«لن أدع يوماً...» جديد الشاعرة ليلى عساف:«لماذا يداهمني كل هذا الحب؟»

إسماعيل فقيه (بيروت) 18 نوفمبر 2017

«لن أدع يوماً...»، مجموعة شعرية جديدة للشاعرة اللبنانية ليلى عساف، صادرة في بيروت عن دار «نلسن». تجربة شعرية جديدة تخوض غمارها الشاعرة عساف، تحشد فيها ثمرة أحاسيس متفاعلة في ذاتها، ومع المكان والإنسان. ترفع نبرتها الشعرية عالياً، ولا تتردد في البوح الكبير، حيث تبرز مكامن شعرها، بروز النور في العتمة. ففي مستهل كتابها، تسأل سؤال الدهشة، دهشة الحب وعذابه: «لماذا يداهمني كل هذا الحب؟»(ص18)، ويتردد صدى هذا الحب على مدى صفحات الكتاب، وإن كان هذا الحب مغلفاً بصور التعب والعذاب. حب عميق متدفق وقائم بين الشاعرة والناس، بين الشاعرة والأشياء، بين الشاعرة والزمن والغربة والانتظار. الحب في القصيدة صور متقاطعة ومتعاكسة، ترسم مدارات متقاطعة، ويتماهى الشعور مع المتطلبات والحاجات، حاجات الإنسان الى حيوية وأمل ومعنى يربطه بالحياة، ويشده الى عيش كريم. غير أن صورة الألم تبدو جلية ومتجذرة وفاعلة في حياة الشاعرة وكيانها. وتغوص عميقاً في شرح هذا الألم وتفسيره، عبر ومضات شعرية، تتخللها سرديات إنشائية واسعة تخفف من رهافة الشعرية في النص، إلا أن وهج المعنى والقصد قد يحجب ثغرات السرد والقول المباشر. وربما تقصدت الشاعرة هذا السرد، وربما أرادته كوظيفة سردية شعرية ضرورية لبناء الشكل في غمرة القصيدة.

تذهب الشاعرة في بوحها الشعري الى أبعد حدود ذاتها، وربما تتخطى حدود قناعتها في فهم الحياة وعيشها، تزاول عاداتها وطقوسها وفق ما يملي عليها وعيها وطموحها في الحياة. لا تتورع عن الاعتراف بصعوبة ما تواجهه من (أزمات ونكبات) في حياتها، ولا تتورع عن المجاهرة بكل ما يقلق أفكارها وناسها، تتدفق أحاسيسها على دفعات، وأحياناً تتدفق دفعة واحدة، مثل اعتراف صريح بالهزيمة أو الجريمة. لكنها لا تستسلم لليأس، ولا تركن لوهن القلق، بل تنهض مجدداً وتناور، ترفع النبرة وتذهب معها الى أقصى معانيها: «لست عجوزاً لأقبع في كرسي/ أحوك خيوطاً تكسر جلدي/ لست طائراً لأتبع ما تومئ إليه الريح/ قد أكون خربشة فوق رمل لا يأتيه البحر إلا قليلاً/ شيئاً من غابة بألف ليل ونهار لم يكونا إلا خطى انتظارك/ سمكة تنفض آخر زعانفها لتجني قليلاً من ضوء يقطع آلاف الأميال لتضع بيضة في مكان آمن.../ يدركني صوت يبرق بفعل مكان أوقعني في شركه وما زلت أحمل ندبات طعنه». (ص 123).

لا تدع ولن تدع الشاعرة أي شاردة أو واردة تخرب مزاجها الشعري، فهي حريصة على التماسك والتجلّي والظهور الذي يرسمها ويرسم قامتها بظلال كثيفة وغزيرة. وتبقى قصيدتها المعيار والوزن واللون والصورة، قصيدة حاوية، تحتوي كل ما يجيش في ذاتها وأرضها وغيابها. اعتمدت الشاعرة على مبدأ القول الشعري، أو الاعتراف الشعري، وقالت: «لم أعد أملك جسماً/ ولا قمراً بلون الحليب/ فقط صرخة قلما بدأت/ وعينين من طين/ يمتص نجوماً أبصرت هوة/ نبقى فيها/ نتفاءل أو نكترث/ في انعكاسات شمس/ بحر وشمس/ يقاسيان ألماً/ يطال بيوتاً مع أصحابها/ أرصفة/ مصابيح/ مساء/ هواء معادن/ وأشياء أطول بقاء منا / تسير بمحاذاتنا»(ص88).

كتاب سريع، بومضات أسرع، قالت فيه الشاعرة الكثير الكثير. البوح والاعتراف والصمت والصبر والتحدي والتلاشي والحضور والغياب والحب والكآبة والموت والألم والسعادة والسرور والخوف والطمأنينة والصراخ العالي والمنخفض... كل هذا الضجيج المتفاعل والقوي والهادف، حضر في ومضات كتاب الشاعرة الهادئة جداً، ليلى عساف.