صفحات من كتاب نجاح إيلي صعب The Man behind The Brand

فاديا فهد (بيروت) 27 سبتمبر 2017

في كلّ مرّة أقابل فيها المبدع العالمي إيلي صعب، أكتشف فيه جديداً: سرّاً، حلماً، جانباً مبهراً، إصراراً، حديقة سرّية تتكشف لي. في كلّ مرّة ألتقيه، يُفاجئني كأنني ألتقيه للمرة الأولى، رغم معرفتي به الممتدّة لأكثر من خمسة عشر عاماً. كأنه يتحدّى الوقت بالمفاجآت المبهرة والأحلام التي لا تنتهي. يعرف صعب كيف يبهرنا، وقد بهر العالم من قبلنا، بأزيائه الراقية، وموهبته الفريدة، ونظرته الثاقبة، وإدارته الحكيمة. هو المايسترو الذي يقود بنجاح وتطوّر مستمرّ، داراً عالمية رائدة، بأقسامها المتشعّبة والمتوسّعة سنة بعد سنة. صاحب الرسالة الأسمى في المنطقة العربية لتطوير مهنة التصميم والارتقاء بها إلى مستويات عالمية من خلال برامج تعليمية، همّه أيضاً تحويل بيروت الى محطة رئيسية على خارطة الموضة.
الحوار مع إيلي ممتع وشيّق وغنيّ بالخبرات الإنسانية والمهنية، ويضيء جوانب وأسراراً في شخصية هذا الرجل الاستثنائي.


- إيلي صعب في مسيرة عمرها أكثر من 35 عاماً، ما الذي حقّقته وما الذي فاتك؟
لكلّ مرحلة من مراحل مسيرتي المهنية جمالها ولذّتها وصعوباتها وتحدّياتها. كل سنة من السنوات الـ35 تلك، هي سنة مميّزة مكلّلة بالنجاحات في الطريق نحو الأهداف التي وضعتها. نعم، كنت أتمنى لو حقّقت ما حقّقته في وقت أقلّ، لكنّني أدرك أن الأمور تأخذ وقتها، صحيح أنه يراودني دائماً إحساس بأنني في سباق دائم مع الوقت، لكن الوقت أيضاً هو الخبرة التي تجعل خطواتنا واثقة وثابتة، خصوصاً أنني أؤسّس لدار أزياء مبنيّة على قواعد عالمية. لقد تعبت كثيراً كي أشقّ طريقي الخاص في هذه المهنة، في وقت لم يكن لهذه المهنة في منطقتنا العربية طريق يُسلك. وأنا فخور بأنني كنت أول من شقّ طريقاً سلكه من بعدي مصمّمون عدّة وحقّقوا نجاحاً في عواصم الموضة العربية والعالمية. وهو أمر يسعدني ويفرحني.

- كانت لك الرؤية بتحويل دار إيلي صعب اللبنانية إلى دار أزياء عالمية من خلال توسيع أعمالك إلى الأزياء الجاهزة والأكسسوارات والعطور، وأخيراً النظارات، متى راودتك هذه الرؤية وكيف سرت إلى تحقيقها؟
إنه الهدف الذي وضعته نصب عينيّ من اليوم الأول الذي اخترت فيه مهنة الأزياء. الصدفة لم تلعب دوراً في مسيرتي المهنية بل التصميم والإرادة والإصرار على تحقيق ما رسمته لنفسي. لقد تحدّيت أهلي ومن حولي وامتهنت تصميم الأزياء، في وقت لم تكن هذه المهنة معروفة بأبعادها ونجاحاتها في مجتمعي وبيئتي. منذ اليوم الأول، لم أدخل هذا المجال كي أكون مجرّد مصمّم معروف فقط في لبنان.

- ما كانت ردّة فعل أهلك على امتهانك تصميم الأزياء، في وقت كانت هذه المهنة في منطقتنا مجهولة المعالم؟
أهلي كانوا ضدّ رغبتي في امتهان تصميم الأزياء، وأنا أفهم معارضتهم، لقد كنّا عائلة متوسّطة الحال، وقد تعب أهلي في تربيتنا وتعليمنا. وكانوا يتمنّون لي أنا الولد البكر مهنة تقليدية، كالطبّ والمحاماة والهندسة. في ذاك الوقت، لم تكن مهنة تصميم الأزياء واضحة المعالم بالنسبة إليهم والى كثر من اللبنانيين، وقد تحدّيت أهلي ومجتمعي، لأنني كنت أعرف الى أين أريد أن أصل في طموحي كمصممّ للأزياء.


