جولي في عوالم السعودية

السعودية,القصر الفريد,جبل إثلب,قصر الصانع,الهضاب الذهبية,الأبحاث الأركيولوجية,مدائن,قرية الديسة,جبال فيفاء,وسط جبال خضراء,تتدحرج,أودية صخرية,غرائب,العقل البشري,كواليس الذاكرة التاريخية,عبثية التسليم,يؤجل,روائع معمارية,الروائع الطبيعية,ملامسة,الديسة,مدائن صالح,المملكة العربية السعودية

31 يناير 2017

هل فكرت يومًا في القيام برحلة في ربوع السعودية، تجولين وسط جبال خضراء شاهقة قد يصل ارتفاعها إلى ما فوق الثلاثة آلاف متر تتدحرج منها قرى ريفية جميلة، وأودية صخرية تتفجر منها المياه العذبة؟ فمن غرائب العقل البشري أنه نادرًا ما يبحث عن الساكن في كواليس الذاكرة التاريخية والجغرافية الخاصة به فلا يتكلّف عناء التفكير فيه، ليس عن قصد بل ربما عن عبثية التسليم جدلاً بأن ما في حوزته لن يفلت من صفحات أيامه، فيؤجل فضوله للتجوال بين أروقته، والتأمل في سطوره المتجسّدة روائع معمارية وأروقة طبيعية.
فكما الربع الخالي الذي تتقاسمه مع اليمن والإمارات وعُمان، يشغل البال بكثبانه الرملية التي تبدو بلا نهاية، فإن في السعودية من الروائع الطبيعية، والجبال التي تعانق السحب وكأنها تحاول ملامسة سقف السماء، اخترنا منها ثلاث مناطق: جبال فيفاء، قرية الديسة ومدائن صالح.


جبال فيفاء
توصف جبال فيفاء بأنها معشوقة الضباب، تقع في الجزء الجنوبي الغربي من السعودية، وتتوسط جبال السروات بين نجران شرقًا وجازان غربًا وعسير شمالاً والحدود اليمنية جنوبًا، ويقدر ارتفاعها عن سطح البحر بحوالى 2800 - 3000 متر. تتميز بمناخ فريد خاص بها أملته الطبيعة الجبلية الخضراء والارتفاع الشاهق. ويكثر الضباب في فصل الصيف، مما يضفي على جمال تلك الطبيعة في فيفاء جمالاً آخر.
تضم جبال فيفاء السمّاع واللعثة والوشر والصامل والخطم والعذر، وجميعها قمم جبلية تحضن جمالاً يخطف الأنفاس.
ولعل العبسية، وهي أعلى قمة في سلسلة الفيفاء، أجملها إذ تشرف على مناظر خلابة، ومدرّجات فاقعة الخضرة.
ومنها تنتقلين إلى الخوشين وهي غابات كثيفة وخلابة تقع في ذراع آل يحيى علي وتمتد شمالاً من بئر المعاين حتى نهاية المفرة. أثناء تجوالك في هذه الغابات تشعرين بأنك في إحدى غابات الأمازون، ولكن الفرق أنك في السعودية.
تشتهر الخوشين بتنوع نباتي كبير استفاد منه الكثير من الباحثين في الطب الشعبي، وكانت قديمًا مصدرًا للمياه نظرًا إلى موقعها في منتصف الجبل. وتعد الخوشين من الأماكن المغرية للاستكشاف، خصوصًا أنها تحتوي على الكثير من الحيوانات المعمّرة والأفاعي الضخمة الخطيرة.
أما جبل النقيل فيقع في الجهة الشمالية الغربية لجبال فيفاء، ويعد من أجمل المطلات، الوقوف عند قمته يشعرك بأنك نسر الصحراء وأنت تترصدين جمال السعودية الأخضر. إذ يشرف هذا الجبل على العديد من الأودية والسفوح الخضراء الجميلة.
وفي الدحرة هذه المنطقة الخلابة التي تقع في الجهة الغربية من جبال فيفاء، فتنعشك بنسيمها العليل وخضرتها الدائمة وتطل على العديد من الأماكن الرائعة، وهي تقع تقريبًا في قمة جبال فيفاء، ويفصلها حوالى 100 متر عن وادي الفاحم، الذي يعد من أجمل الأودية، وأكثرها خضرة، ويقع في الجهة الغربية من الجبل.

