التحرش في العمل كابوس دائم يطارد المرأة

التحرّش,العمل,كابوس,دائم,المرأة,الاتحاد,العام,عمال,العاملات,دراسة,أشكال,ياسمين وجيه,معاناة,حقائق,مرعبة,الشركات,عاليا سليمان,الخوف,الفضيحة,البحث,القانون,الغرب,حوادث,المهندسة,فاولر

أحمد سالم - (القاهرة) - جولي صليبا 13 مايو 2017

تشير دراسة أجراها الاتحاد العام لعمال مصر، إلى أن 30 في المئة من العاملات في مصر يتعرضن للتحرش في أماكن العمل بصورة يومية، وتثبت دراسة أخرى أنه بين كل 100 امرأة هناك 68 تعرضن فعلاً للتحرش داخل محيط العمل، سواء كان لفظياً أو بدنياً، الى درجة أصبح التحرش في العمل كابوساً دائماً يطارد المرأة.

فما هي أشكال هذا التحرش؟ وماذا تفعل المرأة العاملة لردع المتحرشين بها في العمل؟

 

ياسمين وجيه: تركت عملي بسبب تحرش مديري
ياسمين وجيه (25 سنة، عاملة في إحدى الشركات الصغيرة) تحكي تجربتها مع التحرش في العمل من مديرها قائلة: «تركت عملي بعد أن بقيت فيه مدة تقرب من العام، وذلك بسبب كلام مديري المليء بالإيحاءات الخارجة منذ بداية العمل معه، وتحمّلت طيلة هذه الفترة على أمل أن يشعر هو بالملل أو يبحث له عن فريسة أخرى، لكن في شهور حملي الأولى، زاد الأمر بصورة لم أستطع تحمّلها، فأخذ يسألني عن أمور أخجل أن أتحدث فيها حتى مع زوجي، وبسبب هذه الأسئلة تحديداً فقدت القدرة على التحمّل وقررت ترك العمل والبحث عن عمل آخر، وبسبب رفضي التجاوب معه، رفض إعطائي مرتب نصف الشهر الأخير لي في الشركة، الذي لم أكمله بسبب أفعاله».
تضيف ياسمين: «بعدما تركت هذا العمل، دبّرت لي إحدى صديقاتي فرصة عمل أخرى في محل ملابس فوافقت، لكني لم أستمر فيه سوى ثلاثة أشهر، فصاحب هذا المحل كان دائماً يناديني «يا حبيبتي» ويقول لي يومياً إنه «يفتقدني»، وقد طلبت مراراً أن يكف عن هذا الأمر، لكن سرعان ما كان يعطيني مبرراً أكثر سخافة ويتحجج بأن لي في قلبه مكانة خاصة دون كل الفتيات في المحل، ما جعل زميلاتي يظننّ أن هناك علاقة بيني وبينه، ليس هذا فقط فبعد انتهاء دوام العمل كان يعرض علي اصطحابي في سيارته بحجة أن منزله قريب من منزلي، فلم أستطع أيضاً تحمّل كل هذه السخافات.


معاناة ابنة
تحكي رويدا شاهين (55 عاماً، مطلقة ولديها خمس بنات)، معاناة إحدى بناتها وتقول: «عملت ابنتي في أحد المطاعم، وكانت تشتكي بصورة شبه يومية من تحرّش صاحب المطعم بها جسدياً ولفظياً، ولأننا كنا بحاجة ماسة إلى عملها لأن أخواتها صغيرات ولا يستطعن العمل، كنت أطلب منها أن تتحمل بذاءاته حتى تستطيع الإنفاق علينا، وبعد فترة طويلة من هذه المعاناة طلب منها هذا الرجل أن يتزوجها عرفياً من دون علمي ولا علم أبيها، وعندما رفضت عرضه أجبرها على ترك العمل في اليوم نفسه».
رويدا تعترف بأن ابنتها «رنا» التي تعرضت التحرش عمرها 19 سنة، وكانت مضطرة للعمل لأنها الكبرى بين أخواتها وهي العائل الوحيد للأسرة.

