نساء ضحايا شعار «اسأل مجرّب» على السوشيال ميديا

نيرمين طارق (القاهرة) 07 يناير 2018

يسقط بعض النساء في فخ اسمه «اسأل مجرب»، ومع انتشار السوشيال ميديا والصفحات التي تحمل نصائح زوجية وطبية وقانونية، تقع كثيرات في هذا الفخ، عندما يلجأن في حل أي مشكلة يواجهنها إلى نصائح من رواد مواقع التواصل الاجتماعي من دون أن يكونوا مؤهّلين لذلك.
«لها» تقتحم عالم «اسأل مجرب» على مواقع التواصل الاجتماعي، وترصد حكايات ضحايا هذا الشعار.


ضحية التجميل
في البداية، تقول منة زين، طالبة جامعية: «صفحة «حد يعرف» أشهر صفحة تتبادل فيها الفتيات في مصر النصائح والتجارب، وأنا واحدة من ضحايا تلك الصفحة، إذ اشتريت كريماً لعلاج الحبوب بناء على تجربة فتاة كتبت على «الغروب» إن مفعوله سريع وسحري. لكن بعد استخدام الكريم ظهرت في وجهي التهابات حادة وحروق، واستغرق العلاج فترة طويلة عند طبيب الجلد، الذي أكد أن المشكلة ليست في الكريم، بل في عدم ملاءمته لنوع بشرتي الحساسة، التي تتطلب كريمات خاصة تحت إشراف الطبيب المعالج».

أصبت بفقر الدم
وتعترف سحر عبدالعظيم، طالبة في كلية الحقوق، بأن هذه الصفحات كانت سبباً في إصابتها بفقر دم حاد، قائلةً: «طلبت من البنات على غروب نسائي عرض طريقة سريعة لتخسيس الوزن، فكتبت فتاة اسم دواء يكبح الشهية ويحرق الدهون. جرّبته، لكن بعد المواظبة عليه، وجدت نفسي غير قادرة على تناول الطعام، فتعرضت للإغماء وأُصبت بفقر دم حاد ووجع في  المعدة، وانتابني الخوف فرفضت الريجيم حتى لا تتكرر التجربة المؤلمة».

فضيحة
تقول فضيلة محمود، 38 سنة، ربة منزل: «كتبت على غروب مشكلتي مع زوجي في لحظة ضيق، من باب الفضفضة كما تفعل كثيرات من النساء، لكن فوجئت بأن أخت زوجي تعلم بالمشكلة لأنها عضو في الغروب نفسه، لكن منتحلةً اسماً مستعاراً، فأخبرت زوجي بأنني طرحت مشاكلنا على «فايسبوك»، ما تسبّب في تضخم الخلاف بيننا، الى درجة جعلته يفقد ثقته فيّ، فلم يعد يخبرني بتفاصيل يومه أو مشاكله في العمل خوفاً من عرضها على فايسبوك».

الليمون مضرّ
توضح مي سليمان، طالبة في معهد السينما: «قرأت على أحد الغروبات تجربة فتاة كتبت عن استخدامها الليمون بشكل يومي، ونتيجته السحرية في تفتيح لون البشرة، فطبّقت التجربة وكانت النتيجة بثوراً في خديّ، وعرفت في ما بعد من الطبيب أن الليمون مضرٌ بالبشرة الدهنية».

الإدمان هو المشكلة
ترى ميريت ميخائيل، مخرجة برامج، أن إدمان «فايسبوك» تسبب في دمار حياة الكثير من الناس، وعلى سبيل المثال هناك صديقة كتبت عن مشكلتها في العمل مع مديرها على «فايسبوك»، وطلبت نصائح من الفتيات للتعامل مع المشكلة، وكانت النتيجة فصلها من الشركة واتهامها بالتشهير، لأن بعض زميلاتها كنَّ على الغروب نفسه من دون أن تعلم.

فقدت الثقة
أما ميادة شريف، مصمّمة أكسسوارات، فتقول: «طلبت من بعض الفتيات على أحد الغروبات ترشيح خبيرة تجميل متميزة، وبناء على نصيحة فتاة استعنت بخبيرة تجميل تستخدم مستحضرات رديئة جداً، واكتشفت في ما بعد أن خبيرة التجميل نفسها تطلب من بعض البنات ترشيح اسمها على الصفحات النسائية مقابل عمل ماكياج لهن من دون مقابل مادي، لذلك فقدت الثقة في أي منتج يتم عرضه على السوشيال ميديا، لأنها أصبحت وسيلة لطرح المنتجات وتسويقها، وتجد من تقول أشعاراً في منتج لعلاج سقوط الشعر، أو التهابات البشرة، وهي من تقوم بتصنيعه».

