رنا عبدالعزيز المداح: أقبل التحدّي لأفتح باب الأمل بالنجاح

رنا عبدالعزيز المداح,ديناميكية,المعاناة,المرأة,الصلبة,الطاووس,الملكية,الإدارة,الأدب,الفن,الثقافة,الكبرياء,التحدي,روائية,الحروف,الأمل,موقع,القراءة,التصميم,غادة السمان,مي زيادة,المشاعر,الصادقة,السمفونية,الرقابة

آمنة بدرالدين الحلبي ـ (جدة) 26 مارس 2017

ديناميكية في عملها، مثيرة للجدل في رواياتها، كتبت عناوين ولدت من رحم المعاناة لكل سيدة تنطق بالضاد، ولمضمونها معنى أكبر، فتغلق قلباً «بالشمع الأحمر» حين يعاني من «أثلام وآلام»، أو تكون مجرمة تحت عنوان «أنا مجرمة»، إلى عنوان أكبر هو «إعدام زوجة» مما يثير الجدل حول تلك الشخصية القوية التي لا تهزها ريح فتمضي بعزيمة وإصرار لتحقيق أحلامها.

تؤكد المجاز في إعدام المرأة حين تموت أحاسيسها، وترصد واقعاً اجتماعياً مؤلماً في كل رواية، وتعيش الشخوص لتقدم عملاً أدبياً راقياً للقارئ... «لها» التقت رنا عبدالعزيز المداح، المرأة الصلبة التي وقفت في وجه التحديات مشرقةً بالأمل ومحبةً للحياة، فحققت حلمها بالحصول على ترخيص لـ «دار النشر» تحت عنوان «الطاووس» لتصبح بذلك أول سعودية تتمتع بحق الملكية والإدارة، وتجمع كتبها وكتب صديقاتها في بيت يعجُّ بالفن والأدب والثقافة.


- «الطاووس» هو الكبرياء، لماذا اخترتِ هذا الاسم؟

كان هناك خيار بين «النورس» و«الطاووس» فاخترت الشموخ الجميل الذي رأيته في الطاووس وشعرت به، فقالوا: هو الغرور، أجبت حينها: يحق له أن يكون مغروراً لكونه من أجمل الطيور.

- التحدي صنع منكِ روائية تتساقط الحروف من بين أناملها؟
الكتابة كانت سلاحي للتعبير عما يجول في خاطري من معاناة حين ينتابني الحزن لعدم إجادتي التحدّث مع عائلتي في سنيّ المراهقة، فكنت أبعث لهم برسائل تحمل ما أريد، لتكون لغة التواصل بيني وبينهم. تلك المعاناة القاسية صنعت إنجازاً، وتلك القسوة منحتني أملاً، والثقافات المتعددة المنطوية تحت العيب والحرام شكّلت شخصيتي الشامخة التي لا تهزّها ريح، ولأولادي المعاملة نفسها مع اختلاف الجيل.

- يحدوك الأمل بالاستمرار رغم المعاناة.
«ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل»... هكذا تعلمت من إيليا أبي ماضي. لم ولن يتوقف أملي في الحياة، وتحقيق النجاح مهما اعترضتني الصعاب، ولن أنسى لحظة تسلّمي رخصة الدار، طرت من الفرح حيث كانت أولى الخطوات للمضي قدماً في تحقيق الطموح.

- أين موقع القراءة من كل هذا؟
تفتّحت عيناي على الكبار في الزمن الجميل، وأول كتاب تصفّحته كان «تحت ظلال الزيزفون» للكاتب الكبير مصطفى لطفي المنفلوطي، وكرّت السُبحة فقرأت للكاتب نجيب محفوظ وغيره، حتى روايات «عبير» المترجمة لم تفلت مني، لكن اختلف اليوم عن الأمس حين لم أستطع حفظ أسماء الكتّاب والروائيين للأسف.

- رغم كل القراءات تركت كلية الآداب والتحقت بالتصميم الداخلي؟
لم أستطع حفظ قصائد الأدب الجاهلي الطويلة، فغيرت اتجاهي بعد السنة الأولى إلى التصميم الداخلي على الرغم من عشقي لمادة القواعد والنحو، وقطفت بعد ذلك من كل حديقة وردة حيث اجتزت دورات مختلفة من تحليل الشخصية إلى دورة في لغة الجسد، ومن ثمّ دورة في التجميل، وكان ذلك التحدي للمضي قدماً نحو تحقيق الذات.

