عبد الحميد بعلبكي بيروت تستذكر غيابه في كتاب ومعرض

إسماعيل فقيه (بيروت) 10 ديسمبر 2017

لمناسبة ذكرى مرور أربع سنوات على رحيل الفنان التشكيلي عبدالحميد بعبلكي، قدمت «غاليري صالح بركات» لوحات الفنان في معرض استعادي لافت، وأطلقت كتاباً يحتوي على أعماله ويستذكره بكتابات نقدية احتفالية، وذلك في صالتها الكائنة في منطقة كليمنصو في وسط بيروت.


الفنان الراحل عبدالحميد بعلبكي، كان حضوره طاغياً في الحياة الفنية التشكيلية اللبنانية، في مرحلة السبعينيات، واستمر هذا الصخب حتى وفاته عام 2013. فهو الفنان الذي عاش ورسم ولوّن مراحل زمنية وفكرية واجتماعية، في لبنان وفي فرنسا.

كما عُرف الراحل بمواهب فنية أخرى، حيث كتب الشعر والرواية، وأصدر العديد من الكتب الأدبية في هذا السياق. وإلى جانب حضوره كأستاذ مادة الفنون في الجامعة اللبنانية، تتلمذ على «يد» الطبيعة، فأخذ منها مادته اللونية الباذخة، وتشهد أعماله ولوحاته الضخمة وألوانها النقية على أهمية العلاقة التي أرساها مع التراب والشجر والعصافير والبشر. ودفعته علاقته مع المكان إلى حصر سنوات عمره الأخيرة في قريته العديسة في جنوب لبنان، والمتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة، حيث للطبيعة مشاهدها الصافية الخلابة... وكأنه قرر الموت في هذا المكان الأحبّ على قلبه وبصره.                                                        

اللوحات المعروضة في المناسبة التي جمعت نخبة من الشخصيات الثقافية والفنية والأدبية حولها، شكلت حضوراً استعادياً للراحل وأعماله، فبدت كل لوحة وكأنها الصورة الآنية في زمن المرحلة المعيوشة. كما استحضرت ذاكرة الزمن الأصيل وما يحتويه من مفاجآت الشكل والمعنى والدلالة، والتي في العادة تكون قائمة بيننا ولا يمكننا رؤيتها، فيرسمها الفنان، يستخرجها من أعماقها السحيقة ويضعها في متناول الوعي والبصر والذهن. وكان الراحل على دراية بما يجول في الأعماق الدفينة لإنسان تلك المرحلة والمراحل التالية، واستطاع من خلال لوحته وإشاراتها الواسعة تحقيق هدف القول والفعل والمعنى، اذ لم تكن لوحته مجرد صورة معبّرة، ناقلة للواقع فحسب، بل تخطت الأمر وذهب بها الفنان وبألوانها الى العمق في المعنى والرأي والموقف.

ولا شك في أن الراحل كان من الفنانين الذين عاشوا المعاناة بكل شجونها وقسوتها، بعد أن اصطدم بالمدينة، وأقام في التجمعات السكنية التي زنّرت بيروت، أو التي شكّلت «حزام البؤس»، كما كان يردد دائماً. وبالطبع، كان في مواجهة مستمرة مع هذا الواقع الصعب والمرّ. وتتجلّى تلك المواجهة مع الواقع في تلك الصعوبة القائمة في لوحاته وفي أعماله التي جمعت كثافة العبث في إطار واسع، وحوّلتها الى مربّعات ودوائر وإشارات وألوان وخطوط مفتوحة على كل شاردة وواردة في المساحة المعيوشة، وفي الرقعة المحسوسة. لذلك اعتمد الراحل، وفي أغلب أعماله، على الشكل الكبير والمفتوح للوحة الواحدة. فقد كانت لوحته من الحجم الكبير، حيث يمكن الشكل أن يستوعب كل تفاصيل الحالة والشعور، كأنه كان يعتمد على المساحة اللامحدودة والمحددة وفق هدف الشرح والتفسير والدلالة التي أرادها، لتكون خير معبّر، وخير جواب على سؤال: كيف نحيا في عالم يضجّ بالتعب والعذاب؟    

أما الكتاب الذي ترافق إطلاقه مع المعرض الاستعادي للراحل (abdel – hamid Baalbaki 1940- 2013) فلا يقلّ أهمية عن تلك اللوحات التي قالت الكثير بألوانها الوحشية، المجنونة والعاقلة. كتاب تضمّن أعمال الفنان وشهادات وآراء وتعابير مجدية ترسم صورة الفنان وفق شروط منطقية. كما حاولت هذه الأعمال أن تقول وتدل وتجاهر بالكثير من صور الماضي الجميل الذي رسمه الراحل وكتبه وحققه. كذلك استعرض الكتاب، بلغة احتفالية نقدية، تجربة الفنان الراحل، حيث وضعت أفكاره وألوانه وأشكاله على مشرحة النقد والبحث والتوصيف والتبجيل، وربما أعطته حقه كمبدع أسّس لواقعية لونية خاصة، أو نجحت في توصيف مكانته الإبداعية التي حملت وجمعت مشهد الحياة الخاصة لفنان خاص جداً، عاش تجربة القلق الكبرى، وجسّدها بالشكل واللون والمعنى. والأهم في هذا الكتاب أنه غني بالمعرفة، معرفة تفاصيل وأشياء وأحاسيس عاشها الراحل، وهذا يشكل مادة أرشيفية فنية مهمة تفيد كل متتبع وكل باحث في أعمال الراحل وأفكاره.