عن دار  إيلي صعب

- لقد صنعت لدار إيلي صعب هويّة في وقت يتخبّط كثر من المصمّمين في أزمة هوية. كيف وصلت إلى ذلك؟
الهويّة هي التي تصنع النجاح. المرأة التي تقصد دار إيلي صعب، هي امرأة تعرف ماذا تريد، وماذا تتوقّع في المقابل من إيلي صعب. الهوية في عالم الأزياء تأكيد على البصمة الناجحة.

- دور أزياء راقية كثيرة قدّمت الأزياء الجاهزة بأسلوب عملي بسيط، لا يمتّ إلى الهوت كوتور بصلة، في وقت نجد في مجموعاتك للأزياء الجاهزة الكثير من التفاصيل والتطريزات والترصيعات والمشغولات، إلى حدّ لا يمكننا أن نميّز معه الفستان الجاهز من الفستان الراقي. هل هذه أيضاً استراتيجية خاصة بدار إيلي صعب؟
الدقّة في التفاصيل والتميّز في إبراز أنوثة المرأة هما في صلب هوية إيلي صعب الأساسية، الأزياء الجاهزة والأكسسوارات والحقائب والنظارات والعطور، تأتي لتكمّل إطلالة امرأة إيلي صعب المترفة، وتحمل جينات DNA  دار إيلي صعب، ولو أتت ترجمتها بأسلوب أبسط. 

- هل كنت تتوقّع هذا النجاح الكبير لعطور إيلي صعب، خصوصاً أن عدداً كبيراً من الفنانين والمصمّمين العالميين أطلقوا عطوراً ولم تلقَ هذا النجاح؟
إن نجاح عطور إيلي صعب مخطّط له، وهو يعود إلى اختيار الشريك المناسب للدار في تنفيذ هذا المشروع، وأعني هنا شركة «شيسيدو». لم أستعجل يوماً الأمور. لقد أخذت كل الوقت لاختيار الشركة التي تفهم رؤيتي الخاصة بالمرأة وتستطيع أن تجسّدها في عطر. هي تتشارك معنا الرؤية والأسلوب. وقد جاءت عطور إيلي صعب ضمن استراتيجية الدار الشاملة التي تقضي بتقديم منتج عطري راق يكون بمثابة أكسسوار ضروري يكمّل أناقة المرأة، ويحمل روح الدار، ويطاول شريحة أكبر من محبّات ابتكارات إيلي صعب.

- نلاحظ أن إعلانات الدار ومنتجاتها وموقعها الإلكتروني كلها تتوجّه أكثر فأكثر إلى الشابات الصغيرات المحبّات للموضة والرفاه، وآخرها عطر Girl of Now  الذي يحاكي الفتاة العشرينية، هل هذه استراتيجية تتبعونها في دار إيلي صعب؟
قبل سنوات عدّة، طوّرنا في استراتيجية الدار، وبتنا نفكّر في امرأة شابّة عصرية، وذلك بناءً على رغبة نساء اليوم في أن يبدين أكثر شباباً ونضارة وإشراقاً.

- هنا، أين أنتم من الزبونات اللواتي بلغن سنّ الأربعين والخمسين؟
ليس هناك من فرق بين أناقة العشرين والثلاثين والأربعين والخمسين. النساء اليوم متشابهات في الأذواق والأهواء، مع شيء بسيط من الاختلاف، لذا عندما اتخذنا قرارنا بالتوجّه إلى المرأة العشرينية الشابة، كان ذلك بناءً على دراسات اجتماعية وملاحظات شخصية، أثبتت أن المرأة اليوم أياً كان عمرها تسعى إلى الشباب الدائم والأناقة المتكلّفة على بساطة. المرأة اليوم، تبحث عن أزياء فيها روح شبابية أنيقة. لقد توحّد ذوق النساء في الموضة والأزياء والجمال.


أولادي وأنا

- أي دور لإيلي جونيور في دار إيلي صعب! هل جهّزت له دوره، أم أنه شقّ طريقه بنفسه؟
دعيني أوضح أننا لسنا مؤسسة عائلية، بل مؤسسة لها قيم العائلة. صحيح أنني لو لم ألمس لدى أبنائي الثلاثة: إيلي وسليم وميشال اهتماماً في ما أقوم به، لما سعيتُ بحماسة كبرى، الى تحويل دار إيلي صعب إلى دار أزياء عالمية مبنيّة على أسس صلبة. أحرص على معاملة ولديّ في الشركة تماماً كما أعامل أيّ فرد آخر من فريق العمل.

