أبطال الزواج المستحيل

أبطال,الزواج المستحيل,قصص,المرض,الإعاقة,المشكلات,اختلاف اللغة,الصعوبات,شيماء ومحمود,نظرة المجتمع,القاسية,السرطان,المحامي,محمود شاهين,شيماء عبدالمنعم,زواج عابر للحدود,مؤمن ياقوت,خلافات,عمر عبدالوهاب,لذة الانتصار,الدكتورة عنان محمد,تخطي العوائق,الدكتور إيهاب عيد

15 يناير 2017

رغم أن كل من حولهم كان ينظر إلى زيجاتهم على أنها مستحيلة، أصروا على أن يكونوا أبطالاً لقصص هذا الزواج المستحيل. أزواج وزوجات تحدّوا المرض والإعاقة والمشكلات واختلاف اللغة، وغيرها من الصعوبات، وأصروا على أن يكملوا حياتهم معاً.


رغم نظرة المجتمع القاسية الى كل من يصاب بإعاقة أو مرض لعين، والتأكيد بأنه يحتاج الى الارتباط بمن يعينه ويساعده، اختارت شيماء ومحمود أن يعيشا حياتهما تماماً كالأصحاء، وأن يكونا بطلي إحدى قصص الزواج، التي يعتبرها البعض مستحيلة. تروي شيماء محمد، 25 عاماً، من مدينة كفر الشيخ، تجربتها قائلة: «التقيت زوجي محمود، وهو من محافظة السويس، للمرة الأولى مركز للعلاج الطبيعي والتأهيل في القاهرة في عام 2014، وكانت علاقتنا في البداية مجرد صداقة، ثم تطورت الى علاقة حب تمت على أثرها الخطبة وتزوجنا منذ أربعة أشهر».
وعن الصعاب التي واجهتها، تقول شيماء: «منذ أربع سنوات، فقدت القدرة على المشي بسبب حادث سير، فاسودّت الدنيا في عيني، إذ ظننت أن لا شاب يفكر في الارتباط بزوجة تعجز عن التنقل على قدميها، لكن تغيرت نظرتي الى الحياة بعد أن تعرفت الى محمود وطلب التقدم لخطبتي. عرضت الأمر على والدتي، فتحفظت في البداية، مؤكدة أن كلاً منا يحتاج إلى شخص سليم في جواره كي يساعده في تخطي ظروفه الصحية الصعبة، لكنني استطعت إقناعها بأنني ومحمود لا نحتاج إلى أي مساعدة خارجية، فكل منا يستطيع أن يمارس حياته بنفسه قدر استطاعته، ويتحلّى بالإرادة الصلبة لقهر الصعاب، وبعون الله تزوجت بمن أحب، وعشت بسعادة مع زوجي الذي يعاني ظروفاً مشابهة لظروفي، وأصبح كل منا «عكازاً» للآخر.
أما زوجها محمود عوض، 25 سنة، والذي يمارس حياته بصورة طبيعية على كرسيه المتحرك، فيقول: «شيماء تقوم بأعمال المنزل كاملة، من غسل وتنظيف بمهارة حيّرت كل الأصدقاء، وتحضّر أكلات يصعب على الكثيرات إعدادها، وقد رتّبتُ الشقة بما يتلاءم مع احتياجاتنا الخاصة، حتى لا نضطر لطلب المساعدة من أحد، كما أننا بعد الزواج أمضينا شهر العسل في مدينة الغردقة الساحلية بمفردنا، والأهم من ذلك أننا نواظب على ممارسة رياضة تنس الطاولة في أحد الأندية، مما جعل حياتنا سعيدة وتفوق كثيراً سعادة الأصحاء».
تعيش شيماء ومحمود في محافظة الجيزة بمفردهما، فأهل محمود في السويس، وأهل شيماء في كفر الشيخ، ويعمل الزوجان السعيدان في إدارة الموارد البشرية في إحدى الشركات، ويذهبان إلى العمل يومياً في سيارة محمود، ويشجعان النادي الأهلي ويذهبان باستمرار لمشاهدة المباريات داخل الاستاد، ويريان أن حياتهما الآن أفضل مما كانت عليه من قبل، ولا ينقصها أي شيء.

