إنه الربيع... جولي في مدنه الأوروبية

البحيرة,الربيع,الأوروبية,حكاية «قصر دو شييون»,فرانكنشتاين,المحلات التجارية,مونترو,سويسرا,المدينة,القصور الفنية,متحف,ليتشي,إيطاليا,حديقة شلوس,Frühjahrserwachen,المنطقة,شفيرين,ألمانيا,Coucou de Malines,فريجيبروك,نهر دايل,مجمّع بيارت Beyaert,ميكلين,بلجيكا,النكهات,سان ريمي,فرنسا,مدن

16 أبريل 2017

يختلف الناس في حب الفصول، فبعضهم يفضّل الصيف، وآخرون يفضلون الخريف، فيما بعضهم الآخر يفضل الشتاء، فما نحبه في تفاصيل الفصول مسألة نسبية. ولكن اللافت أن معظم الناس بغض النظر عن تفاضلاتهم، يُجمعون على أن الربيع هو الأجمل، فالألوان التي ينثرها على الطبيعة والمدن التي تحضنها تبعث في النفوس الكثير من الفرح والتفاؤل.
إذ تبدو الطبيعة وكأنها تحتفل بتجدّد شبابها، بعدما اغتسلت بخيرات السماء وارتوت منها، وحان الوقت لتستقبل مهنّئيها بولادتها من جديد.
وفي أوروبا مدن للربيع فيها عطره الخاص، الذي يدثّر من يزورها بالكثير من الحب والمرح... اخترنا منها خمسًا.


سان ريمي في فرنسا

تقع مدينة سان ريمي الفرنسية في منطقة بروفانس «ألب كوت دازور» شمال شرقي مقاطعة «بوش دو رون»، وهي عاصمة «الألبيل».
وسط هذا الإطار المهيب من جبال الألب وبين أفينيون وآرل، تقع جوهرة «سان ريمي دي بروفانس» حيث القصور المرمّمة والفنادق التي يعود تاريخ تشييدها إلى عصر النهضة والقرن الثامن عشر، تنتشر في الشوارع المتعرّجة والصغيرة من وسط المدينة التاريخي. فيما الشوارع المظلّلة والساحات القديمة منمّقة بنوافير الرصيف ومقاهيه ومطاعمه تدعوك إلى نمط حياة سكان سان ريمي.
وسان ريمي هي مسقط رأس العرّاف الذي شغل العالم مع نهاية القرن الواحد والعشرين، «نوستراداموس». من منّا لم تسمع عنه، وخافت من توقعه في أن نهاية العالم ستكون عام 2000، ومضت 17 عامًا ولم يصدُق توقّعه، فحقّ فيه القول «كذب المنجمون ولو صدقوا»، واللافت أنه كان طبيبًا.
وسان ريمي أيضًا هي مصدر إلهام للفنانين التشكيليين، ولعل أشهرهم فنسنت فان غوخ حيث يمكنك زيارة عالمه في دير القديس بولس، الذي استضافه عام 1889، وهو المكان الذي رسم فيه أكثر من 150 لوحة من أشهر لوحاته.
هنا جولي في عالم الفنان، غرفة نومه التي بات فيها حتى نهاية حياته. ويتيح لك التجوال في دائرة عالم فنسنت فان غوخ التعرّف على المواقع التي كانت مصدر إلهامه لرسم لوحاته، والتي لا تزال كذلك بالنسبة إلى العديد من الفنانين.
ومن النشاطات التي يجدر بك القيام بها في سان ريمي خلال إجازتك الربيعية، التجوال في هذه المدينة الألبية، أو ركوب الدراجة الهوائية، أو التسلق في هضاب «آلبيل» الجميلة، وهي متنزّه طبيعي.
فقبل الوصول إلى هذا الريف النموذجي، تعبرين غابة البحر الأبيض المتوسط غارقةً في بحر من زهر الخزامى، والأعشاب والعرعر.