هل خطّطت هذا المستقبل لأولادك؟
لم أُخطّط يوماً كي يكون أولادي في مجال الأزياء. لم أؤثّر في خياراتهم التي قرّروها بأنفسهم، لقد ترعرع أولادي الثلاثة على أجواء تصميم الأزياء فجاء دخولهم هذا المجال طبيعياً، من دون حتى أن أشعر به. ولا بدّ من أن أشير وأنوّه الى الدور الرائع الذي قامت به زوجتي كلودين في تربية أولادنا. بفضلها كان أولادي يتفهّمون غيابي القسري عنهم من أجل العمل، ويقدّرون تضحياتي ونجاحي في المهنة التي أحبّ. 

- ما الذي أوصيت به إيلي جونيور عن الدار وعن المهنة؟
لست أباً واعظاً، الوعظ ليس أسلوبي، وهو موضة قديمة ولّت، أتشارك وأولادي الأفكار، وأصحّح ما أجده غير مناسب لصورة الشركة. لقد بات أولادي يعرفون ما هو المقبول وغير المقبول في مجال العمل. وهم يقصدون أشخاصاً آخرين في الشركة لسؤالهم عن موضوع معيّن. أفضّل أن أترك مساحة للشخص الذي يعمل معي أكان ابني أو غير ابني، كي يفهم العمل أكثر ويتحرّك في الاتجاه الصحيح ويضيف لمساته الخاصة من دون تدخّلي. أولادي أمضوا الكثير من الوقت في المراقبة والتعلّم بصمت، لقد قدّروا ما أقوم به من خلال الصورة التي زرعتها زوجتي كلودين في أذهانهم عن الوالد الذي يعمل ليلاً نهاراً ويتعب ويكدّ. إن أسلوب تربية كلودين لأولادي هو الذي أوصلهم إلى تقدير ما أقوم به واختياره مستقبلاً لهم. 

- هل أنت شخص إداري أكثر أم إبداعي؟ 
أنا مصمّم يجيد إدارة الإبداع. ولو لم أكن كذلك، لما وصلت إلى ما وصلت إليه. لا أؤمن بالإبداع بلا إدارة لأنه لن يوصل إلى أي مكان!

- نجدك حريصاً على حمل رسالة تعليمية، ونقل خبراتك الى الأجيال الجديدة في المنطقة من خلال البرنامج الأكاديمي الذي أطلقته مع جامعة  LAU في بيروت، وProject Runway مع ام.بي.سي...
إنها رسالتي التي أسعى الى تحقيقها منذ أكثر من 15 عاماً والنابعة من رغبتي في تسخير خبرتي العالمية التي اكتسبتها في مجال الأزياء لتشجيع مواهب عربية على النجاح، وتزويدها بالإرشادات اللازمة لذلك. أريد لبيروت دوراً أكبر على خارطة الأزياء العالمية، وللمنطقة العربية مساهمات مهمة في صناعة الأزياء حول العالم

- هل تصف نفسك بالعاطفي أم العملي؟ وأين تغلب عاطفتك على عقلك؟
أوازن بين عاطفتي وعقلي، في العمل، للعقل الأولوية. أنا صاحب ضمير، وأعمل كي يكون ضميري مرتاحاً في قراراتي العملية.

- هذا في مجال العمل، ماذا عن العائلة، هل أنت عاطفي مع أولادك؟
أنا عاطفيّ بحدود. أفضّل أن أخبئ عاطفتي وأحكّم عقلي من أجل مصلحتهم الشخصية. لست من النوع الذي يعبّر عن عاطفته كلّ لحظة وكلّ ساعة. عاطفتي لأولادي قد تظهر في كلمة، في ابتسامة، في ثناء مدروس. أما العاطفة المبتذلة من الدرجة الأولى، فأنا لا أحبها، لأنها تضرّ الأولاد أكثر مما تنفعهم.

 

ضعفي ومزاجيتي وأحلامي

- أين تكمن نقاط ضعفك؟
لكل منّا نقاط ضعف وجروح صنعت قوّته. الإنسان هو كومة جراح يمكن أن تؤدّي إلى انهيار بعضنا، والى بناء بعضنا الآخر نجاحاً وإبداعاً فوق أطلالها.

