جورج يرق: الراوي الذي كتب النهايات المفتوحة والاحتمالات الكثيرة

جورج يرق,الراوي,النهايات,المفتوحة,الاحتمالات,الكثيرة

إسماعيل فقيه - (بيروت) 25 فبراير 2017

جورج يرق، كاتب وروائي لبناني أصدر روايتيه «ليل» و«حارس الموتى»، وسرعان ما لفتت لغته الروائية انتباه القارئ والناقد في آن معاً. وكانت روايته الثانية ضمن القائمة القصيرة للمتنافسين عل جائزة البوكر العربية، حيث رشحت لها في العام 2016. تتميز أفكار الرواية في نص يرق، ذلك أنه اختار خصوصية المرحلة الصعبة التي مرت بها بلاده في أثناء الحرب. ورغم قساوة الماضي وتأثيراته في السياق الروائي الذي اختاره، استطاع يرق أن يرسم صورة منوعة وفاعلة في مسار الكتابة، اذ نجح في إظهار مشاهد باطنية عميقة في الواقع الصعب، مشاهد الحب والعاطفة، ولم يترك الحرب تتغلغل كأساس ثابت في السياق الروائي، فسارت روايته بين خطين متوازيين، الحب والموت... جورج يرق يحدّثنا عن تجربته الروائية في هذا الحوار.


- الرواية في حياة جورج يرق تحضر بقوة وتتقدم بسرعة، أين كانت هذه الموهبة، وكيف ظهرت بهذه السرعة والنجاح اللافت؟
لم تظهر الموهبة سريعاً، فمنذ أن بدأت العمل في الصحافة، كنت أتطلع الى الكتابة الروائية. في مطلع التسعينيات، نشرت في «النهار» مقاطع ذات نَفَس سردي من وحي طفولتي. كذلك نشرت في الجريدة نفسها مطلع العام ألفين فصولاً من «حارس الموتى» التي لم تكن مكتملة وقتذاك، والتي لم أتبنَّ أياً منها عندما استأنفت كتابتها بعد أربعة عشر عاماً. سبق أن جرّبت كتابة الشعر ولم أنشر لعدم اقتناعي بالتجربة.

- اشتغلت على روايتيك «حارس الموتى» و«ليل» كأنهما رواية في جزءين، لماذا؟
لا، هما ليستا كذلك. ما يجمعهما هو الحرب وأجواؤها، وإدانة القتل والقهر والموت. صحيح أن الراوي في كلتيهما مقاتل، لكنه في «ليل» يختلف عنه في «حارس الموتى» من حيث العمر والدور والتكوين الفكري... الأول ذهب الى الحرب بملء إرادته، أما الثاني فذهب اليها مرغماً. لست من محبّذي الرواية الطويلة المتسلسلة في بضعة اجزاء، بل أؤيد النهاية المفتوحة التي توحي بأن ثمة جزءاً ثانياً يتبع. فالعصر يميل إلى الاختصار ويملّ الاطالة. ولا بد تالياً من زيادة جرعة التشويق لجذب القارئ.

- يميّز التشويق كتاباتك وترك النهايات المفتوحة القارئ أمام احتمالات كثيرة، هل يمكن القول إن هويتك الروائية تبلورت على هذا النحو أم أن تجربة أساليب أخرى أمر لا بد منه؟
النهاية المفتوحة تتيح للقارئ أن يذهب مع الشخصيات والأحداث الى حيث يمضي به الخيال. أي انه شريك غير مباشر للكاتب، وأنا أتعمّد هذا النمط من النهايات لأنني أرفض فرض نهاية واحدة على القارئ... ففي الفرض شيء من الديكتاتورية.
لا أطمح إلى هوية روائية، فكل رواية تجلب هويتها معها. قد تختلف هوية هذه الرواية عن تلك مع أن كاتبهما هو نفسه. والأدلة على ذلك وافرة، لكنني أُحجم عن تعدادها من باب الحياء الثقافي ورفضي لعرض العضلات. كذلك لا أدّعي أنني أبذل جهداً لتكوين مشروع روائي على غرار ما يدّعي كل من حصدت رواية له بعض الصدى. الأدب بالنسبة إليّ ليس اكثر من «إمتاع ومؤانسة».

