الرئيس نبيه بري: نحن شعب تعوّدنا إنعاش الأمل

الأمل,#لها_الأمل,الرئيس نبيه بري

15 مارس 2017

رئيس مجلس النواب اللبناني ورئيس اتحاد البرلمانات العربية الأستاذ نبيه برّي، يشارك مجلة «لها» مبادرتها #لها_الأمل التي أطلقتها في الأول من آذار/مارس (شهر المرأة)، هو الذي لم يفقد يوماً الأمل بلبنان وشعبه، ولطالما كان الأمل عنوانه على الصعيدين الشخصي (ابنته اسمها أمل) والسياسي («حركة أمل»، وهو التنظيم السياسي الذي يرأسه).


إن شعب لبنان شعب عظيم (صابر صبر أيوب) على ما يقول المثل. شعب لم يغلبه اليأس رغم كل شيء، يعلّق أحلامه بسلام الوطن على خيط الأمل الرفيع، وهو لن يسمح بقطعه رغم الوقائع والظروف السيئة. هذه هي خاصية شعبنا وسر فرادته إذ لم يكسره اليأس رغم ممارسات العدو الاسرائيلي المستمرة منذ عام 1948 وانعكاسات النكبة على الشعب الفلسطيني الشقيق وتشتيته، إلى حين صدور قرار مجلس الأمن 1701 في آب/ أغسطس 2006 في أعقاب الحرب الاسرائيلية على لبنان. ليس هذا فحسب، فشعبنا يعيش هاجس العدوان المتوقع كل لحظة، بينما يسمع التصريحات والتهديدات المترافقة مع استمرار الخروقات لحدودنا السيادية جواً وبحراً وبراً، ويراقب مناورات العدو وتدريباته التي لا تتوقف مع نشر المزيد من المنظومات القتالية الحديثة قُبالة حدودنا أو في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة.

رغم الاجتياح الاسرائيلي للبنان في الأعوام 1973 و1978 و1982 والمجازر الاسرائيلية التي حصدت آلاف الضحايا، و«عناقيد الغضب» الاسرائيلية التي أودت بحياة الأبرياء في الأعوام 1993 و1996 و1999، واستهداف العدو البنى التحتية والمنشآت الخاصة بتوليد الكهرباء، والمطار والجسور والطرقات العامة، وحصار لبنان براً وبحراً وجواً... رغم كل هذه المآسي، صمد اللبنانيون وانتصروا بإرادتهم الصلبة على كل محاولات تيئيسهم واغتيال أملهم بقيامة الوطن.

ورغم صراعات اللبنانيين الداخلية التي استمرت أربعة عشر عاماً، سقط خلالها عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، وخلّفت عدداً لا يُستهان به من المفقودين الذين لا يزال مصيرهم مجهولاً، وانتشار رائحة الموت وصور الدمار على طول الوطن... ورغم محاولات الفكر التكفيري الضغط على اللبنانيين اليوم وترهيبهم بنار المتفجرات، زاد أملهم وترسّخ إيمانهم بمنعة وطنهم، وتعززت ثقتهم بقوة جيشهم الدفاعية، وإنجازات الأجهزة الأمنية.

اللبنانيون، ورغم العجز في ميزان المدفوعات والمديونية الهائلة والأزمات الاقتصادية والاجتماعية المستمرة منذ سنوات طويلة، وكذلك التوترات السياسية والطائفية والمذهبية التي كادت أن تصل حد الفتن، فإنهم، رغم كل ما تقدم، يؤكدون كل يوم أن لبنانهم وطن نهائي لكل أبنائه وأنه أكبر من أن يُبتلع، وأصغر من أن يُفتت.

أقول، ونحن تعودنا إنعاش الأمل، إن لبنان أصبح مدرسة للحوار الوطني والحوارات الثنائية التي تتجاوز أهدافُها خفضَ سقف التوترات السياسية والمتنوعة إلى بحث القضايا المتصلة بالحاضر والمستقبل بعمق. ولبنان أثبت أنه أنموذج للتعايش الوطني، والديموقراطية التوافقية التي تحترم مقدمة الدستور ولا تتجاوز أياً من المكونات اللبنانية، رغم الوقائع الضاغطة الآن لإنجاز قانون للانتخابات ومعالجة القضايا الحياتية المطلبية المتصلة بسلسلة الرتب والرواتب والضغوط والهواجس المتأتية من التوترات في المخيمات الفلسطينية بكل أبعادها المحلية أو الفلسطينية أو الاقليمية والدولية الهادفة لإنهاء القضية الفلسطينية.

الآن نعيش في لبنان وسط هذا البحر الاقليمي المتلاطم ومشكلاتنا المتنوعة الخاصة بقيامة الوطن وصورته ومستقبله. وأنا متفائل بأن الحلول والاجابات اللبنانية لن تكون ترقيعية بل ممهدة للتطور والحداثة، خصوصاً في ما يتعلق بحقوق المرأة والانسان. ومن موقعي المسؤول أؤمن بأن هذا الشعب الصابر سيحقق الاستقرار ويستعيد الازدهار، ولن يمضي وقت طويل حتى نؤسس لتحرير ثرواتنا الطبيعية، ونستعيد ثرواتنا البشرية المهاجرة، ونوقف هجرة أدمغتنا بقوة انتاج أبنائنا ويعود لبنان ليكون جامعة ومعهداً للتعليم العالي في الشرق، وقد انتفت منه كل مظاهر الشرور والأحقاد والتمييز، وليكون بذلك أنموذجاً للتعايش.

                                                                          نبيه برّي

                                                                      (بيروت في 8 آذار/مارس 2017)