الفنانة التشكيلية فريال الصايغ: «أنا العاشقة على الدوام»

إسماعيل فقيه (بيروت) 10 فبراير 2018

ترسم الفنانة التشكيلية فريال الصايغ الجمال والفرح والبهجة، وإذا عاكستها الحياة ترسم «العبوس» بوجه سعيد وهادئ، محاولةً إضفاء الفرح على كل شاردة وواردة حزينة. لذلك يبقى الفرح مصدر لوحتها وألوانها، ووصلت بلوحتها الى منازل الحب والعشق، ولا تغادرها مهما كلّفها الإصرار... في هذا الحوار، تتحدث الفنانة عن علاقتها باللون والريشة والمكان والإنسان، فماذا تقول؟

-من هي فريال الصايغ وكيف نتعرف على فنها وشخصها؟
أنا فنانة تشكيلية وشاعرة من بلدة صوفر اللبنانية، قضاء عاليه. فنانه تسعى الى تكريس اللون والكلمة لخدمة الجمال والمحبّة والإنسان. لي معرضان فرديان في لبنان، وثالث في مدينة السليمانيه في العراق. كما شاركت في الكثير من المعارض الجماعيه في الخارج مثل دبي وبغداد وأميركا وإيطاليا، وكانت لي مشاركات في مختلف المناطق اللبنانيه. في أعمالي، أحرص على استخدام الألوان الزيتيه والأكريليك، وقد أصدرت مجموعه شعريه وقّعتها في «البيال» العام الماضي تحت عنوان «قميصه الأبيض»، وأُحضّر لإصدار جديد هذا العام، إضافة الى الرسم وكتابة قصص للأطفال. أيضاً، أتمتع بخبرة في النحت وتشكيل الباطون، وأدرّس مادة الرسم للطلاب والمبتدئين.

-ماذا ترسمين، ولماذا؟
بمفهومي الخاص، على الفنان أن يكون طليقاً كالفراشه، يختار ما يناسبه ويرتاح إليه. من الممكن أن يتميز بأسلوب معيّن أو ينتمي الى مدرسه فنيه محدّدة أو يتأثر بأحد الفنانين الكبار المعروفين، ولكن عليه في الوقت نفسه أن يُبقي على تميّزه من خلال عدم تأطير نفسه في قالب محدد، فذلك يحدّ من موهبته، لذا أرسم أي شيء أشعر أنه يتناغم مع مشاعري وينسجم مع تطلعات ريشتي. أترك حريه الاختيار لأهوائي، لذا لا أخطط لأعمالي الفنية، فهي غالباً تأتي بالصدفة، لكنني أدرسها بدقة لجهة التطبيق وبناء اللوحة ضمن المعايير الضرورية المتعارف عليها ليرتكز العمل على أسس وثوابت. بالنسبة إليّ، الرسم كالكتابة، أي هو وسيله للتعبير عن أفكاري وتحريرها من سجنها، فخروجها من الوجدان لترقص مع اللون على مسرح القماش، متعة لا يشعر بها إلا الفنان.

-ألوانك كثيرة ومبتهجة، لماذا بدت لوحتك بكل هذا الازدحام؟
ربما من صخب الأفكار وكثرة الأحاسيس المفعمه بالحب والأمل والتفاؤل تأتي لوحتي مزدحمه الأفكار. لا أحب اللوحه الصامتة، وكل من ينظر الى لوحتي يسمع نبض الحياة. كما أن للفنان دوراً في الحياة العامة، ورسالته هي توصيل الأفكار على أمل التغيير والإصلاح، فيأتي التعبير بكل هذه الخطوط والألوان. ربما تصوّر الحياة مثلاً بدون ألوان، أو إذا وُجدت تكون ألواناً قاتمة وكئيبة. فهذا المشهد المأسوي نسبياً لا يطفو على سطح لوحتي إلا نادراً أو للضرورة القصوى، أو في ظل وضع طارئ يفرض نفسه عليّ. عشقت اللون، وأستمد منه طاقتي، وهذا ما يميّز الصخب اللوني في أعمالي عن أعمال زملائي. حتى المأساة أقدّمها على طبق ملوّن وكأنها عنوان لحياة أفضل وباب أمل مفتوح على مصراعيه.

-ما هو دافعك للرسم؟
وهل تُسأل العصافير لماذا تحب الغناء؟ والفراشات لماذا تعشق النور؟ والزهر لماذا يرنو إلى الحقول؟ والأرض لماذا يُحييها الربيع؟... هكذا خُلقت وسأبقى، وكل شيء يدفعني للرسم وكأن الرسم أساس والباقي تفاصيل. إذا كنت حزينة فالرسم يُبدّد اكتئابي. وإن كنت سعيدة، الرسم يزيدني فرحاً. وإذا كنت متعبة فهو يجدّد طاقتي. لذا أجدني أرسم في كل الظروف والأحوال، ولا شيء يثني موهبتي عن المتابعه والتعبير.

