الشاعرة والرسامة مها الخال...عاشت طفولتها السعيدة وتلقت الأمر: «احضري أو غيبي الى الأبد»

الشاعرة,الرسامة,مها الخال

إسماعيل فقيه - (لبنان) 03 يونيو 2017

تكتب الشاعرة مها بيرقدار الخال القصيدة، وترفعها كمرآة في وجه الحياة  والعالم. لم تتوقف عند كتابة القصيدة، بل خاضت غمار الفن والرسم والكتابة الدرامية. وبهذا التنوع الإبداعي، حافظت على خصوصية أدبية وفكرية وثقافية، وأغنتها بموهبتها القديرة.


وُلدت الشاعرة والأديبة والرسامة في دمشق، والدها المقدم محمد خير بيرقدار (عسكري، يهوى الرسم ويمارسه)، ووالدتها السيدة نظميّة الأمين، وتتمتع بموهبة الرسم أيضاً.
ترعرعت الشاعرة ضمن عائلة مؤلفة من أربعة أولاد. وكانت طفلة جميلة هادئة، وتنعمت بعاطفة والدها الجارفة والدلال اللامتناهي.
تفصح الشاعرة مها الخال عن أنها عاشت طفولة سعيدة، وهذه الطفولة السعيدة ساهمت في إطلاق مواهبها. ففي سن الرابعة عشرة، وضعت باكورة أشعارها وبدأت ريشتها ترسم وتلون الملامح والخطوط على دفترها الأبيض. فالموهبة بدأت باكراً في حياتها. تقول: «موهبة الرسم ورثتها من والدي الذي بحكم عمله، تنقّلت العائلة في معظم القرى والمدن السورية، ليتاح للصغيرة مها الترحال في مدى ووسط سهول القمح والطبيعة الخلاّبة». فكان هذا الترحال في مثابة الطاقة التي شحنت مخيّلتها بالجمال والإبداع، وكانت المطالعة تحشد وتراكم في ذاكرتها مخزوناً إبداعياً وثقافيّاً، الأمر الذي أوصلها الى هذا المحفل الإبداعي الثري.

بدايات
تلقّت الشاعرة مها بيرقدار الخال علومها الابتدائية في مدرسة  «خديجة الكبرى»، ونالت الشهادة الابتدائية بتفوّق. ثم تابعت تحصيلها العلمي  في دمشق، ونالت شهادتي «البروفيه» و«البكالوريا». تلفت: «في تلك الأثناء، تبلورت موهبة التمثيل والرسم لدي، ورغبت في دراسة المسرح، لكن هذه الرغبة اصطدمت بمعارضة شديدة من الأهل، ذلك أنني من عائلة عريقة ومحافظة، ما يعني أنه لا يمكن  للفتيات البقاء خارج المنزل ليلاً».
تتذكر الشاعرة  بداياتها مع العلم والمعرفة والفنون قائلة: «في عام 1964، انتسبت إلى معهد الفنون الجميلة في دمشق ودرست الرسم والنحت، ونلت عام 1967 ديبلوماً في الرسم بدرجة جيد جداً. بعدها، غادرت إلى ألمانيا لمتابعة دروسي في الرسم، لكن وصولي إلى ألمانيا  كان متأخراً عن بدء العام الجامعي في معهد الفنون، ما أجبرني على استبدال الاختصاص ودراسة إدارة الأعمال».
ومرت الظروف وتحولت باتجاه الأسوأ في حياة الشاعرة، حيث توفي والدها إثر سكتة قلبية: «توفي والدي وهو الشخص الأحب إلى قلبي،  الأمر الذي أجبرني على العودة إلى سوريا، والبقاء فيها. ومن ثم دخلت ميدان العمل الإعلامي».
غيـاب والدها أثّر في مشـاعرها، فكـان سعيـها إلى إصدار أول ديوان شعر، «كمحاولة للتعويض أو لمواجهـة الشعور بالخسارة. قصائد متفرقة جمعتها، وقصدت بيروت برفقة صديق والدي، وذهبنا إلى «دار النهار للنشر» في بيروت، وهناك التقيت بالشاعر يوسف الخال (مدير الدار آنذاك)».
في البداية، لم تطبع الشاعرة ديوانها، وربما استبدلت طباعة الكتاب بطباعة مسيرة حياتها ومستقبلها، حيث اقترنت بالشاعر الراحل يوسف الخال، وكان الحب من النظرة الأولى والقصيدة الأولى. الشاعر الكبير الذي أحبها من النظرة الأولى، وأغرم بشعرها، بادلته الشعور نفسه. وبعد ثلاثة أشهر من المراسلة التي جرت بين الشام وبيروت بغية التنسيق لطباعة الديوان أو الباكورة الشعرية، لم يستطع الشاعر «العاشق الولهان» الصبر على الفراق، فكتب لها في رسالة :«احضري حين ينتصف تموز أو غيبي إلى الأبد».
وسرعان ما حضرت الصبية الشاعرة الجميلة الحالمة، لأنها لم تستطع مقاومة مشاعرها تجاه «الإنسان المميز والمثقف والشاعر العظيم الذي كنت أسمع وأقرأ شعره عبر أثير الإذاعة السورية بشغف وإعجاب من دون أن أعرفه».
تزوجت الشاعرة من الشاعر، بعد تلك المسافة الزمنية التي جمعتهما. تزوّجا مدنياً في قبرص عام 1970، متخطّيين غضب الأهل وكل العادات والتقاليد والأعراف واختلاف الدين وفارق السن.
وأثمر زواجهما ولدين (فنان وفنانة) في عالم الفن والتمثيل: ورد ويوسف الخال.

