أمل طبّي جديد:...وأصبح للفالج علاج!

أمل,البروفيسور حسين الحسيني,الجلطة,مفهوم «فالج لا تعالج»,الاصابة,الأعراض,المريض,غيبوبة,وحدات الطوارئ

كارين اليان ضاهر 08 أبريل 2017

لطالما اعتبر الفالج من الحالات غير القابلة للعلاج، فمن يتعرض له يُحكم عليه بالشلل مدى الحياة. حتى أن الجلطة اعتبرت غالباً سبباً للوفاة لعدم القدرة على التدخل بفاعلية وفي الوقت المناسب.
اليوم يتحدث البروفيسور حسين الحسيني رئيس قسم الأعصاب في مستشفى باريس، عن الخطة العلاجية بكافة مراحلها التي طوّرها ليقلب المقاييس في مفهوم الجلطة والفالج، ويعود المريض خلال العملية نفسها قادراً على تحريك يده أو ساقه المشلولة ويمارس حياته الطبيعية خلال فترة قصيرة.
وفيما تهدد الجلطة حياة كثيرين، ينقض البروفيسور الحسيني مفهوم «فالج لا تعالج» بالدعوة إلى معالجة الفالج سريعاً، لأن الساعات الـ4 الأولى بعد ظهور الأعراض تعتبر مفصلية لإنقاذ المريض، أما بعدها فلا مجال للعودة إلى الوراء وتصبح الأضرار نهائية.

  كيف يمكن التعريف بالجلطة؟
الجلطة هي عبارة عن حادث وعائي دماغي ناتج عن انسداد أحد الشرايين الدماغية بجلطة وهو مختلف عن حادث النزف الدماغي.

  ما سبب ارتفاع نسبة الاصابة بين الشباب؟
صحيح ان الجلطة تهدد الكبار في السن عامةً، لكن الإحصاءات الأخيرة والحالات التي نشهدها في لبنان تظهر ارتفاع نسبة الإصابات بين الشباب، وذلك بشكل مفاجئ.
أما الأسباب الاساسية لهذه الإصابات بين الشباب فهي المخدرات بأنواعها والضربات على العنق لأسباب مختلفة وحوادث السير، أو قد تعود الى تشوّه خلقي. علماً ان الجلطة يمكن أن تحصل لأي كان في مختلف الفئات العمرية حتى الأطفال والمراهقين.

  من هم الأكثر عرضة للإصابة بالجلطة؟
الأكثر عرضة للإصابة بالجلطة هم المصابون بما يعرف بعوامل الخطورة القلبية الوعائية وبالسكري، والمدخنون، والأشخاص الذين يعانون ارتفاعاً كبيراً في الضغط، ومستويات عالية من الكوليسترول.
أما لدى النساء، فتعتبر اكثر عرضة للجلطة كل امرأة تتناول حبوب منع الحمل، خصوصاً في حال ترافق ذلك مع معاناتها داء الشقيقة وارتفاعاً في مستوى الكوليسترول. فوجود هذه العوامل معاً يزيد من الخطر.
وتجدر الإشارة إلى أن ارتفاع معدلات الإصابة بالجلطة بين النساء في لبنان يدعو إلى القلق والاستغراب مقارنةً مع المعدلات العالمية، نظراً إلى ارتفاع معدلات التدخين، وتحديداً تدخين النرجيلة. كما ان الوزن الزائد وقلة ممارسة الرياضة من عوامل الخطر أيضاً.

  هل يمكن ان تحصل الجلطة لمن لا عوامل خطر لديه فلا يظهر لها سبب محدد؟
في نسبة 10 في المئة من الحالات لا يظهر سبب واضح للجلطة. فلا تكون هناك عوامل خطر موجودة لدى الشخص الذين يتعرض لجلطة.

  ما مدى انتشار الجلطات؟
تُظهر الارقام أنه في كل دقيقة في أوروبا يتعرض شخص لجلطة، وأن هناك 15 مليون جلطة تحدث حول العالم. وبالتالي هي من الحالات المنتشرة.
وفي فرنسا مثلاً تعتبر السبب الاول للعجز الوظيفي والسبب الثاني للخرف والسبب الثالث للوفيات وتقدر ب150 ألف حالة سنوياً. أما في لبنان فتعتبر الأرقام مرتفعة جداً بالنسبة إلى عدد السكان. إذ إن 15 ألف حالة من 4 ملايين نسمة تشكّل عدداً كبيراً لا يستهان به.