-هل أنت فنانه سعيدة، حزينة أم ماذا؟
قبل كل شيء أنا إنسانة تشعر وتتأثر وتحزن وتفرح. والحياة فيها ما يريح وما يُضني. وكوني فنانة، أشعر أنني أكثر تأثراً، ومشاعري مرهفة الى أقصى حد. ولكن أتعامل مع انفعالاتي بإيجابية، ولا أجعل الحزن يتمكن من حركة ريشتي ويُمسك زمام أمور لوحتي وأعمالي الفنية لوقت طويل. قد تظهر أحزاني في أعمالي لكوني ابنة المجتمع، واللوحة مرآة ذات الفنان، ولكن سرعان ما يغلب اللون ويحقق انتصاراته على مساحة لوحتي لغايات جمالية متفائلة.

-متى ترسمين؟
الرسم حاله عشق وهُيام، والعاشق الولهان يزوره السهاد ويطيب له السهر لمناجاة الحبيب فيحلو الكلام. هذا ما يعيشه الفنان ليلاً، فعطاؤه يتحول إبداعاً في سكون الليل حيث الكل نيام إلّا هو ومعشوقته الريشة، التي تتحرر من خجلها وتنساب رقيقه حرّة وتتمايل بخفّة بين أنامل الفنان فيطلع الفجر ويولد عمل فني جميل بعد ليله عشق.

-هل يحضر الحب في لوحتك، ولماذا؟
الحب هو بوصلتنا، ومن دونه نضيّع الاتجاه ونخرج عن المسار. هو إكسير الحياة، لذا تراني على الدوام امرأة عاشقة... وتلقائياً يكون الحب حاضراً في كل أعمالي الفنيه وكتاباتي.

-هل ترسمين الطبيعة، ولماذا؟
الطبيعة هي الأم، ورمز الجمال وعنوان عريض للعِبر والأمثال، وهي الدرس الأول للفنان حيث بدأ بنقل المناظر الطبيعيه والمشاهد البيئيه قبل أن تظهر الأساليب والمدارس الفنية الحديثة. على كل تشكيلي أن تكون لديه محطة فنية تحمل هذا العنوان، وأن يتمرّس ولو لبعض الوقت برسم الطبيعه لما فيها من تفاصيل قد تدعم مسيرته الفنية وتزيدها غنىً قبل أن ينتقل الى الأساليب الفنية الأخرى.
نقل الواقع والمحيط والبيئة كان ولا يزال له دور في أعمالي الفنية، فنحن أبناء الطبيعة التي لها حق على كل فنان تشكيلي. كما أن رسم الطبيعة يمنح الفنان راحة نفسية ويزوّده بخبرة فنية ويجعله قادراً على نقل المشهد بحذافيره، ذلك لما تتضنه من عناصر جمالية خلابة وألوان زاهية، وهذا ما تتميز به طبيعة لبنان تحديداً، لذا نجد التشكيلي اللبناني يبرع في هذا المجال لتعايشه مع واقع الطبيعه الجميل.

-كيف يحضر الإنسان في لوحاتك؟
الإنسان أساس في لوحتي كوني لا أرسم التجريدي أو الخطوط المبهمة، كما أنني لم أدخل نطاق الحروفيات وأي شيء آخر له صلة مباشرة أو غير مباشرة بالإنسان، ومعارضي الفنية الخاصة كانت تحاكي الإنسان وعاداته وتقاليده وكأنها تأريخ لحقبة زمنية مضت ولا نريد أن يدركها غبار النسيان. لعبت لوحاتي دور الحكواتي، وكان كل عمل يحكي قصة جميلة غابت عن أذهان الناس فأحييتها بأسلوب الطفولة البريئة وبمسطحات لونية خام لا تخضع لتدرّج الألوان ولا لظل أو نور. فالرسم الواقعي تكون رسالته واضحة هادفة بأسلوب مرن يحاكي المتلقي وواقع حاله الذي يتلخّص بالإنسان ومشاعره ومعاناته ومشاكله.

-هل ترسمين نفسك، لماذا؟
كل أعمالي تعكس ذاتي في مكان ما، وطالما أنني أرسم لمجرد الرسم والتعبير ولأشعر بالراحة والحب. إذاً، أنا أسكن لوحاتي، ولوحاتي تشبهني، ولكن عندما أرسم بهدف التجارة أو الكسب المادي، بالطبع أكون قد تركت روحي خارج عتبة لوحتي. لوحاتي هي ملاعب طفولتي ومسارح مراهقتي وشبابي ودروب نضوجي، ولي بصمتي الخاصه وروحي في كل عمل فني أُنجزه.