الفنانة التشكيلية غدير الحافظ: بين الفن والفكر شعرة اسمها الجنون

غدير الحافظ,الفن,الفكر,الجنون,قضايا المرأة,مجموعة إنسان,إبداع الغدير,مرسم,مقابلة,فنانة تشكيلية,ثورة الشباب

آمنة بدر الدين الحلبي (جدة) 23 يوليو 2017

خرجت عن المألوف في أعمالها الفنية، وسلكت طريقاً فريداً في الشكل واللون. شغلها الشاغل هو قضايا المرأة والإنسان في مجتمعها، علّ صوتها يصل الى العالمية من خلال ألوانها الجريئة وتشكيلاتها الإنسانية لـ «مجموعة إنسان» وما حملته من فكر يتجدد في مرسمها «إبداع الغدير» لتعليم النساء والأطفال في مجتمعها لكي تبني فكراً مغايراً في عمق الإنسانية، وترسّخ ثقافة فنية تحمل أبجدية جديدة في عالم الفن التشكيلي.
الفنانة التشكيلية غدير الحافظ استطاعت في فترة وجيزة أن تحقق نجاحاً باهراً على صعيد الفن التشكيلي، نظراً لبحثها المتواصل عن هموم الإنسان وإنسانيته على الصعيدين المحلي والعالمي. التقتها «لها» لتغوص بين ألوانها وتطّلع على خفايا ذلك الفن الجميل.


- ثمة حراك اجتماعي يدور في عالم لوحاتك، عمّ تبحثين؟
أبحث عن الإنسانية المفقودة في العصر الحالي، عن المشاعر المنسية، عن الحب والمحبة. رغم أن بداياتي كانت تحمل قضايا المرأة وهمومها، لكن مع مرور الوقت اكتشفت أن المرأة ليست هي القضية، بل الإنسان في دواخلنا حين فقدنا جزءاً كبيراً من إنسانيتنا... هذا ما هدفت إليه في أعمالي.

- هذا الحراك الاجتماعي هل ترك أثراً سلبياً أم إيجابيا في روحك كفنانة؟
لن أقول عنه سلبياً ولا إيجابياً، بل ترك بقعة ألم في داخلي بعدما فجّر قضايا إنسانية كثيرة ومنجزات إبداعية كبيرة.

- في ألوانك ثورة الشباب، وفي تشكيلاتك حكاية الألم للعطاء والأمل لغد أفضل، ما الذي تريدين تحقيقه؟
أودّ تقديم جرعة من الأمل لنشر السعادة في نفوس الآخرين،  ولكي تعود الإنسانية تفرد جناحيها على العالم... والإحساس بالحب يملأ الزمان والمكان، فمن الألم يضيء الأمل.

- في كل لوحة حكاية إنسانية، فهل هي للتعبير عن نفس غدير أم هناك حكاية أخرى؟
بعض من أعمالي هو تعبير عن الذات، وبعضها الآخر نابع من مواقف إنسانية كانت شاهدة على العصر، ومنها لقاءات مع أناس حرّكوا المشاعر الإنسانية في داخلي.

- في «مجموعة إنسان» رسائل عدة، لمن تلك الرسائل؟
«مجموعة إنسان» تتحدث عن النفس البشرية الشاردة، لأن في داخل كل إنسان نفساً شاردة يبحث عنها من خلال اللون والتشكيل، وربما وقفة مع النفس لتطويرها واكتشاف معالمها، او للمضي قدماً لإعطاء الأفضل.

- ما هي فلسفتك في العمل التشكيلي، وكيف ترسمين اللوحة؟
اللوحات لا تولد من تفكير عميق، ولا أُمسك الفرشاة إلا بعد أن أشعر بإحساس يقودني ويحرّك فرشاتي... حينها أغمسها في عمق اللون لأترجم ما أشعر به وينتابني من أحاسيس، وربما قضية كانت تشغلني حان وقتها فدّقت جرس الإنذار، وحركت مكامن الإحساس في داخلي لتتشكل ألواني وتولد لوحتي بعد مخاض عسير.

