شبان وفتيات تحدّوا الجميع... أفكار مجنونة صنعت النجاح!

شبان,فتيات,أفكار,مجنونة,النجاح,المغامرة,وظائف,تقليدية,مشروع,البطاطا,أحمد محسن الشربيني,نهى مجدي,وليد مصطفى,فكرة,جريئة,ساندرا مجدي,الدكتورة منى تاجر,الدكتورة وجيهة التابعي,المفاجأة,دينا نبيل,مرام عبدالحكيم,الرسم,السيارات,سارة دياب,موقع,تطبيق

أحمد سالم - (القاهرة) 18 مارس 2017

كانوا يتمتعون بروح المغامرة، ولم يسعوا وراء وظائف تقليدية، فقرروا القيام بمشاريع قد يراها البعض مجنونة، وأصروا على المضي فيها ونجحوا وتحدّوا نظرات الآخرين اليهم، حتى لو وصفوهم بالمجانين أحياناً... «لها» ترصد مشاريع ناجحة بأفكار مجنونة لشبان وفتيات عرفوا كيف يفكرون بطريقة مختلفة ومبتكرة.


مشروع البطاطا
في البداية يقول أحمد محسن الشربيني، خريج الأكاديمية البحرية وشريك مؤسس لشركة سياحية: «تعرفت إلى زوجتي أثناء دراستنا في الجامعة، ونظراً لارتباط عملي بالسياحة، فقد تأثر الوضع بعد أحداث العنف التي اندلعت في مصر، ففكرت وزوجتي– وكانت خطيبتي حينذاك- في تأسيس مشروع مختلف ومبتكر، ويكون في الوقت نفسه غير مكلف ولا يحتاج إلى تجهيزات أو يد عاملة. وبعد تفكير طويل، وجدنا أن أكثر ما يأكله المصريون في فصل الشتاء هو «البطاطا» المشوية على الفحم، فصنعنا على الفور عربة لبيع «البطاطا»، وحرصنا على النظافة، بحيث كنا نسلق حبّات البطاطا ونضعها في أطباق بلاستيكية نظيفة، ونضيف اليها منكّهات أخرى مثل «النوتيلا» أو «الكراميل»، وكان هذا بمثابة اختراع سمّيناها «الطباطا».

ويضيف أحمد: «خضنا تجربة مجنونة، بحيث جلنا باختراعنا الجديد في الشوارع، وجعلنا أشخاصاً من مختلف الأعمار يتذوقون طبقنا ومن ثم نسألهم عما أكلوه، فلم يعرفوا، لكن أبدوا إعجابهم به، ومن ثم بدأتُ وخطيبتي مشروعنا الجديد ببيع «الطباطا» في الشوارع وسمّيناه «by bike».

وتشير نهى مجدي، زوجة أحمد، إلى أنهما سوّقا لمشروعهما بطرق مبتكرة، بالقول: «خصّصنا صفحة على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، وحمّلنا عليها الصور المُلتقطة أثناء عملنا في الشارع، مما ساهم في شهرتنا بشكل سريع، واليوم يقصدنا الناس من أنحاء مصر لتناول «الطباطا»، كما أن هناك أكثر من 12 عربة لبيع «الطباطا» تحمل اسم «باي بايك» ومنتشرة في محافظات مختلفة. وبعد نجاح المشروع دخلنا في شراكة لافتتاح محل جديد سمّيناه «شارع برتيتا»، وكان السبب الرئيس في افتتاحه، المضايقات التي تعرضنا لها من الأجهزة الأمنية أثناء عملنا في الشارع».
ويبدي والد أحمد، الدكتور مصطفى الشربيني، مستشار في اتفاقيات النقل الجوي، رأيه بمشروع ابنه قائلاً: «فور علمي بنيّة أحمد إطلاق مشروعه الجديد، دعمته أنا وأمه بصورة كبيرة، كما لم تمانع أسرة زوجته في أن يعمل صهرهم بائعاً متجولاً في الشارع، بل إن ابنتهم تعمل معه، وذلك يرجع لأسباب عدة، أولها جرأة الفكرة وحماسة الشباب، إلى جانب التخطيط المدروس للمشروع قبل البدء في تنفيذه والعمل على إنجاحه بكل السبل، وهو ما حدث بالفعل في مشروع «باي بايك»، وأدى الى نقلة نوعية في حياة أحمد وزوجته».

