كتابه الأول بالإنكليزية «صور... التطور الذاتي للعقل» مالك الرحباني: أعيش في الخيال... وإرث عائلتنا ثقيل

مالك الرحباني,الكتاب,الأول,التطور,الذاتي

مايا الحاج 01 أبريل 2017

كانت معرفة الحقيقة الأعمق التي تكمن في تفاصيل الاشياء هي ما يشغل بال الشاب مالك الرحباني، المولود في عائلةٍ كان همّها منصبّاً في البحث عن الحقيقة المختبئة خلف معاني الحبّ والجمال. هو ابن المخرج المسرحي المعروف مروان، ابن الكبير منصور الرحباني، اكتسب من بيئته الثقافة وحبّ الفنّ والموسيقى، لكنه اختار الكتابة الإبداعية وسيلته الخاصة في التعبير فكان كتابه الأول بالإنكليزية «صور... التطور الذاتي للعقل». 


يكتب مالك في كتابه من النقطة الأقرب إلى القلب، فتخرج كلماته صافية، صادقة، شفافة. لا يُجمّل الأمور ولا يُبالغ فيها، إنما يعرضها كما هي، أو الأصحّ كما يجب أن تكون. تتوارد الأفكار وتتلاحق العبارات وتتنوع التيمات، لكنّ القارئ يظلّ في عالم الإصغاء الروحي للكلمات.
الكاتب هو الراوي الأوحد في النص، لكنّه يلعب أدواراً مختلفة كلّ مرّة. هو الطفل حيناً والشاب أحياناً والشيخ العجوز في أماكن أخرى. يُقدّم الشخصيات بلغتها وذهنيتها، يسدي النصيحة تارةً، وينشر الحكمة طوراً. فمن أين جاء الشاب العشريني بكلّ هذه التجارب الحياتية؟ يُجيب مالك الرحباني قائلاً: «لطالما تأثرت بالأفلام حتى صرتُ أعتمد على خيالي معظم الوقت، بل إنني أحلم على مدار الساعة. أمّا العمر فهو رقم ليس إلا، والنضج الإنساني لا يُحدّد بالأرقام وإنما بالتجارب والثقافة والمعرفة والخيال. يحقّ للإنسان، أيّ إنسان مهما كان عمره، أن يُسمَع، ويعرب عن رأيه، ويحلم. وما فعلته في شكل أساسي هو أنني وضعتُ صوراً من خيالي على الورق، وحوّلتها إلى روايات قصيرة، علماً بأن 1 في المئة من الصور التي تقرأها هي عني أنا، وكل ما تبقّى هو خيال محض، تمّ سرده من وجهة نظر كلّ من الشخصيات التي ابتكرتها».
وعن الفئة التي توجّه اليها مالك الرحباني، يقول: «العمل موجه إلى جميع الناس حول العالم من الأعمار كافةً. الحياة دورة نبدأها في سن الطفولة ومن ثمّ عندما نكبر. لا مجال لإيقاف هذه الدورة. وسيجد كل إنسان نفسه في بعض من الصور التي يقرأ عنها، ويرصد تلك التي يرى نفسه فيها».
من يقرأ كتاب «صور» يشعر ببساطة أسلوبه، غير أنّ تصنيفه الأدبي يبقى صعباً. قد يُخيّل اليك أولاً أنّه قصيدة ثم تكتشف أنّ فيه شخصيات تجعل منه أقصوصة، لكنّ التوغّل فيه يجعله أقرب إلى كتابة الشذرات. وهذا ما علّق عليه الرحباني بالقول: «أردت أن يكون الكتاب سهلاً، وأن يكون القارئ في الوقت عينه داخل لغز ابتكرته. ومع كل كلمة، سيقترب أكثر فأكثر مما أتحدث عنه. كل صورة يجب أن تكون بحثاً عن كنز ينبغي على القارئ اكتشافه». وعن ثقل الاسم الذي يحمله، يُجيب مالك: «أراها نعمة أن أكون من عائلة الرحباني. وأشكر ربي على الدوام لأنه منحني الفرصة كي أعيش بينهم. لا شكّ في أنّ تأثيرهم كبير فيّ، لكنّ العيش مع أسرة يترافق غالباً مع كمية انتقادات كبيرة. أحاول قدر الإمكان أن أجعلهم يفتخرون بي، وسأخبرك بأنّ المسؤولية الملقاة على عاتقي وعلى عاتق أخويّ وأولاد عمّي كبيرة، لأننا نحمل اسم العائلة هذه. فالحال أننا حصلنا على لقب ليس ملكنا وحدنا، بل ملك الناس كلهم! وبالتالي، أؤكّد لك بأننا سنفعل كل ما في وسعنا لنصون هذا الإرث المتروك لنا».
في وقت انشغل الأخوان الرحباني ثمّ أبناؤهما بالعمل على الفنّ اللبناني، موسيقى وكلمةً، اختار مالك أن يكتب باللغة الإنكليزية. لماذا؟ يُجيب: «لأنني تعلّمتُ في مدرسة أميركية في لبنان، ولطالما أجدتُ التفكير بطريقة أفضل بالإنكليزية، وكانت قدرتي على التعبير بهذه اللغة أحسن مما هي عليه بالعربية. لكنّ الأمر لا يعني أنني لن أُطلِق أي مشاريع بالعربية مستقبلاً. فأنا أستعد لترجمة كتابي إلى اللغة العربية عمّا قريب. وسأبقى دائماً لبنانيّاً، حتى لو عبّرت عن أفكاري بلغة مختلفة. فالإنسان لا ينسى جذوره والمكان الذي أتى منه».
ارتأى مالك أن يختتم كتابه بعبارة «إلى اللقاء»، وكأنه يُبشر بأعمال إبداعية جديدة يُحضّر لها. فهل الكتابة ستكون مشروع حياته بدلاً من الموسيقى والسينما والفن الذي درسه على غرار أخويه؟ يُجيب: «لا أحب أن أقول الوداع، بل أفضّل إلى اللقاء. لديّ الكثير من الأفكار المرتبطة بمشاريع جديدة أعمل عليها الآن، علماً أن التمثيل والكتابة سيبقيان دوماً حبّي الأوّل. أحب الكتابة والتمثيل في الأفلام، ولطالما كانت الموسيقى رفيقة دربي الحبيبة، ولا أزال ألعب البيانو حتى الآن. وقد وعدتُ قرّائي بأنني سأعود، وسأفي بوعدي. قد يحصل ذلك من خلال فيلم، أو كتاب، لكنّني سأعود (على طريقة «ترمينيتور» ربما). لا أحد يعرف ما يحمله الغد، وأي أفكار ستظهر عندما لا نتوقعها أبداً. وعند حصول ذلك، سأوصي فقط بقبولها وبتركها تزدهر. وكذلك، لا بد من تصديق ما لا يصدّق، لأنّ سعة الفكر البشري ليست مقيّدة بأيّ حدود.