وسان ريمي هي أيضًا أرض فن الطهو في منطقة «آلبيل»، وزيت الزيتون فهي محاطة ببساتين الزيتون وكروم العنب ليقدّم لك هذا المشهد مجموعة متنوعة من النكهات.
تحتفل هذه المدينة الجميلة بفصل الربيع بأسلوبها الخاص، فتنظم الكثير من الفعاليات التي تدخلك في تفاصيل عالم فرنسا الألبي. فمع بداية شهر آذار/مارس، يبدأ كرنفال مارس، يحتفل السكان بقدوم الربيع من طريق المواكب، والنزهات في الطبيعة، والموسيقى، ثم يلي هذا الكرنفال في أيار/ مايو عيد Transhumance «الانتجاع»، وهو واحد من أكبر المهرجانات الأكثر شعبية في الجنوب الفرنسي.
تسير في شوارع سان ريمي آلاف الأغنام والخراف والماعز والحمير بقيادة أصحابها الذين يرتدون الزي التقليدي للرعيان الفرنسيين، متوجهين نحو السهول والمراعي حين تصبح الأرض أقل رطوبة... وتنتشر أكشاك الجبن وسوق البرغوث.
كما يقام في أيار/ مايو مهرجان الفنانين، حيث يستعرض الفنانون المحليون أعمالهم في وسط المدينة التاريخي، إضافة إلى عرض العربات التقليدية في الأحد الأخير من الشهر نفسه.

معلومة

● الألبيل، مصغر لجبال الألب، فالقمم في هذه المنطقة تشبه القمم الألبية ولكنها ليست شاهقة الارتفاع مثلها، لذلك يسمّونها» الألبيل».

● في الربيع تتراوح درجات الحرارة بين 13 و 22 درجة. ترافق الشمس الساطعة في بعض الأحيان النسمات الربيعية التي تراقص حقول الخزامى.


ميكلين، بلجيكا
مدينة ميكلين البلجيكية تقع في المنطقة الفلمنكية في مقاطعة أنتويرب، عاصمة المقاطعة. إلى جانب كونها مدينة تفتخر بمنازلها الفلمنكية الجميلة وكاتدرائيتها سانت رومبو العتيقة التي انضمت إلى لائحة التراث العالمي لليونسكو، فميكلين مدينة بلجكية مثالية لإجازة ربيعية، مع أماكن مختلفة في الهواء الطلق بل هي بيئة مثالية للمشي وتناول الطعام خارجًا.

ولمَ لا ! فالطقس جميل والطيور تزقزق وسط عالم فلنمكي بهي كل تفصيل فيه يحتفل بالربيع، فلمَ لا تشاركينه، وتكتشفين خفاياه! ابدئي بالساحة الكبرى حيث تحتل الجانب الشرقي منها مجموعة غير متجانسة من الأبنية تؤلف القصر البلدي، الذي يتخذ شكلاً رباعي الزوايا يحيط فناء مركزيًا.
فيما الجانب الموجّه نحو الساحة الكبرى يتكوّن من مبنيين: قاعة الرايات وبرج الجرس جنوبًا، وقصر المجلس الأعلى شمالاً. أمام قاعة الرايات يقف تمثال برونزي، هو دمية التميمة ميكلين، ويبدو وكأنه أُلقي في الهواء وسقط على ورقة.
ويحتل الجانب الغربي من الساحة مجمّع بيارت Beyaert، الذي يعود تاريخه الى القرن الرابع عشر. بُني عام 1715على الطراز القوطي، وأُعيد ترميمه بين عامي 1907 - 1908 ويحتل الأطراف الأخرى للساحة العديد من المنازل القديمة من فترات مختلفة.

ومن اليابسة اكتشفي المدينة من على الماء، حيث تُبحرين في قارب في نهر دايل الذي تستريح ميكلين على ضفتيه وتستمتعين بدفء الشمس الربيعية أثناء استراحة شعاعها على صفحة الماء، وتتعرفين إلى وجوه المدينة المختلفة التي ستبدو لك هي أيضًا تستريح على صفحة الماء، وكأنها مجموعة لوحات متحركة، تخترقينها بعبثية الماء أثناء عبور القارب النهري.
وميكلين في الربيع هي مدينة المقاهي ومطاعم الرصيف، حيث يكثر الرواد الذين يتدثرون الشمس ويتعطّرون بنسائم تحمل شذا الزهور الآتي من المتنزهات المنتشرة كيفما جلت في هذه المدينة، ومن بينها متنزّه فريجيبروك Vrijbroek الذي يضم حديقة تشتمل على أكثر من 100 نوع من الزهر.
تشتهر ميكلين بطبق «كوكو دو مالين» Coucou de Malines ومعظم المطاعم تضعه على رأس قائمة الطعام لديها. وهو عبارة عن دجاجة لها مواصفات محدّدة، وهي أن تكون بلدية ولها ريش رمادي وأبيض، وبحجم كبير. تُقدم هذه الدجاجة مشوية مع خضر تضاف إليها صلصة مالين.
في الربيع تتراوح درجة الحرارة ما بين 8 و 18 درجة مئوية. يكون الطقس مشمسًا بوجه عام، ولكن في بلجيكا، عليك توقع المطر.