أقوى من السرطان
أما المحامي محمود شاهين، فيحكي عن قصة زواجه بالمحامية شيماء عبدالمنعم، التي اعتبرها كثيرون ممن حوله مستحيلة أيضاً، ويقول: «علمت بالصدفة أن النقابة لم تتحرك لمساعدة زميلة محامية في المستشفى، وقد أُصيبت بتآكل في أحد المفاصل، نتيجة ورم سرطاني في الثدي، فبحثت على الفور عن اسمها وبياناتها واتصلت بها هاتفياً، وتعرفت على قصتها كاملة، وقبل أن أراها طلبت من نقابة المحامين استخراج أوراق تقضي بتحمل النقابة كل تكاليف علاج الزميلة، وقد فعلت هذا كنوع من تقديم المساعدة لها فقط». ويكمل: «ذهبت إلى المستشفى لزيارة الزميلة والتعرف أكثر عليها، وقد شعرت بارتياح شديد بعدما تحدثت معها، لنقاء روحها وبشاشة وجهها، وأُعجبت بإصرارها على مواجهة المرض الخبيث، ومن ثم أخذت في التردد على المستشفى ومتابعة مراحل علاجها، ومع مرور الأيام بدأ قلبي يتعلق بها، حتى شعرت بأنني وجدت شريكة حياتي التي كنت أبحث عنها، ولم أتأكد من هذا الشعور إلا بعدما رأيت تعلقها بي، وفرحها عند زيارتي لها، فلم أتردد في الاعتراف لها بحبي، وقلت لها إنني أريد الارتباط بها، لكنها رفضت وطلبت أن ننتظر لحين الانتهاء من العلاج، وفي أحد الأيام وبدون علم أحد اشتريت خاتمين، وأحضرت «التورتة» وبعض الزينة، وذهبت إليها في المستشفى، وكنت أعلم أن والدها هناك فطلبت يدها منه، في حضور بعض الأصدقاء، وأتممنا الخطبة». ولأن الحب الحقيقي لا يكتمل بالخطوبة، قرر محمود مضاعفة مؤازرته لشيماء، ففكر في عقد القران ليكون الزواج والسعادة سلاحهما الجديد للتخلص النهائي من هذا المرض الخبيث، ويقول: «رأيت أن لا بد من أن أكمل مراسم عقد القران أنا وشيماء، خصوصاً أنها كانت قادمة على مرحلة صعبة، وهي بدء العلاج الكيماوي واستئصال الورم من الثدي، كما أن هذه المرحلة تحتاج إلى معنويات مرتفعة بعيداً عن الأدوية والعقاقير، فالحالة النفسية دائماً ما تتغلب على الأدوية مع هذا المرض اللعين، فحددت موعداً لعقد القران وتزوّجنا في شهر حزيران/يونيو الماضي».