قرية الديسة
ما رأيك في مغامرة في سيارة رباعية الدفع في منطقة جبلية، تخترقين وشريكك أنهرًا وأودية تستوقفك روائع جدرانها الصخرية المنحوتة بشكل رائع! يمكنك خوض هذه المغامرة على بعد 210 كيلومترات من مدينة تبوك وفي حضن ملتقى ثلاثة أودية رئيسة في منطقة تبوك حيث تقع قرية الديسة، وهي مشهورة بجمال المناظر الطبيعية فيها، تزنّرها الجبال والحواف الصخرية التي تتميّز بتنوع أشكالها وذلك بفعل نحت الماء والهواء في صخورها الرملية لتشكل أعمدة صخرية شاهقة ومتنوعة الأشكال، كما يمتاز وادي الديسة باحتوائه على عيون المياه التي تتفجر من الصخور المحيطة بالوادي، فتجري المياه العذبة في عدة جداول على قاع الوادي لتغذي أشجار النخيل والنبات البري، ومن أشهر أشجار الوادي أشجار نخيل الدوم، كما تحتوي الديسة على هضاب حمراء مستديرة الشكل.
تعد الديسة قرية أثرية، اذ توجد فيها واجهات مقابر نبطية منحوتة في الصخر غير مكتملة، وبقايا جدران لمبانٍ سكنية، وفيها الكثير من الكتابات النبطية والعربية المكتوبة بالخط الكوفي، كما تمتاز ببعض المواقع الأثرية الأخرى لبقايا مستوطنات سكنية مثل المشرف وموقع السخنة والمسكونة.

مدائن صالح
أعلنت الأونيسكو عام 2008، أن «مدائن صالح» موقع تراث عالمي، وبذلك يصبح أول موقع في السعودية ينضم إلى قائمة مواقع التراث العالمي. ومدائن صالح المحفورة في جوف الصخر وسط الصحراء الذهبية في السعودية من أهم المواقع الأثرية في الجزيرة العربية والشرق الأوسط، وهي موجودة قبل ظهور الإسلام في منطقة العُلا في وادي القرى بين المدينة المنورة وتبوك.
و«الحجر» اسمها القديم، يعود إلى ديار قوم ثمود الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم، والذين لبّوا دعوة نبي الله صالح ثم ارتدّوا عن دينهم وعقروا الناقة التي أرسلها الله آية لهم.
تستمد مدائن صالح شهرتها التاريخية من موقعها على طريق التجارة القديم الذي يربط جنوب شبه الجزيرة العربية والشام.
وتشير الأبحاث الأركيولوجية إلى وجود آثار تدل على الاحتلال النبطي والروماني. وبحسب علم الآثار فقد سكن الثموديون مدائن صالح في الألفية الثالثة ق.م. ومن بعدهم سكنها اللحيانيون في القرن التاسع ق.م، وفي القرن الثاني ق.م احتل الأنباط المدينة، وأسقطوا دولة بني لحيان واتخذوا من بيوت الحجر معابد ومقابر، فبحسب المؤرخ ديودور الصقلي، أسس الأنباط مملكة عظيمة، امتدت من عاصمتهم البتراء «سلع» شمالاً إلى الحجر «مدائن صالح» جنوبًا، وأقدم دليل يشير إلى وجود الأنباط يعود إلى القرن التاسع الميلادي.
وكانت بداية نشأة مملكتهم في مدينة سلع المسمّاة حالياً بالبتراء، وهي العاصمة السياسية للأنباط. وبعدها قرروا السيطرة على طريق التجارة القديم، وأسسوا عاصمتهم التجارية «الحجر» أو مدائن صالح.
تمتد مدائن صالح التي يمكن أن يطلق عليها «المتحف المفتوح» على مساحة 13.39 كلم مربّع وتضم آثارًا قائمة وأخرى تنتظر الكشف عنها.
تتمثل الآثار القديمة في أماكن العبادة والنقوش الصخرية التي تركتها الأقوام المتعاقبة وهي ثمودية ولحيانية ونبطية. يبلغ عدد المدافن في مدائن صالح 131 مدفنًا وتقع جميعها في الفترة الممتدة من العام الأول قبل الميلاد إلى عام 75 ميلادي.
تتميز المدينة بالهندسة المعمارية الفريدة والنقوش التي حفرت على جدرانها، مما يجعل المتجول بين أروقتها مدهوشًا ببراعة بنّائيها القدماء، فيحار في دقة النقوش وروعتها.
فالتجوال في هذه المدينة تجوال في عالم منحوت على صخور واقفة منفردة وسط عالم متموج من الرمال، وجزر من صخور الحجر الرملي المتحللة التي تآكلت وتموّجت لتصبح أشكالاً منحوتة رائعة وتغازل منظر الهضاب الذهبية لحظة الغروب.

