المهندسة راشيل لاكسر في ويستشستر في نيويورك: منزل يرسم أفقاً مبتكراً ويتعدى حدود التصنيف

المهندسة راشيل لاكسر,ويستشستر,نيويورك,منزل,التصنيف

نجاة شحادة (باريس) 10 يونيو 2017

في واحد من « الجيوب » الخضراء لحي ويستشستر في مدينة نيويورك، يقع هذا المنزل الخلوة والذي لا يشبه في قصته أي بيت آخر .
فهو بالإضافة الى المواد المتنوعة المستخدمة في بنائه وديكوراته، فإن الكثير من التمنيات والرغبات قد شاركت في صياغة تفاصيله التي تنتمي الى مستوى بالغ الفرادة والتميز .


ولكي تتضح الصورة أكثر، يمكننا القول إن الفرادة هنا ليست مجرد توصيف، بل هي في واقع الأمر تصنيف، وهي كذلك ليس فقط لأن صاحبة هذا المنزل هي «راشيل لاكسر» مهندسة الديكور الشهيرة، بل لأن المنزل نفسه يقدم بهيكليته المعمارية وزخرفة داخله مفهوماً مغايراً للهندسة الداخلية، ويرسم أفقاً مبتكراً للتصميم يتعدّى حدود كل ما هو متداول.
عامان ونصف العام من التخطيط والبناء كانت فترة قياسية لإنجاز هذا المنزل الفريد. على أن العملية لم تكن بهذه السهولة، ذلك أن «راشيل لاكسر» حين اشترت وزوجها هذه الأرض، كان ثمة منزل قائم عليها، غير أن تلفاً كبيراً كان قد أصابه، إضافة الى تموضعه غير المناسب في المساحة، مما استدعى اتخاذ القرار الصعب بهدمه والبدء من الصفر.
ولأن هذا المنزل يشكل بالنسبة الى «لاكسر» قاعدة أميركية لعملها في الديكور، أرادته أن يشبهها تماماً. فكان تصميمه على قاعدة العمارة الجيورجية مع الاحتفاظ بالجوانب الرئيسة لمنزل «لاكسر» البريطاني، مما جعل منه قطعة من شمال لندن على أرض نيويورك.

هو يعكس عشق «لاكسر» للصفاء والبساطة المتأصلة في الأسلوب الياباني، حيث تلخصها بقولها: «العناصر الأساسية في الهندسة المعمارية اليابانية تتجلّى في مسألة محورية، وهي أن كل غرفة تقودنا الى الفضاء التالي في المنزل.
ومن أجل ذلك نجد في البيت الكثير من الأركان والأبواب المنزلقة، بحيث يمكنك فتح أي جزء وإغلاقه اعتماداً على ما يحدث فيه.
المواد نظيفة جداً ومهدّئة. أردت أن يكون التصميم انسيابياً، يتيح لنا تغيير الفضاءات من العام الى الخاص تبعاً للوضع الذي نرغب به.
وللمنزل أبواب من الخشب الداكن بمؤثرات حرفية... لقد تم تصميمها بحيث تنعكس المواد نفسها على صفحة الأبواب، وهو ما يجعلها سهلة الاستخدام في حال الفتح والإغلاق، وهي الفكرة التي استعرتها من شقتنا في طوكيو». لقد عملت «لاكسر» على هيكلة واجهات المنزل الخارجية بمظهر كلاسيكي من القرميد.
كذلك حرصت على أن يكون له فناء كبير مرصوف بالحصى مع مدخل يؤمّن له التوازن.

القواطع والعوارض والصبّات وسماكة الجدران، وكذلك النِسب التقليدية داخل المنزل، كلها تحاكي منزلها في لندن. أرادت «راشيل» أن يبدو المكان منزلاً قديماً قد خضع للتجديد أكثر منه منزلاً ببناء حديث.
ولكي تضفي على المنزل الطابع والمظهر القديم، أجرت عملية بحث عن البيوت ذات العمارة الكلاسيكية، مما ساعدها في تنظيم عملية التخطيط. فـ «راشيل» تعتقد بأن التخطيط هو مفتاح النجاح لأي مشروع، بالإضافة الى بنّائين محترفين ومهرة.
لذا لا غنى عنهم في إنجاز هذا المشروع في إطاره المرغوب، فنظّمت اجتماعات أسبوعية من لندن، عبر سكايب، مع فريق العمل في أميركا، بالإضافة الى الزيارات الشهرية التي كانت تقوم بها للتجول في أرض المشروع ومناقشة فريق العمل.

