً عاجزةً عن إيجاد الحلول لبعض المشاكل التي ترافقنا في حياتنا فنصطدم بحائط مسدود. هذا فيما يأتي الفن كحل للمساهمة في معالجة أصعبها. في هذا العام، وبعد نسخته الأولى في كازخستان، تم اختيار بيروت لإقامة Urban Dawn ليشكل المعرض الفني الاكبر في المنطقة. فنانون معروفون وناشئون أتوا من مختلف أنحاء العالم، إلى جانب فنانين لبنانيين، للمشاركة في هذا المعرض الضخم  لتسليط الضوء على المجتمع الفني الذي قد يكون خجولاً في لبنان، ولتمهيد الطريق من خلال مقاربة عملية تحضن الفن بطرق مختلفة ليكون لغة عالمية للتعبير وحافزاً للتغيير. هؤلاء الفنانون يرسمون للبيئة والسلام وحقوق المرأة... تعاونوا في سبيل تحويل «البشاعة إلى جمال» و«الدمار إلى ثقافة وفن». أعمال ترتبط في معظمها بالبيئة العمرانية متخذةً شكل الغرافيتي وفن الشارع لاعتباره من الفنون التي تعكس وجه المدن الثقافي وتصل إلى الفقير كالغني بعكس وجوه أخرى من أوجه الفن التي قد لا تكون إلا بمتناول الأغنياء، بحسب عيّاد ناصر رئيس ومدير عام شركة Loft Investments الذي استفزته النفايات المنتشرة في شوارع لبنان لما فيها من تدمير لصورته الجمالية المعروفة فأراد أن يعمل على التغيير الجماعي من خلال هذا المعرض الذي أُقيم بالتعاون مع المنصة الفنية Curator 19.90 والذي ينشر رسالة من خلال مثال حسي للجمال مع التشديد على فاعلية إعادة تدوير النفايات بتضمينه أعمالاً وموادّ معادة التدوير.


- كيف تم تبني بيروت لإقامة النسخة الثانية من المعرض الفني العمراني الأكبر في المنطقة  Urban Dawn بعد إقامته في نسخته الأولى في كازخستان؟

ولدت فكرة العمل على ذلك انطلاقاً من شعوري كمواطن لبناني بالإهمال الذي نعيشه في البلاد وعدم القيام بأي مبادرة لتحسين الوضع سوى الشكوى والتذمر. فكنت أرى أن اللبناني عامةً يكتفي بالنقد، فيما كان يستفزني انتشار النفايات في الشوارع، والتي تشوّه جمال بلادنا. كنت أرى أننا كلبنانيين لم نقم بأي خطوة لتحسين وضعنا. شخصياً أملك شركة Loft Investment التي أدخلت نهجاً هندسياً جديداً في لبنان حيث عملنا على تشييد مبانٍ جديدة مع حدائق وأحواض سباحة بأشكال فنية بعيداً عن المباني التقليدية. لكنني كنت أجد أنني لن أتمكن من تطوير عملي والمتابعة في لبنان طالما أن البلد نفسه يحتاج إلى عناية. فقلت في نفسي يجب أن أعطي بلدي حتى يعطيني، وانطلقت من هذا الأساس... وفكرت بضرورة أن يكون كل منا فاعلاً بهدف حل مشاكلنا بدلاً من التذمر. كنت أجد أن بيروت تتراجع، خصوصاً بوجود مشكلة النفايات المخجلة التي تدمر جمال لبنان، فيما العالم يتقدّم، وكنت أستغرب عدم وجود من يفكر بالحلول بشكل جدي. انطلاقاً من ذلك بدأت بالمبادرة. اتصلت بفنانين عالميين لتحقيق المشروع، وقد أحبوا الفكرة وتعاونوا وشعروا بإمكان تجميل مناطق معينة في بيروت من خلال الرسم على الجدران، مما يعكس صورة أجمل عن المدينة. والهدف من المعرض تحويل الدمار إلى إبداع، معتمدين في ذلك على أنفسنا فيكون مثالاً حسياً وفاعلاً لفكرة إعادة تدوير النفايات، فهو يعود ريعه إلى منظمات بيئية ويتضمن أيضاً أعمالاً معادة التدوير.

