أول امرأة عربية تتولى رئاسة الاتحاد الدولي لصاحبات الأعمال الدكتورة أماني عصفور: عايشت آمال سيدات الأعمال وآلامهن

أحمد جمال (القاهرة) 22 نوفمبر 2017

لم يأت انتخاب الدكتورة أماني عصفور، كأول امرأة عربية وأفريقية تتولى رئاسة الاتحاد الدولي لصاحبات الأعمال والمهن، من فراغ، وإنما هو ثمرة طبيعية لجهود كبيرة من سيدة أعمال نجحت في شغل العديد من المناصب على المستوى المحلي والأفريقي والدولي، لتصبح نموذجاً فريداً لسيدات الأعمال العربيات، في تحقيق النجاح ليس في مجال البيزنس فقط، بل في الحياة الاجتماعية أيضاً. «لها» التقت الدكتورة أماني لتكشف لنا أسرار هذا النجاح.


- كيف وصلت إلى منصب رئيس الاتحاد الدولي لصاحبات الأعمال والمهن؟
الحمد لله الذي وفّقني في توثيق علاقاتي مع زميلاتي من مختلف قارات العالم، خلال عملي نائباً لرئيسة الاتحاد السابقة الدكتورة هدى درويش، وهي مكسيكية من أصل لبناني، وقد عايشت خلال عملي آمال سيدات الأعمال من مختلف الأعمار وآلامهن، فكنت أستمع لمشكلاتهن، وأحاول قدر استطاعتي مساعدتهن وتقديم المشورة الصادقة والمخلصة لهن، مما ساعدني في كسب ثقتهن، وقد تمت ترجمة هذه الثقة من خلال التصويت في الانتخابات الأخيرة التي أُجريت في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2017، حيث تم انتخابي بغالبية كبيرة على المنافسة التركية أروز أوزال، والألمانية هنريكا فون بلاتين، وذلك في حضور أكثر من 650 مشاركة من 73 دولة من أنحاء العالم، علماً أن الاتحاد الدولي لصاحبات الأعمال والمهن أنشئ عام 1930 في سويسرا، ويضم في عضويته 110 دول.

- ما انعكاسات هذا الفوز على سيدات الأعمال المصريات والعربيات؟
هذا الفوز يؤكد أنه لا يوجد مستحيل، فبعد مرور 87 عاماً على إنشاء الاتحاد، تستطيع سيدة أعمال مصرية عربية أن تترأسه وتنال ثقة زميلاتها، وهذه رسالة إيجابية بأننا نستطيع بالعمل والجدية والتفاني في خدمة الآخرين، تحقيق إنجازات غير مسبوقة، وأن سيدات الأعمال العربيات قادرات على القيام بأدوار مهمة على المستوى الدولي، وإثبات مكانتهن وتحقيق العديد من الإنجازات.

- لكن هذا النجاح الدولي سبقه نجاح على المستوى المحلي والعربي، فماذا عنه؟
الحمد لله أنني اجتماعية بطبعي وأعشق العمل الجماعي وأحب للناس ما أحبه لنفسي، ولهذا أتفانى في خدمة الآخرين ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ولعل هذا سر نجاحي في قيادة العديد من المنظمات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، سواء على المستوى المصري أو العربي أو الأفريقي، فأنا رئيسة جمعية سيدات الأعمال المركزية المصرية التي تعمل بنشاط كبير في العديد القطاعات، فمثلاً لدينا مجموعات مستهدفة نقدم لها خدماتنا، أولها سيدات الأعمال اللاتي يرغبن في عمل مشروع للمرة الأولى، فنقوم بعمل دورات تدريبية لهن لتنمية مهاراتهن وقدراتهن وبنائها، حتى يستطعن البدء في مشاريعهن بنجاح، وهذه هي الخطوة الرئيسية في مسيرة أي سيدة أعمال ناجحة، أن تكون مؤهلة. وتستكمل الجمعية الخطة السابقة بمشروعها الثاني، وهو مركز تنمية الأعمال، الذي يساعد سيدات الأعمال على إنهاء إجراءات التسجيل والحصول على تراخيص المشروع والتمويل اللازم، لأنه من دون ذلك لن تستطيع سيدة الأعمال السير في الطريق الصحيح للنجاح. أما مشروعنا الثالث، فهو ما أطلقنا عليه «حاضنة حتشبسوت»، ويساعد سيدات الأعمال على تنمية مشاريعهن الصغيرة والعمل على إكسابهن الخبرات، وهكذا تتبنى الجمعية مشروعات أخرى لتقديم سيدة أعمال ناجحة وفاهمة لطبيعة عملها وأهداف أخرى.