زواج عابر للحدود
أما مؤمن ياقوت، 25 سنة، فيسرد قصة ارتباطه بزوجته البرازيلية، قائلاً: «كانت زوجتي مشجعة لإحدى فرق كرة القدم البرازيلية، وكنت أنا أيضاً من مشجعي الفريق نفسه، وكانت هناك صفحة على «فايسبوك» لمشجعي الفريق، فأرسلت اليها طلب صداقة، ثم تواصلنا لفترة نشأت خلالها علاقة صداقة لم تكن وثيقة، وفي إحدى المرات وبينما كنت في مدينة شرم الشيخ السياحية، فوجئت بها تحادثني وتقول لي إنها أيضاً في شرم الشيخ، فتقابلنا ورأيتها للمرة الأولى، وكان ذلك اللقاء شرارة الحب التي انطلقت بيننا، ثم عادت هي إلى البرازيل وظللنا نتواصل لفترة حتى اتفقنا على الزواج». ويوضح مؤمن أن اللغة والديانة لم يكونا عائقاً في طريق اكتمال العلاقة بينه وبين زوجته البرازيلية «عائشة»، التي تقيم في مدينة ساو باولو، وتمارس مهنة المحاماة، ويقول: «هي كانت تتحدث البرتغالية وكنا نتواصل بالإنكليزية، وظللنا خلال علاقتنا التي بدأت قبل سنتين نتعلم من بعضنا البعض، حتى أصبحت تتحدث مع والدتي وأسرتي بالإنجليزية وبعض الكلمات العربية، فرحّبوا بها كثيراً. أما عن ديانتها المسيحية، فلم تكن لدي مشكلة في الزواج بها على ديانتها، فديني الإسلامي لا يمنع الزواج من المسيحيات واليهوديات، لكنني حدّثتها عن الإسلام فاقتنعت به وأشهرت إسلامها، وبعدما اتفقنا على الزواج أتت إلى مصر، وقابلت أسرتي ورحبّوا بها من جديد، ثم عقدنا القران في الشهر الماضي».
اتفق مؤمن وزوجته التي عادت إلى البرازيل لإعداد الدكتوراه في القانون، بعد إتمام الزواج، على العيش في البرازيل أو في أي بلد آخر، ويعكف مؤمن الآن على تعلم اللغة البرتغالية، وتقوية لغته الإنكليزية ليستطيع العيش بصورة طبيعية في الخارج وبدون أي صعوبات، ويقول: «رغم أن هذه الزيجة لم يكن مخططاً لها، أعتبر أن زوجتي هدية من الله، فهي مثقفة جداً ورائعة الجمال ومن أسرة محافظة، فحتى قبل اعتناقها الإسلام كانت ترتدي ملابس محتشمة، كما أن الحب سيجعلنا نتحدى الصعاب لتكوين أسرة سعيدة، تتخطى صعاب اللغة والجنسية والإقامة واختلاف الثقافة».

خلافات ولكن...
رغم فسخ خطوبته سبع مرات، وهو ما اعتبره البعض مؤشراً على استحالة الزواج، أصر عمر عبدالوهاب، 26 عاماً، على تلك الزيجة، ويقول: «تعرفت الى زوجتي من طريق أحد الأصدقاء، والذي كان متزوجاً من شقيقتها، وأكاد أقول إننا حققنا الرقم القياسي في الخلافات والمشكلات في فترة الخطوبة، بحيث تم فسخها سبع مرات، وكانت البداية عندما التقيتها قابلتها للمرة الأولى، ولم يحدث بيننا انسجام، وأبلغ كل منا أهله بأن زواجنا من المستحيل أن يتم، وتدخل صديقي وزوجته لحل المشاكل العالقة بيننا، وأقنعانا بأن الخطوبة هي مرحلة لدراسة الطباع فقط، وإذا حدث توافق بيننا فسيتم الزواج، ووافقنا بالفعل وتمت الخطبة».

ويتطرق عبدالوهاب، الذي يعمل في وزارة الإنتاج الحربي، الى أحد المواقف الطريفة التي حدثت أثناء الخطبة بالقول: «بعد الخطوبة بأسبوع، كنت في منزل خطيبتي، وإذ برنين رسالة نصية يصدر من هاتفي الخليوي، فنظرت إلى خطيبتي وطلبت منها أن تقرأها، وكانت رسالة من خطيبتي السابقة تعاتبني فيها على ارتباطي بغيرها، وتذكّرني بقصة الحب التي كانت بيننا، فاحمرّ وجه خطيبتي، وطلبت بعد ذلك من والدها أن يفسخ الخطبة، وبالفعل استجبت لرغبتها، واتفقنا على إنهاء الخطبة، وبعدها بشهر تقريباً تقدمت لخطبة فتيات أخريات، وكنت قد اتفقت مع أسرتي مبدئياً على الارتباط بإحداهن، في وقت تقدم أيضاً عدد من الشبان لخطبتها، وكان الأمر قد انتهى تماماً، وبعد فترة قصيرة رُزق صديقي بمولود جديد ودعاني لحضور الحفلة التي أقامها في منزله للاحتفال به، فرأيتها هناك وشعرت بحنين غريب نحوها، رغم أنه لم تنشأ بيننا أي مشاعر في فترة الخطبة القصيرة جداً، فتحدثت مع صديقي وطلبت منه التحدث مع أسرتها، وبالفعل عدنا لإكمال الخطبة».