مراحل 
عاشت الشاعرة والرسامة مها بيرقدار مع زوجها يوسف الخال سبعة عشر عاماً من السعادة والنجاح والـتـألّق. غادر يوسف الخال، رائد الحداثة الشعرية، الحياة، وبقيت واستمرت مها الشاعرة والرسامة الحالمة، على طريق الشعر والإبداع والنجاح.
تمحورت أعمالها الشعرية حول الحب والإنسان والوطن والخوف. وللرسم حصة متوازية مع الشعر في حياة الشاعرة، فقد رسمت ولونت لوحة مشرقة، تتميّز باللمسة الروحانية.

صورة
تتحدث الشاعرة عن مراحل عبرتها، عن وجعها، فتقول: «في هذه الحياة مناخات وعذابات. كل إنسان يتمتع بقدر من الحس لا بد وأنه توأم الوجع. فالإنسان محكوم بالحياة والموت، وبين الحياة والموت رحلة محفوفة بالوجع والحروب والانفعالات والمجابهات. فكيف إذا كان هذا الإنسان فناناً حسه مضاعف مئات المرات؟ لقد أوجعني الوطن والإنسان، الحب والفقدان، الانتماء، الخوف والاشمئزاز، الكذب والحسد. لقد خفت  كثيراً حتى لم أعد أخاف».
أما الواقع، فهو قاسٍ في ذاكرتها وصعب. لكن عالم الحلم عندها هادئ جميل ورقراق: «فكيف لي أن لا أفضله؟ عالم أحلامي هو نصف الطريق نحو الفردوس، بينما الأرض كوكب مشتعل تعمه الفوضى والضجيج. أنا إنسانة حالمة إنما فقط ضمن نطاق الرسم والشعر. أما في حياتي العادية، فأنا إنسانة واقعية تلتزم بدقة مسؤولياتها كافة».
لا تحب الشاعرة ولا تفضل «تلك الانتماءات الرومانسية لأمكنة محددة حسبت على البشر أوطاناً. يشدني الحنين إلى بعض الأمكنة في دمشق مثلما يربطني الحب ببلدات الجنوب اللبناني وببيتي في بلدة غزير». شغفها الأكبر يكمن في جمالية العمارة في بعض البلدان وروعتها، «في إيطاليا، في فلورنسا بكيت أمام  جمال المدينة وتمنّيت  الموت في تلك اللحظة من نشوة الجمال، وسحر المدينة...».
تعترف الشاعرة وتقول: «العيش حالة تختارنا مثلما نختارها، نعيش الحب، الشعر، الفن، الحلم، القهر. بينما التعايش أمر يفرضه منطق الأشياء وضرورتها».

صورة أخرى
عن زوجها يوسف الخال تشير مها الزوجة والشاعرة: «يوسف شاعر كبير وعظيم. إنه ككل مبدع، قيمة لا تموت. لقد كان ثائراً رافضاً مجدداً ككل كبار التاريخ. في البال هو ماثل دائماً، وهو حاضر بولدَي «ورد» و«يوسف»، كما في كل نتاجه من شعر ونثر ونقد، وترجمات».
أما قصيدتها، فتقول فيها: «قصيدتي تتبع أعماقي، وهي ترجمة حقيقية لتلك الأعماق. لذلك، تأتي أحياناً حزينة داكنة... عندما يغلبني النوم أقوم وأصلي خشية أن يكون النوم هو الأخير... طالما هناك إنسان على هذا الكوكب طالما الشعر موجود. الشعر لا يمتلك زمناً ولا مكاناً لأنه هو الزمان والمكان، قد تشوبه أحياناً بعض الشوائب من هنا أو هناك، لكنه يبقى أبداً ذاك الملاك المغتسل بالمطر والضياء. الشعر هو الحياة».

