مـازن حـايك: الأمل في مواجهة الألم.. والتسامُح في تحدٍّ للتطرُّف

مازن حايك,محمد بن راشد آل مكتوم,دبي,المعهد الدولي للتسامُح,أمين حمادة,mbc,mbc hope

30 يونيو 2017

لا يمكن لأي عربي قراءة خبر إصدار حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قانون إنشاء "المعهد الدولي للتسامُح" من دون الذهاب بعيداً لتبّصر المعنى الحقيقي لهذه المبادرة. قد يبدو للعربي الغارق في الأزمات من تفاصيل حياته اليومية معيشياً وخدماتياً.. مروراً بالدائرة الأوسع اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وفكرياً وأمنياً، أن "التسامح" ضمن باقة سامية من القيم هو ترف قابل للتأجيل، أو سلوك طيب من الجميل تطبيقه بعد تحصيل لقمة العيش، أو نشر درع أمن وأمان في أقل تقدير. ولكن لا بد لقارىءٍ لبناني تحديداً أن يرسم ابتسامة فخر كبيرة على ثغره حين رؤيته لابن بلده مـازن حـايك، المتحدّث الرسمي باسم "مجموعة MBC"، عضواً في مجلس أمناء "المعهد الدولي للتسامُح" المُنشأ حديثاً في دولة الإمارات. ولكن، سرعان ما تُدرك الغصّة هذا القارئ حينما يحاول المقارنة فيجد نفسه على الضفة الأخرى حضارياً على الرغم من قرب المسافة الجغرافية من وطنه. بموازاة ذلك، يرسّخ مـازن حـايك نفسه بجدارة في مسؤوليات مهنية ضمن "مجموعة MBC"، وخارجها في مناصب رفيعة تقع في نفس خط نشر القيم في دبي. فهو عضو اللجنة المشرفة على "تحدّي القراءة العربي"، وعضو لجنة التحكيم التمهيدية لمبادرة "صنّاع الأمل"، وغيرهما.. كل ذلك خارج مسقط رأسه، "بلد الأرز" لبنان، الذي تحكمه ذهنية رسمية باتت في غربة عن معايير العلم والكفاءة والجدارة والمحاسبة، وأصبحت مع الأسف حكراً على من يعرفون من أين تؤكل الكتف زبائنياً، فأقفلت المستقبل أمام شبابها، وجهّزت لهم حقائب الغربة الثقيلة. فارق مؤلم بين لبناني يُسهم بنشر "القراءة" و"الأمل" و"التسامُح" في دبي، أبرز عناوين العالم المتحضر، ولبناني آخر قابع على أرضه بين جلاد وضحية، يرزح تحت جبال من النفايات وطبقة سلطوية جلّ همها إعادة توليد نفسها حصراً من دون اكتراث لما تراكمه من تقاعس وفشل وخيبات ومآس وديون باهظة وسلاح منتشر، قاضيةً على كل مبادرة فردية كانت السبب الرئيس في تعويض تقصير مؤسسات الدولة وجعل لبنان بلداً منافساً كما كان في سابق عهده حضارياً وسياسياً واقتصادياً.

يشرح حايك في حديث لـ "الحياة" المعنى الطليعي لـ "المعهد الدولي للتسامُح" الذي أُنشىء في دبي، مُبيّناً أن "المعهد ليس ترفاً على الإطلاق، بل هو خطوة أكثر من واقعية في سياق سياسة رائدة تسعى إلى تطوير بنية غير تقليدية للعقد الإجتماعي، وانتهاج رؤية ثاقبة ومتطورة تستشعر الحاجات والمتطلبات بموازاة المعضلات وتعمل على ابتكار الحلول الشافية لها." ويضيف حـايك: "لم يأتِ إنشاء المعهد وليد الصدفة، فنحن نعيش في دبي التي عرفت كيف تُعيد صياغة مفهوم دور الدولة والحكومة تجاه أبنائها والمقيمين على أرضها بفعل اختلاف التحديات.. وهذا ما يتكامل بالضرورة مع الهدف الأسمى المطلوب من أي حكومة، ألا وهو إسعاد الناس وتأمين رفاهيتهم وتحقيق أمانيهم وضمان مستقبلهم ومستقبل أبنائهم.. إذاً، المعهد يأتي ضمن هذه الرؤية الثاقبة لحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهي رؤية تُتوّجها "القيادة الحكيمة"، ويعمل على تحقيقها فريق عمل متكامل يتمتع بخبرات وكفاءات عالية، إلى جانب قدرة على استشراف التحديات وابتكار الحلول ومحاربة الفساد والمحاسبة، ضمن قالبٍ هاجسه بناء المستقبل والمنافَسة على كافة الصعد والمستويات! ببساطة، في دبي، رؤية. روح قيادة. فريق عمل. قدرة على الإنجاز وحل المشاكل. الإنسان المناسب في المكان المناسب. ومَن يرتشي هو بخطورة مَن يدسّ الرشوة."