ولا شك في أن النتائج الباهرة التي حصلت عليها تؤكد مدى براعتها وخبرتها في تحقيق ما ليس متوقعاً.
حضور «الروح» اليابانية يبدو واضحاً في كل أركان المنزل، غير أن هذا الحضور لا يشكل أي نوع من الهيمنة، فهو الى جانب البراعة في توزيعه وخيارات عناصره المدروسة، يظهر انسجامه المؤثر مع المشهد الزخرفي العام، حيث الجو الكلاسيكي الصارم يتآلف أيضاً مع حداثة واضحة في كثير من الزوايا.
وهكذا يمكننا أن نجد في المساحة الواحدة – مثلاً – الألوان الكلاسيكية التقليدية على الجدران وفي أغطية الأرض، وكذلك في أقمشة الأثاث، غير أننا نجد أيضاً أن تصاميم قطع الأثاث من كنبات وكراسٍ وطاولات منخفضة وحتى بعض الأكسسوارات، مستعارة من البيوت اليابانية، ولكن اللوحة التجريدية المعلّقة على الجدار بألوانها الصارخة تعيدنا الى مستوى القرن الحالي.
وما ينطبق على هذا الركن هنا، ينطبق على الركن هناك، مع فارق في مستوى الخيارات والمعالجات، وتنويع على الإيقاعات اللونية، وربما أيضاً تفاوت في بعض الأشكال والأحجام. فالفكرة الأساسية التي اعتمدت عليها «راشيل لاكسر» في تشكيلاتها الزخرفية – وكذلك في تطبيقاتها الهندسية بداية – كانت تأكيداً للنظرة الفلسفية التي تؤسس لداخل البيوت اليابانية، حيث إن الفضاءات المتشابهة يمكن أن تُثري المشهد الزخرفي، ليس من حيث مطابقة عناصرها ولكن في مستوى التقديمات التي يتيحها المكان نفسه، وطواعيته للحاجات والرغبات وتأمين أقصى درجات الرفاهية والراحة والاسترخاء.
فنحن هنا أمام تجديد في مفهوم الـ«زن» القديم وتأطيره بمعايير معاصرة لا تناسب فقط طبيعة المجتمع الغربي وحياة أفراده، بل تؤسس أيضاً لمفهوم معولم لحاجات فرد متطلب من دون تكلف.
والفلسفة الشرقية التي تتجه بشروطها «الموحّدة» صوب المنزل، هي نفسها التي أملت على «لاكسر» أن تتبنى أكثر العناصر بساطةً من أجل توفير أكبر مقدار من الهدوء والراحة المنزلية. فهذا المنزل، يشكل لحظة ما الملاذ الآمن ليس فقط للراحة والعزلة، بل أيضاً للعمل الإبداعي الذي يتطلب تركيزاً يصعب تحقيقه في مكان العمل نفسه، ومن أجل ذلك لا بد لنا من ملاحظة الأولوية التي منحتها «راشيل لاكسر» لتخصيص مكتب عمل في المنزل، في الدور الأرضي، تدعمه مكتبة خاصة تحتل مكاناً مميزاً في أعلى السلّم المؤدي الى الدور العلوي.

في الدور الأرضي، نجد كل المساحات المطلوبة لممارسة حياة أنيقة، هادئة ومريحة، تلبي متطلباتها أركان وفضاءات للاستقبال والجلوس والطعام والمطبخ، وفضاءات للعمل والاسترخاء والبحث، إضافة الى قبو وصالة للسينما.
فضاءات تشكل في كلّيتها وفي تفاصيلها مشهداً زخرفياً متفرداً. في الدور العلوي سنجد فضاءات الليل والتي تختلف تماماً في خصائصها عن فضاءات النهار في الدور الأرضي.
اختلاف لا يشمل الألوان والأشكال والأحجام فقط، ولا يقتصر أيضاً على الاختلاف الهيكلي، حيث نشهد عودة للمساحات المنفصلة بأبواب وممرات من أجل تأمين الخصوصية المطلوبة لكل فضاء، بل يمتد الاختلاف هنا ليصل الى المفهوم أيضاً، فنجد غرف النوم للبالغين بتنويعات لونية وشكلية، تطغى عليها الصرامة وبعض التكلف الذي تُبدد وطأته المساحات الرحبة للغرف، كذلك أركان الجلوس في كل غرفة تنقلنا الى أجواء تقليدية ولكنها بالغة الأناقة تظهر عليها ملامح فخامة تنتمي الى البورجوازية.
أما غرف الأولاد فهي أيضاً لا تختلف في انتمائها الى التقليدي، من خلال مفاهيم شائعة تتمثل بدلالاتها اللونية، حيث يمكن معرفة غرف البنات وغرف الصبيان من ألوانها... بكل غرفة أُلحقت صالة حمام يشع الضوء في فضائها ويؤكد اللون الأبيض مستوى نقاء خطوطها.

ولكي نختتم الحديث عن هذا المنزل الفريد مرة أخيرة، لا بد من الإشارة الى أن المشكلة الكبرى التي واجهت «راشيل» وزوجها، كانت عند تلقي الزوجين معلومات تتخلص بضرورة أن يكون المنزل أقرب الى مصدر المياه المخصص للدفاع المدني في حال اندلاع حريق.
فقد اكتشف آل «لاكستر» أن المهندس المعماري المكلف بالمشروع قد فاته مراجعة القوانين والأنظمة أثناء تخطيط المنزل، وحتى أن موقع المنزل يشكل ارتداداً ملحوظاً عن الطريق العام، فقد كان على الزوجين العمل لاستصدار ترخيص من أجل استحداث مصدر مياه آخر في الأرض التابعة للمنزل. وهكذا تم حل هذه المشكلة القانونية.