إنها وارسو... عاصمة تحضن كل أمزجة التاريخ

ديانا حدّارة 22 أكتوبر 2017

وارسو اسم ارتبط في ذاكرة التاريخ بحلف مواجه لحلف الناتو حين انقسمت الأيديولوجيا العالمية معسكرين: الرأسمالية المتمّثلة بالناتو، والشيوعية المتمّثلة بحلف وارسو. تهاوت الشيوعية مع تهاوي جدار برلين عام 1991 فتهاوى معه حلف وارسو وبقي الناتو.
ومهما دوّن التاريخ من أحداث، ومهما أزال العصر من أيديولوجيات، فإنّ المستقبل يبقى في عوالم الغيب، وحدها حركة المدن بناسها تحدّد مساراته.

تعتبر بولندا إحدى الوجهات السياحية الأوروبية التي أصبحت ضمن لائحة السياحة العالمية، ومع مزيج التاريخ والحداثة الرائع، تزداد شعبية عاصمتها وارسو بين السيّاح. إذ إن ما يميز العاصمة البولندية هو انتشار التاريخ على نطاق واسع في أرجائها، فأينما جلت فيها، تلتقين الفن القوطي الذي تتحدّاه الخرسانة الإسمنتية الشيوعية، ومباني الزجاج والصلب العصرية.
هذا الخليط من الأمزجة المعمارية علامة على ماضي المدينة المضطرب، حيث تبدو مجموعة أنماط معمارية تتنافس على كتابة وجه المدينة الحديث.
أما وسطها التجاري، وتحديدًا سوقها العتيق فلم يجرؤ تقشف المزاج الشيوعي على خدش عظمة التاريخ المستريح في قلب وارسو، رغم المعاناة التي شهدتها العاصمة خلال الحربين العالميتين في القرن الماضي.

فمن بين أسوأ ما أصابها هو التدمير الظاهري الذي تعرّضت له في نهاية الحرب العالمية الثانية، لكنها تمكنت من النجاة لتحتفظ بمجموعة رائعة من الأحياء والمعالم... بدءًا من المتاحف الرائعة التي تشرح قصص المدينة المعقدة، وصولاً إلى أفراح الموسيقي شوبان.


حورية البحر أسطورة تعيش في أرجاء وارسو
تعتبر حورية البحر (سيرينكا) رمز وارسو، ويمكن العثور على رسمها منقوشًا في كل مجسمات المدينة وأطرافها. فقد استُخدم رسم الحورية منذ منتصف القرن الرابع عشر على الأقل.
أمّا لماذا تنتشر الحورية ورسمها في المدينة! فقد كثرت الأساطير حول هذا الرمز، ولكن وفق الشاعر البولندي أرثور أوبمان، فإنه قبل آلاف السنين قامت ابنتا ملك البحار تريتون الإغريقي برحلة عبر أعماق المحيطات والبحار.
قرّرت إحداهما البقاء على ساحل الدنمارك، ويمكن رؤية مجسمها جالسًا عند مدخل ميناء كوبنهاغن. فيما وصلت الابنة الثانية إلى فم نهر فيستولا الذي تستريح وارسو عند إحدى ضفتيه، وسقطت في مياهه. توقفت للراحة على شاطئ وارسو الرملي، فجاء الصيادون للاستمتاع بجمالها وبصوتها الجميل. سمع غناءها الجميل تاجر جشع فلحق بالصيادين وأسر حورية البحر.

التنزّه على ضفّة نهر فيستولا
تحوّلت في الآونة الأخيرة ضفة نهر فيستولا، مكانًا للتجمعات العصرية والنشاطات الثقافية. فعلى طول الضفة وفي فضاء مقهى «بلازاو»، تقدم العروض الموسيقية التي يُطلق عليها «ميجسكي غراني»، أي «اللعب الحضري»، ويؤديها أفضل الموسيقيين الشباب في بولندا.
والشيء الرائع في هذه الحفلات أنها مجانية. كما يوفر «بلازاو» مسرحًا في الهواء الطلق وعروضاً سينمائية، وحمّام سباحة للأطفال، ويشكّل نقطة تأجير للرياضة المائية، مثل الكاياك، وتوجد فيه أكسسوارات الشاطئ، فضلاً عن العديد من المقاهي والحانات المجاورة.

متحف النيون                        
يقع متحف النيون ضمن مجمع سوهو فاكتوري الذي كان مجمّعًا للمصانع القديمة وتحوّل إلى معرض دائم للمصمّمين والفنانين. كُرّس هذا المتحف للحفاظ على علامات النيون الشهيرة في الحقبة الشيوعية.
تم وضع المجموعة داخل مصنع تاريخي، مع العديد من القطع الكبيرة المضاءة بالكامل. وتنقسم المعروضات الأخرى حول المجمع وتُضاء عند حلول الظلام.