ورداً على سؤال حول "التسامُح" في زمن صعبٍ تشعله بؤر من التطرُّف والإرهاب في الكثير من الدول العربية، يجيب حـايك: "الإمارات مجموعة حدائق ضمن حرائق. فما الذي يعنيه أن يأتي قائد ملهَم كمحمد بن راشد، ليقول أريد أن أطلق "تحدي قراءة عربي"، ليتنافس بذلك ملايين الناس على القراءة في منطقةٍ صُنِّفت إحصائياً على أنها "أمة لا تقرأ"؟ هذا باختصار هو بمثابةٍ تحدٍّ لواقع مؤلم. وعندما يقول الشيخ محمد أنه  يريد تكريم من يصنع الأمل في العالم العربي مقابل كلّ هذه الآلام، فهو يقوّي صانع الأمل مقابل صانع الألم. وعندما يُطلق أيضاً "معهد دولي للتسامُح"، فهذا يعني أنّه يدعم من ينشر قيَم التسامُح مقابل من ينشر البغضاء والتطرُّف والإرهاب والتعصّب والتمييز العنصري والديني والمذهبي. عملياً، ليس أمامنا اليوم إلّا طريق واحد هو طريق العلم وانفتاح العقول والأمل والتسامح وبناء الجسور لا الجدران، لأن الطرق الأخرى مظلمة ونهايتها الهلاك".

وحول خطة عمل "المعهد الدولي للتسامُح" يوضح حـايك: "يعكُس المعهد صورة دولة الإمارات وقدرتها على نشر قيم التسامح عالمياً، فقد أُعلن في سياق إنشاء المعهد عن إطلاق "جائزة محمد بن راشد الدولية للتسامُح"، والتي تُعتبر برأيي المتواضع، بمثابة جائزة نوبل مصغّرة لمَن ينشر قيَم التسامح". ويُسهب حـايك في شرح توجهات المعهد وخططه، وإن لم يكُن متحدثاً رسمياً باسمه: "يسعى المعهد الدولي للتسامُح إلى إبراز دور الإمارات وتعزيز صورتها كبلد يؤمن بنبذ العنف والتطرّف، وينادي بحوار الثقافات والأديان والعيش المشترك والتآخي بمفهومه الحقيقي. دبي مدينة الموزاييك البشري الذي يُبرز صورة جميلة ومتجانسة. اللبناني مع السوري، والمصري والخليجي، والهندي والباكستاني، والأوروبي والأميركي والآسيوي، وجنسيات أخرى. التعايش يصونه القانون والجميع تحت سقفه. أعضاء المعهد شخصيات مؤثرة في حوار الأديان والثقافات، ووجودي (اللبناني الوحيد) يضيف بُعداً مشرقياً خاصاً، ودوراً في التواصل والإعلام، وسعياً إلى إظهار صورة الإمارات الفعلية كبلد متسامح ومنفتح وحاضن حاضر للمستقبل. المبادرات كثيرة، بعضها سنوي كـ "جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للتسامح"، وبعضها مبادرات شهرية لنشر ثقافة الأُلفة، إلى جانب التخطيط للمستقبل وربما السعي إلى حماية الأماكن التراثية والأثرية ودور العبادة." ويلفت حـايك إلى وجود "مشاريع كبيرة بالتعاون مع الأمم المتحدة، وأخرى بالتوازي مع استضافة دبي لـ Expo 2020، هي التي تستضيف على أرضها نحو 180 جنسية ضمن تجمّع عالمي يصلح لأن يكون نموذجاً لحوار الثقافات وتعايشها".

