الكاتبة والناشطة جمانة حداد: أمومتي ثبّتتني ومنحتني القوة

جمانة حدّاد,الأمومة,القوة,السياسة,المساواة

كارولين بزي 15 يوليو 2017

جلّ طموحها أن تساهم في جعل السياسة ثقافة، وتعتبر أن على الجمعيات النسائية أن تنحّي جانباً كل العوامل التي تعرقل نشاطها، كما تعترف بأنها لم تضع برنامجاً انتخابياً فضفاضاً، بل حددت أهدافاً تتعلق بالمساواة وحقوق الإنسان والمواطنية وحرية التعبير، فضلاً عن مجالات كالتعليم وفرص العمل والبيئة والنقل العام . عن المرأة والعائلة والسياسة والصحافة تتحدث الكاتبة والناشطة اللبنانية جومانة حداد...

- ما هي صورة الحرية الحقيقية؟ من يشوّهها وكيف؟
الحرية الحقيقية هي أن يكون المرء، امرأةً أكان أم رجلاً، كامل الكرامة. أي أن يحقق إنسانويته بدون قيد أو شرط، وأن يكون ذاته بدلاً من أن يقولب هذه الذات بناء على توقعات المجتمع مخافةً من حكم الآخرين عليه. يشوّه هذه الحرية كل مَن لا يحترم هذا المعنى للحقيقة، أكان راضياً بذلك، أم عاجزاً عن تجسيد هذا المعنى، أم قاصداً انتهاك هذه الحرية.
وأشعر بالقوة لأنني أشعر بهذا النوع من الحرية، الأمر الذي يصالحني مع ذاتي، ويجعلني أكافح في الحيّز العام من أجل تعميم هذا المفهوم.

- ما هو دور الجمعيات النسائية اليوم؟ وما مدى فاعليتها؟
كلّ جمعية تفعل ما تراه مناسباً في هذا الشأن. ثمة جمعيات نسائية متعددة، متنوعة، وأحياناً متناقضة في توجهاتها وأهدافها. هذا مشهد إيجابي من حيث المبدأ، لكنه يصير سلبياً إذا لم تعرف هذه الجمعيات كيف تبلور فاعليتها الخلاّقة بتوحيد رؤيتها ومنهجيتها، ووضع هدف مشترك لتحركاتها: أن تكون المرأة كاملة الحقوق، أي كاملة الشرط الإنسانوي. وهذا يتطلب من الجمعيات أن تضع جانباً كل العوامل التي تعرقل نشاطها، أو تبعثر هذا النشاط وتشرذمه.

- أنتِ مرشحة للانتخابات النيابية المقبلة، هل تؤيدين الكوتا النسائية؟
نعم أنا مرشحة للانتخابات المقبلة. من حيث المبدأ، أطالب بالمساواة الكاملة في العدد بين النساء والرجال في مجلس النواب. لكنني أدرك تماماً أن المعطيات الموضوعية لا تتوافق مع هذا الموقف غير القابل عملانياً للتطبيق، بحكم البنية الذكورية المسيطرة، السياسية والمجتمعية، على السواء. فمن الطبيعي والمنطقي، والحال هذه، أن أؤيد الكوتا، كحلّ مرحلي لا مفرّ منه، وصولاً إلى المساواة الكاملة.

- علامَ يقوم مشروعك الانتخابي؟ وماذا ستقدّمين للمرأة إذا تم انتخابك من خلال مشاريع القوانين التي يمكن أن تطرحيها؟
لم أضع برنامجاً تقليدياً فضفاضاً كي لا أُغرق الناس في التنظير والوعظ والوعود الطوباوية. لقد اخترتُ بدلاً من ذلك أهدافاً محددة، وسوف أسعى في سبيل تحقيقها. تتعلّق هذه الأهداف بميادين كالمساواة وحقوق الإنسان والمواطنية وحرية التعبير، فضلاً عن مجالات كالتعليم وفرص العمل والبيئة والنقل العام. سأساهم عملانياً في تطبيق هذه المشاريع، في سبيل بناء دولة لبنانية حديثة، منصفة، تحترم ذاتها ومواطِناتها ومواطنيها. وسأساهم كذلك بنشاط في عملية التشريع، وسأراقب بصرامة عمل الحكومة، وسأرفع الصوت في وجه كل ما يتنافى مع رؤيتي للبنان دولة إنسانوية، ولن أتوانى عن دعم أيّ مشاريع أخرى تصبّ في الاتجاه نفسه، وخصوصاً منها ما يتعلّق بأمور كضمان الشيخوخة والتغطية الصحية والتصدّي للفساد والرشوة.