حقائق مرعبة
الحكايات كثيرة ومتشابهة، تحرش من مدير أو زميل أو صاحب عمل، بكلمة أو تصرف أو نظرة. عن ذلك تقول منى عزت، الناشطة الحقوقية ومديرة برنامج النساء والعمل في مؤسسة «المرأة الجديدة»: «تعمل المؤسسة منذ أكثر من عقدين على تقديم المساندة والدعم القانوني والإعلامي للنساء العاملات، ورفع وعيهن بحقوقهن، وقد نجحنا في وضع تقرير عن «تعرض النساء العاملات لأشكال كثيرة من العنف والتمييز داخل أماكن العمل. ومن خلال التقرير وجدنا أن كل الفئات عرضة للتحرش، لكن أهم ما جاء فيه هو تعرّض النساء في مهنة التمريض للتحرش اللفظي والجسدي، والفتيات العاملات في المصانع، والعاملات في المحلات الخاصة والمخازن، وصولاً إلى تحرش طلاب المرحلة الإعدادية والثانوية بمعلمتهم داخل الفصل، ومن أشهر أشكال التحرش: النظر إلى مناطق محددة من الجسد خلسة، تعمّد الاقتراب بصورة مبالغ فيها ولمس الجسد أو اليد بحيث يبدو أنه تصرف عفوي، التطرق الى أمور شخصية لا يصح التحدث فيها، محاولة الانفراد في أي فرصة للحديث في غير أمور العمل، التلميحات الخارجة، والتواصل بعد ساعات العمل من دون مبرر».
تضيف عزت: «أكدت نتائج التقرير أن غالبية النساء تعرّضن للتحرش داخل أماكن العمل، سواء بنظرات ذات إيحاء أو سماع ألفاظ وعبارات خادشة، وأن التحرش ليس مرتبطاً بمرحلة عمرية معينة أو حالة اجتماعية أو طريقة لباس معينة، كما أن قدرة المرأة على التصدي للتحرش داخل العمل صعبة جداً، لأن المتحرش غالباً ما يكون زميلاً أو مشرفاً أو مديراً. ولفت التقرير الى أن المديرين والمشرفين هم الأكثر جرأة في ارتكاب التحرش والأكثر عنفاً في ردة الفعل عند مقاومة النساء لهم، حيث وجدنا أن المديرين في غالبيتهم يتحرشون بالنساء بشكل مباشر، وفي حال رفض المرأة ذلك تتعرض لضغوط أهمها المعاملة السيئة وإضافة أعباء مضاعفة والتهديد بالفصل من العمل».
وأكدت الناشطة الحقوقية أن هناك ضرورة ملحة لرفع وعي النساء بطرق الحماية القانونية والإجراءات التي يمكن الضحية اتخاذها في حال تعرضها للتحرش، أو الجهات التي يجب عليهن التوجه إليها للإبلاغ عن التحرش، كما يجب أن تنص لوائح النقابات على مواد متعلقة بالمساواة بين الرجل والمرأة ومناهضة العنف والتمييز.

الشركات الآمنة
أما عاليا سليمان، مديرة الاتصال في مؤسسة «خريطة التحرش» - وهي مؤسسة تطوعية رائدة في مجال مكافحة التحرش تأسست في عام 2010 - فتقول: «من مسؤوليات صاحب العمل الحفاظ على مكان خالٍ من التحرش، حيث أن الوقاية هي السلاح الأكثر فاعلية في التصدي للتحرش، وهناك العديد من الخطوات التي يمكن اتباعها لتقليل احتمال حدوث التحرش في مكان العمل، فمن الضروري أن يتوافر دليل للعاملين في الشركات يتضمن لوائح أو سياسات متعلقة برفض التحرش تشتمل على تعريف التحرش، وآليات واضحة للموظفات تمكنهن من تقديم شكوى في حال التعرض للتحرش، وإقرار عقوبات رادعة على من يرتكب هذه الجريمة في حالة ثبوت إدانته».
تضيف سليمان: «أطلقنا في «خريطة التحرش»، من خلال برنامج «الشركات الآمنة»، مبادرة «اسألي قبل ما تشتغلي»، وهي مبادرة تهدف الى توعية الفتيات الباحثات عن العمل بضرورة السؤال عن مدى ملاءمة هذا العمل لها من ناحية ضمان معاقبة الجاني- زميلها أو مديرها - عند تعرضها للتحرش، وهذا الموضوع من الصعب جداً أن يتم حسمه في كل الشركات، لأن المتحرش داخل نطاق العمل يكون على علاقة زمالة بالمتحرَّش بها وبالشهود المفترضين على الواقعة، إن لم يكن هو أصلاً مدير الشركة، وبالتالي يصعب تطبيق العقوبة، فمن الضروري السؤال عن عقوبة المتحرش مثلما تسأل الفتاة عن الراتب وعدد ساعات العمل».
تتابع عاليا: «للأسف، هناك تقبل مجتمعي للتحرش في مصر، وهو ما نعمل على تغييره من خلال المؤسسة حتى تستطيع الفتاة أو المرأة الإبلاغ عن تعرضها للتحرش من دون خوف من إلصاق الاتهامات بها، مثل ملابسها الضيقة أو وضعها المساحيق الزائدة أو طريقة تحدثها، فكانت حملة «بتتحرش ليه» على السوشال ميديا في هذا الخصوص، والتي تتحدث عن أسباب إقدام الشباب على التحرش، وذلك لإمكان الوقوف عليها ومحاربتها».