قصر الصانع
أول القبور هو قصر الصانع، ورغم أنه ليس على درجة كبيرة من الفخامة، فإنه بمثابة مقدمة للعناصر الرئيسة للطراز النبطي للقبور: الواجهة العظيمة، الشكلان المكوّنان من خمس درجات، والنقوش في أعلى الباب.
وداخل القبر فتحات كانت توضع فيها الجثامين. كما يوجد في الخريمات عشرين ضريحًا بحالة جيدة من أفضل القبور المحفوظة في مدائن صالح، وهناك العديد من الرموز التي يبدو أنها تربط أجيالاً من التصوير الثقافي المستعار من الأحباش والمصريين وغيرهم، وتُظهر أشكالاً تبدو كالغرفين (جسم أسد بأجنحة) برؤوس بشرية، وأشكالاً تشبه الورود مرسومة على زبدية استخدمت ضمن طقوس مصاحبة للجنائز، وفي الخريمات بيوت مبنية من اللبن، وبئر نبطي.

جبل إثلب
يقف جبل إثلب بشموخ في الشمال الشرقي، ويحيط به فضاء واسع. وكما في مدينة البتراء في الأردن، لهذه المنطقة طريق ضيق يسمى «السيق». نُحتت داخل الصخرة صالة كبيرة مفتوحة تسمى الديوان، محاطة بعمودين وبعض المصطبات الحجرية على الجدران الثلاثة الداخلية.
ونقلاً عن المكتشف تشارلز داوتي 1888م، فقد كانت هناك عتبة، لكنها سقطت مع مقدمة السقف.
وهذه الغرفة باردة بشكل لطيف إذ تتسرّب النسمات العليلة إليها دومًا، لأن واجهتها الشمالية لا تدخلها الشمس، ويوحي المكان بشعور عميق بالأمان والهدوء، مما يجعله مهيبًا، ولا أجمل من تسلق جبل إثلب للاستمتاع بمشهد خلاب يحبس الأنفاس على مدائن صالح الساكنة في هذا المكان منذ آلاف السنين.

القصر الفريد
يعدُّ القصر الفريد من أشهر المقابر النبطية في مدائن صالح، وأجملها إذ يتميز بواجهة شمالية كبيرة جدًا، وسُمي بالفريد لتميّزه بكتلة صخرية مستقلة، وكذلك لاختلاف واجهته الكبيرة عن المقابر الأخرى في مدائن صالح، ويلاحظ دقة النحت وجماله في الواجهة، ورغم روعة هذا القصر فإنه غير مكتمل النحت، لأن العمل في أسفل الثلث الأخير يبدو غير مكتمل.
وتضم مدائن صالح محلب الناقة، وهو عبارة عن حوض كبير يقال إن ناقة صالح كانت تحلب لبنًا يشربه الناس وتشرب الماء، استنادًا إلى ما ورد في القرآن الكريم.

CREDITS

إعداد: ديانا حدّارة