- موسيقى بصرية تعزف سمفونيتها في لوحاتك، ما سر تلك الموسيقى؟
الإحساس العميق بالفكرة حين يقترن مع اللون يعزف موسيقاه بسمفونية إنسانية تحمل بين إيقاعها رسالتي وهدفي للمتلقي، فتصل بإحساس صادق لتترجم بصرياً ما في داخلي بأجمل لحن.

- ضربات فرشاة خشنة تتلاحق مع انفعالات جسدية، فما الذي يقلقكِ؟
الحياة بحلوها ومرّها، بمسؤولياتها، حين تخيّم الوحدة القاتلة على جوانبها تخلق منجزاً إبداعياً، رغم الألم المرصود في أعماقها.

- ما هي فلسفتك اللونية حين تكرّسين اللون الأحمر ليحتضن السواد؟
اللون الأحمر لا يعني الحب دائماً، بل الثورة على المألوف، ويتماهى في لوحاتي، والتمرد على النفس في بعض الأحيان، وربما الغضب.

- لِمَ تغضبين؟
أعيش صراعاً بين فكري وإبداعي، بين فكرٍ مبني على العادات والتقاليد، وبين ثورة للإبداع، ورغم تمكّني في الآونة الأخيرة من كسر الحواجز وتخطي بعض القيود إلى حد ما، لا  يزال جزء صغير يعيق تقدمي، ومن الصعب اجتيازه.

- مرسم «إبداع الغدير» يُعد تجربة مميزة للكشف عن المواهب، ما الهدف الرئيس منه؟
مرسم غدير للإبداع هو نتيجة إحساسي بالمسؤولية تجاه الفن، ومثلما تعلمت عليّ أن أعلّم غيري وأصل بفني وعلمي إلى أجيال أخرى لنشر الوعي الثقافي عند المرأة وتنمية الذوق الفني لديها من خلال خضوعها لدورات مختلفة تحمل في مضمونها ليس الفنون البصرية فحسب وإنما فن الأتيكيت، وتهذيب النفس، وتحسين السلوك الإنساني، لأن الفنون البصرية تبني إنساناً حضارياً.

- تتصاعد الانفعالات النفسية بين الحزن والفرح... هل هناك قلق على المستقبل الفني؟
لست قلقة طالما هناك من يسعى دائماً للعمل الجاد في مجال الفنون البصرية، والوسط الفني مفتوح على كل الاحتمالات، وإن وُجد من يصفّق لبعض الأعمال التي لا تحمل فكراً مترابطاً ولا هدفاً قيّماً، وذلك يشعرني بألم نفسي حقيقي، فما زلنا نحتاج الى العين الناقدة البنّاءة التي تميز الغث من السمين.

-  ماذا عن آخر مشاركاتك العالمية؟
آخر مشاركاتي العالمية كانت في شهر آذار/مارس من العام الحالي في قبرص، في معرض حمل عنوان THE WOMAN وكنا تسع سيدات من مختلف بلدان العالم، هدفنا التعبير عن الذات وكشف ما ترغب في تحقيقه كل فنانة... كما شاركت أيضاً في الشهر نفسه في ملتقى «أولادنا الدولي» في مصر لذوي الاحتياجات الخاصة من 28 دولة برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، وكنت الفنانة السعودية الوحيدة المشاركة كعضو في لجنة التحكيم.

- عمَّ عبرتِ؟
عبّرت عن الحياة التي أحلم بها والتي أريد أن أعيشها، واللوحة الثانية كانت البحث عن المحبة والسلام في الفكر.

- من خلال تخصّصك في الخزف والمعادن، كيف تتعاملين مع تلك الخامات كامرأة؟
تخصصت في الخزف والمعادن، لكن عدم توافر أدواته ومواده الخام أبعدني بعض الشيء عنه، ومع ذلك طعّمت لوحاتي بالخزف فخرجتْ عن المألوف.