بيقولك
يعرض وليد مصطفى، 30 عاماً، مؤسس موقع وتطبيق «بيقولك»، فكرته ومشروعه قائلاً: «عندما راودتني الفكرة كنا ستة أصدقاء، فكّر أحدنا في استحداث تطبيق على الهاتف المحمول وموقع إلكتروني يبلغ الناس بحالة الطرق في مصر قبل الخروج الى العمل، فعقدنا عدداً من الجلسات لدراسة الفكرة، وبعد الاتفاق عليها نفّذناها في شهر تشرين الأول/أكتوبر من عام 2010، وكانت حينها فكرة جديدة ومبتكرة، تعتمد على المعلومات التي يرسلها الينا مباشرةً عملاؤنا في الشارع، والتطبيق جاء أيضاً بالعامية المصرية وبتعابير اعتاد عليها الشارع المصري، مثل «حلاوة» للطرق الخالية من السيارات، و«لذيذ» للطرق السريعة، و«ماشي» للطرق المزدحمة، و«مفيش أمل» للطرق المتوقفة تماماً، وكانت هذه التعابير سبب شهرتنا ولفت الأنظار إلينا، وقمنا بعدها بإرسال التطبيق إلى أصدقائنا ومعارفنا لتجربته وأبدوا إعجابهم بالفكرة، التي نحتاج إليها في مصر في ظل الازدحام الذي تشهده شوارع القاهرة».
ويضيف وليد قائلاً: «انطلاقتنا الحقيقية كانت بعدما أعلنت شركة «غوغل» عن مسابقة لدعم المشروعات الجديدة، وتقدَّم للمسابقة أكثر من 4 آلاف مشترك كنا من بينهم وحققنا الفوز، وكانت الجائزة عبارة عن 200 ألف دولار كدعم لبدء المشروع الفائز، وأطلقنا شركتنا ومقرها الرئيس في حي المعادي، وأصبحت معروفة لكثير من المصريين، وقررنا بعدها الخروج من النطاق المحلي، وأجرينا أبحاثاً في تركيا، ثم افتتحنا فرعاً لنا في المملكة العربية السعودية، ونخطط لجعل «بيقولك» تطبيقاً عالمياً منتشراً في كل أنحاء العالم.

فكرة جريئة
عشق ساندرا مجدي للورود، وهي مهندسة معمارية، دفعها للتجول بعربة في شوارع القاهرة لبيع الورد، وتقول عن مشروعها: «منذ صغري وأنا أحب الورود، حيث نشأت في أسرة تعشق الفن والموسيقى والورود. ورغم عملي كمهندسة معمارية واهتمامي الكبير بجمع الورود، شعرت أن الورد يحتاج إلى المزيد من وقتي، ففكرت في افتتاح محل في إحدى المناطق الراقية في القاهرة، أعرض فيه  الورود بطريقة مبتكرة، تجذب الزبائن الأغنياء، لكن بعدها وجدت أن الفكرة تقليدية، وأن هناك مئات المحال التي تبيع الورود في القاهرة، كما لاحظت أن زبائننا ليسوا من المارّة، بل هم زبائن معروفون لدينا يشترون منا الورد باستمرار، ومن هنا خطرت في بالي فكرة رأيتها جريئة لكنني لم أتوانَ للحظة في تنفيذها، وهي التجول بالورد في الشارع».
وتضيف ساندرا: «ينظر معظم الناس إلى باعة الورد في الشارع وعند شارات المرور على أنهم يطلبون الصدقة أو المساعدة المادية، لكن قررت العمل على تغيير هذه الفكرة، بحيث ألفُت الناس الى أن هؤلاء يعطونهم حياة جميلة ومتفائلة متمثلة بالورود، ففكرت في التجول بالورود في شوارع القاهرة، لكن المشكلة كانت في كيفية حملها، فقررت شراء عربة مزودة بصندوق كبير يستوعب عدداً من الورود، وتسهّل عليّ التنقل في الشوارع، وبذلك أصبحت إلى جانب عملي كمهندسة معمارية «بائعة ورد» متجولة، ولا تهمني نظرة المجتمع أبداً».