- هل تعتبر روايتك التي قاربت زمن الحرب اللبنانية متفردة في خصوصيتها بين التجارب المماثلة؟ كيف ولماذا؟
متفردة في دورانها في حيز لم تدنُ منه الرواية اللبنانية، ومحوره برّاد الموتى في أيام الحرب. ولك ان تتخيل ما يجري في مكان كهذا والبلاد في دوامة المعارك والقصف والقنص وتفجير السيارات والجثث المرمية هنا وهناك. ومتفردة أيضاً بصعودها من محيط مسيحي يميني تتبدّى علاماته مبطنةً في غير موقع من النص. أترك للنقد أن يعيّن الفرادة ويدل عليها.

- لماذا لجأت الى التلميح هنا، وفي «ليل» لجأت الى التصريح، فسمّيت الشخصيات والأماكن بأسمائها؟
لأنني في «حارس الموتى» قصدت إدانة الحرب والميليشيات التي شاركت فيها. وهذا ما قصدته أيضاً في «ليل». القارئ المتأني لا يفوته، رغم التلميح، اكتشاف المنطقة التي تدور فيها أحداث الرواية. تعمّدت ابراز بعض الاشارات التي تسهّل عليه المهمة.

- كتبت في روايتك الواقع الصعب الذي عاشه الإنسان في وطن خائف ومذعور، هل كتبت فعلاً الواقع كما هو، أم أدخلت على الرواية مشاهد تأتي من سياق خاص خيالي ابتكاري تقني؟
بالطبع، لعب الخيال لعبته، لكن في اطار مكمّل للواقع. هناك قراء، لفرط الواقعية، ظنّوا أنني بطل «ليل»، ربما لأن السرد جاء بصيغة المتكلم. لكنهم هم أنفسهم غيّروا رأيهم بعد قراءة «حارس الموتى» التي يقوم السرد فيها ايضاً على الصيغة نفسها. فقد اكتشفوا ان الراويين (البطلين) مختلفان. أعترف بأن النواة في كلتا الروايتين حقيقية، وكذلك بعض الأحداث. ومعروف أن الرواية خدعة، وقدرة الكاتب المتمكن تكمن في جعل القارئ يصدّق الخدعة.

- يرى البعض أن المواضيع المتعلقة بالحرب الأهلية قد استُهلكت، كيف تنأى بمادتك الأدبية عن المكرر؟
لا لم تُستهلك. هناك جوانب كثيرة يمكن الافادة منها أدبياً. فالحرب غنية بقصص وحكايات تملأ مجلّدات. لكل عائلة مع الحرب قصة صالحة للكتابة. الروائي ليس مؤرخاً كي يبحث في المادة التاريخية. اذا عاد الى التاريخ فذلك من أجل إغناء عمله الروائي.

- حققت روايتك «حارس الموتى» مركزاً متقدماً في إطار المنافسة على جائزة البوكر بوصولها إلى اللائحة القصيرة، أي دور تلعبه هذه الجائزة وغيرها في تكريس الروائيين، وهل شكّل هذا الترشيح علامة فارقة في مسيرتك الروائية؟
الجائزة سلطت الضوء عليّ وعلى زملائي في القائمة القصيرة. وعليه، أُجري معي نحو أربعين حواراً وسبع مقابلات تلفزيونية، وكُتب عني عدد وافر من المقالات النقدية. مع العلم أنني كاتب عزلة ولا ألهث وراء الإعلام. لا أخفي أنني لم أخذل صحافياً واحداً طلب مني حواراً واعتذرت، أياً كانت المطبوعة التي يعمل فيها. سبق أن عملت صحافياً وأعرف وقع الخذلان. الجوائز لا تكرّس، بل تعرّف القراء بكتّاب جدد غير مشهورين إلا في دائرة ضيقة. تكريس الكاتب يأتي من مجمل اعماله.
حتماً، شكّل بلوغ روايتي القائمة القصيرة علامة فارقة، لأنها اهم حدث شهده مشواري في الكتابة. للمناسبة، أكرر اعتذاري الى الذين أغضبهم إدراج «حارس الموتى» في لائحة «بوكر» القصيرة.

