أسرار الأسطورة سامية جمال في كتاب

أسرار,سامية جمال,كتاب,غوغل,ناهد صلاح,لغز

طارق الطاهر (القاهرة) 14 مارس 2017

احتفل موقع البحث "غوغل" منذ فترة قريبة، بالذكرى الـ73 لميلاد الفنانة الكبيرة الراحلة سامية جمال، وفي الوقت ذاته تستعد الناقدة والكاتبة الصحافية ناهد صلاح لإطلاق كتابها الجديد، الذي يحمل عنوان "سامية جمال الفراشة"، وتكشف لـ "لها" عن عدد من الحكايات التي عاشتها الفاتنة ساميا جمال خلال حياتها.

ناهد لم تستسلم للحكايات التقليدية عن مشوار واحدة من نجمات السينما العربية، بل راحت تبحث وتنقب في هذه المسيرة الثرية، وعادت لنا بهذا الكتاب الذي يحمل قصة زينب خليل إبراهيم محفوظ، قبل أن تحترف الرقص والتمثيل وتغير اسمها إلى سامية جمال.

قصة زينب خليل أو سامية جمال، ليست قصة تقليدية، إذ تعد حياتها بمثابة حدث درامي متكامل، فقد ولدت في شهر أيار (مايو) 1924 في قرية "ونا القس" بمركز الواسطى بمحافظة بني سويف، وهي إحدى محافظات صعيد مصر، وكان والدها شيخاً معمماً ويعمل ترزياً، ولضيق المعيشة في قريته، قرر أن ينتقل الى القاهرة ويعيش في حي الحسين، وكان متزوجاً بسيدتين، الأولى أم سامية وامرأة أخرى. ويشاء القدر أن تموت والدتها لتعاملها زوجة الأب بقسوة، فتنتقل إلى حي السيدة زينب لتعيش مع أختها وزوجها، الذي عاملها بدوره كخادمة. آنذاك، تعلمت سامية الخياطة، وكان عمرها 14 عاماً، وشهدت تلك الفترة تغييراً في طموح سامية، فلم تعد تسعى فقط الى سد احتياجات الحياة، بل الى الانطلاق إلى عالم الرقص، وهذا ما ترويه ناهد صلاح في كتابها: "لما بلغت الرابعة عشرة من عمرها، بدأت تبحث عن عمل جديد يزيد من دخلها، ويجعلها تخرج من حصار الخادمة الذي فرض عليها، فعملت في مصنع للطباعة على القماش، وممرضة في أحد المستشفيات، ثم التحقت بمشغل للخياطة، وتوطدت علاقتها بالخيّاطة صاحبة المشغل، تلك المرأة المفتونة بالسينما، والتي كانت تحكي لها عن الأفلام الجديدة المعروضة في دور العرض، فلفتت نظرها إلى عالم جديد يشبه الأحلام، سحبتها إلى دروب الاستديوهات السينمائية، ومواقع التصوير للفرجة والتعرف، ثم دعتها إلى مشاهدة فيلم "ملكة المسارح" لبديعة مصابني، خرجت زينب من الفيلم مشدودة لهذا العالم العجيب، وكأن أمنيات قلبها الطفولي تتحرر من واقعها الأشبه بكابوس ثقيل. أصبح الرقص منذ تلك الليلة هو حقيقتها الوحيدة".

وبالفعل، تتمرد سامية على واقعها وتهرب من بيت أختها، وقد لاقت تشجيعاً من صديقتها الخياطة، فدفعتها الى مقابلة بديعة مصابني في الكازينو الذي تملكه، لكن اللقاء لم يسفر عن شيء سوى إصرارها على تجاوز هذا الفشل، أو على حد تعبير ناهد: "تجاوزت فشلها الأول في عالم الرقص، لأنها صدقت أن لديها الحق في النجاح، وعلى هذا الأساس وضعت بتلقائية استراتيجيتها لحياتها الجديدة، بدأت بقروش قليلة منحتها لمدرب الرقص إيزاك ديكسون، ثم دخولها المتمهل إلى عالم السينما بأدوار صغيرة، بل كانت أصغر من اللازم أحياناً، وسط المجاميع في تابلوه راقص داخل فيلم ما، حتى ازدهر نجمها في الأفلام المشتركة مع فريد الأطرش، وتوالت أفلامها، وهي ذكية، جامحة، جريئة، وتتمتع بسرعة بديهة عالية، وإن تباين أداؤها ليكون لافتاً أكثر في أفلام مثل "الوحش"، "سيجارة وكأس"، "قطار الليل"، "أمير الانتقام"، و"الرجل الثاني"".

 

لغز سامية جمال

تتبعت ناهد خطوات سامية في عالم الرقص وحلّلتها، لتبين كيف وصلت إلى هذه المكانة في التمثيل والرقص: "يظل فتحها الأعظم في عالم الرقص هو مزجها بين الشرقي والغربي، والذي ميزها، بينما هي تتوق لخطوات مختلفة عن العادي"، وهذا ما تحقق.

سألنا ناهد: ما الذي جذبك الى عالم سامية جمال لتخصصي كتاباً عنها بعد كتابك عن الفنان المصري العالمي عمر الشريف؟ فأجابت: "أنا لم أهتم بطريقتها في الرقص أو حضورها على شاشة السينما، ولا التأويل من الأساس لـ"تكنيك" ما يخصها في الرقص، أو الأثر الذي تركته في تاريخ الرقص أو التمثيل، فلا هي تحية كاريوكا الراقصة والمناضلة السياسية التي أغوت مفكراً مثل إدوارد سعيد ليكتب عنها كأسطورة من أساطير شبابه، ولا هي غريتا غاربو التي استفزت الفرنسي رولان بارت ليقدم كتابه "وجه غريتا غاربو"، ولم تمتلك حظ بريجيت باردو لتؤلف عنها سيمون دي بفوار كتاباً يستعرضها كظاهرة نفسية وعاطفية استحوذت على المجتمع لأسباب اقتصادية واجتماعية، لكني توقفت عند سامية جمال التي تنعكس في مرايا الحياة والفن، وتبدو أنها متعددة الأبعاد، يمكن النظر إليها من أي زاوية، فيما رأيتها تثبت على بعد محوري واحد مسرف في غموضه ورمادية لونه، فخلف ابتسامتها العريضة التي تخرج من شفتيها الممتلئتين، يسكن اللغز وتتمدد خيوط النفس الحزينة وتحاول تدبير أمرها لتخرج من الشرنقة شرقاً وغرباً، فيما تتطلع إلى فضاء أوسع ولا شأن لها بما يخبئه المصير، أو بمعنى آخر هي كالصبار، كما وصفها الناقد كمال رمزي، نبات يحفر طريقه بين الصخور في الأجواء الموحشة، يكون غالباً أكثر قوة وأشد تمسكاً بالبقاء.