تشجيع
تؤكد الدكتورة منى تاجر، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، أن هؤلاء الفتيات والشبان يتمتعون بروح المبادرة والمغامرة والتمرد على التقاليد الاجتماعية البالية، حيث تحبس طاقات الشباب في «القيل والقال» وردود فعل الأصدقاء والصديقات والجيران والأقارب.
وتضيف الدكتورة منى: «نحن في حاجة إلى تشجيع هذه النوعية من الفتيات والشبان على فعل ما يحبون وتسخيره لخدمة المجتمع؛ بدلاً من التسكع في الشوارع أو الجلوس في المقاهي، ويقعون ضحية لأصدقاء السوء، لأن اليد خُلقت لتعمل، فإن لم تجد في الطاعة والمفيد عملاً، التمست في المعصية والضار أعمالاً».
وتُنهي الدكتورة نبيلة كلامها، مؤكدةً أن فتياتنا وشباننا في حاجة إلى مثل هذه الأفكار المجنونة والمشروعات الجميلة المبدعة وغير التقليدية، التي يمكن أن تكون نواة لمشروع عملاق أو فكرة عالمية.
أما الدكتورة وجيهة التابعي، أستاذة علم النفس في كلية الدراسات الإنسانية، فتؤكد أن مثل هؤلاء الشباب يتمتعون بقدرة على الإبداع وابتكار مشروعات جديدة، وهذا دليل ذكاء فطري واجتماعي؛ من خلال إصرارهم على تنفيذ ما يحبون رغم الرفض الاجتماعي والسخرية منه، لكن الإرادة القوية والتصميم يفعلان المستحيل، وإذا تأملنا السيرة الذاتية لكثير من سيدات ورجال الأعمال في العالم؛ سنجدهم يتمتعون بهذه النفسية المبدعة؛ والقدرة على الصبر والتحمل وتكرار المحاولات الفاشلة للوصول إلى النجاح، ويرفعون شعار «المشكلة التي لا تكسرني تقوّيني».
وتلفت الدكتورة وجيهة إلى أن أصحاب تلك الأفكار المجنونة يتمتعون بقدرة هائلة على إقناع المعارضين لهم، سواء من الأسرة أو في الشوارع أو في محيط الأقارب والأصدقاء، ويتحلّون بروح المغامرة، ومثل هؤلاء الفتيات والشبان، على الدولة والأسر تشجيعهم على مزيد من الإبداع والانطلاق إلى الأمام، فبمثل أفكارهم تنهض الأمم.