- تترأسين اتحاد سيدات الأعمال الكوميسا الأفريقية، فماذا تقدمين من خلاله؟
الاتحاد متعدّد النشاطات، منها تدريب سيدة الأعمال المبتدئة في مشروعها من خلال برنامج إقليمي يهدف إلى تنمية قدرات سيدات الأعمال، كما نعمل على تفعيل التجارة البينية بين دول الكوميسا، التي تضم 19 دولة تمثل أكثر من 500 مليون نسمة.

- وهل صحيح أن لاتحاد سيدات أعمال الكوميسا، الذي تترأسينه، أهدافاً إنسانية بجانب البيزنس؟
بالفعل، نحن نعمل على تغيير المفهوم السلبي عن أصحاب رأس المال أنهم «مصاصو دماء»، وهدفهم مصلحتهم أولاً، ولهذا نرفع شعار «ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط»، وإذا كان هدف سيدة الأعمال الربح، فإن لها رسالة تنموية وإنسانية، لذلك فإننا في اتحاد سيدات أعمال الكوميسا نعمل على تقليل نسبة وفيات الأطفال والأمهات وتحسين صحتهم، وكذلك مكافحة الأمراض الفتاكة بالسيدات الأفريقيات والعربيات، بخاصة الأكثر انتشاراً، مثل نقص المناعة والمالاريا والإيدز، وغيرها من الأمراض المنتشرة في مختلف دول القارة السمراء، كما نركز على مشروعات التنمية المستدامة والبيئة، ونعمل على تمكين المرأة اقتصادياً واجتماعياً.

- وراء كل سيدة أعمال ناجحة أسرة تشجّعها على التقدم، فما دور الأسرة في مسيرة نجاحك المحلية والدولية؟
أسرتي شجعتني في مختلف مراحل حياتي، وبالطبع فإن المرحلة الحيوية الكبرى كانت من زوجي الدكتور خالد دعبيس، أستاذ جراحة المسالك البولية في كلية الطب - جامعة طنطا، الذي كان سنداً كبيراً لي، كما أن أولادي هم كلمة السر في مسيرة نجاحي، وهم: ياسمين، 21 عاماً طالبة في كلية الطب، محمد 19 عاماً طالب في كلية الطب أيضاً، وياسر 17 عاماً طالب في الصف الثالث الثانوي، وهم دعم لي باعتمادهم على أنفسهم، وبالتالي التخفيف من أعبائي ومسؤولياتي، كما أنهم يساعدونني عملياً بكونهم متطوّعين ضمن فريق تنظيم المؤتمرات والنشاطات التي أشارك فيها، ومنها المؤتمر الأخير للاتحاد الدولي لصاحبات الأعمال والمهن، وقد اعترفت بفضلهم أمام المؤتمر كله.

- ماذا تقولين لمن ترى أن الزواج والأولاد عائق لمسيرة نجاحها، حتى أن بعضهن يفضل العنوسة مع النجاح، خشية أن يكون الزوج عائقاً لمسيرة نجاحه؟
كل واحدة حرة في وجهة نظرها، حسب ظروفها والبيئة المحيطة، لكن بوجه عام، فإن رسالة المرأة الأولى في الحياة أن تكون زوجة وأمّاً، والمهم أن تحسن اختيار شريك حياتها ليكون داعماً لا عائقاً لها، وأن يتمتع بعقلية منفتحة ويرى أن نجاح زوجته في عملها – أياً كان هذا العمل – هو نجاح شخصي له، لأن هناك أزواجاً يغارون من نجاح زوجاتهم، فيصبحون حجر عثرة في طريق نجاحهن. والحمد لله على نجاحي أسرياً وعملياً، علماً أن الحياة كلها مشكلات، سواء في الزواج أو من دون زواج، والمرأة الذكية هي من تحسن التعامل مع مشكلاتها فلا تحوّلها إلى معركة زوجية تعوق مسيرة نجاحها.