شفيرين، ألمانيا
من قال إن البندقية وحدها المدينة الأوروبية التي تعوم على الماء؟ ثمة مدينة ألمانية اسمها شفيرين وتلقّب بـ «مدينة السبع بحيرات والسبع غابات» وتقع غرب الولاية الاتحادية مكلنبورغ- فوربومرن على الشاطئ الغربي لبحيرة شفيرين، في محيط بحري وحرجي في آن، منحها اللقب.
ولكن يبقى القصر العائم على جزيرة صغيرة بين بحيرتين، الموقع الأكثر روعة في المدينة والذي يجعلها الأكثر جذبًا للسياح. وخلال الربيع تبدو الطبيعة في هذه المدينة وقد استيقظت بعد سُبات طويل في حديقة شلوس لتتأمل في حسن المدينة التي تحضنها.
تخترق العديد من القنوات المائية هذه الحديقة التي تحيط بها الشوارع الصغيرة، والزهور والتماثيل، ما يجعل نزهتك الربيعية في هذه المنطقة وكأنك تجولين في مدينة افتراضية حيث كل تفصيل ينطق سحرًا وجمالاً يخدّر الحواس بلا هوادة.
هنا المدينة والطبيعة تتمرآن في الماء، فتبدوان وكأنهما لوحتان مزركشتان بألوان الربيع الخصب وتتنافسان على عرش الجمال.
وصحوة الطبيعة الربيعية ترافقها حركةٌ احتفالات بـ Frühjahrserwachen والتي تعني حرفيًّا «صحوة الربيع».
سوف تكتشفين المعارض الفنية باختلاف أنواعها، وتتحوّل حديقة شلوس Schlossgarten إلى منصة مهرجانات موسيقى، فيما ميناء البحيرات يتحول إلى منصة عرض لليخوت والقوارب يُقام في شهر أيار/ مايو، حيث كل البحّارة وأصحاب القوارب والزوار يحتفلون ويبحرون بين أروقة البحيرات.

ليتشي، إيطاليا
هل فكّرت يومًا بما يمكن أن يضم كعب الجزمة التي تتخذ شكلها الخريطة الإيطالية، التي تعرّفنا إليها في درس الجغرافيا حين كنا صغارًا؟ ما رأيك في زيارتها هذا الربيع! احزمي حقيبتك وحلّقي نحو ليتشي التي تقع شرق بوليا، في وسط سالنتو شبه الجزيرة التي تشكل «الكعب» في الخريطة الإيطالية.
وليتشي، مدينة ساحلية كانت لعدة قرون واحدة من أكثر المدن المأهولة بالسكان في مملكة نابولي، وكانت مركزًا ثقافيًا وتجاريًا مزدهرًا، مما يفسر احتضانها لهذا الكم من المعالم الأثرية التي تتحدث عن صفحات المدينة التاريخية.
إضافة إلى تاريخها العريق فليتشي واحدة من أجمل المدن في إيطاليا. في فصل الربيع، تكشف عن طبيعة ساحرة متجدّدة، تمزج الكثير من الألوان والعطور التي توقظ كل حواسك. إنه السحر الإيطالي المستريح على المتوسط عبر شاطئ طوله 20 كيلومترًا.
أثناء التجوال في ليتشي تشعرين بأنك وسط متحف رُمي في الطبيعة فكان سقفه السماء الفاقعة الزُرقة، وجدرانه الطبيعة الغنّاء المزركشة بأروع الألوان، وبينهما لازوردية البحر الأدرياتيكي. تبدئين زيارتك في وسطها التاريخي، حيث يستريح بصمت العديد من القصور الإيطالية التي بُنيت على الطراز الباروكي النموذجي للمدينة.
فقيمة هذه القصور الفنية والتاريخية الكبيرة أعطت المدينة طابعها الفريد بثراء زخرفة واجهاتها. كانت هذه القصور، في الأصل، مساكن العائلات النبيلة من سالنتو التي لا تزال أسماؤها وشعاراتها منقوشة فوق بوابات الدخول.
واللافت أن حجم هذه القصور يدلّ على المستوى الطبقي للعائلات النبيلة التي سكنتها. وغالبيتها لا تزال مأهولة في بعض الأحيان من جانب الأسر التي ترعاها، في حين تحوّل بعضها الآخر إلى متاحف أو فنادق، ما يتيح لك المبيت في ترف التاريخ. لا تفوّتي زيارة كنيسة «سانتا كروتشي» المشيّدة بالنمط الباروكي، ثم استريحي عند مدرج روماني يجعلك تستحضرين التاريخ بكل أحداثه. وأخيرًا جولي في الحديقة النباتية واستمتعي بتجدد عناصر الطبيعة الإيطالية خلال ربيعها.
تحتفل ليتشي بمهرجانات الموسيقى والكرنفالات، وبالطبع عليك ألا تفوّتي تذوّق أطباقها اللذيذة جدًا، وألا تخشي السعرات الحرارية، فالتجوال في هذه المدينة كفيل بحرقها من حيث لا تدرين.
في الربيع تتراوح درجات الحرارة بين 18 و 22 درجة. يكون الطقس غالبا مشمسًا مع القليل من الأمطار، يرافقها نسيم البحر الخفيف من الجنوب الشرقي، مما يجلب لك بعض النكهات المالحة.