-  لديك حديقة غنّاء في مرسم الغدير، هل هذا تعبير عن الذات؟
إنه تعبير عن الذات الإنسانية بصمت، وعبارة عن سيرة ذاتية لأي زائرة تشاهد تلك اللوحات التشكيلية، فاللوحة لغة فنية محسوسة وجلية للعيان، أرى نفسي من خلالها لأقول «أنا غدير».

-  ما هي التحديات التي تواجهك؟
رغم العادات والتقاليد التي تقيّد المجتمع والأسرة في آن واحد، تمكّنت من اتخاذ القرار في حركتي الفنية، لكنني ما زلت متحفظة في طرح بعض المواضيع، والآتي أجمل كي أحقق حرية فنية أكبر.

- بعض اللوحات يستنبط بيكاسو وبعضها فان غوغ من التكعيبي إلى ما بعد الانطباعية، ما هذا التأثير وما سببه؟
كان هدفي التعلّم من كل المدارس، فناً ونقداً ودراسة. بدأت بالمدرسة التكعيبية، ووصلت إلى الفن الانطباعي والرمزية، وغرقت في الفن المجنون عند فان غوغ، الغريب الأطوار، ضربات فرشاته كانت تثيرني، والجنون في الفن متاح... بين الفن والفكر شعرة، اسمها الجنون.

- أنتِ متأثرة بفان غوغ!
كثيراً، وأعمل على الفانتازيا الفنية، لأنها ساعدتني على مزج الخيال مع الواقع وعلى طرح المواضيع بجرأة كبيرة، كما منحت أعمالي قوة وقادتني إلى التعبير عن الذات.

- كونكِ فنانة تشكيلية... إلى من توجهين رسالتكِ؟
أوجّهها إلى كل العالم بعامة، وإلى المرأة السعودية بخاصة، لأنها تحمل الصدق في المشاعر.

- ما تأثير تلك المشاركات في منجزك الفني والإبداعي؟
تلك المشاركات زادتني قوة، وجعلت اسمي معروفاً في أكثر من دولة أوروبية، شرقية كانت أو غربية، لأن الدعوات كانت تصلني من جهات أكاديمية أو ثقافية، لم أبحث عن الشهرة بقدر ما كنت أهدف الى الانتشار أمام أفواج السيّاح ليستمتعوا بقراءتها.

- ما الهدف الثقافي الذي تسعين الى تحقيقه لسيدات المجتمع؟
رسائلي تعجُّ بالذوق الفني والإنساني والحضاري، وتحمل في مضمونها الحب والسلام والأمل. نحن بحاجة الى الأمل بالحياة لنعيش بسلام ونرسم الابتسامة على وجوه النساء، لتكون كل امرأة قوية وقادرة وتقول أنا أستطيع.

- ألا يهم وجود الرجل في حياة المرأة؟
وجود الرجل مهم في حياة المرأة، لكن إن لم يكن موجوداً فهي قادرة على صنع المعجزات، ولديها قدرة مضاعفة عن الرجل، ممكن أن تكون امرأة عاملة ومهندسة وطبيبة وتشغل مركزاً سياسياً او اجتماعياً، وفي الوقت نفسه تكون زوجة وأماً رائعة، لكن الرجل لا يستطيع القيام بكل بتلك المهمات.

- من صقل شخصيتكِ المتزنة؟
والدي، فرغم قلبه العامر بالحنان، دفعني للاعتماد على النفس لأستطيع أن أضع بصمتي بمفردي، ودرّبني على اجتياز دهاليز الحياة.

- لماذا نجد المرأة في كل عمل من أعمالك؟
المرأة هي أساس المجتمع والأرض الخصبة للتكاثر، ولا يستطيع آدم أن يستمر بلا حواء الجميلة.