- أنت تجسيد حي لسيدة الأعمال التي تهتم بمشكلات مجتمعها، وقد اخترت فئة المعوّقين ذهنياً مجالاً لعملك، فما هي القصة بإيجاز؟
من نعم الله على الإنسان أن يمنحه الرقة في المشاعر والأحاسيس، ويشعر بالفئات الضعيفة وعلى رأسها بلا شك المعاقون ذهنياً، باعتبارهم من أكثر فئات الإعاقة انتشاراً وصعوبة في الوقت نفسه، ولهذا اخترت جمعية «صوت المعاق ذهنياً»، وأنا حالياً رئيسة مجلس إدارتها، ونعمل على توفير كل سبل الرعاية طبياً ونفسياً واجتماعياً وترفيهياً، ونقوم بعقد مؤتمراتها في قرية الزهور في المعادي، وهي أكبر قرية لرعاية المعوقين ذهنياً، ويتم من خلالها تحقيق هدف رعاية الأطفال المعوقين ذهنياً وتوفير جو ملائم ومناسب لهم، كما نعمل من خلال الجمعية على تطوير المجتمع ككل وتوعيته، من خلال تعليم الأطفال وتزويدهم بالنشاطات اللازمة، حتى يكون لهم حصن أمان، كما نعمل على خدمة المجتمع من خلال النشاطات العديدة، وكذلك التعليم وكيفية التعامل الإيجابي مع هذه الفئة، وتعزيز الثقة لدى أهالي الأطفال، بتكريم من حضر الفعاليات من الشخصيات العامة، وكبار الفنانين والفنانات، الذين يتبرع كثر منهم بأجره من أجل إدخال البسمة إلى هذه الفئة.

- ما هي مواصفات سيدة الأعمال الناجحة من وجهة نظرك؟
أن تكون ذات رؤية شمولية، بمعنى أن تعايش واقع مجتمعها وتكون إحدى وسائل المساهمة الإيجابية في حلّها، أي ألا يكون هدفها الأول والأخير الكسب المادي فقط، مع الاعتراف بأهميته، لكن سيدة الأعمال إنسانة قبل كل شيء، ولا بد من إشباع هذا الجانب الإنساني بتقديم خدمات اجتماعية، والسعي إلى التمكين الاقتصادي والاجتماعي للفئات المختلفة، بخاصة الفتيات والشباب، وكذلك مساعدة المرأة المعيلة من خلال توفير فرص عمل كريمة لها، أو مساعدتها في إنشاء مشروعات متناهية الصغر وتمويلها.

- ترين أن تمكين المرأة للنجاح اقتصادياً واجتماعياً هو في الواقع تمكين لنجاح المجتمع، فما الذي جعلك تؤكدين ذلك؟
المرأة تمثل نصف المجتمع ومربية للنصف الآخر، ولهذا لا بد من دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تقوم بها بمفردها أو بالشراكة مع غيرها، لأن التنمية الاقتصادية والنهضة الاجتماعية لن تتحققا ونصف المجتمع معطل أو محبوس بالبيت، لذلك أطالب دائماً كبار سيدات ورجال الأعمال والحكومات بالتعاون لتوفير الدعم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي هي عماد الاقتصاد الوطني في أي دولة، فضلاً عن تمكين المرأة، ولدينا في تجارب العديد من دول جنوب شرقي آسيا والنمور الآسيوية نموذج يحتذى في هذا المجال الحيوي، فهذه المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر هي في الحقيقة تساعد على حل الكثير من المشكلات الاجتماعية، بخاصة لدى النساء المعيلات اللواتي تؤكد الإحصائيات تزايد أعدادهن، مما يعني تزايد العديد من المشكلات التي تهدد الأمن والسلم الاجتماعي.

- لم تغب أوضاع المرأة في مناطق الصراع عن أجندة اهتمامك الإنسانية، فما رؤيتك لها؟
لا شك أن المرأة في مناطق الحروب والصراعات في المنطقة العربية هي من تدفع الفاتورة الرئيسية للخسائر، باعتبارها أمّاً وزوجة، بخاصة إذا فقدت عائلها وتشردت أو تحولت إلى لاجئة، لهذا أطالب دائماً بوضع النساء والأطفال في مناطق الصراعات والحروب على أجندة رجال وسيدات الأعمال العرب، باعتبار ذلك جزءاً من دورهم الإنساني، الذي لا يتمثل في المساعدات فقط، بل بخلق مشروعات وتمويلها وتشجيع المرأة على العمل والإنتاج.