مونترو، سويسرا
تقع مونترو في الجزء الناطق بالفرنسية من سويسرا. إنها من أجمل المدن التي يمكن زيارتها خلال الربيع، فقد زرتها مرات عدّة وبمختلف أمزجة الطبيعة وفصولها، وفي كل مرة كانت تبهرني بتجدّد شبابها وتكيّفها مع مزاج الفصول فتزداد سحرًا وبهاء.
فهي المدينة المستريحة على ضفة بحيرة جنيف، التي تُعرف أيضًا ببحيرة ليمان. لا تتردّدي في التنزّه عند جادة البحيرة العريضة، فعلى طولها تتجاور المحلات التجارية ومقاهي الرصيف.
واللافت أن الأسعار مقبولة تناسب جميع الميزانيات، فهناك المتاجر التي تبيع بسعر الجملة وتجاور البوتيكات التي تعرض لأرقى دور الأزياء العالمية.
أما الرصيف الممتد على ضفة البحيرة فيحتشد فيه الناس. أطفال يلعبون ومسنّون يتشمّسون، وبسطات ممتدة على طول الرصيف... لاتفوّتي سوق الجمعة، الذي يكشف وجهًا آخر لمونترو، فهنا بائع مغربي يبسط البهارات والتوابل التي جلبها من بلاد الهند، وتتدلى العباءات والفساتين فوق بسطة جاره الصيني، وتقابله بسطة سيدة تعرض الحُليّ المشغولة يدويًا، ويقف وسط الزحام مجسّم المغني البريطاني الراحل في فرقة كوين «فريدي مركوري»، الذي أحب هذه المدينة إلى درجة أنه اشترى منزلاً فيها يُشرف على البحيرة، وأمضى آخر أيامه في مونترو حين دهمه المرض، والتي ألهمته كتابة أغنية (A winter's tale) أو «قصة شتوية».
أما البحيرة فتخيلي أنها ألهمت الكاتبة الإنكليزية ماري تشيلي، صاحبة رواية فرانكنشتاين عندما زارت مونترو عام 1816.
لا تكتفي بتأمل البحيرة، بل أبحري فيها حيث تدهشين بجمال الطبيعة الخلابة لمونترو فتتراءى لك البيوت والجبال الخضراء نماذج فنية تتجسد في لوحة مائية متحركة تتغيّر ألوانها بتغير الفصول.
فيما تتعرفين إلى حكاية «قصر دو شييون» Chateau de Chillon المستريح على جزيرة صغيرة تصل برّ مونترو ببحيرتها، وفي التاريخ أن شييون سيد القصر كان يأخذ عمولة من التجّار الذين كانوا يعبرون إلى إيطاليا.
خلال الربيع تتزين مونترو بأزهار النرجس البري، فلا تترددي في مغامرة التجوال بين أروقة زهر النرجس بـ«المونستر بايك». إنها مغامرة فريدة، ومعظم سكان مونترو يخوضونها في الربيع بعد ذوبان الثلوج، وظهور المروج.
في الربيع تتراوح درجات الحرارة بين 10 و 18 درجة. الطقس مشمس في معظم الأحيان، ما يجعل اكتشاف المدينة على القدمين غوصاً في عالم سويسرا بلسانه الفرنسي.

CREDITS

إعداد: ديانا حدّارة