- هل استفدتِ من لغة الجسد في شخوص الرواية؟
استفدت منها في الحياة العملية لأفهم الشخص الذي يحاورني، أكثر مما أستفدت منها في الكتابة، إلا في بعض الأحيان بحيث أصف حالة معينة أبني عليها الشخوص.

- «بالشمع الأحمر» هي في العمق الاجتماعي أدب رسائل، هل كنت ملتصقة مع غادة السمان أم مي زيادة؟
لم أقرأ لأي منهما، لكنني استخدمت قلمي كي أدخل الى واقع اجتماعي أشد إيلاماً وعمقاً، وأحكي تجربة امرأة مع رجل شرقي، لم يستطع الارتباط بها فأشعلَ عواطفها بالحب. وهي تناديه «أرجوك يا سيدي... لا تفقد الصبر واصمد معي ليرسو مركبنا، ونثبت للحب أنه لم يخطئ في اختيارنا». متى سيفهم ذاك الرجل الشرقي؟

- في رأيك، هل من الضروري أن تنتهي تجربة الحب بالزواج؟
ولِم لا، إن وُجدت المشاعر الصادقة، ولم تكن هناك ظروف قاهرة تمنع ذاك الحب من أن يتكلل بالزواج.

- رسمتْ له «السمفونية» وصمتَ حيالها...
لأنه رجلٌ شرقي بامتياز، حين قالت له: «اليوم أدعوك لعزف سمفونية... ولكنها ليست سمفونية لبتهوفن أو باخ حتى يسمعها البشر. إنها أجمل بكثير... سمفونية حبنا وحدنا. كلانا من يكتب سُلَّمها الموسيقي».

- آخر رواية «إعدام زوجة»، هذا العنوان ألم يصب القارئ بالدهشة وأنت امرأة؟
هو النجاح المختلف لامرأة طموحة، وحلم يتحقق يوماً بعد يوم. أشدّ القارئ أولاً، وأسعى للتسويق ثانياً، لأن العنوان يُعتبر نصف الكتاب، ومن أجل أن يتحرك يضعه العنوان في القمة. أما في خصوص الزوجة فقد أعدمها الفكر المجتمعي الذكوري والعصبية القبلية حين اختارت زوجًا من بلد عربي بعد وفاة زوجها ورفضت شقيق زوجها، فخيّرها المجتمع بين أولادها وزوجها، فاختارت فلذات كبدها، وحكموا بالإعدام على كيانها الإنساني وحبّها الذي عرفت فيه أنوثتها.

- هل تقفين أمام هذا التحدي من خلال العناوين؟
أقبل التحدي بكل أشكاله، لأفتح على باب الأمل الكبير بالنجاح وأحقق ذاتي من انطلاقة ليست سهلة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، في أسبوع الكتاب واجهت تحدياً كبيراً بالنسبة الى العناوين، وخاصة «إعدام زوجة»، لكوني امرأة وتضع عنواناً بهذا الشكل، لكن بأسلوب المواجهة مع القارئ استطعت النفاذ إلى فكره، وخاصة السيدات حين أثبتُّ لهنّ الحقيقة في مجتمع نرى فيه زوجين يعيشان تحت سقف واحد من أجل الأولاد وهما منفصلان عاطفياً. أليس هذا إعداماً بحد ذاته فينشأ الأولاد على أن تلك الحالة طبيعية! هذا ما هدفت إليه، واستطعت تحقيق مبيعات جيدة... فذلك هو التحدي.

- تحلّقين نحو نجوم فضية، ماذا منحك التحليق عالياً؟
منحني التحليق ألقاً، ودفعني الى الكتابة، فإذا استفزتني حالة عاطفية، ألامس النجوم وأرسم أجمل حالة حب. وإن استعرضت مشكلة اجتماعية، يسبقني قلمي لوضع النقاط على الحروف، لأسجل نقداً اجتماعياً في مكانه، وربما كان للمرأة فيه نصيب، ولا أخشى في الحق لومة لائم.