صور
في أشعار مها الخال حضور للصورة المتعاكسة، كأنها تريد أن تخفي أكثر مما تعلن، فماذاعن هذا الذي يختبئ وراء الكلام والشعر، ماذا تقول الشاعرة عن هذا المضمر في شعرها؟ الكثير من الوجوه والذكريات. يخبئ الشعر والكلام وجوهاً وذكريات، أصواتاً، شغفاً لطفولة عذبة هاربة وحباً للحلم والحياة، وإيماناً كبيراً بأن بصمتنا فيها هي بصمة متفردة بحالها ولا تشبه إلا حالها. وربما المضمر هو كل ما هو معلن، وربما العكس هو الصحيح.

- ماذا تبقّى من الذاكرة أو الذكرى لدى الشاعرة؟
كل شيء على حاله. لم يغادرني الحنين الى ذاك العبق، والذي يبدو أثره جلياً في كل ما أقوم به شعراً كان أم رسماً، إنها حكاية الحنين الذي لا يبرح الأحشاء ولا ينتهي حتى أخالني شجرة مثقلة... جذورها في الشام وثمارها في لبنان، أليس هذا هو الشعر؟

- وسؤال الشعر يتجدد، أما زال الوجدان الشعري ينبض كما في السابق؟
الشعر قلب نابض، إذا توقف النبض توقفت الحياة. ما دام الإنسان موجوداً، فإن ذاك النبض موجود، كلما ازداد إيقاع الحياة، كلما ازدادت حاجة الإنسان إلى الركون الى الشعر والفن والمثول في مملكته، لأنه جمال مطلق، ولعله الحرية الوحيدة وسط ضجيج هذا العالم. الشعر سلام النفس.

- تعريفك للشعر، هل تغير؟ ما هو الشعر؟
سؤال الشعر فوق التعريف، يليه جواب حاشد بالتعريف. الشعر هو حالة التصفّي والارتقاء التي تباغتنا. إنه ذلك الانصهار بين الذات والذات وبين الذات ولحظة الوعي القصوى، حيث تزخر تلك المسافة بتلك الشفافية اللامتناهية لرؤيا الكائن المتجاوز كل تفاصيل الأمور الدنيوية وصغائرها، إنه الكنز المرصود لصاحبه، إذا كان وعي هذا الصاحب صافياً فيقوى على النهل من تلك الأعماق جمالات لا توصف وآمالاً لا تحد، التي هي الشعر. ويبقى التعريف اقل، أقل مما يقوله الشعر نفسه.

- الشعر اليوم هل هو بخير؟
الشعر هو الشعر، لا يتغير كشعور. لكن ربما اليوم، نجد ما يفقد بعض بريق الشعر. نفتقد لحظة الصدق في عودة الإنسان إلى ذاته وأعماقه والبحث عما تبوحه تلك الأعماق، يفتقد الإنسان الذي يعرف كيف يصنع لحظته المشرقة. وربما أيضا هذه الأمور سقطت سهواً.

- الرومانسية غادرت، هل تغيّر وجه الرومانسية في زمن  السرعة؟
الرومانسية موجودة في عمق غالبية الفنانين الذين يتمتعون بدرجة عالية من الحساسية، على رغم تأثر هذه الرومانسية من قريب أو من بعيد بعصر السرعة لكن إلى حين! لأن لحظة الشعر والرومانسية هي أسرع من كل سرعة، إنها الومضة الساحرة التي لا تنجلي.

- التجربة  والحياة؟
التجربة الصادقة هي التي تنمّي الإنسان وتطوّره، إن كانت حياتية على صعيد الزواج والإنجاب وخبرة الارتباط، الى الخبرة الفنية التي تختمر بمرور الزمن. كل العوامل ساعدت وساهمت في التركيبة الشخصية للمرأة. فبقدر ما تتفاعل بما حولك ويكون التواضع والحس الخلقي كبيرين، بقدر ما تتكشف لك الحياة بكل جمالاتها وبساطتها وعظمتها. فتفهمها وتحبها وتجعل منك فيلسوفاً صغيراً . الحياة هي التجربة، والتجربة هي الحياة.

- سؤال الحب، أو جواب الحب في حياة الشاعرة؟
الحب سؤال سهل وجوابه سهل، لكن في الجواب ثمة لا نهاية. فكيف يمكن الحب أن يكتمل في سؤال وجواب. عشت وأعيش وسأعيش الحب. وطالما أنفاس الزمن مستمرة بتزويدي بشهقات الحياة، فإن الحب سيبقى مثل النبض في قلبي، وهو الأمل الذي يجري في عروقي. جميل سؤال الحب حين لا نستطيع تحديد جوابه النهائي.-