- لكل فنان مزاجيته، هي التي تصنع إبداعه. هل تسمح بعد لمزاجيتك أن تتحكّم بك وأنت الآن في القمّة، على رأس إمبراطورية اسمها دار إيلي صعب؟
لا أؤمن بأن المزاجية يمكنها أن تصنع نجاحاً، أنا رجل يحترم التزاماته ولا يترك مزاجيته تتحكّم، حتى عندما كنت أعمل لوحدي لم أدع مزاجيتي يوماً تتحكّم بإيقاع عملي. الحياة ليست يوميات طبيعية، لكل يوم مزاجه ومشاكله وقدراتنا على استيعاب هذه المشاكل. لذلك أجدني يوماً قادراً على استيعاب ألف مشكلة، ويوماً آخر حسّاساً تجاه مشكلة واحدة. مثلي مثل الآخرين، لكنني لا أدع مزاجي يتحكّم بعطائي لأن لا وقت للمزاجية في برنامج عملي اليومي. لا يمكنني أن أربط شركة ودار إيلي صعب بمزاجيتي، لقد بتنا في مرحلة إنتاجية لا يمكنها أن تتعلّق بأي مزاجية شخص معيّن ولا حتى أنا.

- نضجك اليوم، هل يجعلك تعترف بأخطاء قمت بها؟
طبعاً، عندما أخطئ، أعترف بخطئي. والنجاح مبنيّ على الخطأ والصحّ، ليس هناك من نجاح مبني على خيارات صحيحة مئة في المئة. ليس هناك مسيرة مهنيّة من دون خطأ. أخطائي معدودة لأنني اعتدت أن أدرس كلّ خطوة بتأنّ قبل الإقدام عليها.

- احتفل كارل لاغرفيلد منذ أيام بعيد ميلاده الـ 84 وهو في كامل نشاطه وعطائه وإبداعه، هل من علاقة بين العمر والإبداع؟
أحترم مسيرة كارل لاغرفيلد، وما يميّزه عن غيره أنه ما زال يرسم كل مجموعاته بيده، وهذا في حدّ ذاته عمل ضخم. إنه مبدع كبير، علماً أن الإبداع هو في مواكبة العصر والتقدم الدائم. كارل إنسان مطّلع وشغوف ويحبّ عمله ويتمتّع بفكر معاصر، آمل بأن أصبح في الـ 84 مثله، وأظلّ في قمة عطائي وإبداعي. إن السرّ هو في عدم الاستسلام لما بات يعرفه المرء بل بفتح النوافذ والأبواب إلى تعلّم الجديد. 

- هل تخاف بعد من العمر؟
من منّا لا يخاف التقدّم في العمر؟! عندما بلغت الخمسين تغيّرت نظرتي إلى الحياة. بتّ أرى الأمور بعين أخرى، هناك أمور باتت ذات قيمة كبيرة لديّ، وأخرى لم تعد لها القيمة نفسها. وصرت أحرص على تمضية وقت أكبر مع عائلتي، خصوصاً أن فريق عملي الكبير يسمح لي ببعض الوقت أخصّصه للعائلة.

- ما هو خوفك الأكبر؟
الموت خوفي الأكبر. لا أخاف أن أموت، بل أخاف على الأشخاص الذين أحبهم من الموت. عشت تجربة مريرة مع أختي ومع أصدقاء مقرّبين، وأشعر دائماً بخوف من الموت. الحياة ثمينة جداً... ليتنا نعرفها. 

- في ظلّ الشهرة الكبيرة التي حقّقتها، وأسفارك المتعدّدة، نراك حريصاً على العائلة وقيمها...
القيم العائلية مقدّسة بالنسبة إليّ. عائلتنا مجتمعة دائماً، والبيت الوالدي يلمّ الشمل. والدتي هي أساس هذه المودّة والألفة العائلية، وقد حملت زوجتي كلودين هذه المسؤولية على عاتقها أيضاً. 

- أي أحلام تراودك بعد؟
لم ولن أتوقّف يوماً عن الحلم. أحلامي لم تبدأ بعد، لقد بدأت للتوّ وسأحقّقها بإذن الله. 

- الحياة مشوار كيف تصفها؟
مشوار ليس سهلاً، لكنه حلو بصعوباته ونجاحاته. النجاح موجود بقوّة رغم المطبّات والصعوبات، وهو ما يجعل لهذا المشوار لذّة خاصة.

CREDITS

تصوير : عمّارعبدربّه