موسوعة بالفرنسية لروجيه عساف سيرة المسرح العالمي برؤية عربية

موسوعة,بالفرنسية,لروجيه عساف,سيرة المسرح,العالمي,برؤية,عربية

مايا الحاج 21 يناير 2017

ليس المسرح مهنةً عند روجيه عساف وإنما حياة. شغفه بهذا العالم الموازي لعالمنا الواقعي، جعله ينذر نفسه له كأنما ولد ليكون في هذا المكان، زاهداً بكل ما عداه. لم يكتفِ بدور واحد، بل اختار أن يذهب بعشقه المسرحي إلى أقصاه. كتب وأخرج ومثّل وأسّس وأدار الفرق والمشاريع، لكنّ ولعه بالمسرح لم ينطفئ، فراح يؤرّخ لعلّه ينقل الى القارئ بعضاً من كثير مما عرفه عن المسرح العربي والعالمي، جرّاء قراءات وخبرات وتجارب لا تعدّ ولا تحصى.

«المسرح في التاريخ»، الصادر حديثاً بالفرنسية عن دار «لوريان ليتيرير»، هو كتاب يوثّق فيه روجيه عساف للحركة المسرحية عبر التاريخ. والأصحّ قولاً إنّ «المسرح في التاريخ» ليس كتاباً وإنما موسوعة ضخمة تحوي جلّ ما توصّل اليه المسرحي اللبناني على مدار عقود من البحث والعمل المضني في هذا المجال. ومن يعرف مسيرة روجيه عسّاف الصاخبة ثقافةً وأعمالاً وجوائز، لا يستغرب أن يرى مثل هذا العمل الموسوعي بتوقيع رجل واحد، بدلاً من فريق بحثي أو مجموعة من المسرحيين. وبدلاً من أن يأتينا التأريخ من وجهة نظر غربية، يُطلّ القارئ على تحولات المسرح في العالم عبر شخصية عربية لمعت في فرنسا وجابت العالم بحثاً عن أسرار المسرح وحكاياته. لذا، فإنّ هذه الموسوعة تكسر نمطية الصورة التي انحصرت لدينا في ما قدمه لنا الآخرون (الأوروبيون) عن المسرح، وتعرض رؤية جديدة وشاملة للمسرح الإنساني في كل أوجهه.
اذاً، يُعيد هذا الكتاب النظر في مفهوم تاريخ المسرح، بعيداً من المفهوم الغربي. هكذا نجد أن الكتاب يعيد الاعتبار الى أنواع مسرحية عرفتها الحضارة الإنسانية وأهملها التأريخ الأوروبي: المسرح الهندي والعربي والياباني والصيني والأوروبي (السنسكريتي، الأوبرا الصينية، النو الياباني، مسرح الظل، مسرح الحكواتي العربي، كرابوكي...).
اللافت أنّ المساحة التي احتلتها هذه الأنواع (المسرح الآسيوي والعربي عموماً) كانت أكبر وأوسع من مساحة المسرح الغربي (الاغريقي والروماني والإليزابيتي) فكأنّ التوزيع على هذا الشكل جاء مقصوداً ليكشف عن جانب مهمل في الكتب التي تناولت المسرح، تأريخاً وتوثيقاً.
هذا النوع من الكتب ليس جديداً على المسرحي المعروف روجيه عسّاف، فهو سبق أن قدّم موسوعة «سيرة المسرح- أعلام وأعمال» في أجزاء أربعة باللغة العربية، وكان قد رصد فيها تاريخ المسرح العالمي بدءاً من جذوره اليونانية- الإيطالية حتى الحداثة. وهو لا يبتعد في مضمونه عن كتابه الفرنسي الجديد، بل يبدو كأنه إعادة كتابة للعمل السابق.
«المسرح في التاريخ» ليس كتاباً عن تاريخ المسرح - بدلالته الزمانية فحسب – وإنما وثيقة جدية عن أشكال المسرح العالمي وتحولاته مكانياً وموضوعاتياً. ومن يقرأ الكتاب يدرك أن المسرح ليس مجرد فضاء إبداعي- مجازي- افتراضي، بل إنه عالم حيّ كالعالم الواقعي.