الخوف من الفضيحة
تؤكد الدكتورة رباب الششتاوي، أستاذة علم النفس في جامعة عين شمس، أن المرأة يغلب على طبعها الحياء، وهذا الأخير هو سلاح ذو حدين حيث يحترمه الأسوياء من الرجال ويقدرون من تتّصف به، في حين يستغله غير الأسوياء من المرضى بالتحرش، ليس بالأفعال فقط بل بالكلمة أو النظرة الشهوانية.
وتشير الدكتورة الششتاوي إلى أن الظروف الاقتصادية الصعبة وقلة فرص العمل وانتشار البطالة، تدفع كثيرات من النساء العاملات إلى تقبّل التحرش حفاظاً على «لقمة العيش» من جانب، والحفاظ على «السمعة» من جانب آخر، لأن هناك من الرجال من يتصفون بالفظاظة والوقاحة التي تجعلهم يتهمون المرأة المتحرَّش بها بأنها هي من تفعل ذلك أو تفتري عليهم، فيدخلون معها في حرب لتدمير سمعتها والطعن في شرفها، مما قد يؤدي إلى فصلها من عملها، لكن على المرأة ألا تستسلم وأن تكون قوية، لأن الحياء لا يعني الضعف.

البحث عن مبرّر
عن المنظور الاجتماعي للتحرش في العمل، تلفت الدكتورة نسرين البغدادي، رئيسة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، إلى أن المجتمعات الشرقية ذكورية، ولهذا فهي تنصف الرجال- حتى لو كانوا ظالمين - على النساء حتى لو كن مظلومات، ولديها من مخزون الثقافة الخاطئة ما يبرر للرجال التحرش، وهو أن المرأة هي من تشجعهم بشكل مباشر أو غير مباشر على التحرش بها، من خلال ملابسها وطريقة كلامها، والمهم هو البحث عن مبرر لتحرش الرجل بالمرأة، سواء في العمل أو الشارع أو أي مكان، حتى لو كانت في بيتها تتم معاكستها من خلال الاتصالات العشوائية من مدمني التحرش بالنساء عبر الهاتف.
وتطالب الدكتورة نسرين النساء العاملات بمزيد من الجدية في العمل والتعامل مع الزملاء، فصنف المتحرشين من الرجال يخاف من صاحبة الشخصية القوية، لأنه يعرف أن رد فعلها سيكون عنيفاً وقد تفضحه أمام الجميع. وردع المتحرش يبدأ بالتحذير والرفض ثم الزجر وصولاً الى التهديد برفع الأمر إلى مسؤولي العمل وفضحه علانية أمام زملائه، لكن المشكلة الكبرى هي إذا كان المتحرش هو صاحب العمل أو الرئيس في العمل، فإن الوضع هنا يكون أخطر وأصعب، لأن الثمن قد يكون الفصل من العمل أو العقوبات الظالمة، ما يجعل إحساس المرأة العاملة بالظلم مضاعفاً.