ويضيف عمر ضاحكاً: «تكررت بعدها المواقف التي تسببت في فسخ خطبتنا سبع مرات، كان آخرها عندما ذهبنا لشراء الأثاث الجديد، قبل الزفاف بأسبوع، فاختلفت أذواقنا ونحن داخل المعرض ولم نشترِ شيئاً، وتشاجرنا وذهب كل منا إلى بيته وقررنا الانفصال، فتدخل الأهل لحل المشاكل بيننا ونجحوا في مسعاهم وأتممنا الزفاف، وننتظر ولادة طفلتنا الأولى بعد ثلاثة أشهر».

لذة الانتصار
عن التفسير الاجتماعي لظاهرة إصرار البعض على إتمام زواج قد يراه غيرهم مستحيلاً، تقول الدكتورة عنان محمد، أستاذة علم الاجتماع في كلية البنات في جامعة عين شمس: «رغم الظروف الصعبة التي يعيش فيها أغلب الشبان والفتيات في مجتمعاتنا العربية، ما زالت هناك قصص حب حقيقية تذكّرنا بقصص الحب الشهيرة في التراث العربي، مثل «قيس وليلى» و»عنتر وعبلة»، ومن التراث العالمي القصة الشهيرة لـ»روميو وجوليت»، حيث تمسك كل حبيب بحبيبه رغم الصعوبات التي تواجههما، خاصة من الناحية الاجتماعية، حيث تتحكم الأعراف والتقاليد الاجتماعية بوجه عام، والأسرية بوجه خاص في العلاقات الإنسانية، وتقف عائقاً أمام كل قصة حب حقيقية، سواء بسبب الاختلاف في المستوى الاجتماعي والثقافي أو لأسباب أخرى، لكن يظل مصير الحب مرتبطاً بمدى تمسك كل حبيب بحبيبه وقدرته على التضحية من أجله والتنازل بحب، للقضاء على الفوارق والحواجز التي تحول دون تكليل قصة الحب بالزواج السعيد».
وتشير الدكتورة عنان إلى أن قصص الحب، ورغم الصعاب تعطينا أملاً بأن الدنيا ما زالت في خير، وتؤكد أن الإخلاص والوفاء ما زالا موجودين ولو نادراً، ولا شك في أن الزواج الذي يتم بعد المصاعب يشعر طرفاه بلذة الانتصار، ويولّد لديهما القدرة على بذل المزيد من التضحية من أجل سعادتهما المشتركة، فما يتحقق بصعوبة يتم التمسك به أكثر، على عكس الزواج الذي يتم بيسر فيكون التفريط به سهلاً.

تخطي العوائق
أما عن التحليل النفسي للذين يصرون على الزواج رغم الصعاب، فيؤكد الدكتور إيهاب عيد، أستاذ علم النفس في جامعة عين شمس، أن هؤلاء السيدات والرجال لديهم عاطفة جياشة وحب صادق ورغبة حقيقية في استكمال الحياة معاً، ولهذا نجد الإرادة المشتركة في تمسك كل طرف بحبيبه تزداد قوة وصلابة، كلما زادت الصعوبات، فيشعران بالسعادة الحقيقية كلما تخطيا عائقاً من العوائق».
ويضيف الدكتور إيهاب، أن مثل هذا الزواج الذي يراه البعض مستحيلاً، يجسد المفهوم الإيجابي للحب حيث لا يرى كل طرف في حبيبه إلا ما يقرّبه منه ويجعله يزداد تمسكاً به، لأن كلاً منهما يشعر أنه يجد نفسه وسعادته في الطرف الآخر، ومستعد للتضحية من أجله بلا حدود، ولهذا فأمثال هؤلاء تشتعل جذوة الحب بينهم كلما زادت المعوقات، مما يولد في نفوسهم ما يشبه العناد الإيجابي والتصميم على الوصول إلى الهدف، والفوز بشريك الحياة، فبالنسبة اليهم، طريق الألف ميل تبدأ بخطوة».