  الجلطة من الحالات التي قد تفاجئ الشخص، ما الأعراض التي تترافق معها؟
ثمة أعراض واضحة لا بد من إعارتها اهتماماً للتصرف بسرعة قبل فوات الأوان. وأبرز هذه الأعراض، التواء في الفم وعدم القدرة على تحريك اليد والساق وفقدان القدرة على النطق أو التلعثم في الكلام والدوار. هذا إضافة إلى فقدان التوازن ومواجهة مشكلات في النظر، سواء في عين واحدة أو في الاثنتين معاً.

  هل تتشابه هذه الاعراض مع تلك التي تترافق مع اخرى، أم أنه يمكن التفكير مباشرةً بالجلطة عند حصولها للتصرف بسرعة؟
الأمرض التي تظهر من خلال عجز وظيفي مفاجئ هي قليلة، وكلّها تحتاج إلى تشخيص سريع. عندما تظهر هذه الاعراض أو أي أعراض لها علاقة بالجهاز العصبي، لا يمكن التهاون أبداً ويجب التحرك سريعاً والتوجه إلى الطبيب المختص أو المستشفى، فالأمور تتطور وتزيد سوءاً بين دقيقة وأخرى.
أي تأخير بسيط يُحدث فارقاً في هذه الحالة. يجب التفكير عندها مباشرةً بانسداد شريان في الرأس إلى أن يؤكد الطبيب العكس. أي شلل أو عجز وظيفي عصبي مفاجئ ينتج عن جلطة دماغية حتى يثبت العكس.

  هل يعتبر التشخيص صعباً؟
في نسبة 20 في المئة من الحالات يعدّ التشخيص صعباً. لكن يبقى أن أي عارض عصبي يؤدي إلى مشكلة في النظر أو في النطق أو في الحركة يعتبر جلطة، أو يسبق فالجاً إلى أن يثبت العكس. يصبح التشخيص أكثر دقة ليقارب نسبة 100 في المئة من حيث الدقة في المراكز المتخصصة مع الأجهزة الطبية المتطورة والكادر المتخصص.

  هل يحصل الفالج مباشرة بعد ظهور هذه الأعراض؟
في نسبة 30 في المئة من الحالات تظهر الأعراض ثم تزول وتعود فتكون بمثابة إنذار بالخطر لا بد من إعارته انتباهاً عند حصوله. لكن في معظم الحالات يحصل الفالج مباشرةً بعد ظهور الأعراض، ومن هنا اهمية التحرك السريع.

  عندما نقول عن تحرك سريع، ما المدة التي يمكن التصرف خلالها وإنقاذ المريض؟
بعد 4 ساعات ونصف الساعة لا يعود ممكناً فتح الشريان كالسابق والعودة عن الأضرار التي حصلت. عند ظهور الأعراض يجب التصرف في اقل من ساعة، ويعتبر هذا إنذاراً حتى في حال ظهور الأعراض وزوالها لأنها تهدد بحصول جلطة دائمة. وفي كل الحالات، سواء استمرت الاعراض أو لا، يجب استشارة الطبيب ما إن تظهر من دون تأخير.
عند حضور المريض الذي ظهرت عليه اعراض الجلطة إلى المستشفى، يجب ان تُجرى الفحوص له والصور خلال 20 دقيقة. من هنا أهمية وجود وحدة مخصصة للطوارئ لحالات الجلطة، كما في أوروبا وأميركا.
ففي المستشفى في فرنسا مركز متخصص يتواجد فيه الاختصاصيون ليلاً ونهاراً. فما إن يصل المريض حتى نُجري له الفحوص والصور، ثم أحقنه بنوع معيّن من مسيّل للدم هو حالّ للخثرة، ثم في غرفة التصوير الوعائي ندخل عبر شريان الفخذ للوصول إلى الشرايين الدماغية وبشكل خاص الشريان المسدود وتسمّى هذه العملية «القثطرة الدماغية» أو ما يعرف بالتمييل. بعدها يتم سحب الخثرة ميكانيكياً هذا ما أدى إلى تغيير مفهوم الفالج بشكل تام فأصبح قابلاً للعلاج بعدما كان المريض الذي يصاب بجلطة يتعرض لفالج ويعاني شللاً طوال حياته.
أما اليوم فأصبح قادراً على تحريك يده وساقه مباشرةً بعد هذا التدخل السريع واستخدام هذه التقنية المتطورة والوحدة المتخصصة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه التقنية الثورية تسمح بكسب الوقت مع نتائج ممتازة.