 

التحرش جريمة يعاقب عليها القانون في الغرب

يعتبر القانون الأميركي التحرش في مكان العمل مشكلة خطيرة، علماً أن هذا التحرش يمكن أن يراوح من اللفظ المنطوي على كلمات  عدائية أو مخجلة وصولاً إلى اللمس غير الملائم أو توجيه رسائل فاضحة. وباستطاعة أي شخص يتعرض للتحرش، سواء كان رجلاً أو امرأة، أن يتقدم بشكوى للمطالبة بتعويض مادي أو معنوي وإنزال العقاب بالمتحرش.
واللافت أن المتحرش يكون في أغلب الأحيان صاحب نفوذ أو سلطة مقارنة مع الضحية، بحيث يستخدم الأول نفوذه وقوته لترهيب الضحية وإجبارها على السكوت.
وفي أوروبا، يعتبر التحرش جُنحة يعاقب عليها القانون، أياً كان الرابط بين المتحرش والضحية. وقد تصل العقوبة إلى السجن لمدة عامين، إضافة إلى غرامة مالية بقيمة ثلاثين ألف يورو. لكن أصحاب العمل ما زالوا لسوء الحظ يستخدمون نفوذهم وسلطتهم، فيتحرشون بالموظفين من دون أن يعاقَبوا لأن الموظف يخشى خسارة وظيفته إذا فضح ما حصل معه.

حوادث متفرقة

نذكر طبعاً الفضيحة التي طاولت الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون خلال ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 1991. ففي تلك الفترة، زعمت باولا جونز، موظفة حكومية سابقة في ولاية أركنساس، أن كلينتون حاول التحرش بها بطريقة فاضحة. اضطر كلينتون يومها إلى دفع مليون دولار تقريباً لجونز لإسكاتها، رغم عدم اعترافه أبداً بما نُسب إليه.

 التحرش لا يكون دوماً من الرجال ضد النساء، بل العكس أيضاً. فعلى سبيل المثال، زعم فرناندو فلوريس، الحارس الشخصي السابق للنجمة بريتني سبيرز، أنه تعرض للتحرش من جانب سبيرز في مناسبات عدة، وقال إنها أساءت أيضاً معاملة أولادها مرات عدة.
إلا أن محامي سبيرز نفى كل تلك الادعاءات وقال إنها تهدف فقط إلى تشويه صورة النجمة وشهرتها.

 زعمت المذيعة التلفزيونية الأميركية أليسون كاميروتا أنها تعرضت للتحرش من الرئيس التنفيذي السابق لقناة «فوكس نيوز»، روجير آيلز، خلال عملها في القناة التلفزيونية. وأضافت أن زميلات أخريات لها تعرضن أيضاً للتحرش من جانب رئيسهن السابق. كل ذلك بسبب الثقافة السائدة آنذاك في المحطة، والتي جعلت من المستحيل وقف ذلك التحرش.
جاءت هذه المزاعم للمذيعة كاميروتا خلال مقابلة لها مع برايان ستيلتر بعد أيام قليلة على قطع شركة «توانتي فيرست سنتشوري فوكس»، الشركة الأم لقناة «فوكس نيوز»، علاقتها بالنجم الكبير بيل أورايلي بسبب مزاعم التحرش.
إلا أن محامية السيد آيلز أعلنت أن الأخير ينفي بشدة كل مزاعم السيدة كاميروتا، لأنها مجرد رواية من نسج خيالها. وأكدت محامية آيلز أن السيدة كاميروتا كانت قد شكرت قبلاً السيد آيلز في بيان عام 2014 عندما تركت محطة «فوكس نيوز»، وقالت يومها إنه كان لها الشرف أن تتعلم على يديه وتحصل على إرشاداته.

في الولايات المتحدة أيضاً، طُلب من وزير العدل السابق، إيريك هولدر، الذي كان وزيراً في حكومة الرئيس باراك أوباما، الإشراف على قضية تحرش تقدمت بها سوزان فاولر، مهندسة عملت لدى شركة Uber. فقد أعلنت المهندسة فاولر أنها اضطرت لترك عملها لأنها كانت ضحية للتحرش من مديرها. وعلى الرغم من إبلاغها قسم الموارد البشرية في الشركة، لم تتم معاقبة المتحرش أو إدانته. وتقول فاولر إنها سمعت موظفات أخريات في الشركة يتحدثن أيضاً عن تعرضهن للتحرش.

تركت فاولر عملها في Uber وروت ما حصل معها، فتحركت وسائل الإعلام والقضاء، وبدأت التحقيقات.