متحف شوبان
افتُتح هذا المتحف عام 2010 تكريمًا لابن المدينة شوبان، وهو في الأساس قصر «أوستروغسكي»، وقد شيّد على النمط الباروكي ويحضن تحت سقفه وطبقاته الأربع الوسائط المتعدّدة والعالية التقنية لتستعرض أعمال الملحن الأكثر شهرةً في البلاد والعالم، بكل فخر. عند زيارتك هذا المتحف، خذي وقتك في التجوال بين طبقاته الأربع.
فأول ما سيدهشك فيه هو الجو الذي يخيّم عليه... كل شيء يبدو خفيفًا، الإنارة، وانعكاساتها الخافتة والمحفّزة في الوقت نفسه. أما في الطبقة السفلية فيمكن تصفّح حياة الموسيقي والاستماع إلى موسيقاه، حين تضعين خوذة تصدر منها موسيقى شوبان فتحملك إلى فضاء الموسيقى، وعالمه الذي تفتقت بين تفاصيله عبقريته.

المدينة القديمة
تعتبر المدينة القديمة في وارسو أقدم حي فيها إذ يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر. يتوسّطها سوق، تنتشر فيه المطاعم التي تقدّم المأكولات البولندية التقليدية، والمقاهي والمحال التجارية.
تشكل الشوارع المحيطة بالمدينة القديمة شهادات على فن العمارة في العصور الوسطى، مثل أسوار المدينة، الباربيكان وكاتدرائية القديس يوحنا. دُمرت المدينة القديمة تمامًا خلال انتفاضة وارسو عام 1944، ولكن أُعيد بناؤها بشكل مماثل بعد جهد وطني كبير.
وإذا كنت ممن يتطلعن الى التجوال في سطور التاريخ، فإن المباني التاريخية، في المدينة العتيقة هي أجمل مربع في وارسو. هنا تصطف مع المباني المرتفعة التي تظهر مزيجًا جيدًا من عصر النهضة، الباروك، القوطي والعناصر الكلاسيكية الجديدة، ما يظهر التنافس الأبدي بين التاريخ والحاضر فيما المستقبل ينتظر الوقت المناسب ليقول كلمته.

القصر الملكي
هذا الصرح الهائل من الطوب، وهو نسخة عن الأصل الذي نسفه الألمان في الحرب العالمية الثانية، بدأ الحياة كمعقل لدوق مازوفيا في القرن الرابع عشر.
نال ذروة الشهرة في منتصف القرن السابع عشر، عندما أصبح واحدًا من أروع المساكن الملكية في أوروبا، ثم سكنه قياصرة روسيا، وفي عام 1918، بعد استعادة بولندا استقلالها، أي عند إعلان جمهورية بولندا الثانية، وقبل أن يجتاحها النازيون، أصبح مقر الإقامة الرئاسية. يضم راهنًا روائع الأعمال الفنية.

متحف الدمى
متحف الدمى في وارسو هو مكان رائع يستحق الزيارة، وخاصة إذا كنت تزورين المدينة مع أبنائك الصغار. أما إذا كنت تزورين وارسو مع صديقاتك، فإنكن جميعًا سوف تتمنين لو تعدن صغيرات، وتحصلن على دمية أحلامكن من هنا، فإذا كانت «باربي» صديقتك في الطفولة، سرّحتِ شعرها وغيّرت ملابسها وصمّمت بيتها، فإن كل هذه الذكريات سوف تستحضرينها في متحف الدمى وأكثر.
فهنا في هذا المتحف سوف تجولين بين أكثر من 100 منزل دمى تاريخي، ومباني دمى عند أسفلها متاجر وغرف للدمى نُسّقت بإتقان ولمسات من الإبداع، تتبعين مسار حياتها خطوة خطوة، فتشعرين بأن مدينة الدمى الافتراضية بتفاصيلها التي حلمتِ بوجودها حين كنت طفلة قد تحقّقت في الواقع .

تسوقي مثل سكان وارسو
التسوق في وارسو مهمة مثيرة ومتنوعة، سواء كانت أصلية أو عالمية. سواء كنت تفضلين التجوال داخل مراكز التسوق الفاخرة، أو استكشاف أسواق البرغوث بحثًا عن قطع العتيق والتذكارات القديمة فوارسو مدينة لكل أنواع التسوّق.
بوتيكات المصمّمين المحليين، مليئة بالتصاميم المستوحاة من المدينة، وهي أفضل أمكنة التسوّق إذا كنت تبحثين عن الهدايا التذكارية.
فسكان وارسو يحبون مدينتهم لدرجة أن مجتمعًا مزدهرًا من المصمّمين يبتكرون بشكل مستمر تصاميم وتذكارات تتعلق بمدينتهم.

كوتو بازار
إذا كنت من هاويات الأنتيك والتحف القديمة فعليك بكوتو بازار. هنا تُباع هذه التحف الضخمة والأثاث، ويُنصح بالمساومة لتحصلي على صفقة مربحة، وهذا هو المرح في التسوق أثناء السفر.
Pracownia Sztuki Dekoracyjnej وتعني ستوديو الفن الزخرفي هو أقدم مركز لبيع البرونز والمعدن في وارسو، ويعود تاريخ تأسيسه إلى عام 1862. سوف لن تقاومي القطع الاستثنائية التي يعرضها، مثل الشمعدانات البرونية، المرايا وإطارات الصور، ومصابيح الحائط...