أما مشاريع القوانين المتعلقة بالمرأة التي سأناضل من أجل تحقيقها، فأولها المناصفة بين الرجال والنساء في مختلف أجهزة الدولة ومؤسساتها وإداراتها العامة (الجامعة اللبنانية مثلاً)، وفي الشركات والإدارات الخاصة أيضاً. فضلاً عن ذلك، سأكافح في سبيل حقّها المطلق في حرية اتخاذ القرار المتعلق بحياتها الشخصية أياً يكن هذا القرار، زواجاً أو طلاقاً، أو سوى ذلك من أشكال التحرر والارتباط، حقّها في إعطاء الجنسية لأولادها، حقّها في ألاّ تُزوَّج إذا كانت قاصراً...

- لماذا لا تزال المرأة لا تثق في غيرها من النساء؟
إذا كان هذا الشعور موجوداً حقاً فهو ناجم بالتأكيد عن مشكلة نفسية وتربية ذكورية تنتقص من قيمة المرأة وقدراتها، حتى في نظرتها الى ذاتها. ليس من دواعي الاعتزاز ألاّ تثق المرأة بالمرأة. طبعاً، لا يمكن تعميم هذا الاستنتاج. لكن، يلزم الكثير من التراكم التربوي والثقافي والنقدي ومن الإنجازات الصارخة كي تتحرر المرأة من هذه العقدة.

- بما أنك كاتبة وصحافية، كيف تقيّمين الصحافة المكتوبة اليوم؟ وكُتّابها؟
تمرّ الصحافة المكتوبة بأزمة بنيوية ووجودية (مصيرية) في العالم كلّه. أعرف أن لبنان في قلب هذه الأزمة. يجب عدم الرضوخ والاستسلام. يجب على الحبر أن يقاوم السقوط في المستنقع. هناك في عالم الصحافة المكتوبة ضوء عميق، جوهري، يشبه ضوء النبع. وهناك في المقابل ظلامٌ علني، يكاد يكون ماحقاً.
مرةً أخرى أقول: ما أجمل ألا يستسلم المرء لليأس. ما أجمله حين يخترق قلب العاصفة، ويخرج منها منتصراً وكريماً.

- تم أخيراً عرض مسرحية «اعترافات امرأة عربية»، المقتبسة من كتابك «هكذا قُتلت شهرزاد»، في لوس أنجلس... ما أهمية تسليط الضوء على واقع المرأة العربية واللبنانية على مسارح هوليوود؟
يسيطر الكثير من الصور النمطية والتعميمات على نظرة الغرب الى المرأة العربية، وهي ناتجة في الدرجة الأولى من نوعٍ بروباغندي من الإعلام يرتكز الى السلبيات والمبالغات أكثر منه الى الدقة والحقيقة. قد تكون هذه الصور صحيحة الى حد ما وتنطبق على الجزء، ولكنها بالتأكيد لا تنطبق على الكل. دور الأعمال الأدبية والفنية مثل هذا العمل، الذي اقتبسته وأخرجته ببراعة نغم وهبي، هو تصحيح هذه النظرة وإكمالها ووضعها في إطارها الصحيح، عبر تسليط الضوء على المرأة العربية بطريقة مختلفة عن السائد الذي يصر على إظهارها حصراً بمظهر الضعيفة، المقموعة، الخاضعة، والمغلوب على أمرها.