ويشّدد حـايك في هذا السياق على أهمية حماية المعالم التراثية والأثرية المهدّدة بأخطار الزوال والهدم والتشويه وتقويض هويتها، مثلما حصل في الموصل العراقية، وتدمر السورية، وغيرهما الكثير، لافتاً إلى "ضرورة أن يمنحها المعهد حيزاً من الاهتمام خصوصاً وأنه نشأ في كانون الأول/ديسمبر 2016 تعاون في هذا الشأن بين الجمهورية الفرنسية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وأُعلن عن انشاء صندوق بقيمة 100 مليون دولار، يسعى مع الأونسيكو لحماية المعالم التراثية والأثرية المهدّدة والمعرّضة للخطر".

الجدير ذكره أن مرسوم تعيين مجلس أمناء "المعهد الدولي للتسامُح" يحقق نقطة إضافية بارزة بترأسّه من قبل سيدة (وزيرة)، إضافة إلى ثلاث سيدات (وزيرات) أعضاء في مجلس الأمناء، هن: وزير دولة للتسامُح الشيخة لبنى بنت خالد القاسمي (رئيس)، وعضوية معالي عهود بنت خلفان الرومي، ومعالي نورة بنت محمد الكعبي، ومعالي شما بنت سهيل المزروعي، بينما تصارع المرأة بيأس في عدد وافر من الدول العربية الأُخرى، للحصول على حد أدنى من الحضور والدور، ولو عبر "الكوتا النسائية"، كما كان مأمولاً حصوله في القانون الانتخابي النيابي في لبنان.

وفي هذا السياق، يؤكّد حـايك أن "الخدمة في الإمارات عامة بكل ما للكلمة من معنى وليست منفعة، من ضمنها يأتي الإلتزام بالقيم: فالأمل مقابل الألم. التسامح مقابل التطرّف. المستقبل المشرق والمنفتح والمتطور مقابل التقوقع  والبقاء في شعارات الماضي."

وإذا ما أردنا إسقاط هذه التجربة على لبنان، والاستفادة من منهج العمل العام والحكومي في بلدٍ أفزت ممارساته الحضارية معهداً للتسامُح هو الأول من نوعه في المنطقة، يقول حـايك: "إن سياسة تقييم أداء الوزراء والوزارات تخضع لمعايير محدّدة وصارمة. فهناك دولة تؤمن بالمحاسبة لمسؤوليها. فالوزير - مثلاً - لا يدخل كما يخرج في لبنان، حيث قل من يعرف عن إختصاصاته عند دخوله الوزارة وملاءمته لها، ولا أحد يعرف عن إنجازاته لدى خروجه من حكومة، غالباً ما تكون ذهنية انشائها محكومة أصلاً بالمعطى الطائفي، والمذهبي، والمناطقي، والحزبي، والولاءات الشخصية، كل ذلك في ظل إدارة رسمية هرمة، وفارغة، ومفككة، وغير منتجة، وفاسدة بأغلبها، وبحاجة إلى موازنات ومداخيل!

ويختم حـايك حديثه: "إن معهد التسامُح هو خطوة جديدة في نهج "الأمل مقابل الألم" الذي تنتهجه دولة الإمارات - ودبي في قلبها - في مقابل ما تعيشه المنطقة برمّتها من مآسٍ وآلام وانعدام الأفق. إنها عقلية تؤمن بانتهاج أفضل الممارسات العالمية وأكثرها نجاحاً، واستقطاب الكفاءات والخبرات، والاستثمار في رأس المال البشري، وتشجيع التنمية المُستدامة، وصقل المواهب والطاقات الوطنية الشابة، والحثّ على العلم والقراءة، والانفتاح على الآخر، وتعزيز حوار الثقافات... كما ترفع شعار استشراف المستقبل وبنائه عنواناً للتقدّم والزدهار.

نقلاً عن الشقيقة "الحياة" - الكاتب أمين حمادة