شهادات وذكريات... نساء في حياة أنسي الحاج

شهادات,ذكريات,نساء,حياة,أنسي,الحاج

مايا الحاج 19 فبراير 2017

عندما تقترن الموهبة الفذّة والثقافة العالية والمعرفة العميقة بروح شفافة وحضورٍ مُبهر وأفكار ثورية، فإنّ الشاعر يستحيل نجماً ونجاحه يغدو استثنائياً. هكذا كان أنسي الحاج، وهكذا استمرّ حتى «خواتيم» حياته الغنية. بدأ أنسي مسيرته الشعرية بصرخة من حرفين «لن»، فأدهش العالم بنبرةٍ غير معتادة. وكذلك أدهش من عرفه بشخصية غير متوقعة. هنا شهادات من نساء مررن في حياة أنسي، العاشق للمرأة والمحبّ للجمال...


هدى النعماني: سنلتقي يوماً ما!
«أنسي الحاج كان في ذاته شخصية مهمة جداً، ذكاءً وإبداعاً ورؤيةً. وأعتقد أنّ كلّ من تعرّف الى أنسي أحبّه من قلبه بهذه الشخصية النادرة والشاملة والعميقة.
كنت أقرأ لأنسي دائماً أثناء وجودي في مصر، وبعدما عدتُ إلى لبنان للسكن الدائم اتصلتُ به فسألني من أكون. أخبرته، ومنذ ذلك الحين امتدت صداقة طويلة بيننا حتى آخر أيامه. كنا نتواصل يومياً ونتناقش في أمور ثقافية وسياسية وإنسانية. نتطرق الى الأدب كما الى الحوادث العالمية. لذلك ترك غيابه فراغاً كبيراً في حياتي، لكنّ الموت يظلّ الحقيقة الأقوى والأكبر، وما علينا إلا أن ننحني أمامها على أمل اللقاء من جديد. وأعتقد أنّ لولا الإيمان الراسخ بأنّنا سنلتقي يوماً ما لكان حزني على فراق أنسي لا يُحتمل».

كلوديا مرشيليان: أنسي المشغول بالمجهول
«عرفت أنسي الحاج من خلال جريدة «النهار»، ومن خلال شقيقتيّ إيفانا وكوليت. هو إنسان يُتقن الجمال ويحترمه، وحين يتحدّث أمامك عن الجمال تشعرين بأنّه يُمجّده. أراه جميلاً شكلاً وروحاً وعقلاً وأخلاقاً. لا أظنّ أنّ حياته لم تعرف البشاعة في أي تفصيلٍ من تفاصيلها. وكلّما التقيته، كنت أحاول أن أجعله يضحك لأنني أحب طريقته في الضحك، أشعر بأنها تعبّر عن طيبة وتفاؤل كامنين في داخله.  كان دائم الانشغال بأسئلة وجودية. أظنه كان يخاف من المجهول، فلا يكفّ عن السؤال: إلى أين نحن ذاهبون؟ ماذا ينتظرنا هناك؟... وحين علمت أنّه مات، خاطبته في سرّي قائلةً: «ها قد أتاك الجواب الذي حيّرك طويلاً يا أنسي. اليوم ستعرف الى أين أنت ذاهب». ولا أخاله إلاّ في مكان أفضل يليق به وبشخصيته وفكره».

حنان الشيخ: أنسي الشاعر الحبيب
«ذات يوم، التقيته صدفة في بيروت. عرّفته بنفسي، أنا التي كنت أرسل الخواطر الى الصفحة الطلابية في جريدة «النهار»، حيث كان يعمل محرراً سياسياً ومسؤولاً عن القسم الثقافي. كتبتُ له رسالتي الأولى من غرفتي في المدرسة الداخلية في صيدا. وصفتُ له فيها معاناتي ووحدتي، رغم أنني أنا التي اخترتُ الالتحاق بها. أوجدتْ المراسلات بيننا صداقة من بعيد. وحين سافرتُ الى مصر كتبتُ له رسالة أخبرته فيها أنني بصقتُ على حياتي من نافذة الطائرة وهي تُغادر فضاء بيروت، وحين استبدّ بي الشوق اليها، كتبتُ له بما أشعر وطالبته بأن يرسل إليّ تذكاراً، أيّ تذكار من لبنان. فأجابني: «أيّ تذكار تريدين أن أرسل لك. لا أعرف. هذه قشة كبريت. أنا أحبّ القشّة والنار أيضاً. هذه القشة أغلى الرموز الصغيرة. فيها كلّ شيء: النعومة والعدم والتفجّر والحريق والمقاومة والانهيار. احتفظي بها لأنّ القشة أحلى رمز في كتابي «لن». أنسي الحاج هو الشاعر الحبيب والإنسان الذي لا يُنسى».

هبة القواس:أنسي امتداد لحضور دائم
«زائر الأرض أنسيٌّ لم يلتحم بالأنسيّةِ أبداً وظلَّ زائراً لكوكبٍ يبحث فيه عن كونه، فكان الخوف محرّكاً ومفتاح الدهشة والانعتاق…
عوالم مرسومة على جبهته حرّكت في مخيلتي وأنا لم أزل في الخامسة عشرة، ألف دهشة وألف كون وأصواتاً مخفية لا تنتهي. هو المضيء المترفع المؤمن الملعون اللاعن المُبارَك الخائف المفكّر المحب المختبئ المنبسط السرّي المتوهّج المحرّك الحاضن، يشعّ خيالاً وينثر بخاره حروفاً مذهّبة. هو امتدادات لحضور دائم لم يمسه غياب ولن. هو رجالٌ وشعوبٌ وقصص حبٍّ مرّت وكأنه هو مُشاهده، وحين تحدث المشاهدة عنده يفضّل الهروب. عرفته صديقاً مميزاً أثّر في موسيقاي ورحلتي ورؤيتي ورافق مشروعي الموسيقي… وعرفته أباً لصديقة عمري “ندى” فكان أنسي آخَر كما لم يعرفه الأصدقاء، همّه أن يكون الأجمل في عينيها. والأجمل على الإطلاق هو أنسي الذي عرفته في نهاية رحلته إلى هذه الأرض وقد أصبح المعلّم الأكبر للنور، حيث اللحظات هي لحظات الوصل الكبرى مع المطلق، مع المصدر، مع الله. يا حاضراً فينا أبداً … سألاقيك دائماً بين ذهب كلماتك وأصواتي التائقة لحروفك»…{