المفاجأة
في حي مصر الجديدة الراقي، تقف دينا نبيل ومرام عبدالحكيم، 21 عاماً، أمام عربة لبيع الساندوتشات والحلويات قُبالة منزلهما، متحديتين نظرات المجتمع والمارّة، وعن المشروع تقول دينا: «بدأنا المشروع منذ ثمانية أشهر تقريباً، وكانت صديقتي مرام قد اقترحت أن نصنع عربة لبيع «ذرة الفوشار» بأشكال مختلفة، وطعم جديد. عرضنا الفكرة على أهلنا وكنا متخوفتين من ردود فعلهم على وقوفنا للبيع في الشارع، ومن نظرة الناس إلينا بسبب الطبقة الاجتماعية الراقية التي ننتمي إليها، لكن كانت المفاجأة أن أُعجبوا كثيراً بالفكرة، بل راحوا يفكرون معنا في كيفية تنفيذها، فأشترينا العربة وسمّيناها «The Cart»، ووقفنا للمرة الأولى في الشارع لبيع الذرة الحلوة و«المارشملو»، وتطور الأمر إلى بيع الساندوتشات والحلويات، وكان المشروع في البداية ضعيفاً إلى حد ما، لكن بعد تذوق الزبائن منتجنا اللذيذ والصحي، صاروا ينصحون أصدقاءهم بتناول الطعام الذي نحضّره... وهكذا نجح مشروعنا».
تتحدث مرام شريكة دينا عن جوانب أخرى من التجربة قائلة: «نحن ندرس «نظم معلومات الأعمال» في إحدى الجامعات المصرية، ولم تهمنا أبداً نظرة الناس إلى عملنا الجديد، بل على العكس وجدنا دعماً كبيراً من الأسرة والأصدقاء ممزوجاً بالمُزاح، إذ قالت لي إحدى صديقاتي إنها ستطلق عليَّ اسم «بياعة الدرة»، وعلى «دينا» «بياعة البطاطا»، لكنني أتقبّل تعليقاتها بصدر رحب، كما نتعرض لمضايقات الشبان لنا في الشارع، لكوننا فتاتين ونبيع الطعام للناس على عربة في الشارع، لكن الأمور اختلفت الآن بعدما استعنّا بشقيق دينا، الذي يقف معنا بشكل شبه يومي، هذا إلى جانب المضايقات من الجهات الأمنية، والتي تدعونا إلى ترخيص العربة، ونحن بالفعل نجهّز الأوراق لترخيص مشروعنا».

الرسم على السيارات
أصبحت سارة دياب، 22 عاماً، والتي تدرس في كلية الآداب في جامعة حلوان، من الأسماء اللامعة في عالم السيارات في مصر، فعندما ترى سيارة تحمل نقوشاً وزخارف، تتذكر على الفور اسمها. تقول سارة: «منذ سن السابعة وأنا أهوى فن الرسم والزخرفة. كنت أرسم كل شيء يلفتني في الشارع أو في الصحف، ومن خلال البحث وجدت أن الزخارف تعطي شكلاً جميلاً لا مثيل له إذا رُسمت على السيارات، فقررت البدء بمشروعي والذي أمارس فيه هوايتي المفضلة، خاصة بعدما أوحت لي صديقة بهذه الفكرة، وجرّبت الرسم على سيارتها أولاً فأعجبت كل من رآها».
وتشير سارة إلى أنه عند تنفيذ مشروعها، عارض شقيقاها ووالدها الفكرة تماماً، مؤكدين وفق قولها: «إن عالم السيارات هو عالم خاص بالرجال ولا يصلح للفتيات، لكن بعد رؤيتهم رسوماتي تزّين السيارات باتوا يدعمونني بشكل كبير، خاصة أنني أرسم على السيارات أمام منزلي، فهذا يُطمئنهم عليّ، وبعدها دشّنت صفحة على «فايسبوك» لعرض أعمالي، ونالت إعجاب الكثيرين وصارت تأتيني الطلبات لرسم الزخارف على السيارات بصورة شبه يومية، ولم يقتصر عملي على الرسم على السيارات، بل تطور بحيث صرت أرسم على الخوَذ والدرّاجات النارية، مستخدمةً في ذلك أقلام الدوكو العادية بألوانها المختلفة، وأخطط حالياً للرسم بالفرشاة وطلاء السيارات».
بحكم عملها في الشارع، تعرضت سارة لمواقف طريفة، تقول عنها: «كنت أرسم في أحد المرات على سيارة، وإذ برجل يهرول نحوي ويسألني عما أفعل، ويقول لي: ماذا تفعلين؟ ستخرّبين السيارة! ظناً منه أنني أشوّه طلاء السيارة، فضحكت وقلت له إنني أزيّنها بناء على طلب صاحبها، فأبدى عندها إعجابه بالرسوم».

CREDITS

تصوير : أحمد الشايب