  ما سبب هذه السرعة في التدخل في حالة الجلطة؟
السرعة في التدخل والتي تستدعي توفير وحدات طوارئ متخصصة للجلطة في المستشفيات هي بسبب أن الخلايا تموت في الدماغ بعد 4 ساعات بمعدل 80 أو 90 في المئة ولا يمكن استعادتها مجدداً. فالخلايا الدماغية هشّة وغير قابلة للتجدد ولا يمكن تعويضها بخلاف خلايا أخرى كالخلايا العضلية.
في حال انسداد الشريان في كل دقيقة يخسر المريض ما يقارب المليون خلية دماغية، يسمح التدخل السريع بإنقاذ المريض، أما التأخير فيؤدي إلى خسارته وإلى حصول أضرار نهائية لا يمكن إصلاحها أو الرجوع عنها. ولا بد من التوعية اللازمة ليدرك الجميع أهمية السرعة.

ماذا في حال حصول غيبوبة، هل ينقطع الامل عندها؟
هو مؤشر خطورة لكن حتى مع حصول غيبوبة، في حال التحرك السريع، يمكن أن يشفى المريض ويعود إلى ممارسة حياته الطبيعية.

لكن بما ان وحدات الطوارئ المتخصصة للجلطة غير متوافرة في لبنان حتى اليوم، هل هذا يعني أن لا أمل لمن يتعرض إلى جلطة أو فالج؟
ثمة حالات يتم إنقاذها في لبنان بفضل الاختصاصيين في أمراض القلب، لأنهم يستخدمون الدواء الحالّ للخثرة، كما هي الحال مع الطبيب الاختصاصي بأمراض الجهاز العصبي. مع الإشارة إلى أن هذا الدواء يختلف عن الدواء المسيّل للدم كالأسبرين الذي يستخدم للوقاية أكثر.
لكن تبقى نسبة المرضى الذين يتم إنقاذهم قليلة لعدم توافر وحدات الطوارئ المتخصصة، وعدم القدرة على التحرك بالسرعة المطلوبة.

هل تعتبر المرأة عرضة للجلطة تماماً كالرجل؟
حتى سن 50 سنة، تماماً كما في حال امراض القلب، تعتبر المرأة محمية من الجلطة بسبب الدور الوقائي للهرمونات النسائية. لكن بعد هذه السن تتخطاه في معدل خطر إصابتها. حتى أن الجلطة تعتبر المسبب الاول لوفاة المرأة بعد سن 60 سنة.

ما الإجراءات التي يحتاج اليها المريض بعد التعرض لجلطة والخضوع إلى عملية فتح الشريان؟
بعد الجلطة، يحتاج المريض إلى إعادة تأهيل من خلال العلاج الفيزيائي والعلاج بمسيلات(مميّعات) الدم، وأحياناً العلاج النفسي.

هل تعرض المريض لجلطة مرة يجعله أكثر عرضة للتعرض لها لاحقاً؟
يمكن ان يتعافى المريض بعد التعرض لجلطة وبشكل تام، لكن من الطبيعي ان يجعله ذلك أكثر عرضة لجلطات لاحقة، وتكرارها يعرّضه لخطر تضرر الدماغ اكثر فأكثر، كما يزيد ذلك من خطر الإصابة بداء ألزهايمر، والذي يعتبر ايضاً عامل خطر للإصابة بجلطة. لكن لا بد من التوضيح أنه في حال اتباع العلاج الصحيح بعد التعرض لجلطة وتناول مسيلات الدم بانتظام، يخف خطر تكرارها.