فراغ
تقول مروة عبدالقادر، مديرة تصوير: «الفراغ هو الذي جعل النساء يتّجهن الى تلك الصفحات، فالمرأة التي تعمل ليس لديها وقت لكشف أسرار بيتها ومشاكلها الزوجية على «فايسبوك»، لكن الهاتف الخليوي لا يفارق أيدي ربّات البيوت، ومواقع التواصل أصبحت وسيلتهن الوحيدة للتواصل مع العالم الخارجي، بسبب شعورهن بالوحدة بعد خروج أزواجهن للعمل وذهاب أبنائهن إلى المدرسة، فجعلن من « فايسبوك» الصديق الذي يفضفضن معه أو له».

تدهور نفسي
من جانبها، ترى نورهان فتحي، مترجمة قانونية، أن هذه الصفحات كانت سبباً في تدهور حالتها النفسية، عندما طلبت نصيحة البنات حول إصابتها المتكررة بهيستيريا الضحك، فأخبرنها بأنها محظوظة، لأن الضحك أصبح عملة نادرة، ولا داعي للقلق، لتكتشف في ما بعد أنها مصابة بمرض اسمه «الاكتئاب الضاحك»، وكان من الأفضل لها اللجوء الى طبيب نفسي.

خلاف
تقول عبير عبدالحي، مدرّسة رسم: «قبل زواجي، كتبت على صفحة نسائية عن خلافي المستمر مع والدتي بسبب قساوتها، ولم أجد من البنات سوى تأييد لشكواي، وبسبب نصائحهن لجأت الى استخدام العناد مع أمي، لكن بعد الإنجاب تأكدت من أن قساوتها كانت من باب الخوف والحرص عليّ، والنصائح التي تُسدى على السوشيال ميديا هي من زاوية واحدة، فالفتاة التي تكتب النصيحة لا تعلم كل شيء عن صاحبة المشكلة، لذلك تقدّم لها حلاً تنقصه معرفة الحقيقة، لكن خوف البنات من عقاب الأهل يدفعهن لطلب النصيحة وحل المشكلة من طريق رواد مواقع التواصل الاجتماعي».
وتشير سلمى زيدان، طالبة في معهد الفنون المسرحية قائلةً: «بناء على ترشيح البنات على صفحة «حد يعرف»، استخدمت كريماً لتطويل الشعر، لكنه تسبّب في جفاف شعري وتقصّفه، وقد استغرق علاجه فترة طويلة لما لحق به من تلف».

فضفضة
تقول سالي سعيد، 30 سنة: «الفضفضة على صفحات «فايسبوك» قد تكون مفيدة وضرورية للفتاة عندما تكون بلا أصدقاء، لأن كتم الوجع قد يتسبب في مضاعفته في رأي الغالبية العظمى من البنات، فالجميع يعتقد أن الفضفضة تريح الأعصاب، لذلك يرفعن شعار «اسأل مجرب»، لكن ابن صديقتي كان يعاني مغصاً بصورة متكررة، وبناء على وصفة طبيعية من الأعشاب على صفحة نسائية، كان الولد يشعر بالراحة الموقتة، لكن في ما بعد اكتشفت صديقتي أنه مصاب بمرض يُدعى «حمى البحر المتوسط»، فأدى تأخّر العلاج الى تدهور حالته واحتجازه في المستشفى لفترات طويلة».
أما أميرة حسين، اختصاصية في النطق، فتقول: «هناك أطفال دفعوا ثمن لجوء الأمهات الى نصائح السوشيال ميديا، فرأيت من خلال عملي الطفل الذي تأخر في النطق، لأن الأم عملت بنصيحة أمهات على «فايسبوك» أكدن لها أن الانتظام في أكل لحم الغراب ولسان الماعز لمدة عام سيحسّن من عملية النطق، وهذا لا أساس طبياً له، كما وجدت الأم التي تأخرت في الذهاب بطفلتها إلى طبيب المخ والأعصاب، لأن عضوات الغروب أخبرنها أن حركتها المفرطة مجرد شقاوة طبيعية، رغم أن فرط الحركة يدل على وجود خلل يجب علاجه حتى لا يفقد الطفل التركيز تدريجاً».