- قرّاء كثر يقرأون حصراً الأعمال المرشحة أو تلك التي حصدت الجوائز الأدبية. ألا يظلم هذا الاتجاه الأعمال الأخرى؟
من الطبيعي أن تجذب روايات الجوائز القرّاء. وهذه إحدى فوائد الجائزة المحترمة إذ تدل القارئ على الرواية الجيدة. لكن القارئ المجتهد يبحث بنفسه عن الرواية الممتازة من دون أن يتكل على جهة مرشدة، خصوصاً أن الروايات الفائزة هي روايات لجان. وقد تختلف معايير هذه اللجنة عن تلك تبعاً لأهواء الأعضاء الأدبية والجمالية والنقدية. حتى غالبية هذه اللجان تعترف بأن هناك روايات قوية لم تصل الى القوائم الطويلة والقصيرة، وعدم وصولها لا يلغي مكانتها.

- لمن تقرأ في الرواية والشعر؟
أقرأ للكثيرين، ولا سيما للروائيين والشعراء الذين لم أقرأ لهم بعد. يفرحني اكتشاف رواية أو مجموعة شعرية كاتبها ليس من المكرسين أو المشاهير.

- أي مكانة تشغلها الرواية العربية اليوم؟
تشغل مكانة متقدمة. والجوائز ساهمت في تعزيزها، ورفعت اسماء مغمورة الى الواجهة. الزمن غربال ما دام النقد المسؤول عاجزاً عن متابعة هذه الفورة الدفّاقة من الاعمال، كما أن النقد المتخصص شبه مفقود. علماً أن بعض النقد الممارس اليوم منحاز وشخصي وممالئ. في الأخير، لن يبقى إلا المستحق. ومعظم الاصوات التي تهاجم الجوائز، وخصوصاً البوكر، متجنية وليست منصفة. بعضها يخفق في الوصول الى القوائم فينبري للحط من قيمة الجائزة ومن ثم قيمة الروايات الفائزة بها. المكرّسون هم أعداء الجوائز لأنها تعترف بمنافسين لهم... لكنهم يرحبون بها مع جوقاتهم المزمّرة في الصحف والإعلام اذا ذهبت اليهم.

- هل سنقرأ جديدك في رواية مقبلة، وما هو مضمونها؟
أنجزت الرواية الثالثة لكنني لم أرسلها بعد الى الناشر. مضمونها يحكي عن علاقة حب تبلغ نهاية مختلفة عن النهايات المألوفة في القصص العاطفية، ومن خلال هذه العلاقة، يسرد الراوي قصة ذات طابع سياسي، تتصل بواقع المسيحيين في لبنان عام 2035... رواية ضمن الرواية.

- هل تتوقع لها نجاجاً مماثلاً لنجاح «حارس الموتى»؟
أترك الاجابة للأيام. فعلتُ ما عليّ فعله، والقارئ يحكم لها أو عليها. مع العلم ان «ليل» أيضاً حققت نجاحاً كبيراً، والدليل أنها لم تزل في عِداد اكثر الكتب مبيعاً في اهم مكتبات لبنان. فقد بيع منها نحو 500 نسخة في لبنان، وهذا الرقم قلّما يبلغه كتاب أدبي في بيروت باعتراف الجميع. وقد صدرت طبعتها الثانية مع غلاف جديد لدى «منشورات ضفاف».-