- من هو جمهور «اعترافات امرأة عربية» في هوليوود، وكيف كانت أصداء المسرحية؟
عُرضت المسرحية على خشبة مسرح «دوري» في هوليوود، وكان الجمهور متنوعاً بحيث ضم عرباً مقيمين في الولايات المتحدة وأميركيين وأشخاصاً من جنسيات أخرى. وقد لاقى العمل نجاحاً كبيراً، واهتماماً واستحساناً من جمعيات تُعنى بشؤون المجتمع وحقوق الإنسان والمرأة في الولايات المتحدة. ويتم الحديث الآن عن تحويله فيلماً.

- من هي شهرزاد، ومن هو سوبرمان، اللذان اتخذتهما محوراً في كتابيك؟
في كتابي «هكذا قُتلت شهرزاد»، تناولت موضوع المرأة العربية من منظارين، أولهما رؤية الغرب المنمّطة حيالها وجميع الكليشيهات المرتبطة بهذه الرؤية، وثانيهما ضرورة أن تواجه المرأة العربية مسؤولياتها حيال هذه الصورة، لأنها تتحمّل جزءاً من الذنب فيها، ولا يكفي فقط أن توجّه أصابع الاتهام إلى الآخر. شهرزاد هي المرأة التي تساوم على حقوقها البديهية، و«تروي القصص» بغية التمتع بما ينبغي أن يكون أصلاً ملكها. أما في كتابي «سوبرمان عربي»، فالرجل كان الموضوع الأكبر: تطرقت فيه إلى مسألتَي الذكورة والذكورية، والفرق الشاسع بين المفهومين. ما معنى أن يكون الرجل رجلاً، وما معنى أن يكون ذكورياً؟ هل يكفي النضال النسوي للتحرّر من المفاهيم السائدة، أم أنه ينبغي للرجل أن يكون بدوره شريكاً فاعلاً في هذا النضال؟ ما هي الحواجز الأساسية التي تقف في وجه هذا النضال؟ تحدّثت أيضاً عن الصراع المزعوم بين الجنسين، وهو في المناسبة صراع مفتعل لا أؤمن به البتة، كوني مقتنعة بفاعلية الرجل وأهمية دوره كشريك أساس في النضال الهادف إلى ترسيخ حقوق المرأة واحترام دورها واستقلاليتها. أثق بالمرأة التي لا تجعل من الرجل عدواً بل ندّاً حقيقياً، وشريكاً في الحياة والحب، ولا تجعل من المساواة مطلباً، بل تعتبرها من المسلّمات.

- الكتابة فنٌ راقٍ بينما السياسة هي الواقع بكل سيئاته، كيف ستجمعين بين السياسة والثقافة؟
الكتابة ثقافة. جلّ طموحي أن أساهم في جعل السياسة ثقافة أيضاً. لكي ينجو لبنان من مصيره الكارثي، لا بدّ من إعادة الاعتبار إلى عالم القيم في السياسة، وإرساء سلّم مفاهيم يأخذ في حسابه أهمية الترفّع والنزاهة. عندما يصير العمل السياسي عملاً ثقافياً وأخلاقياً، يصبح من الممكن الجمع بين الكتابة والسياسة، بل يصبح واجباً.

- أنت أمّ لشابّين، أنسي ومنير، ماذا قدّمت لك الأمومة؟ وهل سلبتك شيئاً ما؟
أعطتني أمومتي الكثير، وأهم ما أعطتني هذه القدرة الهائلة على الحبّ: أن يدقّ قلبكِ مجاناً في سبيل إنسان آخر لهو نعمة. قدّمت لي أيضاً شعوراً عارماً بأنوثتي، وعلمتني المسؤولية. كنت على الأرجح لأظل مراهقة حتى الآن لو لم أصبح أمّاً في سنّ مبكرة، لأنني أميل إلى المراهقة، لا بمعنى عدم النضج، بل بمعنى الطيش والعبث والجنون. أمومتي ثبّتتني ومنحتني قوة السهر على ولديّ وحمايتهما.