تقليد
وتوضح نور حليم، كاتبة سيناريو: «صفحات السوشيال ميديا كانت في بدايتها للسؤال عن عنوان مطعم أو رقم مستشفى، لكنها تحولت في ما بعد الى عيادة نفسية ومراكز تجميل ومستشفيات بسبب الجهل والرغبة في تقليد تجارب الآخرين، من دون إدراك العواقب الوخيمة التي تحدث نتيجة التقليد الأعمى للحلول التي تطرحها النساء على السوشيال ميديا».
بينما ترى المحامية سامية خير، أن هناك العديد من المشاكل التي تحدث نتيجة الاستشارات القانونية التي يتبادلها البعض على الصفحات النسائية، لأن هناك من يدّعي العمل في المحاماة والمجال القانوني من باب النصب، ورغم هذا فبعض السيدات يملن الى البحث عن حلول للقضايا القانونية على السوشيال ميديا بخاصة.
وتؤكد ريهام صلاح، ربّة منزل، أن مجموعات السوشيال ميديا أصبحت البيت الثاني للبنات، وهذا يدل على غياب التواصل بين أفراد الأسرة، فالفتاة التي تحكي مشكلتها مع خطيبها على السوشيال ميديا، لا تستطيع مناقشة أبيها أو أخيها لإيجاد حل لتلك المشكلة، لذلك فالصفحات النسائية أصبحت بديلاً من الأسرة والأصدقاء.

ثقافة وعزلة اجتماعية
وعن اتجاه النساء الى طرح مشاكلهن الشخصية والبحث عن حلول من خلال السوشيال ميديا، تقول الدكتورة بسمة سليم، خبيرة التنمية البشرية: «اسأل مجرب هو جزء من ثقافة المرأة المصرية منذ عصور عدة، لكن قديماً كانت المرأة تسأل جارتها وتفضفض عن مشاكلها الشخصية مع بنت عمّها، لكن في الوقت الحالي، ونظراً الى العزلة الاجتماعية وعدم وجود فرص للقاء الأصدقاء والجيران والأقارب، بسبب إيقاع الحياة السريع، أصبحت المرأة تبحث عن إجابة وحلول لمشاكلها الشخصية من خلال وجهات نظر رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فلجأت إلى الغرباء على صفحات العالم الافتراضي، لأن العلاقة بين الأصدقاء والأقارب لم تعد قوية كما كانت في الماضي، فأصبح «فايسبوك» هو وسيلتها للتفريغ الانفعالي، والمرأة تميل إلى التعبير عن انفعالها على عكس الرجل، الذي يجيد الكتمان ويفضّله، لكن تبادل الخبرات الحياتية على «فايسبوك» أمر غير مقبول، لأن لكل شخص ظروفه المختلفة، إضافة الى أن إدمان» فايسبوك» تسبّب في لجوء النساء الى الصفحات النسائية للبحث عن حلول لمشاكلهن، كما أن الكسل جعل البنات يتخذن» فايسبوك» بديلاً للخبراء والمتخصصين».

الكبت وغياب الاهتمام
وعن سبب اعتماد النساء على السوشيال ميديا في حل مشاكلهن الأسرية والنفسية، يقول الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي في جامعة القاهرة: «هناك أسباب عدة تدفع المرأة للبحث عن حل لمشاكلها الأسرية والصحية من خلال السوشيال ميديا، وأهمها وجود حالة من الكبت، وسرد المشاكل الشخصية على صفحات السوشيال ميديا بسبب هذا الكبت، فالمرأة تشعر بالراحة عندما تكتب مشكلتها الشخصية وتجد تفاعلاً معها، واهتماماً من أعضاء الصفحة التي تكتب عليها مشكلتها، وهذا يدل على افتقاد الاهتمام، لذلك فالمرأة تلجأ الى التفريغ النفسي على «فايسبوك» للتخفيف من الشعور بالكبت، لأنها لا تفضل الكتمان. كما يعد الفراغ الثقافي سبباً من أسباب البحث عن الحلول للمشاكل والأزمات الصحية على «فايسبوك»، والفراغ الثقافي هو التصرف من دون معرفة العواقب، فسرد المشاكل الأسرية على «فايسبوك» يؤدي الى انتهاك الخصوصية، والثقة العمياء بالنصائح الطبية والأدوية من خلال الصفحات النسائية قد تؤدي إلى عواقب لا يمكن معالجتها في ما بعد».