- ما القضية التي تهم رنا في عمودها الشهري في جريدة «عكاظ»؟
هي قضايا من المجتمع، وأكثر ما يزعجني أنها أمّة لا تقرأ. وكان أحد عناوين مقالاتي، حين كنت في زيارة، وفوجئت بأن معظم الأطفال لا يجيدون التعبير باللغة العربية فآلمني واقعهم. نحن نتنصل من هويتنا الثقافية، أوروبا تكرّس لهويتها الثقافية، وأميركا تسعى ليتحدث العالم بلغتها، فلماذا ننسلخ نحن من لغتنا ومن هويتنا الثقافية؟ لذلك أصرّ على أن تكون اللغة الأم هي الأولى دائماً، وتأتي اللغة الأجنبية في الدرجة الثانية.

- «الأم البديلة» قضية تثير الجدل في المجتمع السعودي...
كتبت عدداً من المقالات التي انتقدت فيها تلك التصرفات في المجتمع. مثلاً أحد العناوين «أين ربّة المنزل؟»... هل تخلّت الأم عن مسؤولياتها وأوكلتها الى الخادمة، وهل أصبحت «الأم البديلة» مسؤولة عن تربية الأبناء، ومرافقتهم في الحِلّ والترحال.
كيف تخلّت الأم عن دورها للخادمة، ولِمَ الخادمة خارج الوطن في البعثة غير الضرورية؟ لقد انتقدوا وزير الإسكان حين قال «إن السكن فكر»، وكان كلامه سليماً، فلماذا أسكن في بيت مساحته 400 متر مربع يحتاج الى الخدم، ولا أسكن في بيت مساحته أصغر وأعلّم ثقافة التعاون لأفراد الأسرة، فالخادمة دورها محدود، ولا علاقة لها بتربية الأبناء، ولا ينبغي أن تنوب عن الأم الحقيقية.

- كتاب «أثلام وآلام» عنوان يوحي بالعنف؟
«أثلام وآلام» مجموعة قصصية وفيها شيء يخصني لأقول لكل سيدة «إن الضربة التي لا تُميتك، تقوّيك وتعيد تكوينك من جديد، تطحنك على بيادرها لتنقيك، سواء كانت قضية عاطفية أو اجتماعية أو مادية. كوني قوية دائماً. علمتني الحياة أن آخذ دروسي منها وأكون أقوى».

- «دار الطاووس»... أين وصلت اليوم؟
بعد 3 سنوات، سابقت الريح لتصل الى عدد معين، واليوم حققتْ 50 ألف إصدار في ثلاث سنوات، وكلها منوعة من تطوير الذات إلى الفكر والأدب والشعر بأنواعه، وليست حكراً على ثقافة معينة. 

- ما التحديات التي واجهت «دار الطاووس»؟
بالنسبة الى التصريح كان سهلاً، فبعد حصولي عليه فاجأت أهلي بالقول: «أصبحت رنا صاحبة دار نشر الطاووس»، لكنني دخلت إلى عالم مجهول لا أعرف عنه شيئاً، فبفضل رضا الله ورضا الوالدين، وبالإصرار على تحقيق الطموح، استطعت العبور فوق كل التحديات، وتمكنت من التواصل مع مطبعة في الخارج اعتبروني ابنتهم، وعلّموني المهنة بكل حرفية فأجدتها خلال 6 شهور ونجحت.

- كيف تتعاملين مع الرقابة؟
هناك خطوط حمر لا يمكن تجاوزها، حتى العبارات التي تخدش الحياء تغلّفها الكاتبة «بورق السلوفان» لتجري الأمور بسلاسة.

- هل تعيشين الشخوص؟
أجل، وأتعب نفسياً حين أتقمص الشخصية وأفكر مثلها، وأبكي في بعض الأحيان لأنني أعيش حالة صعبة، لكنني لا أعيد قراءتها حتى لا أندمج مع الشخصية مرة أخرى.

- ماذا عن مشاريعك المستقبلية؟
أبني في «الطاووس» لتبقى دار نشر عالمية، وأمشي بخطين متوازيين: الكتابة والدار، وأبقى مستيقظة دائماً حرصاً على مصلحة الدار.

- من وراء كل هذا النجاح؟
أولاً أهلي جميعهم، وثانياً أولادي مع عزيمتي القوية  وإصراري على تحقيق ما أصبو إليه. -