- عملياً، ما هو دور معرض Urban Dawn II؟
من خلال معرض Urban Dawn  تهدف المنصة الفنية Curator 19.90 إلى إبراز البلد المضيف، لا من خلال المشكلات الاجتماعية فحسب، بل من خلال تأمين صلة وصل بين البلد والعالم بواسطة الموضة وأسلوب حياة البلد. يقدم المعرض فناً وثقافة وسط الفوضى السياسية والأمنية المحيطة بلبنان. علماً أنه يُنظم في كل عام في بلد مختلف ويضم فناناً رائداً من البلد المضيف للنسخة السابقة. ففي هذا العام، عرض الفريق الفني Repas من كازخستان أعماله في فن الغرافيتي في لبنان. لا بد من التوضيح أن الهدف من المعرض ليس التوعية فحسب، بل التركيز على فكرة إعادة التدوير من خلال خلال القيم التي يعكسها، والتي ترتكز على تحويل القدرة إلى كفاءة وإبداع. كما يثير المعرض مواضيع متنوعة من خلال أعمال فنية مختلفة كالمشكلات الاجتماعية التي يواجهها لبنان مثلاً. على سبيل المثال، ابتكر فنانان لوحة فنية جدارية كبيرة تبرّعا بها للمدينة، فيما ابتكرت الفنانة Elle لوحة فنية على جدار داخل سجن النساء. أيضاً يزور الفنانون مخيمات اللاجئين ومنظمات خيرية وإنسانية أخرى طوال فترة إقامة المعرض. وخلال حفل الافتتاح، قدّم أحد الفنانين الاوروبيين عرضاً حياً أمام الحضور حتى يُباع العمل في المعرض ويعود ريعه إلى برنامج إعادة تدوير النفايات في بيروت.

- من هم المشاركون في المعرض؟
يجمع المعرض أعمال فنانين عالميين مشهورين وناشئين يرسمون بشكل أساسي على الجدران في ما يعرف بفن الشارع Street Art الذي يعكس وجه المدن الثقافي. كما يشارك أيضاً فنانون من لبنان في أعمالهم. لقد دعوتهم وأتوا من دون مقابل وتكفلت بمصاريفهم كلّها، وتُعرض أعمالهم وقطعهم الفنية في المعرض.

- هل كان سهلاً الانطلاق من قضية محلّية تعني اللبنانيين وحدهم لتحوّلها إلى قضية عالمية شاملة بواسطة هذا الحدث الفني الذي يشارك فيه فنانون عالميون؟
الفنانون الذين أتوا يرسمون للسلام والبيئة وحقوق المرأة... ولقضايا إنسانية واجتماعية كثيرة، وأي قضية من هذا النوع تعنيهم... هم معنيون بالتحرك للمساعدة والتعاون، وهذا هو الأهم. عندما دعوتهم قلت لهم إن اللبناني يعجز عن تقديم العطاءات لبلده، فهو يطلب دائماً مقابلاً. لقد أتوا من دون مقابل، أتوا فقط من أجل التعبير من خلال فنهم في سبيل قضايا اجتماعية وإنسانية. لقد شعروا أن الاسهل والأفضل في لبنان هو تجميل الجدران وتلوينها، إضافة إلى فكرة العمل بطريقة فنية على النفايات التي تشوّه بلادنا.

- إلى أي مدى يستند الفنانون إلى ثقافة البلد في العمل الذي يقومون به؟
يرسم هؤلاء الفنانون في المناطق التي اخترناها والتي تحتاج إلى الاهتمام وإلى إعطاء صورة أجمل، على طريقتهم. ففي الأوزاعي مثلاً رسموا أشخاصاً يبدو الحزن على وجوههم بطريقة فنية معبّرة ومؤثرة. لكل مكان اختاروا طريقة فنية تعبيرية مختلفة تجسّد الفكرة التي يريدون أن يوصلوها.

- هل تعتقد أن الفن قادر عملياً على تحقيق ما لم يكن من الممكن تحقيقه بوسائل عدة أخرى؟
لا بد لنا من التفكير بالموسيقى والفن على انواعه لنفرح ونتمكن من التغيير ونتخلص من الكره والحقد والغيرة. وتحديداً «فن الشارع» Street Art هو من الفنون التي تخص الجميع، فهو ليس عبارة عن لوحة فنية لا يشتريها إلا الغني، بل يرى هذا الفن الفقراء والأغنياء ويطاول الجميع لأنه ليس محدوداً. الفن جمال، ولا بد من أن يُحدث تغييراً على صعيد المجتمع. ونحن في لبنان تحديداً نحتاج إلى مثل هذه الأمور لتنقلنا من الواقع الذي نعيش فيه.